ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو). .
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 16-12-2008, 00:31
الصورة الرمزية تغريـد
تغريـد
غير متواجد
فيزيائي عبقري
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 873
افتراضي (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو). .

إن القرآن الكريم - وهو المصدر الأساسي للعقيدة الإسلامية التي تنشى ء التصور الإسلامي والعقلية الإسلامية - يقرر أن هناك عالما للغيب وعالما للشهادة .

فليس كل ما يحيط بالإنسان غيبا , وليس كل ما يتعامل معه من قوى الكون مجهولا . .

إن هنالك سننا ثابته لهذا الكون ; يملك "الإنسان" أن يعرف منها القدر اللازم له , حسب طاقته وحسب حاجته ,

للقيام بالخلافة في هذه الأرض .

وقد أودعه الله القدرة على معرفة هذا القدر من السنن الكونية ; وعلى تسخير قوى الكون وفق هذه السنن للنهوض بالخلافة ,

وتعمير الأرض , وترقية الحياة , والانتفاع بأقواتها وأرزاقها وطاقاتها . .

وإلى جانب هذه السنن الثابته - في عمومها - مشيئة الله الطليقة ; لا تقيدها هذه السنن وإن كانت من عملها .

وهناك قدر الله الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها .

فهي ليست آلية بحتة , فالقدر هو المسيطر على كل حركة فيها ; وإن جرت وفق السنة التي أودعها الله إياها.

وهذا القدر الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها "غيب" لا يعلمه أحد علم يقين ;

وأقصى ما يصل إليه الناس هو الظنون و"الاحتمالات" . . وهذا ما يعترف به العلم البشري أيضًا . .


إن العقلية الإسلامية لتجمع بين الاعتقاد بالغيب المكنون الذي لا يعلم مفاتحه إلا الله ;

وبين الاعتقاد بالسنن التي لا تتبدل , والتي تمكن معرفة الجوانب اللازمة منها لحياة الإنسان في الأرض , والتعامل معها على قواعد ثابته . .

فلا يفوت المسلم "العلم" البشري في مجاله , ولا يفوته كذلك إدراك الحقيقة الواقعية ;

وهي أن هنالك غيبا لا يطلع الله عليه أحدا , إلا من شاء , بالقدر الذي يشاء . .

والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها "الفرد" فيتجاوز مرتبة "الحيوان" الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه , إلى مرتبة "الإنسان"

الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدود الذي تدركه الحواس - أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس -

وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله , ولحقيقة وجوده الذاتي , ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود ;

وفي إحساسه بالكون , وما وراء الكون من قدرة وتدبير .

كما أنها بعيدة الآثر في حياته على الأرض .


فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ;

ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه ; ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود ;

وأن وراء الكون . . ظاهرة وخافية . . حقيقة أكبر من الكون , هي التي صدر عنها ,

واستمد من وجودها وجوده . . حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار , ولا تحيط بها العقول . .
رد مع اقتباس