الفيــــــــــزياء الـكـلاســيكيـة
استندت الفيـــزياء في مطلع القرن العشرين إلى أسس علمية راسخة في الترموديناميك والكهرباء والضوء والتحريك والقوى التجاذبية ، وهي نظريات ومكتشفات استغرقت أكثر من ثلاثة قرون. واعتمدت الفيـــزياء الكلاسيكية على المبرهنات الحسابية والتجريبية عوضاً عن التنبؤات والمشاهدات ، واقتصرت على العالم الجهري من حولنا من الرصـاصة حتـى المجرّات .
فمثلاً، أعطت معادلات "ماكسويل" توصيفاً مقبولاً للظواهر الكهرطيسية بما فيها الإشعاع الضوئي والأمواج الراديويّة المكتشفة من قبل "هرتز " ، وفهمت الحركة الميكانيكية "النيوتونية " لمكونات المادة على المستوى الجهري ، وترسخت مفاهيم تحريك الأجسام من خلال صياغة "هاميلتون " ، ووضحت القوانين الأربعة في الترموديناميك جميع أشكال تحولات المادة والطاقة في النظم الترموديناميكية المعزولة والمغلقة والمفتوحة أو توازناتها.
وقبل بداية القرن العشرين ظهرت مجموعة ظواهر فيـــزيائية لم تكن معروفة من قبل. ولعل أهم هذه الظواهر اكتشاف " وليام روتنجن " مع نهاية القرن التاسع عشر (وتحديداً في العام 1895) أشعة لم يكن أحد يدرك ماهيتها فأسماها أشعةx . كذلك اكتشف " أنطوان هنري بيكريل " في العام 1896 النشاط الإشعاعي دونما فهم معمق لطبيعته وتفاعلاته مع المادة ، وتقدم الزوجان " كوري" بالمعرفة في مجال النشاط الإشعاعي في السنوات اللاحقة من خلال أعمالهما في مجال الإشعاع النووي . كما بيَّن " إرنيست رذرفورد" خطأ مفاهيمنا السابقة حول البنية الذرية مع طرحه نظرية النواة الذرية المستندة إلى مفهوم النواة الصغيرة جداً بالمقارنة مع الذرة ، وجرى تصنيف مدى استقرار هذه النوى وعلاقة اللااستقرارية بإصدار أشعة أو أو . أما " جوزيف طومسون" فقد بيَّن في العام 1897 ومن خلال عمله في مجال أنابيب الإنفراغ أن الأشعة الصادرة عن المهبط ليست هي في الواقع إلا إلكترونات ، وقام في تجربة شهيرة بقياس نسبة كتلة الإلكترون إلى شحنته. وتابع " فيليب لينارد" دراسة خصائص الأشعة المهبطية من حيث الفلورة عند اختراقها رقائق معدنية ، وقاس "روبرت ميليكان " لأول مرة وبدقة الشحنة الإلكترونية بطريقة قطرة الزيت وهي إحدى أشهر التجارب المخبرية للمرحلة الجامعية في عصرنا ، كما ساهم في الأعمال المتعلقة بالمفعول الكهرضوئي . لقد ترافق طرح معادلات "ماكسويل " مع العديد من الاستفسارات التي بقيت دون إجابة ومنها : ما هو الوسط الذي تنتشر فيه الأشعة الكهرطيسية ؟ وما هي حوامل الشحنة الكهربائية المسؤولة عن إصدار الضوء ؟ فقام " ألبرت مايكلسون " و" إدوارد مورلي " بإجراء تجربتهما الشهيرة ( تجربة مايكلسون مورلي ) في تداخل الضوء التي بينت أن سرعة الضوء مستقلة عن حركة أيٍّ من مصدره أو راصده ودحضا بذلك فكرة الأثير كوسط ينتشر فيه الضوء . كما درس " هندريك لورنز " آليات إصدار الضوء بتطبيق معادلات ماكسويل على الشحنات الكهربائية في المادة . وبيَّن " لورنز " إمكانية تطبيق نظريته على فوتونات الإشعاع الناجم عن الحركة الاهتزازية في الذرات . وأعطى " لورنز " تفسيراً لمفعول " بيتر زيمان " المتعلق بانقسام الخطوط الطيفية للهب الصوديوم عند تعرض اللهب لحقل مغناطيسي انطلاقاَ من الحركة الاهتزازية للإلكترونات . ثم أوضح " يوهانز شتارك " تأثيراً مشابهاً لمفعول زيمان من خلال دراسة الحقول الكهربائية على إصدار الفوتونات ، حيث لاحظ انقساماً طيفياً وانزياحاً دوبلرياً تبعاً لسرعة المصدرات الضوئية كالذرات والنوى وعرفت هذه الظاهرة بمفعول شتارك