عبد السلام.. الفكر والإنسان
عاش عبد السلام حياته مشغولاً بالعوائق التى تقف أمام تقدم العالم الثالث في العلم والتعليم .. وكان يرى أن الفجوة الكبيرة بين الدول الصناعية الكبرى والنامية لن تضيق إلا إذا استطاعت الدول النامية أن تحكم نفسها في مستقبلها العلمي والتكنولوجي، وأن ذلك لن يتحقق من خلال استيراد التكنولوجيا من الخارج، بل من خلال تدريب نخبة من العلماء المتميزين والزج بهم في مجالات العلم المختلفة، وقد سجل رؤيته عن الحاجة الملحة للعلوم والتكنولوجيا في العالم الثالث في كتابة "المثاليات والحقائق ". ولم يتأخر في مد يد العون لشباب العلماء من العالم الثالث، وصرف جزءا من أمواله لمساعدتهم.
وقد كان إنشاؤه للمركز الدولي للفيزياء النظرية في تريستا Trieste بإيطاليا في عام 1964 انعاكساً لفكره ومبدئه؛ حيث كان هدف المركز الأول هو إيجاد مكان للفيزيائيين الشبان من العالم الثالث؛ لاستكمال أبحاثهم، وقد استمر مديره حتى عام 1994 حيث كان منارة للعمل الدءوب والطموح العالي.
وقد دعا د.عبد السلام إلى توظيف علوم الفيزياء لخدمة السلام والتعاون الدولي، ووضعه هدفًا من أهدافه، حتى إن البعض كان يعتقد باستحقاقه لجائزة نوبل للسلام فضلا عن جائز نوبل للفيزياء.
كان عبد السلام رجلاً متواضعاً، مرحاً يحب الاستمتاع بالحياة كما يراه تلامذته، ولا يأنف أن يستمع إلى كل الأفكار الجديدة حتى ولو لم تكن جديرة بالثقة، ورغم خوضه الشديد في مجال الفيزياء فإنه كان يرفض تعقيد المادة، ويرد على من يحاول ذلك بقوله: "أنا إنسان متواضع".
وقد صنف شباب العلماء هؤلاء العلماء الكبار الى صنفين: صنف واضح تستطيع أن تفهمه، يفتح لك مجال الاختيار، وصنف ثانٍ وهم "الساحرون" المبهمون ذوو الشخصية المحيرة، وكان " محمد عبد السلام " واحدا من هؤلاء، تردد عن عبد السلام اعتناقه للمذهب القادياني وكان يحتفظ دائما بالنزعة الشرقية فى شخصيته، وقد ظهر هذا جلياً حينما حرص على حضور حفل توزيع جوائز نوبل بالزي الرسمي الباكستاني، بل كان متزوجا باثنتين، وحرص على حضورهما معا فى الحفل، حتى كاد الأمر يتحول إلى كارثة دبلوماسية.
ويسدل الستار على هذه الشخصية في 21 نوفمبر 1996 حينما توفي عبد السلام بعد صراع طويل مع المرض.. ودفن في قريته التى ولد فيها وهي قرية "جهانج" مسقط رأسه بمقاطعة لاهور.