ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - لغز سبين النكليون
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-10-2009, 20:50
الصورة الرمزية mah333
mah333
غير متواجد
فيزيائي متمكن
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 241
افتراضي لغز سبين النكليون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لغز سپين النكليون(*)
يُحدد عدد من التجارب الجديدة البنية الداخلية
للبروتونات والنيوترونات التي مازالت غير مؤكدة.
<K.ريث> ـ <A.شيفر>

كانت البروتونات والنيوترونات من أوائل الجسيمات تحت الذرية subatomic المكتشفة هذا القرن. تتألف منها نوى الذرات ولذا تعرف بالنكليونات، وتُكوّن أكثر من 99.9 في المئة من المادة المنتشرة حولنا في هذا العالم، بما في ذلك هذه الصفحة وأنت نفسك. (أما 0.1 في المئة الباقية فهي إلكترونات). وقد تعلمنا الكثير حول النكليونات، على مدى ثمانين سنة من الدراسات التجريبية والتحليلات النظرية، ومع ذلك فإن بعض خواصها الأساسية مازالت تحمل أحجيات ومفاجآت. فعلى مدى العقد المنصرم عمل الفيزيائيون جاهدين لحل مأزق خاص عرف باسم أزمة السپين.

نشأت هذه الأزمة عن نموذج الكوارك الناجح للجسيمات تحت الذرية. فقد طور النظريون هذا النموذج كتوصيف جميل ومحكم لآلاف الجسيمات المكتشفة في الخمسينات والستينات إلى جانب الجسيمات المألوفة القديمة كالبروتونات والنيوترونات. وشكلت حديقة الجسيمات بخصائصها وتآثراتها أنماطا يمكن تفسير تكوّنها بوساطة ثلاثة أنواع فقط من الكواركات سميت الكوارك الفوقي up والكوارك التحتي down والكوارك الغريب strange.

يتألف البروتون من كواركين فوقيين وكوارك تحتي، في حين يتألف النيوترون من كوارك واحد فوقي واثنين تحتيين، ويمكن استنتاج خواص عديدة للنكليونات بتركيب خواص الكواركات المكوِّنة لها بطريقة بدائية. وعلى سبيل المثال، فالشحنة الكهربائية للبروتون هي بالضبط مجموع الشحنات الكسرية لكواركات:3/1-3/2+3/2= +1. غير أن جميع محاولات مشاهدة الكواركات فرادى باءت بالفشل، واعتبر العديد من الفيزيائيين الكواركات تسهيلات رياضياتية، ليس إلا ـ أي مجرد نظام محاسبي لوصف التآثرات وليست كائنات «حقيقية» يمكن دراستها.

مع نهاية الستينات قام تعاون بين فيزيائيي معهد ماساتشوستس للتقانة وفيزيائيي مركز ستانفورد للمسرع الخطي (SLAC) لدراسة البنية الداخلية للنكليونات بإمرار حزمة إلكترونات ذات طاقة عالية عبر الهيدروجين السائل. وبما أن نواة الهدروجين هي بروتون وحيد فإن هذه العملية تشبه إلى حد بعيد إطلاق الإلكترونات على بروتونات صافية. وقد استنتجت بنية البروتون من دراسة تفاصيل انحرافات الإلكترونات.

قبل ذلك نُفذت تجارب مشابهة وأشارت جميعها إلى أن البروتون عبارة عن شحنة كروية طرية. لكن ما أدهش الجميع عندما توفرت طاقات أعلى مما سبق في المسرّع (SLAC) الجديد، هو تبعثر بعض الإلكترونات وكأنها صدمت نقاطا صغيرة قاسية من الشحنات تقع ضمن البروتونات. وقد عزا التجريبيون ذلك في البداية إلى وجود خطأ ما أو إلى مفعول يصعب تحليله، غير أن النتائج كانت حقيقية وكانت الدليل الأول على أن الكواركات أشياء واقعية.

نعلم اليوم احتواء النكليونات على جسيمات متراقصة باستمرار سريعة الزوال والحضور تأتي إلى الوجود وتختفي. بعض هذه الجسيمات هي الگلوونات gluons، وهي التي تنتج القوة الشديدة. أما الكواركات الرئيسية الثلاثة المكونة للنكليون ـ المعروفة بالكواركات التكافئية ـ فتتبادل الگلوونات فيما بينها ليظهر الأثر مشابها لحالة غراء مطاطي شديد يمسكها معا(1). وإلى جانب هذه الكواركات التكافئية الثلاثة والگلوونات فإن كواركات «افتراضية» قصيرة العمر ومضاداتها تتجسد وتختفي مثنى مثنى، وبذا تسهم في خواص النكليون. [انظر الشكل في الصفحة المقابلة].

أربعة مظاهر مختلفة للبروتون
1- يظهر البروتون عند ميز منخفض وكأنه كرية «طرية» (اللون الرمادي) قطرها نحو
2 x 10-15 متر، شحنته +1 واندفاعه الزاوي أو سپينه 2/1 (السهم). يتجه السهم وفق محور الدوران إلى جسم يدور بحيث يبدو الدوران باتجاه حركة عقارب الساعة عندما ينظر إليه وفق السهم. تمتلك الجسيمات الكمومية سپينا ذاتيا ثابت القيمة وهذا ما يميزها عن فكرتنا المعتادة عن الأجسام الدائرة.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/22/16/0-EDHYTT18-16-13.bmp[/BIMG]

2 - يصف نموذج الكوارك البروتون على أنه مجموع كواركين فوقيين (اللون الأخضر) وكوارك تحتي (اللون الأزرق) بحيث تضاف شحناتها وسپيناتها الإفرادية إلى خواص البروتون. ولكل كوارك سپين مقداره 2/1، وسيكون السپين الإجمالي 2/1 أيضا إذا ما تفانى، على سبيل المثال، سپينا كواركين متجهين باتجاهين متضادين.
3 - كشفت تجارب أجريت في نهاية الستينات عن بنية نقطية للكواركات ضمن البروتون، ووصفت نظرية الكروموديناميك الكمومي (QCD) القوة التي تمسكها معا، وبينت هنا وكأنها نوع من وتر مرن (اللون الأبيض). والوتر تعبير لجسيمات (هي الگلوونات) يمتلك كل منها سپينا يساوي الواحد. ويمكن لحركة الكواركات والگلوونات ضمن البروتون أن تسهم أيضا باندفاع زاوي في سپين البروتون.
4 - يضيف التوصيف الكمومي الكامل لكروموديناميك كمومي رقصات معقدة مرتعشة لكواركات افتراضية ولكواركات مضادة (الرسم الأحمر) بما فيها الكواركات الغريبة (اللون الأرجواني) التي لا تعد عادة جزءا من المادة العادية. إن هذه اللقطة التي أخذت لتشَكُّلٍ عامٍ مفرد تلمح إلى الشكوك الكمومية الكاملة وإلى التأرجحات الدينامية. أما تفاصيل كيفية الوصول إلى سپين البروتون نتيجة هذه الرقصات فمازالت حساباتها الموثوقة عسيرة وتتكشف بصورة تدريجية بالتجربة فقط.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/0-KVYTWF41-11-24.bmp[/BIMG]

والسپين خاصةٌ ذات أهمية بالغة، وهو شكل من أشكال الاندفاع (الزخم) الزاوي الفطري innate angular momentum. ولكل من الجسيمات المكونة للنكليون سپين، وبطريقة أو بأخرى فلا بد لسپينات «الدراويش» الدوارة هذه من أن تضاف بعضها إلى بعض لتعطي سپين النكليون الكلي المشاهد. ويبدو من النظرة الأولى أن نموذج الكواركات الثلاثة للنكليون يفسر سپينه بطريقة أنيقة: إذ يمكن لكواركين من الكواركات الثلاثة أن يكون سپيناهما متعاكسين فيعدم أحدهما الآخر ليبقى سپين الكوارك الثالث الذي يعطي سپين النكليون الملاحظ بالضبط. ومن المنطقي القول بأن سپينات جميع الگلوونات وأزواج الكواركات والكواركات المضادة الافتراضية تضاف إلى بعضها بعضا لتعطي، بصورة وسطية، الصفر. غير أن الواقع ليس بهذه البساطة.

أشارت النتائج التجريبية في أواسط الثمانينات إلى عدم إمكانية تفسير سپين النكليون وردّه إلى سپينات الكواركات المكونة له. وأدت هذه المفاجأة إلى إحداث «أزمة السپين». فانطلق جهد نظري مكثف للتوفيق بين النظرية والتجربة. وكانت المفاجأة الأخرى هي أن الكواركات الغريبة ـ والتي عادة تعتبر منفية (مبعدة) إلى عالم الجسيمات القصيرة العمر والتآثرات ذات الطاقة العالية ـ يبدو كأنها تؤدي دورا كبيرا في بنية السپين للنكليون المألوف.

يعتقد النظريون اليوم أن باستطاعتهم تفسير كيفية حدوث هذه السمات. وتدخل الجهود التجريبية مرحلة جديدة حيث تختبر في مختبرات أوروبية وأمريكية بنية السپين في النكليونات بوساطة تقنيات مبدعة ودقة أفضل. وسننتظر لنرى ما إذا كانت النتائج ستؤكد فهمنا هذا أم أنها ستولد أحجيات جديدة وبالتالي «أزمة» أخرى.

أهمية السپين
إن كل ما يدور أو يتحرك حول نقطة ثابتة يملك اندفاعا (زخما) زاويا. فللأرض، على سبيل المثال، اندفاع زاوي مداري نتيجة دورتها السنوية حول الشمس، ولها اندفاع زاوي ذاتي نتيجة دورانها اليومي حول محورها. ويقابل سپين الجسيمات الأساسية الاندفاع الزاوي الذاتي غير أن له خواص كمومية مميزة. إذ يتطلب الميكانيك الكمومي من السپين أن يأخذ فقط قيمة مضاعفات كمية أساسية بالغة الصغر تدعى كموم فعل پلانك Ћ (وتلفظ h بار).

ويسمح للسپين أن يأخذ فقط مضاعفات صحيحة ونصف صحيحة، وتمتلك جميع جسيمات المادة المألوفة ـ كالإلكترونات والبروتونات والنيوترونات والكواركات ـ أصغر قيمة غير معدومة ممكنة لسپيناتها وهي نصف Ћ. ومن المعتاد القول إن سپين هذه الجسيمات هو النصف.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/0-XHVFIZ91-59-29.bmp[/BIMG]



إن لبنية السپين أثرا أشد في الجسيمات تحت الذرية مما هو في الذرات. ففي ذرة الهيدروجين (a) عندما يصطف سپينا البروتون (اللون الرمادي) والإلكترون (اللون الأحمر) في اتجاه واحد يرتفع السپين الكلي للذرة من الصفر إلى الواحد، لكن كتلتها لا تزداد إلا بضعة أجزاء من المليون من الإلكترون ڤلط. وبالمقابل فإن جسيم +Δ والبروتون (b) ـ وكل منهما يتألف من كواركين فوقيين وكوارك تحتي ـ لا يختلفان إلا بسپينهما، وهذا الاختلاف يجعل جسيم +Δ أثقل من البروتون بنحو 30 في المئة.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/1-CYSCQA9-09-30.bmp[/BIMG]

يؤدي السپين دورا حاسما في تحديد سلوك الجسيم. فلو كان للإلكترون سپين مغاير لـ 1/2 على سبيل المثال لتغيرت طريقة تكدس الإلكترونات في مدارات حول الذرة تغيرا جذريا، ولتحوَّل الجدول الدوري للعناصر وكل الكيمياء إلى حالة تختلف تماما عما هي عليه.

إن حساب سپين جسيم مركب بجمع الاندفاعات الزاوية لمركباته ليس ببساطة جمع شحناتها الكهربائية، لأن لكل اندفاع زاوي اتجاها مرافقا له. فاتجاه سپين الأرض مثلا يمثل بسهم يمر عبر محور الأرض متجها من الجنوب إلى الشمال.

مع ذلك فإن حساب مجموع السپينات لذرة ما حتى لو كانت تحوي عشرات من الإلكترونات أمر مفهوم جيدا، وهو من التمارين التي تطرح على طلبة الفيزياء في مقررات الميكانيك الكمومي. إلا أنه لم ينجح أحد حتى الآن، لسوء الحظ، في القيام بحسابات مماثلة للكواركات والگلوونات التي تؤلف البروتونات والنيوترونات.

منغصات الكروموديناميك الكمومي (QCD)
تكمن المشكلة في النظرية التي تصف القوة الشديدة، وتعرف هذه النظرية باسم الكروموديناميك الكمومي (QCD). فقد عُرفت معادلاتها منذ السبعينات غير أن بعض السِّمات فيها تجعل التعامل معها بالغ الصعوبة. وحتى اليوم لا يستطيع الفيزيائيون إيجاد حلول دقيقة لمعادلات نكليون واحد على الرغم من تمكنهم من التقنيات الرياضياتية الأكثر تعقيدا وحصولهم على أقوى الحواسيب التي تعمل على التوازي.

تنشأ القوة الشديدة عندما تتبادل الكواركات الگلوونات بشكل يحاكي توليد القوة الكهرمغنطيسية عندما تتبادل الجسيمات المشحونة كهربائيا الفوتونات. إلا أن اختلافين جوهريين بينهما يجعلان الكروموديناميك الكمومي أبعد عن التناول الرياضياتي من الكهرمغنطيسية. أحدهما، كون الفوتونات متعادلة كهربائيا وبالتالي «لا تشعر» بالفوتونات الأخرى مباشرة، في حين تتآثر الگلوونات بعضها مع بعض مباشرة. والآخر، إن شدة التآثرات القوية أعلى مئة مرة من الكهرمغنطيسية (ومن هنا أتى اسمها). إن لأبسط السيرورات أكبر الآثار في التآثرات الضعيفة نسبيا كالتآثرات الكهرمغنطيسية، ولا تدخل السيرورات الأكثر تعقيدا في الحسبان إلا للوصول إلى دقة أكبر. ومع هذا، فيمكن في حالة القوة الشديدة لسيرورات معقدة جدا تتضمن تآثرات متعددة أن تسهم إسهاما كبيرا، ولا توجد طريقة بسيطة للتعامل مع الرياضيات الناتجة.

كشف بنية سپين النكليون

[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/0-IKUYOV34-37-37.bmp[/BIMG]

يوجه مسرع حزمة من الإلكترونات أو الميونات المستقطبة (أي «لپتونات») باتجاه هدف من النكليونات المستقطبة. وتقيس المكاشيف انحرافات اللپتونات الناتجة وطاقاتها الضائعة. تحلل تجارب حديثة أيضا المخلفات الصادرة عن النكليونات لتستدل بها على نوع الكوارك المصدوم المنتج لكل انحراف.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/1-ZUAPKA98-47-37.bmp[/BIMG]

ينحرف اللپتون عندما يتبادل فوتونا مع أحد كواركات النكليون. ولا تكاد تتآثر اللپتونات التي تتجه سپيناتها باتجاه الحزمة إلا مع الكواركات التي تتجه سپيناتها بالاتجاه المضاد (أسفل اليمين). وعندما يُعكس استقطاب الحزمة (أو استقطاب النكليون) (أسفل اليسار) تتآثر اللپتونات مع كواركات مختلفة، ويتغير توزع زوايا الانحراف (التبعثر) وضياعات الطاقة المشاهدة. ويكشف الفرق عن اللاتناظر في سپينات الكواركات في النكليون.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/2-DMYMSA15-57-37.bmp[/BIMG]
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/0-BBZSSC6-28-47.bmp[/BIMG]

إذا ما اقتلع كاؤون سالب خارج النكليون حاملا طاقة كبيرة (أسفل اليمين)، فيحتمل أن يكون الفوتون قد ضرب أحد مكونيه ـ كوارك غريب أو كوارك فوقي مضاد. ويستطيع الفيزيائيون تحديد استقطاب هذه الكواركات من حساب انحرافات اللپتونات المقابلة. وفي تجربة هرمس HERMES [انظر الصورة] تسير حزمة الإلكترونات في الأنبوب الرمادي الضخم باتجاه مغنطيس مقياس الطيف (اللون الأزرق). يوضع الهدف وبعض المكاشيف الصغيرة أمام المغناطيس، أما مكاشيف الجسيمات الرئيسية فتقع خلف المغناطيس.

وفي واقع الأمر فإن التآثر القوي للگلوونات بعضها مع بعض يعني أن الكروموديناميك الكمومي (QCD) نظرية «لاخطية»: بمعنى أن أي تغير صغير في الشروط هو بمثابة كرة ثلج تتدحرج وتتعاظم لتعطي أثرا ضخما. والدينامية اللاخطية هي صلب نظرية الشواش، وقد أظهرت الدراسات العديدة للمنظومات الشواشية في السنوات الأخيرة مدى تعقيدها. أضف إلى ذلك أن الكروموديناميك الكمومي (QCD)، وهو نظرية حقل كمومي، يعني خلق وفناء الكواركات الافتراضية والگلوونات بصورة مستمرة، وضرورة أن نأخذ في الحسبان تآثراتها الإفرادية القصيرة الأمد، والسريعة التفشي. وإذا لم تكتف بهذا التعقيد فعليك بمبدأ عدم التحديد الذي يملي على الكواركات المحصورة ضمن حجم صغير جدا في البروتون أو النيوترون أن تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء.

وفي بعض النواحي، فإن للسپين أهمية في الكروموديناميك الكمومي (QCD) أعظم من أهميته في الفيزياء الذرية. فيمكن أن يكون السپين الكلي لذرة هيدروجين مثلا صفرا أو واحدا، تبعا لكون سپين البروتون وسپين الإلكترون الحوَّام حولها يوازي أحدهما الآخر وفي الاتجاه نفسه أم في اتجاهين متعاكسين (انظر الشكل في الصفحة 46). غير أن الفرق في الطاقة بين هذين البديلين صغير جدا. وعلى نقيض ذلك، لنأخذ الجسيم المسمى +Δ دلتا زائد، (وتدل الإشارة على شحنته الكهربائية المساوية +1) فهو مكون من الكواركات الثلاثة نفسها التي تكوّن البروتون لكن السپينات تجمع مع بعضها لتعطي 2/3 بدلا من 2/1. إن كتلة +Δ أكبر بثلاثين في المئة من كتلة البروتون، مما يعني أن ترتيب السپينات في الاتجاه نفسه يتطلب قدرا أكبر من الطاقة.

«مجاهر» لپتونية
يفحص التجريبيون بنية النكليونات عادة بقصف هدف منها بحزم جسيمات ذات طاقة عالية، مثل الإلكترونات والميونات muons. (إن الميون هو ابن عم غير مستقر للإلكترون وأثقل منه). غير أن هذه الجسيمات التي تدعى لپتونات لا تتأثر بالقوة الشديدة مما يجعل التصادمات الناتجة محكومة بالقوة الكهرمغنطيسية. ثم إن اللپتونات تسلك سلوك نقط لا أبعاد لها. لذا فإن رياضيات تآثرها مع النكليونات مبسطة إلى حد بعيد ومفهومة جيدا، وهكذا تكمن التعقيدات في بنية النكليون نفسه وليس في المسبار المستعمل.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/1-BDJUUF6-38-47.bmp[/BIMG]


يسرع مصادم HERA الإلكترونات في حلقة تخزين محيطها 6.3 كيلومتر. تدور الإلكترونات (اللون الأحمر) نحو 47000 مرة في الثانية مصدرة باستمرار أشعة سينية قاسية تدعى الإشعاع السنكروتروني (اللون الأسود). بالتدريج وعلى مدى نحو 30 دقيقة يقطب الإشعاع السنكروتروني سپينات الإلكترونات (الأسهم الحمراء) باتجاه معامد لمسار الحزمة (يُصوِّر استقطابا قدره 100 في المئة لكنه يبلغ عمليا 60 في المئة فقط). تشغل مكاشيف هرمس وهدفه (اللون الأزرق) القاعة التجريبية الشرقية، في حين تشترك معه ثلاث تجارب أخرى (اللون البني) في حزمة HERA. تدوِّر مغانط خاصة (اللون الأصفر) الاستقطاب كي يقع في اتجاه مسار الحزمة قبل نقطة تصادم هرمس ثم تدوِّرها ثانية إلى الاتجاه العرضي. وتقوم مقاييس الاستقطاب برصد الاستقطاب.
عندما يمر إلكترون أو ميون قرب نكليون هدف، يشعر بقوة ناجمة عن الشحنات الكهربائية المكونة للنكليون. وبلغة نظرية الحقل الكمومية فإن اللپتون والنكليون يتبادلان فوتونا ينقل طاقة من أحدهما إلى الآخر ويحرف اللپتون (انظر الشكل في الصفحة السابقة). وبقياسات دقيقة لانحرافات اللپتونات وطاقاتها الضائعة نتيجة التصادمات يستطيع الباحثون تصور كيفية توزع الشحنات الكهربائية ـ كالتي تحملها الكواركات ـ ضمن النكليون.

يعمل المسرع (الذي يزيد من سرعة اللپتونات) والمكشاف (الذي يلتقط اللپتونات المنحرفة عن الهدف) معا عمل مجهر عملاق. وكلما ارتفع الاندفاع الخطي للفوتون المتبادل ازدادت إمكانية فحص بنية النكليون بتفصيل أدق. يحتاج اللپتون بصورة عامة إلى طاقة تقارب 100 جيگا إلكترون ڤلط (GeV) تمكِّنه من تمييز تفاصيل تصل إلى بضعة أجزاء في المئة من حجم النكليون. (إن الGeV هي وحدة الطاقة المعتادة المستخدمة في فيزياء الكروموديناميك الكمومي QCD وتقارب المكافئ الطاقي لكتلة البروتون أو النيوترون في حالة السكون). ولدراسة البنية السپينية للنكليون يجب أن تكون سپينات جسيمات الحزمة والهدف كليهما مستقطبة ـ أي أن تكون مصطفة على خط واحد. إن التآثر الأساسي بين اللپتون وكوارك الهدف يكمن في تبادل فوتون، ولكن إذا كان محور سپين لپتون الحزمة متجها باتجاه الحزمة فإن اللپتونات ستتبادل بصورة رئيسية الفوتونات مع الكواركات ذات السپين المعاكس. وهكذا يستطيع التجريبيون، من معرفتهم لانحرافات اللپتونات، الحصول على معلومات عن كيفية توزع كواركات ذات توجه محدد ضمن النكليون. وعلى وجه الخصوص يمكن لقياسات أخذت أولا وفق استقطاب ما، ثم أخذت عندما كان استقطاب الحزمة (أو الهدف) في الاتجاه المعاكس أن تكشف عن اللاتناظر في سپينات الكواركات، أي عن الفرق بين السپينات المتوازية والسپينات المتعاكسة.

أجريت قياسات استقطاب من هذا النوع لأول مرة في أواخر السبعينات في المسرّع SLAC بوساطة حزمة إلكترونات وهدف قرّي cryogenic من البوتانول C4H9OH في درجات حرارة منخفضة جدا. اتفقت نتائج المسرع SLAC التي نشرت أوائل الثمانينات مع التوقعات بكون نحو 60 في المئة من سپين البروتون آت من الكواركات وبإسهام الكواركات الغريبة الضعيف في هذا السپين. غير أن البيانات كانت محدودة بالطاقة المنخفضة نسبيا لحزمة الإلكترونات (التي راوحت بين 10 وGeV 20) واعتمدت هذه النتائج على استيفاء (استكمال خارجي) extrapolation لطاقات أعلى.

في أواسط الثمانينات بدأت مجموعة من الفيزيائيين، سميت تعاون الميون الأوروبي (EMC) European Muon Collaboration، بإجراء تجاربها في المركز CERN، المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات قرب جنيڤ، مستعملة حزمة ميونات طاقتها 200 GeV وهدفا من الأمونيا (NH3) الصلبة المستقطبة. في البداية تُشكِّل حزمة من البروتونات الصادرة عن المسرع حزمة من البيونات العالية الطاقة لا تلبث أن تتفكك طبيعيا، خلال طيرانها، إلى ميونات مستقطبة بنسبة 80 إلى 90 في المئة. غير أن شدة حزمة الميونات الناتجة لا تساوي سوى جزء من مليون من شدة حزمة الإلكترونات المستقطبة التي استخدمت في المسرّع SLAC. وللتغلب على هذه الندرة جُعل طول الأهداف القرّية التي استعملها التعاون EMC 72 سنتيمترا. إذ إن أهدافا أقصر من هذا، ستُنقص من عدد الميونات المتآثرة مع البروتونات المستقطبة خلال مرورها بالأمونيا بحيث يتعذر الحصول على قياسات دقيقة.
[BIMG]http://www.up75.com/UpLoadImages/2009/10/23/20/2-SNPLQK70-49-47.bmp[/BIMG]


يقاس استقطاب سپين البروتون بوساطة تجارب عديدة. يظهر لاتناظر السپين الكلي المستخلص من تجارب حديثة أجريت في SLAC و SMC وهرمس (في اليمين) أن سپينات الكواركات تسهم بجزء صغير فقط في سپين البروتون. وكانت البيانات التي تبعت المنحني قد أشارت إلى إسهامات أكبر، كما كان متوقعا في بداية الثمانينات. وقد قيس حديثا استقطاب السپين للكواركات الفوقية وللكواركات المضادة فقط (في اليسار) في تجربة هرمس.
وقد قامت مجموعة المركز CERN خلال بحثها عن بنية السپين البروتونية في الطاقات العالية باكتشاف مذهل مفاده أن إسهام سپينات الكواركات في سپين البروتون ضئيل جدا. أضف إلى ذلك، أنه بدا ممكنا أن تكون الكواركات الغريبة الافتراضية ضمن البروتون مستقطبة تماما وأن تسهم إسهاما كبيرا بصورة غير متوقعة في السپين الكلي: نحو 10 في المئة لكنها مصطفة في الاتجاه الخطأ!

وبعد بضع سنوات، قادت تحسينات تقانية استثنائية تستهدف التوصل إلى حزم وأهداف عالية الاستقطابية إلى جيل جديد من التجارب على درجة أعلى من الدقة. وقد اقتضى كل ذلك، إضافة إلى البراعة التقانية، تنظيم القوى البشرية والموارد على نطاق واسع. وهكذا قام تعاون سپين الميون Spin Muon Collaboration (SMC) الذي ورث الجهاز السابق في المركز CERN واستبدل الهدف السابق بهدف طوله 1.2 متر (أطول هدف بُني حتى الآن) مصنوع من الديتريوم (هيدروجين أضيف إلى نواته نيوترون). كما بدأت تجارب جديدة في المسرع SLAC أيضا تستخدم أهدافا تحتوي على الهيدروجين أو الديتريوم وتستخدم أيضا هدفا من نظير الهليوم He3. إن للهليوم He3)3) نيوترونا وبروتونين يتفانى سپيناهما. وتزودنا التجارب على الديتريوم والهليوم 3 بمعلومات مهمة عن بنية سپين النيوترون التي ينبغي أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا ببنية سپين البروتون.

تجارب هرمس HERMES وما بعدها
في عام 1988 اقترح تعاون عالمي (اشترك فيه أحدنا ـ ريث) تعديل مصادم الإلكترون والبروتون المسمّى هيرا HERA العامل في مسرع الإلكترون السنكروتروني الألماني ديزي DESY بهامبورگ بغية إجراء قياسات سپين النكليون. وأصبح معروفا باسم تعاون هرمس HERMES. تدور الإلكترونات في حلقة هيرا نحو 000 47دورة في الثانية منتجة حزمة شدتها الوسطية أكبر ب000 10 مرة من شدة حزمة SLAC (انظر الشكل في الصفحة المقابلة). ويمكن استعمال هذه الحزمة الشديدة مع أهداف غازية منخفضة الكثافة من الهيدروجين الذري أو الديتريوم أو الهليوم 3. وفي مثل هذه الأهداف نتجنب «التخفيف» السپيني الذي يحدث في أهداف البوتانول والأمونيا الحاوية على العديد من أزواج البروتونات والنيوترونات غير المستقطبة الموجودة فيها ضمن ذرات الكربون والنتروجين والأكسجين.

وكان لا بد من تجاوز صعوبات تقنية حادة، مما اقتضى أربع سنوات من الجهد بذله خبراء المسرع DESY وأعضاء تعاون هرمس لبيان كيفية الوصول إلى استقطاب عال ثم استعماله بصورة منتظمة. وعندئذ تلقى تعاون هرمس الموافقة النهائية على مشروعه فأنشئت مكاشيفه وركِّبت. وبدأ هرمس بأخذ البيانات في صيف عام 1995.

تتفق جميع نتائج الجيل الثاني من التجارب مع بعضها بعضا منسجمة انسجاما حسنا فيما بينها (انظر الشكل الأيمن في الصفحة 49)، وتؤكد أن نحو 30 في المئة فقط من سپين البروتون ناتج من سپينات كواركاته. إضافة إلى ذلك، بدأت التجارب الآن بتحديد إسهام كل نوع من أنواع الكواركات نتيجة دراسة مخلفات النكليون من كل تصادم. يظهر الشكل الأيسر في الصفحة 49 نتائج هرمس الحديثة في توزع الكواركات الفوقية المستقطبة. وسيزودنا هرمس أيضا بأول قياسات مباشرة لاستقطاب الكوارك الغريب وذلك بعزل التصادمات التي تعطى كاؤونا kaon سالبا (يتألف من كوارك غريب ومضاد كوارك فوقي).

ولم تعد ال70 في المئة الباقية من السپين تشكل «أزمة» بعد الآن. إذ يمكن أن تأتي من سپينات الگلوونات (فلكل گلوون سپين يساوي الواحد) ومن الاندفاع الزاوي المداري الناتج من حركة جميع الكواركات والگلوونات ضمن النكليون. وبالفعل، يمكن للنماذج النظرية المعروفة اليوم بخصوص بنية السپين أن تتفق مع البيانات التجريبية شريطة أن يكون إسهام الگلوونات الكلية ما بين واحد واثنين من وحدات السپين الكمومية. كما تتطلب اندفاعا زاويا مداريا (ناجما عن حركة جميع الجسيمات في النكليون) مساويا -1.

إن وجود مثل هذه الكميات الكبيرة من السپينات ضمن نكليون سپينه الكلي 2/1أمر مستغرب للوهلة الأولى. فهل يمكن التحقق من هذه الإسهامات المثيرة للدهشة للگلوونات والاندفاعات الزاوية المدارية كل على حدة؟ حتى الآن لم يقترح أحد طريقة عملية لقياس الإسهام المداري. وفي حين تشير بيانات هرمس إلى إسهام فعلي للگلوونات في سپين النكليون، فإن قدر هذا الإسهام لم يحدد بعد. يمكن لدراسات تتصادم فيها البروتونات المستقطبة مع بعضها بعضا في الطاقات العالية أن تحدد مباشرة السپين الناجم عن الگلوونات. وفي عام 2000 ستبدأ تجارب من هذا النوع في مصادم الأيونات الثقيلة النسبوية بمختبر بروكهافن الوطني [انظر: ,A Little Big Bang by Madhusree Mukerjee; Scientific American, March 1999].

كما ستقيس تجربة الجيل التالي من التجارب في المركز CERN المسماة كومپاس COMPASS إسهام الگلوونات. وإذا ما اتضح أن الإسهام المقيس صغير جدا فإننا سنواجه «أزمة سپين» أشد خطورة بكثير مما حدث في أي وقت مضى.

إن لتوضيح البنية الداخلية للنكليونات أهمية إضافية في عوالم أخرى من فيزياء الجسيمات. فالإسهامات في السپين مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبنى الرياضياتية التي نراها ـ لا في الكروموديناميك الكمومي (QCD) وحسب وإنما أيضا، على سبيل المثال ـ في التآثرات الضعيفة (التي تسبب تفكك بعض النوى وتساعد على تزويد الشمس بالطاقة). وبصورة خاصة فإن قاعدة جمع بيوركن Bjorken، التي اشتقها <J.بيوركن> الباحث في المسرع SLAC عام 1966، تربط بين تبعثر الإلكترونات المستقطبة عن النكليونات المستقطبة (وهذه سيرورة كهرمغنطيسية) وبين تفكك النيوترون (وهي سيرورة ضعيفة).

تؤكد تجارب السپين صحة قاعدة جمع بيوركن بدقة تزداد يوما بعد يوم، وبالتالي فهي تؤكد صحة عناصر البنية الرياضياتية الأساسية للكروموديناميك الكمومي (QCD) وللمنوال المعياري. وهكذا نرى أن العلماء يتعلمون المزيد عن خواص الكون الأساسية حتى عندما ينشدون الإجابة الكاملة عن السؤال البسيط ظاهريا والبالغ الصعوبة في الواقع: ما الذي ينتج سپين النكليون؟.

نقلاً عن مجلةالعلوم
رد مع اقتباس