خذوا زينتكم
بقلم : محمد يوسف جبارين ..أم الفحم.. فلسطين
(( انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب .. آية 6 الصافات)).
(( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح .. آية 5 الملك)).
وما أدري للزينة من معنى ، غير أنها الأشياء تتشكل في شكل ، يدركه العقل ، فيفيض في النفس ، نوع من الشعور بالبهجة .
وفي دنيانا نرى الفنان يصنع مادة من المواد ، في شكل يبعث في النفس نوعا من الرعب ، أو الاسمئزاز أو التقزز ، ثم ان الفنان نفسه يملك أخذ المادة ذاتها ، وجعلها في شكل ، يضيف نوعا من سرور أو بهجة، في نفس الانسان الذي يقول عندها : هذه زينة للناظرين أشتريها وأزين بها بيتي .
النفس الانسانية فيها استجابات لأحوال المادة وأشكالها ، وجعل النجوم والكواكب زينة للسماء الدنيا ، انما هو دليل اقتدار واحاطة ، وضبط كامل لحركات النجوم والكواكب كلها ، بحيث تظل تأتي ، عبر الزمان كله في أوضاع وأحوال ، يستجاب لها في النفس الانسانية ، بنوع من الشعور بالبهجة . كأنما السماء الدنيا ، من فعل قدرة ، وسعت تكوين النجوم والكواكب ، والتكوين الانساني كذلك علما وتحكما ، في كل الأزمان ، لكي تلزم ذلك التكوين كله ، بأن يأتي على ما يجعل الانسان ، يظل على مدى الايام يقول : تلك المصابيح والكواكب زينة أمتع ناظري بها .
ان أوصاف الفعل اياه ، دلت على أوصاف القدرة ، التي فعلت فعلا ما تأتى لأهل الأرض جميعا ، ولا لأي نوع من مخلوقات أن تأتي بمثله ، فجاءت بذلك زينة السماء ، تشهد لصانعها بتفرده في صنعته ، وجاءت تدل على طلاقة قدرته ، وهي آية في السماء يمر عليها الناس ، (( وكاين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون .. آية 105 يوسف )) .
ان النجوم مصابيح ، وضياؤها آت من وقود يحترق في مناطقها الداخلية ، لهذا كان ضوء النجم ذاتيا ، لكن ضوء الكوكب ، لا يكون ذاتيا أبدا ، وذلك لافتقاره لأي نوع من الوقود يحترق في داخله .
من هنا يأخذ الكوكب ضوءه من غيره ، من سراج مثل الشمس ، فكأن السراج ينبوع ضوئي ، تستقي الكواكب منه نورها ، الذي تظهر به زينة للناظرين في السماء .
وقد جاء التصوير القرآني للرسول صلى الله عليه وسلم : (( وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا .. آية 46 الاحزاب )) ، وكان الأخذ والعطاء للنور وظيفة الداعي الى الله ، يأخذ نوره من نور الله ، وينشره في الناس ، لعلها العقول تغدو كما الزجاجة ، تأخذ نورها من المصباح في داخلها ، فكأن المراد بالمصباح القرآن ، يجعله الناس في بؤرة شعورهم ، وفي مركز تفكيرهم ، ومنه يأخذون نورهم ، ويضيء لهم القرآن سبيلهم في الحياة ، فالآية الكريمة (( ... المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري ...آية 35 النور )) ، قد جاءت وكلمة الدر فيها ، تدل على أن النور الذي يتلألأ ، انما جاء اليه ، ونفذ الى داخله ، وانعكس في الداخل ، ثم عاد وانتشر من الكوكب الدري ، في الفضاء الخارجي ، تماما كما العقل يأخذ معاني القرآن وينفعل بها ، وبعد ذلك ينشرها في عقول الناس من حوله .
ان صفاء الدر ونقاءه وانتظام بلوراته ، يؤدي بالأشعة المنعكسة عنه ، الى أن يكون التلألؤ صفة لازمة للكوكب الدري ، وقد جاءت كاف التشبيه في الآية الكريمة ، لتفرض نسخ صفة التلألؤ الى الزجاجة ، وذلك لأن النور يأتيها من مصباح ، مثل ما أنه يأتي كوكبا دريا ( من الدر) ويؤدي الى تلألوئها وتوهجها .
ذلك الصفاء والنقاء ، يراد له أن يكون صفاء ذهنيا ، ونقاء نفسيا ، وهو الذي لن يتأتى ، الا لانسان قد انفك عقله من أزمة الاختيار ، وكانت له الهداية نور الاختيار ، ومددا من الله ، وكان بالايمان يدرأ الخطأ ، وبالقرآن يعرف الصواب ، ويغدو وقد أصبح الايمان والقرآن مصباحا ، في عقله ينير له سير نشاطه ، ويمضي في الحياة وله نور يمشي به في الناس ، ويدعو : اللهم اجعل القرآن زينة عقلي ، واجعل اللهم عقلي بالقرآن زينة بين العقول .
فخذوا زينتكم عند كل مسجد ، وفي معارك الحياة كلها .