[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم
تابع : ذوقيات الداعية
د.عبد الرحمن الجرعي
ذوق الزيــارة :
• إذا طرقت على باب أخيك أو صديقك ، أو من تقصده ، فليكن دقك برفق يعرّفه فقط بوجود طارق ، وإياك أن تطرق بابه بعنف كدق الظلمة والزبانية فتروعه وتخل بالأدب (دقت امرأة على الإمام أحمد الباب دقاً فيه عنف _ وكانت تريد أن تسأله عن مسألة من أمور الدين _فخرج وهو يقول " هذا دق الشرَطْ"-جمع شرطي- والصحابة كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر (11).
• ولا يسيء الظن بأخيه إن طرق عليه ثلاثاً فلم يخرج ، فلعله في وضع لايتمكن معه من الخروج ، وللإنسان في بيته أحوال خاصة لايحسن كثرة التمحل بالسؤال عنها (قال رجل فضولي- لصبي أرسلته أمه بطبق مغطى - " ما الذي في الطبق يا صبي ، فقال الصبي " يا أحمق : فلم غطته أمي ").
• إذا زرت أخا لك دون موعد أو على موعد فاعتذر ، فاعذره فإنه أدرى بحاله ،وقد قال الإمام مالك "ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره" وكان من أدب السلف إذا زار بعضهم بعضا يقول الزائر للمزور " لعله بدا لك مانع" تمهيدا لبسط العذر من المزور فيما لو اعتذر.قال تعالى ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم )(12)سواء كان القول بالرجوع تصريحا أو تلميحاً.
• لا تنظر داخل البيت المزور ولـتأخذ يمنة أويسرة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أتى باب قوم لم يستقبله من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر "رواه أبو داود ، وفي الأدب المفرد قال صلى الله عليه وسلم " لايحل لامرىء أن ينظر في جوف بيت حتى يستأذن ، فإن فعل فقد دخل" أي صار في حكم من دخل بلا استئذان وهو محرم عليه.
• ويجلس حيث يجلسه صاحب الدار حتى وإن كان أحد تلاميذه ، فإن الرجل أدرى ببيته وبما يصلح لضيفه. يقال: "دخل خارجة بن زيد على ابن سيرين زائراً له فوجد ابن سيرين جالسا على الأرض إلى وسادة فأراد أن يجلس معه وقال: قد رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك ، فقال ابن سيرين : إني لا أرضى لك في بيتي بما أرضى به لنفسي ، فاجلس حيث تؤمر ".
• استعمال الهاتف لايكون إلا بإذن صاحب الدار فلعل من النساء من تكون شاغلة لخط الهاتف ، ولاتأخذ الهاتف وتضرب الرقم فإذا أطل عليك صاحب البيت قلت له : عن إذنك فهذا ليس استئذانا.
• و لا تفتح مغلقا ليس لك من درج أو باب ونحوه فإن هذا من الذوق النابي ، واعلم أن طول المكث في الزيارة غير صحيح بل تكون الزيارة خفيفة وبقدر الحاجة خشية الإثقال، وربما كان لدى صاحب البيت مواعيد مهمة عقل الحياء لسانه أن يبوح بها.
ذوق المخالطة:
مما يحسن التنبيه له في هذا المقام مجموعة من الأمور ومنها : تجنب العطاس بصوت مرتفع فإنه مما يفزع الجليس ويقزز نفسه ،وكذا التثاؤب بصوت مرتفع ، وإياك ومسارقة النظر إلى أوراق الآخرين المجاورين لك في مقعد الطائرة ، أو كراسي الانتظار في المستشفى فإن هذه المسارقة خصلة ذميمة.
ارجع المستعار أحسن مما كان:
في استعارة الكتب تجنب أموراً منها:
1- تأخير الكتاب عن وقت الإعارة (أعرف رجلا من الزملاء لا يعيد الكتاب المستعار حتى يكلم خمس مرات أو أكثر ، وقد أخر كتبا لأحد زملائه ما يزيد عن خمس سنين ، ومن الطريف أنه إذا جاء للاستعارة جاء في هيئة السائل الذي تحل له الصدقة.
2- التهميش والتعليق على كتاب ليس لك.
3- إهمال العناية بالكتاب وتركه للأولاد ليمزقوه (أحدهم: أعار غيره كتابا فأرجعه المستعير وعليه آثار طعام ، ثم استعار منه كتابا آخر فأعطاه المعير الكتاب وأرفق معه صحنا ، فقال :ما هذا ؟ قال (الكتاب للقرآءة ، والصحن للأكل).
لاتضحك على غيرك:
إذا سأل أحد الحاضرين سؤآل الجاهل أو المستفهم فلا تضحك عليه ، فإن ذلك خلاف المروءة ، وذلك يوغر صدر المضحوك عليه ، وربما منعه ذلك عن سؤآل يحتاج إليه في أمر دينه خشية أن يُضحك عليه . والله أمر بسؤآل أهل العلم عند الجهل "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون "(13)، وفي الحديث (ما تضحكون من جاهل يسأل عالما).
إنزال الناس منازلهم:
مثل الأب ، والمعلم ، والكبير ، وهذا خلق نبوي كريم ، ومن أحق الناس بالإكرام العلماء، وذوي الفضل ، ومن له مكانة وشرف، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم وجهاء الناس وفضلائهم ، ويلبس لاستقبالهم أحسن اللباس.
ذوق المائدة:
وفي هذا الذوق لاتجعل يد تطيش في الصحن ، ولاتتكلم وأنت تأكل فإنه خلق ذميم يجعل الأكل يتطاير، والجليس يتقزز ، وإياك والشره ، ومتابعة اللقم ، ولهذا نهينا عن القران في التمر كما في صحيح البخاري (3/445- المطبعة السلفية ) والقران هو أكل تمرتين معا ، وهو يدل على النهم ، والشره.
وقد وصف الرصافي (الديوان 151) أكولا نهما في مقطوعة جميلة صدّرها بقوله:
أكب على الخوان وكان خـفا فلما قــــام أثقلـــه القـيـــــام
ووالى بينها لقــما ضخــــاما فما مرئت لـه اللقم الضخــام
وعــاجـل بلعهن بغير مضــــغ فهن بفــيه وضـــع فالتهـــــام
فضـــاقت بطنه شبعا وشـالت إلى أن كـاد ينقطع الحـــــزام
والنظر للآكلين من قلة الذوق ،فهو يحرج الآكل.
قيل (حضر أعرابي مأدبة أحد خلفاء بني أمية ، فأنشأ يأكل ، والخليفة ينظر إليه ، فرأى الخليفة في لقمة الأعرابي شعرة ، فنبهه إلى ذلك . فقال الأعرابي : أتنظر إلى نظر من يرى الشعرة في اللقمة ، والله لا أصبت من طعامك بعد هذا . فقال الخليفة : أسترها علي يا أعرابي ، ولك ألف دينار).
وكذلك استعمال الخلال يحتاج إلى ذوق لايخفى عليك.
– الذوق في استعمال السيارة:
البعض لايهتم بموقف سيارته فتجده حينا يقف خلف سيارة ، ويسد عليها الطريق ، وربما كان صاحبها في عجلة من أمره . وصاحبنا شغله شاغل ، فتأخر ، فأحنق صاحب السيارة ، فنال من السباب أو العتاب ماكان سبباً فيه ، وربما أوقف سيارته أمام بيت أوباب فضيق على الناس وهو لايشعر .
–والسفهاء في الطريق كثر وربما نالك منهم شيئا ، فلا تجاريهم ،فمن الخطأ مجاراة السفيه ، فقد يتطور الأمر ، وربما أفضى إلى ما لا تحمد عقباه
قال أبو تمام:
إذا جاريت في خلــــق دنيئا فأنت ومن تجــاريه ســــواء
فليتحمل الإنسان وليصبر . واسمع لقول القائل:
لاترجعن إلى السفيه خطـــابه إلا جـــــواب تحـــية حياكها
فمتى تحركـــه تحرك جيـــفة تزداد نتناً إن أردت حراكـها(14)
• والتفرج على الزملاء وهم يعملون ، والاشتغال عنهم بعمل شخصي آخر، من قلة الذوق ، وقد يتحملون ، ولايمتعظون ، ولكن يجب عليه أن يقدر مشاعرهم ، وبأي حق ينقسم الزملاء إلى فريقين : فريق يخدم إخوانه ويتعب نفسه من أجلهم ، والفريق الآخر متكىء ، لايشارك إلا في القيام إلى الوجبة ، ولايشارك في إعداد طعام ولارفعه من الأرض ، ففي أي عقل أو شرع ،أوذوق هذا . لكن إذا ألحوا عليه في ترك مساعدتهم ، تقديرا منهم ، فلا بأس.
• كثرة التعليق الساخر على أحد الزملاء والتغامز بين البعض من قلة الذوق، وربما كان هذا الأخ مبتلى بعادة يصعب عليه الفكاك منها ، فيكون ذلك من مداخل الشيطان في إيغار صدره ، وقد رأينا بعض آثار هذا الأمر في نماذج لاتخفى ، ومراعاة حال النفوس أمر لازم.
• كثرة التمحل بالسؤال عن الخصوم والأقران،من فساد ذوق الداعية،فتراه يسأل ؟ماذا قالوا وهل أحدثوا اليوم شيئاً ، وهل قالوا في ّ بالذات كلاماً ، ويظل هذا ديدنه وهجيراه ، وربما أورث هذا لتلاميذه فأصبحت أنفسهم عدوانية ، ونشأ لديهم مايسمى بنفسية الصراع ، فلا يعيش الواحد منهم إلا في هذه الأجواء الساخنة ، ويذهب في هذا الخضم هدوء المؤمن وسكينته ، حتى لكأن هذا الداعية من أصحاب الصراع الدنيوي في مكاتب العقار، أو صراع الساسة من أهل الأحزاب والتكتلات السياسية .وما أجمل قول أبي العلاء الحضرمي الصحابي المعروف :
وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم *** تحية ذي الحسنى فقد يرقع النقـل
فإن دحسوا بالشــر فاعف تكـرما *** وإن كتموا عنك الحـديث فلا تسل
فإن الذي يؤذيك منــه سمــاعـــه *** وإن الذي قــالوا ورائـك لم يقـــل
• ونفس المؤمن الصافية لاتحبذ العيش في هذه الأجواء المحتدمة ، فضلاً عن تطلبها ، قال بعض السلف كما نقله النووي في (الأذكار ص 330 ) " قال بعضهم : مارأيت شيئاً أذهب للدين ، ول أنقص للمروءة ، ولاأضيع للذة ، ولاأثقل للقلب من الخصومة" وكم من كلمات الغيبة التي يزينها الشيطان ، تحت رونـق النصح ومعرفة الواقع ، بينما هي في الحقيقة نفثات مصدور ، وتمضمض بالأعراض ، يكر على الحسنات فيفنيها . والله المستعان .
• ومما يلاحظ على بعض الدعاة ، عدم مراعاتهم لوقارهم وأعراف مجتمعاتهم فيأتون مايستهجن في بلدهم ، وإن لم يكن حراماً ، لكن الداعية الذي هو قدوة لغيره يأبى أن يكون مضغة في أفواه الناس ، ولايقولن لنفسه طالما أن هذا الفعل ليس بحرام فلا علىّ من الناس ! فإن الداعية قدوة ، وقد قال بعض السلف : لقد كنا نفعل أفعالا ، فلما أصبحنا قدوة للناس تركناها.[/align]