3 عالم الذرة محمد النشائي المرشح لنوبل "البرنامج النووي المصري تأخر"
حوار محمد أبو زيد ومحمود الزاهى
قال عنه وزير التعليم الصيني: إنه أهم شخصية في القرن الواحد والعشرين، وقال عنه الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء العام الماضي: «إن الجائزة أخطأت طريقها، وكان يجب أن تذهب إلي شخص آخر هو الدكتور محمد النشائي، العالم المصري الذي رفض كل الإغراءات من أجل أن يظل جواز سفره المصري في جيبه، وعلي الرغم من أنه تجاوز الرابعة والستين من عمره إلا أنك لا تصدق أنه قد بلغ الأربعين، فكله شباب وحيوية».
استقبلنا بتواضع العلماء في شقته الأنيقة علي نيل القاهرة، وقدمت لنا زوجته أستاذة الجامعة والعالمة الكبيرة، الشاي والحلوي بتواضع جم.
وعلي الرغم من أنه أراد في بداية الحوار أن يؤكد أنه ليس زعيماً سياسياً ولا عدواً لنظام، ولا يقف في خندق المعارضة، فإنه بشجاعة العلماء استطاع أن يدخل إلي أماكن حساسة وقضايا ساخنة، ومع أنه يستعمل حكمة تقول: «إنه سياسي ولكن سياسته هي ألا يتحدث في السياسة»، إلا أن السياسة سيطرت علي الحوار بكامله.
.. سمعنا أن العالم الذي فاز بجائزة نوبل في الفيزياء العام الماضي، صرح بأن الجائزة أخطأت طريقها، وكانت يجب أن تذهب إلي الدكتور محمد النشائي؟
- الحقيقة يصعب علي الكلام عن جائزة نوبل، لأنني منذ سنوات وأنا مرشح لهذه الجائزة، وقد رشحني من قبل أستاذي البروفسور إيليا بريفيجن، وهو حائز علي جائزة نوبل، وكانت له سيطرة وقوة كبيرة في المحيط العلمي، وعلي الرغم من أنه يهودي، فإنه كان يحبني جداً، علي الرغم من أنني مسلم وملتزم،
وكانت عنده رغبة شديدة في أن يراني في أعلي المناصب، وأن أكون خليفة له، ورشحني أكثر من مرة لجائزة نوبل، ولكن يصعب علي ولا يحق لي أن أتحدث عن جائزة نوبل، لأنه يعود علي بالضرر، لأن هذا الأمر يتم في سرية كبيرة ولا يعرفها سوي أعضاء لجنة الجائزة،
وهناك من انتظر الحصول علي جائزة نوبل عشرين عاماً، ومنهم أستاذي في ألمانيا الذي حصل عليها بعد عشرين عاماً من مناقشته رسالة الدكتوراة، والدكتور النادي، وهو أستاذ كبير وعالم ذرة كبير وكان رئيس قسم الطبيعة في جامعة القاهرة، وسئل مرة عن رأيه في جائزة نوبل، فقال: «هي جائزة متميزة تعطي لعدد كبير من الأسباب، بعضها علمي»، ونحن نعرف ما كتبه العقاد عن جائزة نوبل وأهدافها الحقيقية، وأنا لا أعني بذلك أنني ضد الجائزة أو أهاجمها، ولكن فقط أذكر الحقائق، ولكن أنا لم أكن موجوداً حينما قال العالم الفائز بجائزة نوبل العام الماضي هذا القول،
ولا أدري إذا كان قد قاله أم لا، ولكن الشيء الذي أستطيع أن أتحدث عنه بكل ثقة، لأنه خرج عنه كتاب، والكتاب موجود هو «جائزة نوبل هذا العام»، أن الجائزة هذا العام منحت لما يسمي بتجربة «Cope»، وهي تجربة كانت تهدف لقياس درجة حرارة الكون، شارك فيها ٢٠٠٠ أو ٣٠٠٠ عالم، ولذلك قام عدد من العلماء بجمع أبحاثي ونشروها في كتاب سموه «ما بعد جائزة نوبل ٢٠٠٦»،
وقالوا في هذا الكتاب: إن أبحاث الدكتور النشائي كانت تستحق الفوز بجائزة نوبل لعام ٢٠٠٦، وأن ما حدث خطأ كبير، يجب أن نتلافاه في المستقبل، وعلي الأقل كان من الواجب أن يتقاسم الدكتور النشائي جائزة نوبل الأخيرة.
وأنا عملي أساساً هو تطبيق نظرية حديثة، اسمها نظرية «التشويش علي طبيعة الجزئيات»، فيما يسمي الطاقات العليا، وأنا لا يشغلني أمر الحصول علي نوبل، فإذا لم أحصل عليها فهذا قدري، فأنا أستمتع بالعلم، ولا أشتغل به من أجل جائزة نوبل، وأنا لن أنهار إذا لم أحصل علي نوبل، لأن هناك من هم أفضل مني بكثير، ولم يحصلوا عليها.
.. قد نفهم من كلامك ما يتسق مع آراء الكثيرين من أن جائزة نوبل قد تخضع لاعتبارات سياسية؟
- هناك كثيرون يقولون ذلك وأنا لا أملك سوي أن أقول «لا تعليق».
.. هناك من يري أن استكمال البرنامج النووي المصري في هذا التوقيت بالذات له أهداف دعائية للنظام أكثر منها أهداف قومية.. فما رأيك؟
- مناقشة ما حدث للبرنامج النووي المصري له صلة بعلم التاريخ، ومناقشة ما سيحدث له علاقة بعلم الواقع والطبيعة، ولسنا في صدد الحديث عما حدث، فلا يجب أن نبكي علي اللبن المسكوب، وأنا رأيي الشخصي أنني لا أري أن الأمر به مؤامرة، فإذا لم نفعل قالوا كذا، وإذا فعلنا قالوا كذا، وأنا لا أجامل أحداً إذا قلت إنني أحيي القيادة الشابة، التي أخذت قراراً باستكمال البرنامج النووي المصري، وأعتقد أنها خطوة إيجابية في كل الحالات.
.. ولكن هناك من يري أن النظام المصري لم يقدم علي هذه الخطوة إلا بعد أن أخذ الضوء الأخضر من أمريكا.. فما تعليقك؟
- أنا لا أعلم لأن هذه أسئلة سياسية، لا يستطيع أن يجيب عنها سوي من يعلم خبايا الأمور، وقد تكون الإدارة الأمريكية قد رأت أنه ليس من العدل أنتمتلك دولة كل شيء ولا تمتلك الدول الأخري أي شيء.
.. إذا كان الأمر كما تفسره.. فلماذا تصر أمريكا علي مصادرة حق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية في حين أنها قد توافق لمصر؟
- نريد أن نتفق علي أن المسألة ليست تكنولوجيا سلمية أو تكنولوجيا غير سلمية، فالخط الذي يفصل بين امتلاك برنامج نووي سلمي وآخر غير سلمي هو خط وهمي، لأن الذي يمتلك هذا يستطيع أن يمتلك ذلك في غضون أسابيع أو عدة أشهر علي أقصي تقدير، ولكن قد تري أمريكا أن إيران ليست موضع ثقة، ولذلك لا يجب أن تمتلك تكنولوجيا نووية حتي ولو كانت للأغراض السلمية، وهذه هي وجهة النظر الأمريكية.
.. إذا كان هذا هو الموقف الأمريكي.. فهل تري أن هناك مبرراً من تخوف بعض الدول العربية من البرنامج النووي الإيراني؟
- هذا سؤال عويص، إجابته لا تعتمد علي الرؤية العلمية، ولكن تعتمد علي الرؤية السياسية، وأنا لا أتصور أن تقوم دولة إسلامية باستخدام أسلحة العذاب «الأسلحة النووية» ضد دولة عربية أو إسلامية أخري، فالمسلم يخاف الله والمسلمون يلتزمون بآداب الحرب، وهناك دول عديدة تستخدم أسلحة محرمة دولياً، ثم تتهم الدول التي لا تستخدمها باستخدامها، وأنا بشكل قاطع ضد جميع أنواع الأسلحة النووية، وأؤيد حتي آخر قطرة من دمي مبادرة الرئيس مبارك بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، أما بالنسبة لإيران فلديها حضارة عظيمة وتاريخ عريق بعكس أمريكا، التي لا يزيد تاريخها علي ٢٥٠ سنة، وأمريكا لو احترمت حضارات هذه الدول لاحترمتها هذه الدول، وأنا أعتقد أن ما تقوم به أمريكا الآن في العراق لا يمت للاحترام بصلة.
.. وما رأيك في امتلاك إسرائيل - وفقاً لبعض التقديرات - ما يزيد علي ٣٠٠ قنبلة نووية في حين أنه لا توجد دولة عربية واحدة لا تمتلك هذا السلاح بما فيها مصر؟
- هذا هو الواجب الأساسي لهيئة الطاقة الذرية، ويجب أن يكون العمل الأساسي للرجل الذي يرأس هذه الهيئة وهو الدكتور محمد البرادعي، ولابد لهذه الهيئة أن تجبر إسرائيل علي الجلوس علي مائدة المفاوضات للكشف عن برنامجها النووي، ولكن بدون شك أن اختيارنا للسلام كخيار استراتيجي هو اختيار صحيح، علي الرغم من أن الوضع الحالي بالنسبة لامتلاك إسرائيل السلاح النووي هو وضع غير عادل، ووضع ظالم وإذا قبلناه هذا العام فلن نقبله العام المقبل، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر للأبد، وعندما يكون السلاح الذري أو النووي موجوداً عند دولتين، فإنه من المستحيل أن تستخدمه أي دولة منهما، وبالتالي يصبح سلاحاً للتهديد فقط، وأنا أري أنه لا توجد دولة لديها دين أو إيمان سواء كانت دولة مسيحية أو إسلامية، يمكن أن تقدم علي استخدام هذا السلاح القذر.
.. إذا تمت دعوتك للمشاركة في البرنامج النووي الإيراني.. فماذا سيكون موقفك؟ وعلي الجانب الآخر إذا دعيت لإلقاء محاضرة في جامعة إسرائيلية.. فهل ستذهب؟
- الإجابة علي هذا السؤال قد تضر بي، ولكنني سأجيب عنه، أولاً وبكل صراحة، لقد تلقيت عدة دعوات من إيران، ولكنني فكرت مراراً وتكراراً في هذا الأمر، ثم رفضته لأنني أرفض أن أشارك في أي برنامج نووي دون أن تسمح لي السلطات المصرية، وأحب أن أؤكد أن علماء الذرة الإيرانيين يحبونني ويكنون لي كل احترام، علي الرغم من أنهم يعلمون جيداً أنني مسلم سني وأنني مصري إلي النخاع، وأني اعترض علي الكثير من المقولات التي يرددها القادة الإيرانيون، ومنها مسح إسرائيل من علي الخريطة، وذلك لأنني لا أحب مسح الناس من علي الخرائط، أو قتل الناس جماعة، سواء كانوا مسيحيين أو يهود أو مسلمين أو حتي كفرة، فهذا أمر لا أحبه، وإنسانيتي كمسلم ترفضه، وأعتقد أن مقولة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بمسح إسرائيل من علي الخريطة، قد تم تحريفها من قبل الإعلام الغربي، وأعتقد أنه قال: «نمسح إسرائيل الدولة العنصرية، ونحل بعدها دولة أخري غير عنصرية، ولكن كان عليه أن يكون من الذكاء ليعرف أن كلماته ستحرف، ومحو أي كيان عنصري شيء إيجابي، فالعالم محي جنوب أفريقيا العنصرية وجاء مكانه كيان متسامح رأسه واحد من أعظم رؤساء العالم «نيلسون مانديلا»، الذي لم يكن قلبه أي حقد تجاه البيض، علي الرغم من أنهم حبسوه ٣٠ سنة.
.. مع تمسك إسرائيل بامتلاك السلاح النووي، أليس من حق مصر امتلاك برنامج نووي عسكري ولو علي سبيل توازن القوي؟
- نحن نعيش في عالم لا يعترف إلا بالقوة، والحق يحتاج إلي قوة تحميه، والإنجليز يقولون «القوة هي الحق»، وإذا كان لدي اعتراض فلا أستطيع أن أتقدم بطلب للنائب العام، أطلب منه إدانة أمريكا وإسرائيل، وهما اللذان يحكمان العالم. كيف أستطيع أن أترجم الحق إلي حقيقة؟ ولو حدث ذلك سيصفق لك الجميع وسوف يقف معك ٣٠% من الشعب الأمريكي نفسه وبالأخص كل المثقفين والكثير من اليهود الأمريكيين من فئة العلماء، ولكن في النهاية إذا أردت أن تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً فلن تحصل علي شيء سوي العقوبات وسوف يقولون عنك إنك مشاغب فهم مثل الذئب الذي يقف فوق الشجرة ويقول إن الغنمة هي التي تعكر عليه الماء.
.. وماذا عن إمكانية أن يكون لدي مصر برنامج نووي عسكري أو أن تمتلك السلاح النووي والذري؟
- كل بلاد العالم حالياً تستطيع في ظروف بسيطة جداً أن تمتلك برنامجاً نووياً عسكرياً، ليس رأيي ولكن رأيهم هم، فمنذ سنوات طويلة ونحن نقرأ ونسمع أفلاماً أمريكية تتحدث عن عصابات إرهابية، وذلك قبل أن يظهر «بن لادن» علي الساحة تحاول الحصول علي قنبلة ذرية، وأتذكر فيلماً لجورج كلوني من إنتاج هوليوود يتحدث عن مجموعة من الشيشان تستولي علي قنبلة نووية وتريد تفجيرها في نيويورك لأن واشنطن لا تساند الشيشان وبالتالي لا توجد دولة لا تستطيع تصنيع القنبلة الذرية وإذا كانت أمريكا خائفة من أن تقع القنبلة الذرية في يد عشرة أو عشرين شخصاً ممن تسميهم بالإرهابيين فما بالنا بالدول. وشارل ديجول نفسه قال: «أي دولة لا تملك السلاح الذري لا يمكن أن تعتبر نفسها دولة مستقلة» وهذا رأي ديجول وليس رأيي، الآن هناك آلاف من القنابل الذرية وعشرات الدول النووية وعندنا اتحاد سوفييتي مفكك وأعضاء جيشه كانوا يبيعون ما لديهم من أسلحة بما فيها الأسلحة الذرية مقابل الطعام وعندنا مفاعلات نووية النفايات الخاصة بها تنفع لإنتاج القنبلة الذرية وهناك فوضي كبيرة والسر الوحيد في القنبلة الذرية التي حاولت الدول الكبري إخفاءه طول الفترة الماضية هو أنه لا يوجد سر.
فعملية صناعة قنبلة ذرية أصبحت أمراً في منتهي التفاهة. والصعوبة أن تنتج «ميني نووي» أو قنابل نووية موجهة، أو رأساً نووياً مداه ٥ آلاف كيلو ينفصل إلي خمسة أو ستة رؤوس عند إنطلاقه فلا تعرف لأي الرؤوس تتصدي أما القنابل الذرية البدائية مثل القنبلة التي أطلقت علي هيروشيما ونجازاكي فأي دولة تصر علي أن تصنعها تستطيع أن تصنعها وعندها ستحل الفوضي لذلك أنا أحيي مبادرة الرئيس مبارك لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل لأن أي دولة تستطيع أن تملك هذا السلاح.
.. نعود إلي البرنامج النووي المصري، كيف تراه وما هو المطلوب لإنجاحه من وجهة نظرك؟
- أنا أحيي جمال مبارك لأنه فك عقدة اللسان وأصبح العلماء يتحدثون عن النووي بمنتهي الحرية فأنا مرتاح وراض وسعيد لما تم وإنه كان يجب أن يتم ذلك من عشرين سنة. ولكن لا يمكن أن يقتصر البرنامج النووي علي مجرد الندوات والتصريحات أو حتي استيراد مفاعل نووي، فيجب أن يصاحب ذلك ثورة تعليمية، وأن يعاد إنشاء قسم الهندسة النووية في جامعة الإسكندرية وكان من أخطر الأقسام في الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي كان يوجد قسم للهندسة النووية في جامعة الإسكندرية كانت إسرائيل تسبقنا بأربع أو خمس سنوات علي أقصي تقدير في الأبحاث النووية أما الآن تسبقنا بـ٣٥ سنة. ولكن يمكننا اللحاق بكل دول العالم إذا بذلنا مجهوداً أكبر ولذلك لابد من وجود نهضة شاملة في البحث العلمي ففي الخارج يوجد أستاذ جامعة لكل ١٠ طلاب أما عندنا فيوجد أستاذ لكل عشرين ألف طالب، ويجب أن تغير الصحافة أسلوبها وتتحدث عن العلم بدلاً من الحديث عن غرف النوم، وكذلك التليفزيون أنا قلت علماؤنا في الخارج لأننا لا تزال لدينا عقدة الخواجة، والناس هنا ممتازون لكن لم يحصلوا علي الفرصة وإذا أعطيناها لهم سوف يفعلون العجب، وللعلم كل مشاكلنا الحالية وكل «الهيافة» التي نراها في وسائل الإعلام مصدرها عدم وجود هدف قومي ثابت.. يلتف الجميع حوله.
.. هناك مخاوف من استمرار اعتماد مصر علي أسلوب «تسليم المفتاح» الذي اعتمدت عليه في السابق فما رأيك؟
- نظام تسليم المفتاح يعني أننا في النهاية نشتري شيئاً جاهزاً والمشاركة في البناء أفضل طبعاً لكن هنا تكون المسؤولية مشتركة، أما النظام الأول «tearnkey»، سواء سميناه تسليم مفتاح أو غيره فهو يعني أنك تريد أن تريح عقلك فأنت لا تستطيع تصنيع هذا المفاعل بنفسك بعد ذلك ولو نظرياً، ولا تملك الفريق القادر علي إصلاحه ١٠٠% إذا تعطل، ولا تستطيع توفير الوقود له بل لا تستطيع التخلص من نفاياته وبالتالي تقوم الشركات بكل ذلك أي أنك بنيت المفاعل لكنك لم تضف جديداً ولم تفعل أكثر من كونك اشتريت سيارة مرسيدس، وإذا كان عدم وجود السيارة مصيبة فالأمل أن نقوم نحن بتصنيعها بأنفسنا حتي إذا منعنا من الاستيراد، كان هناك البديل.
.. وما الذي يمكن أن تساهم به في البرنامج النووي السلمي المصري؟
- أنا عندي ٦٤ سنة، وكل أملي أن أخدم مصر بعد أن خدمت كل دول العالم، والحمد لله صحتي جيدة وفي السنوات الباقية لي أريد أن أنقل خبرتي للشباب، أنا أستطيع أن أكون كالعامل المساعد في الكمياء وهو العامل الذي لا يشترك في التفاعل ولكن بدونه لا يبدأ التفاعل، أريد أن أعلم الشباب أنه إذا كانوا يعتقدون أن النشائي لا يتكرر إلا كل عشرة آلاف عام فهذا بالتأكيد غير صحيح، وأنهم جميعاً مثل النشائي وأفضل منه، وعندها ستنتهي عقدة الخواجة لدينا، فأهم شيء في الدنيا هو الثقة بالنفس.
.. هل تري أن إعادة التفكير في إنشاء محطات نووية تحتم علينا العودة لإرسال البعثات العلمية للخارج؟
- دعنا ننظر إلي ألمانيا وهي أعظم دولة علمية في التاريخ المعاصر، عندما دخلت الحرب وكل الحكاية فقدت عشر سنوات أو علي وجه الدقة ١٢ سنة هي عمر الحرب، ألمانيا هذه عندما أرادت أن تعيد بناءها كانت جميع رسائل الدكتوراة التي حصل عليها الألمان في هذه الفترة من الجامعات الأمريكية لأنهم رأوا أن السنوات العشر تأخراً خربت الجامعات الألمانية، انظر، عشر سنوات فقط حتمت علي الألمان إرسال البعثات فما بالك بنا نحن، وفي السابق تم إرسال البعثات المصرية إلي العديد من الجامعات منها مؤسسة كورشاتوف وإذا كنا نعترف أن هناك أبواباً كثيرة أغلقت أمام الدارسين في الخارج حالياً، لكن هناك طرقاً متعددة للحصول علي المعلومات، ويكفي أن أقول إنه حتي قبل خمس سنوات من الآن كانت جميع الأسرار الخاصة بالطاقة الذرية موجودة علي الإنترنت بالإنجليزية، وهو ما جعل كثيرين غير قادرين علي قرائتها وتعليم أنفسهم، وكان السبب في نشرها نظرة مجموعة من العلماء الأمريكان إلي هيمنة الولايات المتحدة وحدها علي هذه المعلومات علي أنها تسمح بنوع من الاستعمار، وهؤلاء العلماء كانوا أحراراً بما فيه الكفاية لإفشاء هذه الأسرار رغم كونهم أمريكان لخلق نوع من التوازن، وإذا لم تكن هناك أمريكا «إيه يعني» فبعد ٢٠ سنة الصين ستكون أفضل من أمريكا، فلماذا لا نعقد صداقات معها من الآن، وأنا شخصياً أستاذ هناك ومستعد للمساعدة، وإذا لم نستطع ذلك فالهند موجودة وبعد ٤٠ سنة ستصبح أفضل من أمريكا، هاتان الدولتان استخدمتا نقطة ضعفهما وهو عدد السكان لتصبحا دولتان عظميان، ونحن يمكن أن نخلق من «المصيبة السكانية» التي يتحدثون عنها عامل قوة، لأن عدد السكان عندما يصحبه تقدم يصبح عامل قوة.
.. ماذا عن وضع البحث العلمي والتعليم العالي لدينا؟
- البحث العلمي غير موجود لدينا، وهذا ليس خطأ العلماء أو الدولة، وإنما عدم وجود الشجاعة الأدبية في أن يطلع العالم الشخص المسؤول علي حقيقة الوضع، وهذا هو سبب الكارثة، فالمعلومات التي تصل القيادة السياسية معلومات منمقة هذا من ناحية، والأمر الآخر هو اعتمادنا علي الحلول قصيرة الأمد في البحث العلمي، وشيوع مقولة «تعدي السنة دي بسلامة وبعدين نشوف» ، نحن لا نقدم حلولاً وهذه هي إشكالية البحث العلمي لدينا، ويكفي أن نقول إن السعودية تقدمت علينا علمياً، صحيح أنها تمتلك الموارد المالية، لكن مصر أيضاً تمتلك الموارد المالية، ويبدو أن الموارد المالية ليست هي العقبة الرئيسية، بدليل أن الهند وهي دولة أفقر من مصر تقدمت علمياً عنا بكثير.
.. إذن من المسؤول عن ذلك إذا لم تكن الدولة أو العلماء؟
- المعني في بطن الشاعر كما يقولون، أما عن التعليم العالي فهو في أسوأ عهوده، وبالتأكيد لم يكن التعليم العالي في يوم ما أسوأ مما هو عليه الآن، والقول إننا تقدمنا عما كنا عليه أمس هو تقدم وهمي، نحن لدينا اهتمام بالكم علي حساب الكيف، أو كما يقولون «العدد في الليمون»، نحتاج للاهتمام بالنوعية، وهذه المشاكل كلها قابلة للحل، لكن لا أريد التدخل فيها لأن هناك مسؤولين عنها.
.. لكن الأمانة العلمية تقتضي أن تطرح رؤيتك للحل؟
- لا يمكن في أي دولة أن تكون كل الجامعات متميزة، أمريكا بها نحو خمسة آلاف جامعة، المتميز منها نحو ٣٠ جامعة، بينها خمس علي القمة وهي ما تسمي بالجامعات IFREE، وفي الهند تم تجميع النخبة من الطلاب في سنتر متميز لتعليمهم، والفكرة هنا أننا لابد أن نأخذ النخبة والتي تضم أعظم المواهب لدينا ونوفر لهم كل وسائل الحياة التي تؤهلهم للعمل في هدوء، فإذا كان والد أحدهم مريضاً عالجناه، وإذا كانت عائلته فقيرة ساعدناها لأنها جزء منه والراحة النفسية والأمان ضروريان للعمل.
وإذا جمعنا أحسن الطلبة لدينا دون أن نطلب منهم أي مصروفات بغض النظر عن غني أهله أو فقرهم، وإنما علينا أن نوفر لهم كل شيء للعمل والإبداع وللعلم، أنا قدمت هذا الاقتراح لوزارة البحث العلمي، وهو موجود في أحد أدراجها، وهذا الكلام ليس جديداً، بل إن المماليك أنفسهم فعلوا ذلك، نابليون نفسه فعل ذلك عندما أراد خلق مجموعة متميزة من الضباط لخوض حروبه، وهذه هي الطريقة الوحيدة لخلق جيل من العلماء لديهم ولاء للدولة، وهي حكاية واضحة ومعروفة لكن تطبق لدينا تطبيقات جنونية، بأن نجعل من العلم والجامعات وسيلة للاسترزاق، فالاسترزاق لا يكون من الطلبة، وإنما في النهاية يمكن أن نستفيد من عمل هؤلاء في المصانع وغيرها باعتبارهم علماء، أما أن أتربح من مراحل التعليم، فأنا هنا «خربت الدنيا» لأن العبقري الفقير سوف يجلس في البيت، يعني يموت ويضيع علينا مكسباً كبيراً.
.. يري البعض أن الاعتماد علي الولايات المتحدة بمفردها خطأ استراتيجي، خاصة إذا كانت روسيا والصين ترغبان في المساعدة؟
- لدي شك دائم في المسائل المبسطة إلي هذه الدرجة، لو أن هناك خطأ استراتيجياً كانت القيادة أدركته، ولم أسمع أن هناك اعتماداً علي الولايات المتحدة، وحسب فهمي إننا سوف نشتري المفاعل من روسيا، وأهم شيء لدينا هو أن تكون هناك ثورة علمية وتعليمية، وهذا الكلام قلته منذ أول يوم بدأت فيه الزيارات المكثفة لمصر قبل ٦ سنوات، فبعد أن سمعني المسؤولون أتحدث في أحد برامج الراديو عن حلمي بزيارة مصر، طلبوا مني المجيء إلي مصر وحققت حلمي ورأيت المفاعل الأرجنتيني، لكن وجدته حاجة سيئة جداً في الحقيقة لدرجة أن مفاعل «أنشاص» الذي حصلنا عليه من السوفيت في الخمسينيات أفضل منه، فالأرجنتين دولة درجة ثالثة في المفاعلات النووية، حتي بالنسبة لنا نحن في مصر، ولك أن تعرف أنني ذات مرة كنت أحاضر في جامعة المنصورة وطلب مني الطلاب معرفة كيفية تصنيع القنبلة الذرية؟ وما أن بدأت أشرح لهم مبادئ موجودة في كتاب المطالعة الذي تدرسه ابنتي في كلية الهندسة، حتي رجاني رئيس الجامعة وهو صديق عزيز بالتوقف خوفاً من الإضرار به رغم أن ما قلته كلام فارغ.
.. هل زرت منطقة الضبعة، خاصة في ظل كثرة الحديث حولها؟
- لا.. ولا أعرف طريقها أو في أي منطقة تقع، وبشكل عام أنا معلوماتي في صميم الهندسة النووية وليست في اختيار المكان الجغرافي، هناك متخصصون فيها، ووفقاً لمعلوماتي العامة، إذا كنا نريد إنشاء محطة نووية في دولة صحراوية مثلنا، يستحسن أن تكون إلي جوارها محطة تحلية مياه، لأن ذلك يوفر علينا الكثير، وهذا الكلام يناقشه أهل الخبرة، والمهم أن مبادرة جمال مبارك خطوة علي الطريق، وإذا سألتني هل تكفي؟ فالإجابة لا تكفي، وإنما لابد أن تستمر وأن تحقق المغزي الحقيقي منها، وهو دخول مصر للعصر النووي، وأن تتم إعادة بناء قسم الهندسة النووية في الإسكندرية، وأن يكون لها قسم في كل الجامعات المصرية، وأن يتم بعث علماء لدراسة هذا التخصص في جميع دول العالم التي تسمح لنا بذلك.
.. هل أنت مع بقاء تبعية هيئة الطاقة لوزارة الكهرباء، أم مع عودتها لرئيس الجمهورية كما كانت في السابق؟
- بداية وزاة البحث العلمي لابد أن تتبع رئيس الجمهورية، وهذا هو الحل الوحيد لأي دولة متأخرة حتي تكون هناك عناية بوزارة لا تهم رجل الشارع، لكن تأثيرها هناك يظهر بعد ٢٠ سنة، لأنها هي المشغولة بالمستقبل ويجب ألا تؤكل في وسط الوزارات التي تهم رجل الشارع، وأن تتخلص وزارة البحث العلمي من مقولة «بس خلينا نقضي العامين اللي أنا فيهم وزير وبعدين يحلها ربنا»، وفي الغرب تكون تبعية أي شيء للرئيس وفقاً لخطورة الموضوع، وفي رأيي أن إحياء مشروع الطاقة النووية يحتم علينا أن تكون هيئة الطاقة النووية تابعة للرئيس وفي النهاية من له الحق في قول ذلك هو الحكومة.
نقلاً عن المصري اليوم
و الكلام ده من الموقع ده
http://www.arabprof.com/vb/showthread.php?t=13196