ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28-08-2009, 02:04
الصورة الرمزية محمد يوسف جبارين
محمد يوسف جبارين
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: أم الفحم..فلسطين ...تحت الاحتلال الصهيوني
المشاركات: 51
افتراضي رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟

ولنا في التعليم حياة

بقلم : محمد يوسف جبارين ( أبوسامح).. أم الفحم..فلسطين

ان استشراء الجهل يضمن خلخلة أكيدة للنسيج الاجتماعي وتفككا يستبقي بذور الضياع والفوضى والفساد ويرعاها وينميها ، فيمتنع بذلك النماء على كل صعيد .
فهذا الجهل له من السطوة والقوة ما يمكنه أن يجعل المجتمع محبوسا في دائرة الضعف والهوان والاستنقاع ، وهي دائرة تتجمد في نطاقها الامكانات المادية والبشرية ، وأيضا الطاقات الفكرية ، وتنهار المقدرة على توفير المقومات المادية للحياة .
والجهل ينشىء قلقا وجوديا واحساسا دائما بفقدان السيطرة على المصير ، وهكذا يضمن الجهل رسوب البنية الاجتماعية في قاع تتحول عنده في مدى الأيام ، الى مستنقع تستنقع فيه القوى الهابطة والفاسقة ، وأيضا الفاجرة ، فيتاح لها أن تنسج نسيجها ، وأن تمد شباكها ، وأن تحقق ذاتها ، كقنوات هضمية أو كمصاصات لآمال الناس وجهدهم .
وعلى ذلك انحياز الناس الى التعليم واصرارهم على لزوم الرعاية الحقة لهذا النطاق العظيم ، انما يكشف عن وعي عميق – لدى أهلنا – بمقدار ما للتعليم من أهمية في التمكين لهم وللأجيال الصاعدة من الاقتدار على صعود معارج الرقي الانساني .
فالتعليم هو النطاق الذي يكتشف خلاله الانسان انسانيته ومقدرته على الأخذ بأسباب التقدم وارساء قواعده ، اعلاء لشأن الانسان وحقه ، في أن يحيا حياة كريمة عزيزة .
والتعليم هو مفتاح هذه الحياة العزيزة ، وبه تعلقت مفاتيح بوابات الخلاص من براثن التخلف بكل ألوانه وأشكاله ، فمن دون المقدرة الفكرية والعلمية ، لا يمكن للجماعة البشرية أن تفيد من امكاناتها المادية والبشرية ، ولا يغدو في مقدورها أن تجعل من حركة التطور الاجتماعي متسارعة الخطى وثابة ، لا تكل ولا تمل ، تغالب الصعاب وتقهرها ، وتتقدم صوب غاياتها ، وتنهض من جديد ، واثقة بخطها ، فوارة العافية والطاقة ، وتندفع ناحية غاياتها المتجدده .
ونفهم من سير التاريخ ، والقفزات النوعية التي حققتها الأمم خلال تطورها الاجتماعي ، أن الجماعة الانسانية التي جعلت التعليم ركنا أصيلا لنهضتها من كبواتها المتلاحقة ، قد أنجزت النهوض ، وتسارعت بقواها الذاتية عجلات تقدمها ، وقد كان العلم لديها نتاج ثروتها العقلية الموظفة في ترقية حياتها ، وحفظ أمنها ، وتوفير أمانها ، فبعد أن استوعبت علوم عصرها ، دمجتها في واقعها الاجتماعي ، وذلك في خلال عملية التعليم وأولت الثروة العقلية والذكاء الخارق والمتميز أولوية ورعاية متميزة ، ووضعته في اتجاه غايات محددة ومستطاعة ، أو ممكنة الاستطاعة ، وبحرصها على دوائر البحث العلمي ، وتوسيع نطاقها ، كفلت لثروتها العقلية النماء والابداع والتجديد والتجدد .ومن حيث أنها لم تعزل نفسها عن الدنيا ، ولم تترك لثروتها العقلية والعلمية أن تنزوي وتتشرنق في دائرة حدودها ، بل تركتها مع حرصها على أمن الجماعة وأمانها تتفاعل وتتلاقح مع الثروة العقلية في العالم من حولها ، وأمكنت لنفسها الفاعلية الذاتية ، وديمومية التوسع الذاتي لدائرة امكاناتها ، وممكناتها وامكانياتها ، وهرأت الصعب ، وحققت ما كان يوسم في زمن سابق بأنه مستحيل .
فأصوب الصواب أن يقال ، بأنه ما من أمة جعلت التعليم ركن نهضتها الا وسادت . فانه الركن الضمان المتوقد حياة ، والمتدفق طاقة فكرية وعلمية ، تكفل للأمة توفير احتياجاتها المادية ، وتوفير أسباب المنعة ، فتحيا كريمة ، ولها سطوة وشوكة . وما من جماعة من الناس سلت العلم ودوائره ، الا وأغرقت حياتها ومعاشها ، في ضعف يعتصرها ، فيجعلها منكوبة في حياتها ، متوارية وراء حواجز الظلام ، مهزوزة الثقة بنفسها ، محبوسة الأنفاس ، محدودة من حيث مقدرتها على حل مشكلاتها اليومية ، ولا وزن لها في مواجهة قضاياها الاساسية ، وفي مقدمتها قضايا الأمن ، والكفاية والعدل والرخاء ، تغدو مستصلحة في غير صالحها ، مستزرعة بجراثيم تحسب عليها همساتها وهمهماتها ، وايماءاتها وأنفاسها ، وتضمن لها دوام قيودها ، فتبقى مستباحة طاقاتها المادية والبشرية ، ينتفع بها غيرها ، وما يستبقي لها منها ، سوى فتاتا ، تسد به رمق عيشها ، ولا تتجاوز ، وذلك لتداوم هي بنفسها ، وباختيارها على اتاحة استلابها ، وامتصاص ماء الحياة منها ، وليصب هذا الماء ، في جوف ، وفي عروق صاحب المصلحة ، في هذا السلب ، وهذا المص ، وهو من بشهوته وارادته تتوالد تحولية تحيل حياتها الى صورة أخرى من حياة العبيد . وقد تحال الى ذلك الحال ، بأسلوب التحريك للعلل والعوامل والحوافز ، فتتحرك ذاتيا ، وما تدري أن قوة تجتذبها ، وتسيرها وتملي لها ، وان منعة هذه القوة المحركة قد تمكن بفن الكيد الذي يمتاز به من يتربع في داخلها ويديرها ، بأن يسوسها السياسة التي يشاء ، في اتجاه غايات السلب وانهب التي يشاء . ولعل هذا الاسلوب الذي تعتمده الشركات الضخمة المستغلة طليعة الاستعباد ، أو الامبريالية العالمية على وجه الخصوص ، قد صيغ بمهارة ، ويمارس في احالة أمة أو شعب من الشعوب ، أو جماعة من البشر غارقة في حياتها البلهاء والعمياء ، الى جماعة من العبيد ، الذين يجيدون العمل في أسواق العمل الرخيص ، ويقبلون بما حازوه من مال ، على السلع الاستهلاكية ، التي لا تضيف في حل جزء من مشكلة واحدة من مشكلات التنمية المستعصية .
ولما للتعليم من دور مركزي ، في تجديد حياة الناس ، نجد الجماعة التي تريد أن تتجدد ، بملاحقة التقدم ، بل في تحقيق سبق حضاري على من سبقوها الى المستقبل . نجدها وقد اهتمت بالتعليم ، وتضاعف اهتمامها به ، في مجرى الزمان وتجعله اداة تجددها ، وذلك لادراكها ، بأنها به تستطيع ان تبعث من جديد ، وهي أقوى وأصلب ، وأقدر على تنفيذ الحلول لمشكلاتها ، وعلى الأخص منها المعيشية والأمنية .
صحيح أن التعليم هو الصهريج العظيم الذي تنصهر فيه الجماعة من الناس ، فتتزود بانصهارها فيه بقدرات حقيقية تتيح لها أن تصبح أكثر قدرة على تحقيق آمالها .
ولقد اقترن الاهتمام بالتعليم ، وكذلك الاهمال له بصورة الحياة وماهيتها المترتبة على هذا أو ذاك ، وكانت الصورة قبيحة حيث كان الاهمال يأخذ مجراه ، وكان القبح بذاته الدليل على بشاعة الاهمال ، وبؤس مقولاته وخبث توجهاته . وما اختلف الاهمال التلقائي المنحدر من استدامة الجهل ، عن فظاعة اهمال قسري ينبيء بدهاء ومكر فظيعين ، وذلك لطي التعليم ، ومحوه في شعب يراد سلبه كرامته وعزته ، بنية السيطرة عليه ، لانتزاعه من ترابه ، ولانتزاع ترابه منه ، ولعلها حركة الحوادث في ساحاتنا ، ووقائع أحداث التاريخ القريب والبعيد ، فصيحة الدلالة في هذا الجانب ، وتنطق بملء الفم ، بأن سياسات التجهيل ، قد خدمت أهداف السيطرة ، وأن أنامل هذه السياسات وأنيابها امتدت الى التفنن في خلخلة صروح العلم والثقافة ، بعدم توفير أسباب رقيها وازدهارها ، أو بعرقلة نموها باغراقها بالصعوبات التي تحد من تقدمها ، أو تؤدي الى تصدعها وانهيارها .
وليس الى هنا توقف السياسات ، فالتارخ يجيد الافصاح عن مواجهات سافرة للتعليم ، بلغت حد اغراقه بالموت ، وذلك قد تم تنفيذه وفق خطة موضوعية بعناية ، ولها نفس طويل ، وتم تنفيذها برتابة ، ومن مرحلة الى أخرى ، حتى جاء وقت اذا اراد الفرد من الناس أن يقرأ سطرا مسطورا ...عليه ، أن يجوب منطقة جغرافية بحالها ، ليجد بعد لأي وصعوبة فردا من الناس يقرأ له السطر أو يكاد . وتلك كانت أمية ألغت من الناس كل امكانية حل مشكلات لم يعرفها أحد . وما درى أحد ما يجري في عالمه ، فالعالم يتحرك من حوله ، ومصائد الكيد تنصب له حيث مصيره ووجوده ، ومشاغله شيء آخر ، حتى فوجىء فسقط هو وواقعه الاجتماعي . وكان السقوط فظيعا ، وما أن تنسم جيل من بعده روائح العلم والثقافة ، وباتت أبخرة الجهل ممجوجة حتى وعى هذا الجيل عصره وفهم العالم من حوله واذا به مكلفا تاريخيا أن ينقل الجبال من مواضعها .