ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 05-08-2009, 03:38
الصورة الرمزية محمد يوسف جبارين
محمد يوسف جبارين
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: أم الفحم..فلسطين ...تحت الاحتلال الصهيوني
المشاركات: 51
افتراضي رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟

فاطمة

بقلم: محمد يوسف جبارين (ابوسامح) ..أم الفحم..فلسطين

سيدة المكان وجوهرة الزمان ، مكدودة بآلامها ، مغرورقة الدموع ، لم تعد تعرف الابتسامة ، ذهبت الابتسامة ، مع من ذهبوا ، اخترقهم الرصاص ، فغامت الأجواء من حولها ، وتكدرت ظروفها ، بعد أن كانت تضاء بابتسامتها ، بعذوبة ألفاظها ، برقة تعابيرها ، ولطف ودادها ، وسخاء عطائها .
لم تعد فاطمة المرأة التي كانت ، فهي ألآن ملتفة برداء أحزانها ، تعتصرها جراحاتها ، لقد زلزلت ظروف الصراع بها زلزالها ، مأساة جامحة حلت بالمكان ، فهي الآن كتلة من نار تتفلت لهبا ، لا كلمات ترسم سخونة أعصابها وأفكارها ، فالحي الذي تسكنه ، قد أتت عليه الجرافات ، بعد أن أتت على الحياة فيه الطائرات والدبابات ، وأصبح المكان قفرا ، فبيوته تكومت كتلال من بقايا فظاعة من أخرب المكان ، وعلى فداحة الخطب الذي ترتب على المعركة الضارية ، التي فرضها الاحتلال على أهل المكان .
ذهب الأحبة وبقيت فاطمة ..ذهبوا ، ولم يعد المكان كما كان ، أصبح ألآن مقبرة كبرى ..ملآى بالدماء ، وشاهدا على صلابة ، لم تعهدها أساطير من نسج الخيال .
فدبابة تهاجم زندا ، وطائرة تطارد طفلا ، ومدفع يقصف ثديا ، والبقاء في المكان، كيفما دار ولف الزمان ، معادلة اللاجىء ، الذي تعلم الدرس من زمان .. أموت واقفا مناضلا عن نفسي وترابي ، ويكون قبري تحت أقدامي ، ولا أصبح لاجئا مرة أخرى .
يتمزق الحر في مكانه ، ولا تتزحزح أقدامه الى خارج المكان . المكان مكانه ، والمغادرة تعني الموافقة بأن يقوم غيره بأحتلال المكان . لم يعد يمكنه الحر بأن يكون خارج المكان . المكان مكانه ، وليس له سواه ، فهو في مكانه باق ، فمكانه له ، حتى ولو بقي فيه ، تحت التراب .
لن تتكرر مشاهد خيام ، تحدق بعيونها من خارج المكان ، في خلال أسلاك شائكة تفصلها عن المكان ، فالى داخل المكان ، الى داخل الزمان .
ما كان قد كان . لو سألت ما كان ، عما كان ، لكان قال ، بأنه ما كان يريد أن يكون ، على ما كان عليه . والكائن الآن ، يكون في المكان ، مهما كان ، ولا يترك لما هو كائن ، أو يكون ، أمكانا ، يكون به خارج المكان . أكون قضيتي ، فقضيتي تكون . أكون شعبي ، فشعبي يكون . أكون وطني ، فوطني يكون . بلا كينونة ، لا كائن يكون . كينونتي حريتي ، أكونها فحريتي تكون .
النفس معبأة ، بمرارة الزحزحة ، من المكان . لن تتزحزح قدم من المكان . الصمود حق مجسد في حركة واجب ، ينبىء عن بداية زمن ، يشق به صاحب الحق دربه ، الى حقه ، حتى يقبض بأنامل قلبه على حقه .
الاحتلال نار تحرق الحاضر ، وتنذر بأن الرماد ما يتبقى من جنون النار ، فأو تنطفىء النار ، أو الرماد .
عندما يضيع العقل يكون الجنون . لا يفهم الجنون سوى الجنون . فاذا كان الجنون هو الحال ، الذي أوقف به الجنون ، أكون مجنونا ، وأخمد بجنوني نار الجنون .
الاحتلال معناه ، اشتعال جهنم في أنفاس الحاضر ، فبقاء الاحتلال يعني قطع زمن الحاضر ، فلا مستقبل ، فخروج جهنم من الحاضر ، ضرورة حاضر ، لكي يكون له غده ، ويكون له مستقبل . حب الوطن ، يعني أن تعيد أنتاج الوطن . الوطنية صياغة للواقع من جديد .. تجديد يعاد به التراب ، ليغدو ظروف حياة ، طعاما ، ماء ، هواء ، مكانا ، كرامة ، عزة ، شموخا ، زمانا لأبناء الوطن .
فكرامة المواطن ، من كرامة الوطن ، ومن لا كرامة له ، لا قلب له على وطن ، ولا وطن له يذيبه في حب الوطن ، فحيث الحب تكون الكرامة . الحب كرامة ، والكرامة حب ، ولا وطن في نفس خلت من حب وكرامة .
بهكذا تحديد ، تحدد فاطمة ، حقيقة من أحبتهم ، وغادروها أشلاء ، كانوا وحدهم ، صاغوا مشهدا أسطوريا .. لحم في وجه جهنم ، حاضر يحترق لينير وجه المستقبل ، شموع ذابت في انتاج نور يقيم قواعد المستقبل ، برهنوا على أن ما كان أيام زمان ، لم يعد ممكنا له أن يكون ، أسقطوا منطق الصمت ، فجعوا النذالة في تبعيتها ، أبدعوا حروفا لمنطق جديد ، أخبروا الذين سقطوا الى أعلى ، بأن سقوطهم الى أسفل ، قد أصبح وشيكا .
ومن بين نار الفجيعة ، بين رموشها ، تعرف فاطمة ، كيف تحدد طريق الكرامة ، وكيف تلمز ، من ناموا ملء جفونهم عن محاصرة الكرامة . للحب كرامة ، لا تفسح مجالا لأي نوع من احترام ، لمن لا يعرف للدم والتراب كرامة .
وتتناول فاطمة ، بقبضة يدها حفنة من تراب ، وتعتدل في مجلسها ، وتبسط يدها أمامها ، وتقول وحبات التراب تتخلل أناملها ، وامارات وجهها قد أزدادت حدة ، والشرر ينفلت من عينيها ، هذا ترابنا ، هذا نحن ، هذا دمنا ، هذه هي الكرامة ، وتنطق أسماء من ذهبوا فردا فردا ، وهي مشدودة الأعصاب وتبكي ، لا تكف دموعها عن الحفر في خدودها .. كثيرون قد ذهبوا ، ولكن كل حبة تراب شاهدة ، على أنها وجدت قطرة دم تحفظ لها كرامتها .
في هذه المعركة ، قد تم أنتاج الوطن من جديد ، الدماء رسمت وجربت الجديد ، فيا ليت أن المتفرجين كانوا من قرب يتفرجون ، ليروا بسالة الأسماء .
تدقق فاطمة ، في تفاصيل الانتماء ، وارتباطه بالصراع ، تريد أن ترى الطريق ، وقد امتدت بالوسائل الى الآمال ، التي شاغلت صدور الشهداء ، لقد أدركت من فيض الجراحات بين أقطارها ، بأن من لا يجيد صنعة التاريخ ، ليس له ، أن يدهش لماذا يجد نفسه ، في ذيل هامش من هوامش التاريخ .
فرغما عن المأساة ، التي حلت بها ، بقيت فاطمة ثابتة الفكر، مثل نجم يتلألأ وسط الظلام ، لم تفقد رشدها ، ولا أطرقت برأسها اطراقة غافلة ، ولا مزقت شعرها ، من قلة نار في صدرها ، ولا لطمت على خدودها براحتيها ، من قلة سخونة في أوجاعها ، ولا قدت ثوبها ، ونثرت التراب ، الى أعلى رأسها ، من قلة أحبة ، رأت أجسامهم معفرة بالدماء ، فآلامها تضيق بها ، وتعتصرها ، كأنما لحمها يتقلى على نار بركان ، تجوب حرارته أرجاءها ، فدموعها سخونة موقف ، والحاح ضرورة ، على نشدان الآمال .. حسرات بنت وطن ، لم يبق من أسرتها سواها ، لتبكي ويتقطع فؤادها كمدا وشوقا ، الى يوم ترى فيه حمامة السلام تحلق فوق قبور ، استودعت في كل واحد منها قلبها ..
ابكي يا فاطمة ، فالأحباب ، اذ ذهبوا ، قد زادوا الكرامة حبا في المكان.
وحدنا.. يا فاطمة طرف في الصراع ..تركونا وحدنا ، لقد استثقلوا أعباء الانتماء ، فاصطادوا أنفسهم في مصيدة النذالة ، التي لا تذر لحبيسها ، أي عقل يوزعه على موجبات الانتماء .. النذل لا أحد أختار له ، أن يكون بين الأنذال ، فما أخزى امرىء ، من مثل أختياره ، أن يكون للنذالة أمعاء لا تنام .
فأنت عطر الكرامة ، في صحراء ، أسلمت رمالها أمرها للرياح ، فهناك الذمم ، مثل البندورة ، في الأسواق ، تشرب من تبعية الفكر ، وتتنفس من هروب من الأنتماء ، قد أصبحوا يشتغلون في تليين مواقفنا ، أسترضاء لمن يذبحون حاضرنا بين أيدينا ، وتلميعا لقيمة لهم لدى الأميركان ، وأقاموا للكرامة نصبا تذكاريا ، وألزموا الناس ، بأن لا يقتربوا منها ، بأكثر من دمعة ، وأكليل من زهور ، تراجعوا مبدعين زمن انحطاط .. رجعيات ، محميات منقارها في لحوم شعوبها ، وقلبها وعقلها في رباط مع أرادة أجنبية ، فكيف ظننت ، يا فاطمة ، بأن تلمسي يوما شهامة معتصم ، في أرادات باعت الكرامة العربية .
فالبائعون كرامتهم في السراديب ، لن تتجاوز آمالهم آفاق السرداب .
فالذين أوكلوا مصيرهم لأجنبي ، فأمن حياتهم هو الغائب عن أرادتهم ، فحياتهم حلزونة ، ينهي بقاءها سيدهم ، متى يشاء ، والهاربون من النور ، ليس لهم غير الظلام يسكنون ، والذين لم تلفح النار وجوههم ، لا يعرفون قيمة الخبز الذي يأكلون ، والفاروون من الواقع الى الماضي ، كان الأجدى لهم ، أن يسكنوا الماضي ، الذي يسكنهم ، وبه وحده يرتضون .
الواقعيون هم صناع الواقع الذي عنه يبحثون ، بأدوات من واقعهم الذي اياه يعانون .
معاناة الجراحات ، وشدة الآلام ، صيحة نبل ، وبواعث حركة توليدية ، لاقالة الجراح والحؤول دون تكرارية الآلام . فلهب الدموع في الجفون ، وأوار النار ، في الصدور ، أنغام انشاء لارادة تنتشل العافية ، من أعماق الجراح ، فوعي الجرح أستدلال على أسباب وجوده ، وأنتباه ومعرفة بأسباب انتفائه ، وحاجة الى وعي الذات بقواها الدفينة وأستنهاضها في حركة ، تجمع أسباب الردع ، التي بها تنتفي الأسباب ، التي التقت على أنتاج الجرح ، وعلى ادامة ادمائه .. أنهضي من بين الدموع يا فاطمة ، فليس للزيتون غير ترابه ، وليس لزهر اللوز غير هوائه .
فالأحبة ما ذهبوا بعيدا في الزمان ، فهم في زمان الحلم ، الذي أورق بهم ، ويطل على المكان من بين أناته .
أنهضي الى وضوح الوميض ، في عينيك ، تجدين الحلم بين يديك ، ودمعة فرح تتواثب على جفنتيك ، من أعماق مأساتك .