ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه -عز وجل- أنه قال: ((ما تقرب إلى عبدي بمثل ما افترضت عليه
ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)).
فأخبر سبحانه أن تقرب عبده منه يفيده محبته له فإذا أحبه قرب من سمعه وبصره ويده ورجله، ف
سمع به وأبصر به وبطش به ومشى به، فصار قلبه كالمرآة الصافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد تخطئ له فراسة
فإن العبد إذا أبصر بالله أبصر الأمر على ما هو عليه،
فإذا سمع بالله سمعه على ما هو عليه وليس هذا من علم الغيب بل علام الغيوب
قذف الحق في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس التي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه،
وإذا غلب على القلب النور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النور.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مقدمة المتفرسين
روى الحاكم في المستدرك وغيره عن عمرو بن عبسة السُلمي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض الخيل وعنده عيينة
بن بدر الفزاري فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا أعلم بالخيل منك. فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فمن خير الرجال؟ قال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ورماحهم على مناسج خيولهم من رجال نجد،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذبت بل خير الرجال رجال اليمن،
والإيمان يمان إلى لخمٍ وجُذام، ومأكول حمير خير من أكلها، وحضرموت خير من بني الحارث،
والله ما أبالي لو هلك الحارثان جميعاً، لعن الله الملوك الأربعة، جَمَداً، ومَخُوساً، وأبضَعة، وأختهم العَمَرَّدة،
ثم قال: أمرني ربي أن ألعن قريشاً مرتين فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم فصليت عليهم مرتين مرتين.
ثم قال: لعن الله تميم بن مرة خمساً وبكر بن وائل سبعاً ولعن الله قبيلتين من قبائل بني تميم: مَقاعس وملادس،
ثم قال: عُصية عصت الله ورسوله. ثم قال: أسلم وغفار ومزينة وأحلافهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله يوم القيامة،
ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مَذحِج)).
إننا نعيش في زمن ووقت يحتاج فيه المؤمن أن يكون يقضاً فطناً لديه شيء من الفراسة وإلا لتخطفته الرياح ولعبت به كما لعبت بغيره، والأصل في المؤمن أن يكون ذكياً لا أن يكون مغفلاً ساذجاً، تمرر من بين يديه أمور وأمور وهو لا يدري.
وخلاصة أمر الفراسة أنها تحتاج إلى إيمان وتقوى، فكلما كان العبد أكثر إيماناً كلما فتح الله على قلبه وأعطاه فراسة في الأمور، فصار يرى ما لا يرى غيره. وقد حصل للصحابة وأكابر السلف من هذا الكثير
للشيخ ناصر الأحمد .. من موقعه بتصرف يسير ..