[align=justify][align=center]4- طرق انتقال الحرارة:[/align]
تنتقل الحرارة عادة من الأجسام التي حرارتها أعلى إلى الأجسام التي تكون حراراتها أقل. ويتم الانتقال بطرق ثلاث، هي الإيصال (Conduction)، والحمل (Convection) والإشعاع (Radiation) (30)، وبانتقال الحرارة إلى جسم تقوى فعاليته وترتفع وتـيرة عمله. ومثلما تنتقل الحرارة إلى الأجسام، تنتقل الحرارة إلى الأفعال، فيتعدى اللازم، ويتم ذلك عبر الطرق التالية: وهي "الهمزة وتثقيل الحشو وحرف الجر تتصل ثلاثتها بغير المتعدي فتصيره متعدياً وبالمتعدي إلى مفعول واحد فتصيره ذا مفعولين، نحو قولك: أذهبته وفرحته وخرجت به وأحفرته بئراً، وعلمته القرآن وغصبت عليه الضيعة وتتصل الهمزة بالمتعدي إلى اثنين فتنقله إلى ثلاثة نحو أعلمت " (31).
وبهذا تنتقل حرارة العمل الإعرابي إلى الفعل عبـر طـرق شبيهة بالطرق التي أقرها علم الفيزيـاء. وقد ينتقل العمل الإعرابي إلى الفعل بطـرق تشبه الحمل (Convection) في الفيزياء إلى حد ما. وهذا الانتقال يسمى في العربية "التضمين"، وحقيقته: "إشراب معـنى فعل لفعل ليعامل معاملته. وبعبارة أخرى: هو أن يحمل اللفظ معنى غير الذي يستحقه بغير آلة ظاهرة (32). من شواهده قوله تعالى: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سَفِهَ نَفْسَه"(33)، فإن الفعل "سفه" لازم، وقد تعدى إلى "نفسه" لتضمنه الفعل" أهلك". (34) وتجلى المبدأ الفيزيائي في صفحة النحو العربي عندما استعملوا مصطلح "الحمل" في كثير من قضايا النحو ومسائله. من أمثلته: "حمل الجر على النصب في باب ما لا ينصرف، كما حمل النصب على الجر في باب جمع المؤنت السالم، وفي التثنية والجمع المذكر السالم…(35) ومنه أيضاً حمل الشيء على نظيره" (36)، و"الحمل على أحسن القبيحين"(37).
وتبدو فعالية نقل الحرارة الفيزيائية في العمل الإعرابي واضحة في قضية "مطل الحركات ومطل الحروف"، وبه تتمدد الحروف والحركات كما تتمدد المعادن نتيجة الحرارة. قال ابن جني : "وإذا فعلت العرب ذلك أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها، فتنشئ بعد الفتحة الألف، وبعد الكسرة الياء وبعد الضمة الواو"(38)، وقالوا في مطل الحروف: "والحروف الممطولة هي الحروف اللينة المصوتة. وهـي الألف والياء والواو. اعلم أن هذه الحروف أين وقعت، وكيف وجدت (بعد أن تكون سواكن يتبعن بعضهن غير مدغمات) ففيها امتداد ولين"(39). وفي وصف ظاهرة "المطل" "شبه إلى حد بعيد في وصف الفيزيائـي لتمدد الأجسام الصلبة، يؤديه قول ابن جني: "ففيها امتداد ولين"، واستعمال "امتداد و"لين" صفات فيزيائية، ومصطلحات فيه.[/align]
======================
[align=justify](30) Y . Rocard Thermodynamique
(31) 2 nd edition, P. 303 et P.508, et P. 235.
(32) الزمخشري: المفصل في علم العربية، شرح أبياته السيد محمد بدر الدين النعساني، دار الجيل، بيروت، لا تا، ص257.
(33) أبو البقاء الكفوي: الكليات، قابله على نسخة خطية وأعده للطبع…د. عدنان درويش وآخرون، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ط2،1982، ق2، ص24.
(34) سورة البقرة، الآية130.
(35) وقيل معنى (سفه) جهل وضيع فتعدى فنصب "نفسه". يراجع، مكي بن أبي طالب القيسي: مشكل إعراب القرآن، تحقيق د. حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2،1405هـ- 1985م، ق1، ص111.
(36) ابن أبي الربيع: البسيط في شرح جمل الزجاجي، تحقيق ودراسة د. عياد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي، بيـروت، ط1، 1407هـ 1986م،السفر 1، ص198-199، 200-211.
(37) من شواهده الجمع "حُدَّاث" في حديث فاطمة "رضي" أنها جاءت إلى النبي (ص) فوجدت عنده حُدَّاثاً، أي جماعة يتحدثون، وهو جمع على غير قياس، حملا على نظيره، نحو سامر وسُمّار؛ فإن السمار المتحدثون". يراجع ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث و الأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، لا تا، ج1 ص350.
(38) يراجع، ابن جني: الخصائص، ج1، ص212.
(39) ينظر، ابن جني: الخصائص، ج3 ص121.[/align]