ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - الفراسة..
الموضوع: الفراسة..
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-06-2008, 04:00
الصورة الرمزية احساس
احساس
غير متواجد
فيزيائي قدير
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,232
افتراضي رد: الفراسة..

هذه الفراسة تتكون للعبد بحسب قربه من الله،
فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه،
وكان تلقيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء له من النور بقدر قربه، فرأى في ذلك ما لم يره البعيد المحجوب

. دخل قوم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعمر في مقدمة الصحابة ممن عرف بالفراسة -رضي الله عنه- وسيأتي معنا شيء من أخباره بعد قليل،

قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس مُحدّثون فإن يك في أمتي فإنه عمر)).

دخل قوم من مَذحِج على الفاروق عمر فيهم الأشتر النخعي، فصعّد فيه عمر النظر وصوّبه، وقال: "أيهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله،

إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً".

فكان كما تفرس -رضي الله عنه- فكان منه في الفتنة ما كان.

ودخل رجل على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها، فقال له عثمان: "يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه؟!

فقلت: أوحيٌ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة..

قال أبو شجاع الكرماني: "مَن عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وكف نفسه عن الشهوات، وغض بصره عن المحارم، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".

وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ثم قال بعد ذلك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}

وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة وقال تعالى عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النــور].

قال ابن القيم -رحمه الله- معقباً على كلام الكرماني: "وسر هذا أن الجزاء من جنس العمل

فمن غض بصره عما حرم الله -عز وجل- عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه،

فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى،

وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه،

وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون" انتهى.

والفرق بين الفراسة والظن: أن الظن يخطئ ويصيب وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته، ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أن بعضه إثم.

وأما الفراسة فأثنى على أهلها ومدحهم في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: "أي للمتفرسين" وقال تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} [(273) سورة البقرة]،

وقال تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [(30) سورة محمد]،

فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنـزه من الأدناس وقرب من الله فهو ينظر بنور الله الذي جعله في قلبه
رد مع اقتباس