ولكن الذي لا شك فيه - على الرغم من ذلك كله - هو أن (المستقبل لهذا الدين)..
(
فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين؛
ومن حاجة البشرية إلى هذا المنهج
نستمد نحن يقيننا الذي لا يتزعزع،
في أن المستقبل لهذا الدين.
وأن له دوراً في هذه الأرض هو مدعو لأدائه
- أراد أعداؤه أم لم يريدوا -
وأن دوره هذا المرتقب لا تملك عقيدة أخرى
- كما لا يملك منهج آخر-
أن يؤديه. وأن البشرية بجملتها لا تملك كذلك أن تستغني طويلاً عنه
)
ولا حاجة بنا إلى المضي في توكيد هذه الحقيقة على هذا النحو.
فنكتفي في هذا الموضع بعرض عبرة عن الواقع التاريخي للإسلام،
لعلها أنسب العبر في هذا المقام:
بينما كان (سراقة بن مالك) يطارد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصاحبه أبا بكر رضي الله عنه - وهما مهاجران خفية عن أعين قريش ..
وبينما كان سراقة يعثر به فرسه كلما هم أن يتابع الرسول وصاحبه،
طمعاً في جائزة قريش المغرية التي رصدتها لمن يأتيها بمحمد وصاحبه أو يخبر عنهما ..
وبينما هو يهم بالرجوع –وقد عاهد النبي- صلى الله لعيه وسلم- أن يكفيهما من وراءه ..
في هذه اللحظة قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( يا سراقة. كيف بك وسوارى كسرى؟ ) .. يعده سوارى كسرى شاهنشاه الفرس! (ملك الملوك!).
والله وحده يعلم ما هي الخواطر التي دارت في رأس سراقة؛ حول هذا العرض العجيب؛ من ذلك المطارد الوحيد ..
إلا من صاحبه الذي لا يغني شيئاً عنه، والمهاجــر - سرّا ً- معه!
ولكن كالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان عارفاً بالحق الذي معه، معرفته بالباطل الذي عليه الجاهلية في الأرض كلها يومذاك ..
وكان واثقاً من أن هذا الحق لابد أن ينتصر على هذا الباطل.
وأنه لا يمكن أن يوجد (الحق) في صورته هذه، وأن يوجد (الباطل) في صورته هذه، ثم لا يكون ما يكون!
نحن اليوم في مثل هذا الموقف بكل ملابساته، وكل سماته. مع الجاهلية كلها من حولنا ..
فلا يجوز - من ثم - أن ينقصنا اليقين في العاقبة المحتومة. العاقبة التي يشير إليها كل شيء من حولنا.
على الرغم من جميع المظاهر الخادعة التي تحيط بنا!
إن حاجة البشرية اليوم إلى هذا المنهج، ليست بأقل من حاجتها يومذاك ..
وإن وزن هذا المنهج اليوم - بالقياس إلى كل ما لدى البشرية من مناهج - لا يقل عنه يومذاك ..
ومن ثم ينبغي ألا يخالجنا الشك في أن ما وقع مرة في مثل هذه الظروف لابد أن يقع.
ولا يجوز أن يتطرق إلى قلوبنا الشك، بسبب ما نراه من حولنا، من الضربات الوحشية التي تكال لطلائع البعث الإسلامي في كل مكان،
ولا بسبب ما نراه كذلك من ضخامة الأسس التي تقوم عليها الحضارة المادية..
إن الذي يفصل في الأمر ليس هو ضخامة الباطل،
وليس هو قوة الضربات التي تكال للإسلام.
إنما الذي يفصل في الأمر هو قوة الحق، ومدى الصمود للضربات!
إننا لسنا وحدنا
..
إن رصيد الفطرة معنا ..
فطرة الكون وفطرة الإنسان ..
وهو رصيد هائل ضخم ..
أضخم من كل ما يطرأ على الفطرة من
أثقال الحضارة ..
ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة،
فلا بد أن يكتب النصر للفطرة
..
قصر الصراع أم طال.