[align=center]تابع
• والتفسخ في المجالس من ذوق الداعية : فإذا أقبل أحد ، ولم يجد مكانا في المجلس ، فعلى من كان لديه مكان مناسب أن يفسح له في مجلسه " ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم "(15).
قال الأصمعي "كان الأحنف إذا أتاه إنسان وسّع له ، فإن لم يجد موضعاً تحرّك ليـريه أنه يوسّع له"(16).
وللزوجات نصيب من ذوق الداعية فهي صاحبته في طريق الدعوة ، فلنحسن التعامل معهن ، وتثني على حسن صنيعهن ، ونقلل معاتبتهن ، ونسرق الأوقات للبقاء معهن ومع الأولاد ، ونشعرهن بأنهن يشاركن في هذا الطريق ، بخدمة الضيوف ، والخلف في البيت وتربية الأولاد ، ومن الجفاء أن يظل الزوج يهدد زوجته دائما بالزواج عليها ، فليس ذلك من شأن الكرام .
وللأولاد نصيب من وقت الداعية فإن بعض أولاد الدعاة غير مهذبين ، وبلا ذوق أوحياء أو احترام للكبير حتى لكأنهم أولاد عوام ويتضح ذلك في القاموس الذي تحويه ألسنتهم من السباب والشتائم ، وربما تساهل الداعية في الزيارات لبعض الأقارب الذين لايربون أولادهم ، فيقبس منهم أولاد الداعية الخلق الرذيل ، وأبوهم مشغول بأولاد المسلمين ، وشبابهم.
• والداعية نسّاء للهفوات من إخوانه، ينسى الإساءة ، ويستغفر لإخوانه فإن بقي في صدره شيء صارح بها إخوانه ، والعجيب من بعض دعاة الإسلام حين ينقب عن زلات إخوانه ويحفظ هناتهم ، ويخزنها في صدره ، فما أن تأتي مناسبة حتى يخرج كشف الحساب بالتواريخ والأرقام ، يتذكر التفاصيل التي يترفع عن ذكرها كل ذي مروءة ، مما يشف عن نفس غير صافية.وفيه يصدق قول القائل :
احــــذر مـــودة مــاذق شاب المرارة بالحلاوة
يحصي العيـــوب عليك أيام الصداقة للعـــداوة(17)
أما نفس الداعية صاحب ذي النفس السوية والذوق الرفيع فهي تقول :
لاأنت قلت ولاسمعــــــت أنـــا هــــذا كــــــلام لا يليــــق بنــا
إن الكــــــرام إذا صحبتهمــــوا ستروا القبيح وأظهروا الحسنا
• والبعض يدير مجالسه كإدارة المؤسسات التجارية الربحية ، فيحاسب على القنطار والقطمير ، ولايقبل عذراً ولايتغاضى عن هفوة ، بل ربما تعمد إحراج بعض إخوانه ، وألجأه إلى الكذب حتى يخرج من بعض المواقف ، والكريم يتحاشى إحراج الأبعدين ، بله الأقربين :
تســامـــح ولاتستــوف حقك كله *** وأبق فلم يستـــــوف قــــــط كــريم
ولاتعدفي شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصــــد الأمــــور ذميم
قال ابن الأثير عن صلاح الدين " بلغني أنه كان جالساً وعنده جماعة ، فرمى بعض المماليك بعضهم بسرموز (قشر موز) فأخطأته ، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلى الجهة الأخرى ، يكلم جليسه ، ليتغافل عنها(18)".
وقد تفحم غيرك وتعلوه بالحجة لكنك لاتقنعه ، ومع ذلك فقد تملأ قلبه غيظا وحَنَقاً ، ويزداد الأمر شدة ، والجرح نكآءة ، حين يكون ذلك بمحضر من الآخرين ، ويظل الأمر يكبر في نفسه ، والشيطان يؤزه حتى يظهر هذا المخزون في أقرب فرصة على شكل نافورة تمج غلاً وكراهة وصاحبنا القاسي ، يفتح فمه ، دهشة وأسفاً.
• وكثرة الحديث عن النساء من الذوق النابي ، والمقصود كثرة مايدور في مجلس بعض النبلاء من ذكر التعدد ، والتفاخر به ، والتحدي لمن لم يعدد .قال الأحنف " جنبوا مجالسنا ذكر النساء و الطعام ، فإني أبغض أن يكون الرجل وصافا لبطنه وفرجه"
• والسخرية من أعمال الآخرين _خاصة _ الدعوية ، واستعمال كلمات مثل هذا العمل ،لعب ، وعبث ، ومضيعة للوقت ، سقطة لا تليق بالداعية. ولعل الله عز وجل قد اطلع إلى نية هذا المستهزأ به فقبل عمله القليل ، ويخشى على الآخر أن يكون ممن يدل بعمله ، فإن الشيطان يأتي للإنسان من طريق العجب أحياناً ، ثم إن المحافظة على مشاعر الآخرين واجب شرعاً ليس لأحد أن يتخفف من ذلك ، والتوجيه يكون برفق ومحبة ، يشعر بها الآخر ، وليس لأحد أن يقول : هذا أنا وهذه طباعي ، فلا تؤآخذوني ، أو يكون كما قال الشيخ الطنطاوي- على لسان (صلبي) - عن أهل الحضر:أنهم يسيئون إساءة العدو ، ويعتذرون اعتذار الصديق .(صور وخواطر ، مقالة:أعرابي في سينما).
قال د.عبد الله الرحيلي : وقد يزهد بعض الناس في التزام حسن الأدب والخلق مع أخيه ، بحجة أنه أخوه ، وليت شعري مع من يلزمه حسن الخلق إذن .(الأخلاق الفاضلة)
وهاك أخي القارىء كلمة عظيمة لابن حزم يحسن إيرادها في هذا المقام ، قال رحمه الله " لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق ، من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته : إحداهما:
اعتذار من أساء بأن فلانا أساء قبله . والثانية : استسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس . أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره (19)".
وهناك صنف من الناس يصوب نظره إلى عنصر الخير في الناس ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل ، وهذا ممكن جداً فإن الخير مركوز في الفطر ، وربما كانت عليه غشاوة رقيقة ، من جهل أو سوء خلق . وصنف آخر يصوب نظره إلى عنصر الشر في الناس وإلى الرذائل فيهم ويتعامل معهم على أساسه وينشره فيهم ، فيؤذي نفسه ويؤذي الآخرين ، فهو كالذباب .فكن كالأول ، ولاتكن كالثاني.
وأخيرا فإن من الأمور المعينة على تحصيل هذه الذوقيات وأمثالها ما يلي :
1. المطالعة في كتب الأخلاق الإيمانية ، والطرق الإحسانية. مثل : مدارج السالكين ، ,وتهذيبها لعبد المنعم العزي، وصيد الخاطر لابن الجوزي، وإحياء علوم الدين مهذباً . وتلمس مثل هذه المعاني في دواوين السنة وسيرة المصطفي ، وسير النبلاء من أصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
2. المطالعة الأدبية في كتب الأدب ، والنظر في دواوين الشعر ، قديما وحديثاّ ، فإن أكثر الأدباء لهم أحاسيس رقيقة ، مكنتهم من اكتشاف الأذواق الرفيعة .
3. المخالطة الاجتماعية لأهل الفضل ، وأبناء العوائل الأصيلة ، والعلماء والكتاب ، وذوي الذوق حتى من غير أهل الالتزام ، والخروج من مجتمع الدعاة إلى المجتمع الواسع ، فإن في أشراف الناس بقية خير وافر ، وإن قصروا عن إدراك معنى الدعوة ، ولم يسلكوا درب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.والله الموفق.
--------------------------------------
أهــم المراجـــع
1.من أدب الإسلام ، لعبد الفتاح أبو غدة،مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب.
2.فنون الذوقيات والاتيكيت الإسلامي،عبد الله البوسعيدي، دار ابن حزم.
3.تقرير ميداني ، محمد أحمد الراشد،سلسلة رسائل العين.
4.الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي، دار المسلم.
5. مجتمع الذوق الرفيع ،د. يوسف العظم.دار القلم
--------------------------------------
الهوامش
(1)- المصباح المنير،للفيومي.
(2)- مجتمع الذوق الرفيع ، د.يوسف العظم.
(3)- فنون الذوقيات ، البوسعيدي،ص8.
(4)- نزهة الفضلاء، د.محمد الشريف 2/835.
(5)- أنظر:الأخلاق الفاضلة، د.عبد الله الرحيلي.
(6)- رواه الترمذي ، وهو حديث حسن صحيح.
(7)- رواه الترمذي.
(7)- أخرجه الترمذي وأحمد.
(9)- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
(10)- من أدب الإسلام،لأبي غدة ص66 .
(11)- رواه البخاري في الأدب المفرد.
(12)- سورة النور:28.
(13)- سورة النحل:43.
(14)- الحلم ، لابن أبي الدنيا ص 32، وأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ، للحمد ص 23.
(15) - المجادلة:11.
(16)- عيون الأخبار 1/306.
(17)- العزلة، للخطابي ص 193،194.
(18)- الكامل 9/225.
(19)- "الأخلاق والسير ص31.
المصدر : الإسلام اليوم[/align]