اذا الشمس كورت
بقلم : محمد يوسف جبارين ( ابوسامح) ..أم الفحم ..فلسطين
اذا الشمس كورت ، نزعت صفة السراج منها ، فلا وقود ، بعد ذلك يحترق في داخلها ، ولا زجاجة تأخذ ضوءها من المصباح الذي تحيط به ، فتنشره في الفضاء من حولها ، كأنما تكوير الشمس يعني أنها سوف تتكور فتصبح مكورة .. كرة .. ويذهب بذلك ضوؤها ، ولأن تكويرها سوف يتم في زمان آت ، اذن هي الآن ليست مكورة .. كرة . وبين زماننا الآن ، وزمان تكويرها تنساب الشمس في الزمان والمكان ، وهي لا تستقر خلاله على حال ، لأنها تنساب انسيابا متصلا في أحوال تنبثق من بعضها بعضا ، وتظل هكذا تجري لمستقر لها .. ولن تستقر حتى تتم دورها ، وتؤدي مهمتها . عندها يفنى ضوؤها ، وتنعدم الفائدة منها ، ولن يظل تكوينها كما أنه الآن ، ذلك لأنه سيموت المصباح في داخلها ، ولا يقال بعدها عنها سراج .
ومن الفيزياء الفلكية ندري أن ثلاثة أرباع مادة الشمس تقريبا ، من الهيدروجين ( يتكون من بروتون والكترون ) ، والشمس توقد من اشتعال الهيدروجين ، في مناطقها الداخلية المحيطة بمركزها . ذلك الاشتعال بمثابة تفاعلات نووية حرارية ، ينتج من جرائها الهيليوم ( نواة الهيليوم مكونة من بروتونين ونيوترونين ) ، وأشعة وحرارة ، وهذه التفاعلات النووية هي مصدر طاقة الشمس وأشعتها ، وهذه الطاقة والأشعة التي تنشأ ، تندفع من مناطق الاشتعال ، نحو طبقات الشمس الخارجية ، تخترقها ، فيزداد بذلك طول موجتها ، فتنبعث من الشمس ضوءا أو أشعة ، نحو الفضاء الخارجي ، ويأتي من ذلك الضوء ، ومن تلك الأشعة ، نزر يسير يطرق الأرض أداء لدور الشمس ، في عملية استبقاء لشروط لازمة لبقاء الأرض مهادا .
الطبقات الخارجية للشمس تأتيها الأشعة من ناحيتها الداخلية ، وتنفذ منها نحو الفضاء الخارجي ، وكأن هذه الطبقات زجاجة ، ولا نرى في ذات الزجاجة وقودا يحترق ، لذلك هذه الطبقات ، أو هذه الزجاجة تتوهج ، ولا تتوقد ، فليس في ذاتها مصباح ، وانما مناطق اشتعال الهيدروجين في داخل الشمس ، كأنما هي المصباح ، لذلك (( المصباح في زجاجة.. آية 35 النور )) الزجاجة توقد من ذلك الاشتعال . تأخذ أشعتها من ذلك المصباح الذي تحيط به ، فكأنما هي تأخذ أشعتها من غيرها ، وكذلك يفعل الكوكب ، يأخذ أشعته من غيره ، فكأنما الزجاجة كوكب (( .. الزجاجة كأنها كوكب .. آية 35 النور )) ، يوقد من تلك التفاعلات التي ذكرنا ، ولذلك الشمس سراج (( .. وجعل الشمس سراجا .. آية 16 ، سورة نوح )) .
وقود السراج محدود ، ونفاذه الزام تفرضه محدوديته واشتعاله معا . اذن ، يأتي زمان تكون فيه مادة الهيدروجين التي توقد منها الشمس ، قد تحولت تحت تأثير الاشتعال الى مخزون من الهيليوم الذي يأخذ طريقه ، فيتمركز في المنطقة المركزية للشمس مكونا بذلك وقودا مرتقبا للشمس .
وحيث أن جاذبية الشمس تضغط على كل جزء من مادة الشمس في اتجاه مركزها ، اذن الذي يحول دون انهيار الشمس قوة ، لا بد وأنها تعمل في الاتجاه المعاكس لاتجاه الجاذبية . تلك القوة ناتجة عن ضغط المادة التي من طبيعتها أن تعارض كل تغيير في وضعها الذي هي عليه ، وأيضا عن فيض الأشعة والطاقة المتدفقة من مناطق اشتعال الهيدروجين( نوويا) ، نحو مناطق الشمس الخارجية ، وهي القوة التي تتوازن مع قوة الجاذبية ، وبذلك يكون للشمس حفظ توازنا وأمتناع انهيارها ،
ومع استمرار اشتعال الهيدروجين ، يتراكم الهيليوم الناتج عن هذا الاشتعال مكونا قلبا جديدا للشمس ، ومع ازدياد كتلة هذا القلب من الهيليوم يستمر في تقلصه تحت تأثير الجاذبية الناجمة عن كتلته ، وكلما ازدادت هذه الكتلة ازدادت هذه الجاذبية ، ومع هذا التقلص تحت تأثير الجاذبية ، تتصاعد حرارة تتدفق الى خارج هذا القلب المكون من الهيليوم ، ومع ازدياد كتلته واستمرار تقلصه تزداد الحرارة شدة ، والى أن تتسبب ليس فقط في ارتفاع درجة حرارة طبقة الهيدروجين المحيطة بقلب الهيليوم ، والتي يستمر فيها اشتعال الهيدروجين الذي توقد منه الشمس ، وانما الارتفاع المتزايد في درجة الحرارة ، يؤدي في مرحلة ما الى تسريع اشتعال الهيدروجين ( تفاعلات نووية حرارية ) في هذه الطبقة التي يجري فيها اشتعال الهيدروجين ، ما يترتب عليه ، نشوء طاقة كبيرة تندفع الى الخارج ، وتتسبب في دفع طبقات الشمس التي فوقها الى الخارج ، فتنتفخ الشمس ، يكبر حجمها .. يتسع
سطحها وتزداد الطاقة المتدفقة من هذا السطح الى خارج الشمس ، وتنخفض درجة حرارة السطح ويبدو بلونه أحمرا ، تغدو الشمس عملاقا أحمر .. تتدافع طبقات الشمس الخارجية الى الخارج ، تحت تأثير الأشعة المتدفقة الى الخارج ، بحيث يصل قطرها وفق حسابات معينة ، الى ما يقارب نصف المسافة بينها وبين الارض ، فتبتلع الشمس كوكب عطارد ، أو وفق بحث آخر يزيد نصف قطر الشمس ، الى مائتين وخمسين مرة ، مما هو عليه الآن ، ما يعني بأن الشمس تبتلع الأرض ، وفي كل الأحوال فان الأشعة أو الطاقة المتدفقة من الشمس تكون كبيرة ، وكافية لانهاء كل امكانية لحياة في الارض ، فالحرارة في الارض تعلو كثيرا والى حد معه ، لا يتأتى لخلية حية أن تستمر في الحياة .
ومع نهاية المرحلة من العمر التي تكون فيها الشمس عملاقا أحمر ، يترتب على تقليص الجاذبية للقلب المركزي ( المكون من الهيليوم) ، علو في درجة الحرارة ، والى ما يترتب عليه بدء اشتعال الهيليوم ( تفاعلات نووية حرارية ، فيما تسفر عنه انتاج الأكسجين والكربون ، اللذان يتراكمان في منطقة المركز من الشمس ، ليشكلا على مدى السنين القادمة قلبا مركزيا جديدا للشمس ) ، وفي الثواني الأولى من بدء اشتعال الهيليوم ، فان الطاقة الناجمة عن الاشتعال ، وهي هائلة يتم احتباسها ، اذ لا تجد سبيلا الى الخارج بسبب تباطؤ القلب المركزي في التمدد ، ما يترتب عليه احتباس للطاقة ، الذي سرعان ما يترتب عليه انفجارها ، أو تدفقها الى الخارج فجأة وعلى دفعات ، وعلى هيئة نبضات عالية الشدة تندفع الى خارج الشمس ، وعندها تكون الحرارة التي تعصف بالارض ، كافية لاذابة أي كتلة معدنية في الارض ، كانت ما تكون ، فدرجة انصهار أي معدن ، نعرفه في الارض ، أقل بكثير من درجة حرارة كهذه . ومع خمود تلك النبضات التي تتحرر بها طاقة هائلة ، يتمدد قلب الشمس على ما يسمح بتدفق الطاقة الناتجة عن اشتعال الهيليوم الى الخارج ، وفي وضع كهذا تكون فيه الشمس توقد من اشتعال الهيليوم ، وأيضا من اشتعال الهيدروجين في طبقة ضعيفة محيطة بقلب الهيليوم ، وهذا هو وقود الشمس في هذه المرحلة من عمرها ، أي أن هذا الوقود هو مصدر الطاقة المنبعثة من سطحها الى خارجها ، وتكون الشمس حتى هذا الوقت ، قد طرأ عليها ، في خلال جريانها في الزمان تبدل كبير وجوهري ، ففي خلال كونها عملاقا أحمر ، وهي فترة طويلة ممتدة في ملايين السنيين ، تكون الشمس قد خسرت من كتلتها ما يقارب الثلث ، مما كانت هي عليه من قبل أن تصبح عملاقا أحمر ، وتلك خسارتها في كتلتها ، بسبب من رياح شمسية قذفت مادة منها الى خارج الشمس ، ما أدى الى صغر كتلة الشمس ، وبالضرورة جاذبية الشمس تصغر هي ايضا ، ما يؤدي الى تباعد الارض عن الشمس ، وكذلك الكواكب السيارة الأخرى التي تدور حول الشمس ، تغدو جميعها بعيدة عن الشمس أكثر فأكثر ، مع صغر كتلة الشمس ( وجاذبية الشمس ) ، فيصبح زمن الأرض غير ما كان عليه . ويستمر اشتعال الهيليوم في قلب الشمس ، ومن جراء ذلك يتكون قلب جديد للشمس مكون من الكربون والأكسجين ، ويأتي زمن على الشمس تخلع عن نفسها طبقاتها الخارجية ، وذلك تحت تأثير من رياح ، نبضات ، تدفع بها الى خارج الشمس ، وتبدو عندها الشمس ، كغيمة جميلة رائعة محيطة بنجم في المركز ، فأما الغيمة فانها بمرور الزمن تتلاشى في الفضاء الكوني ، وأما النجم ، فهو ما تبقى من الشمس .. البقية الباقية ، انه القلب المكون من الأكسجين والكربون ، ولا وقود يشتعل فيه ، انتهى الوقود ، لم يعد ممكنا لتفاعلات نووية أن تندلع ، فشروط نشأتها انتفت ، والجاذبية تمسك بقبضتها على هذا النجم ، فترى الى مادته وقد انفصلت فيها الالكترونات عن نواتها ، فضغط مادته الذي يعترض الجاذبية هو ضغط الالكترونات ، فهذا النجم في حاله هذا قزم أبيض ، لكن الأشعة المنبعثة منه سرعان ما تخبو بمرور الزمن ، والى أين ؟ ، الى مقبرة النجوم ، الى مصير يؤول اليه ، الى مستقر يستوي عليه ، يصبح فيه قزما اسوادا ، أو مظلما ، ويتوارى عن الانظار . وهذا النجم بالمصير الذي صار اليه هو الشمس ، فالى هكذا مصير هي تصير . والى هكذا مستقر تأخذ بها مراحل تطورها ، فهذا هو منطوق الفيزياء الفلكية .
فاذا ثمة سؤال ، فالى اين أنت آيلة أيتها الشمس ، فالى حيث يستقر بها تكوينها .. تموت أو يموت المصباح فيها ، أي لن يكون في ذاتها مصدر منه ينبثق ضوء أو أشعة تكون لها ،على ما يستبقيها سراجا ، ونقول تلك صفة السراج ، قد تم انتزاعها من الشمس ، ويقولون في الفيزياء الفلكية ، تذهب بعد ذلك الشمس الى مقبرة النجوم.
ويبقى السؤال يتردد في ذهن الانسان يقول : ما هو مستقبل الحياة في الأرض ؟ ، ونحن نقول بلسان الفيزياء
الفلكية ، ما قلناه ، بأنه حين تغدو الشمس عملاقا أحمر ، فان ذلك هو الايذان باتنفاء شروط استبقاء الارض مهادا أو معاشا ، فالطاقة التي تتدفق من الشمس ، وتصل الارض أو تسقط عليها ، لكافية بأن تعلو بدرجة حرارة الأرض الى درجة غليان الماء ، بل والى أكثر من ذلك ، مما يترتب عليه غليان المحيطات والبحار .. وتصبح وكأنها الماء الذي يغلي في مرجل ، ومن تحته ، ومن فوقه النار ، وهكذا تتبخر المحيطات والبحار ، ويهرب الغلاف الهوائي للأرض ، في غالبيته العظمى من الأرض ، ولا تبقى بحال كهذا أية امكانية لأي نوع من حياة ، وهذا معناه ، من دون جدل قليل أو كثير ، هو أن نهاية الحياة في الأرض آتية لا ريب فيها ، عندها يكون خراب الأرض بعد عمارتها ، فلا غرس ولا زرع ، ولا نبات ولا انسان ، ولا أسماك ولا أطيار ، ولا ذباب ، ولا بعوض ، ولا أي نوع من خلية حية ، الا هالك وبائد ، والأرض تصبح صعيدا جرزا ، وفي القرآن الكريم آية كريمة تقول (( وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا .. آية 8 ، الكهف )) .
فاذا جاءت الأبحاث في علوم الفيزياء الفلكية تؤكد على أن ما زعمه الكفار ، من سرمدية الحياة الدنيا في الأرض ، انما هي أوهام عقل .. جهالة جاهل ، فلا أولى من انزواء تلك الأوهام من رفوف الفلاسفة والمفكرين ، وخاصة منهم الذين زعموا بأنهم على العلم يرتكزون .