ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
عرض مشاركة واحدة
  #322  
قديم 25-11-2009, 22:31
الصورة الرمزية محمد يوسف جبارين
محمد يوسف جبارين
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: أم الفحم..فلسطين ...تحت الاحتلال الصهيوني
المشاركات: 51
افتراضي رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟

بين سلام والسلام

بقلم: محمد يوسف جبارين(أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين


وهل هناك أرفع من السلام معنى يحيط بالحياة ويتخللها ، ويسودها ؟!
فانتزاع السلام من الحياة ، يتركها تضطرب وتصطرع ، فقلق وضيق معاش ..فقدان سيطرة واضطراب ديمومة . فلا أمن ولا أمان . صراع يدور ويشتعل . نار تأكل ولا يكف لهيبها عن التهام الأخضر واليابس .
فطالما أن هناك حياة في الأرض ، فلا أروع ولا أنبل ، ولا أعظم من السلام كلمة ومعنى وحياة ، ومعنى يتمناه الانسان لنفسه وللناس والمحيط الذي يحيط به ، فمناخ يسوده السلام فيه من الظروف والامكانيات ، ما يجعل الانسان قادرا على أن يحيا حياة حرة كريمة عزيزة .
لذلك كانت " السلام عليكم " تحية الاسلام ، فاذا ثمة حياة ، فأمن الحياة ، وأمان من يحياها .
وكلاهما الأمن والأمان ، لا يقومان وحدهما ، بل يشترطان وضعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلميا ، يؤهل الظروف ، وينميها ، لتكون على حال يسفر عن الأمن والأمان لكل الناس . فلقد تضطرب الأوضاع في البلاد ، بسبب من وضع اقتصادي أو اجتماعي ، وهذا الخلل لربما يتسبب في تغييب الأمان والأمن .
ولعل الايماءات وأطراف الكلام ، فيها من قوة الافصاح ما يضع الفكر على كشف دلالات ونوايا ، وأوجه مقاصد وقناعات ، ما يكفي للتعرف على موقف مستور ، أو فكر يحاول أن يستر نفسه بضبابية يتلمع بها .
وثمة انتباه الى الفارق بين " السلام عليكم " وبين " سلام..." لنلاحظ فارقا اساسيا ، في مقصود الكلمات من معان ودلالات ، والذي يوفر انتاج هذا الفارق هو( أل التعريف ) ، وما تنضح به النفس ، وله صلة بالمخصوص بالكلمات حين النطق بها ، فهذه تدخل على كلمة " سلام " فتصبح "السلام " ، فلا تتركه على عواهنه .. أي سلام . بل تصله بمقصوده من المعاني والدلالات ، فتغدو " السلام عليكم " حين قولها تخص المعاني التي تتكامل لها في مبناها ، وتخص قائلها ، بما يقصده ويتمناه من المعاني ، وما تعنيه في مجرى حياته . فكذلك يعلن عن نواياه ومقاصده ، وتخص من يتلقى الكلمات ، فوقعها له صلة بأحوال النفس والعقل حين التلقي ، لكنها على أقل تقدير تنبه العقل بأن هنا آخر .. هذا هو مقصوده وهذا ما يتمناه . وبين هذه وبين " سلام " ، وقد تجردت من أل التعريف ، نجد أن التجريد في حد ذاته ، لا يوجب بالضرورة الحصر والتحديد ، لكل المعاني التي يتوجب أن تعنيها كلمة السلام . وهو ما يدع للقائل وما يعنيه بما يقول ، والذي خصه بما قال ، مساحة نوايا ومقاصد مخبوءة ، فجائز أن يكون محمول الكلمة لدى المتلقي ، غير محموله لدى قائله ، فالمستمع المتلقي أغرق الكلمة بالمعاني التي ظنها محمولا ، وما منها معنى ابتغاه وقصده القائل ، فالكلمة ذات قابلية لأكثر من محمول .
والقول بأن سلام هو السلام يحتاج الى اعادة نظر ، بالتنازل عن اعتباط المعاني وتسريحها في غير مذاهبها ، وذلك لحاجة العاقل دوما ، الى تكوين حكم ، يستقيم له ، فما حال مقصود المعاني وعلى أي وجه رمت . فسلام بمعنى أي سلام ، ليس بالضرورة ، بأن يكون هو السلام ، فسلام لا يكون على كل قصد وعلى أي قياس بمعنى السلام .
فسلام بمعنى الاستسلام هو غير السلام ، وذلك لأن السلام ، لا يكن بمعنى الاستسلام .
فمن يريد للطرف الآخر أن يساوم ويسرف في مساومته ، والى حد الخضوع والاستسلام ، فانه لا يستطيع أن يزعم لنفسه ، بأنه امتلك المقدرة على اقامة السلام .
فالذي قام به هو استعماله للقوة في انجاز الاستسلام ، لا السلام ، فالطرف القوي الذي يفعل ذلك ، ضد الطرف الضعيف الذي ينازعه ، فانه لا يحصل على السلام ، حتى وان ذهبت به ظنون القوة والوهم التي تبسطه ، الى قناعته بأنه قد استطاع ، وذلك لأن ما استحصله بقوته هو أمر وواقع قد صنعه بالقوة .
وما سوف يترتب على ذلك ، هو أن كل ادامة أو استطالة في عمر الأمر الواقع ، انما تشكل ضغطا على أعصاب الطرف الضعيف ، لاستنفار قدراته ، وتجميعها في فعل يترتب عليه تغيير الأمر الواقع .
فالسلام على شعب فلسطين ، يعني أن تعود الأمور سيرتها الأولى ، بأن تعاد صياغة الظروف من جديد ، بحيث يترتب عليها ظروف فيها كل فلسطيني ، وقد استرد حقوقه وهدأ باله واستراح الى حقه الذي عاد اليه .

فاذا كان " بن عامي " وزير خارجية اسرائيل السابق ، ومعه حكومة اسرائيل قالا بسلام لأبناء فلسطين ، فانهما لكي يفعلا ذلك ، قد طالبا واشترطا من بين ما طالبا به الفلسطينيين والمسلمين عموما ، الموافقة على سيادة لدولة اسرائيل تحت عمارة المسجد الأقصى ، أي أنهما طالبا المسلمين بالتنازل عن جوهرة دينهم ، ويعني بأنهم مطالبون باعادة النظر في دينهم . وهو مطلب اسرائيلي لم يزل يتردد وتقول به الألسن ، ويقال كاشتراط من جملة اشتراطات ، منها أن تكون القدس خارج الأفق الفلسطيني ، أي أن تكون يهودية وعاصمة لدولة اليهود وفقط ، وبأن يقول العرب بوضوح ، باعترافهم بأن اسرئيل دولة يهودية ، وبأن يقبل العرب بأن اللاجئين لن يعودوا الى ديارهم ، وبأن يتاح لاسرائيل أن تتوسع في الضفة الغربية بمقدار حاجتها ، وبأن تغدو ما تأخذه من الأرض جزءا لا يتجزءا من دولة اليهود ، وبأن يكون الكيان الفلسطيني الذي سوف يحمل عنوان دولة منزوعة السلاح ، بمعنى أن يكون أمن أبناء فلسطين رهينة بيد الأمن الاسرائيلي . وهي جملة اسرائيلية قالت بها حكومة اسرائيل ، في ظروف كانت هي بعينها المتاح لهارب من السلام بسردية باشتراطات ، يدير الحوار حولها ، بينا هو لا يكف عن سعيه ، في التوسع في الأرض وفي تعزيز أمنه ، فبذلك يوفر ظروف النفي لامكانية قيام كيان فلسطيني مستقل ، وتصبح كلمة سلام ، بذات المعنى المطروح بين من يملك سيطرة على الأرض ، وبين من لا يملك ما يماثل سيطرة كهذه .
وما الاقتراب من اقتران لقيامة سلام ، بسيطرة يهودية على تحت مصطبة الأقصى ، الا عين طعن في الدين الاسلامي ، بطلب من المسلمين أن يتولوا هم أنفسهم القيام بهذا الطعن ، ذلك بأن الموافقة تعنى رضى الذات بطعن في هويتها ، فهو غزو ايمان وخلخلته ، وهو يعني أن يطفو الايمان الراسخ في الصدور من جديد ، ليغدو في متناول العقل ، وذلك لكي يتعقله العقل من جديد ، في اطار مسألة مطروحة أمامه ، ويحاول أن يتعقلها ، ليعيد للايمان مضمونا وصورة جديدة تتفق مع مقولاته المستجدة ، ويعني ذلك ، اعادة تأسيس للايمان على ما لا يتفق معه ، في وقت كان فيه العقل يتعقل الأمور باملاءات الايمان .
أي أن شرط سلام ، الذي لا أحد يفهمه بغير معنى الاستسلام ، هو أن نعيد هيكلة الاسلام وصياغته ، ليصبح اسلاما من نوع آخر ، لم نعرفه من قبل ، وذلك من أجل الوصول الى عهد واتفاق ، ترتاح له حكومة اسرائيل باقامة ما لا أحد يعرف له شكلا ، ولا أين كان ، ولا ما علاقة ما كان بالذي يراد له أن يقوم .
ذلك الشرط يغدو بالموافقة عليه ، وله صفة الاعلان التاريخي ، الذي يقرر أمام الدنيا بأن المسلمين يقرون ولأول مرة ، في تاريخ العالم بأن المسجد الأقصى ، قد أقيم فوق مكان ما يدعونه باسم الهيكل ، وعلى ذلك الاعلان ، وما ينطوى عليه ، وما يستمد منه ، فان بناء المسجد الأقصى يغدو عدوانا على دين آخر ، وبذلك فالأقصى هو الاضافة التي يحق تاريخيا ، لغير المسلمين أن يزيلوها من مكانها ليكون الهيكل ويعلو بناؤه .
فبذلك الاعلان تحصل حكومة اسرائيل ، على مشروعية لاقامة معبد تحت بناية الأقصى ، ومشروعية للشروع في التخطيط لازالة بناية الاقصى ، في وقت قادم ، ويسمح به ميزان القوى بين أطراف الصراع .
ومن تلك المشروعية التي تسعى اليها حكومة اسرائيل ، من خلال مطالبتها بالتوصل الى اتفاق كهذا ، تريد أيضا أن تستمد شرعية دينية وتاريخية وأخلاقية ، وهو ما يعطي الحق الديني والتاريخي في السيادة في ادارة شؤون الحكم في هذه الجغرافية ، فحتى الآن لا تزال هذه الشرعية مستمدة من القوة التي لا شرعية لها .
فتلك المطالبة بسيادة تحت بناية المسجد الأقصى ، ليست مقصودة لذاتها فقط ، وانما أيضا لاكتساب الشرعية بالموافقة من جانب المسلمين الذين لا يقرون شرعية كهذه .
وأما ذلك المكان الذي يوجد تحت الأقصى ، ويريدون أن يقيموا فيه معبدا ، ثم يسمونه هيكلا ، فانه المكان الذي تتم الاشارة اليه بتأسيس التعريف للأقصى في حدود البناء القائم والموجود حاليا ، فكل ما عداه أو خارجه فلا ينتمي اليه ، فكذلك يتم حصر قدسية الأقصى في البناء بذاته ، وهو ما يبيح بالجدل عزله عما عداه من مادة حوله وتحته وفوقه ، فيباح عندها الطلب في البناء خارجه .. خارج قدسيته ، تحت البناء ، لكن هذا ال" تحت" الذي يريدونه ، لا وجود له في لغة القداسة والمعراج ، فالأقصى وما حوله ليس تحته ، سوى ما بعد مركز الكرة الأرضية ، في الناحية الأخرى من الأرض ، وليس هناك فوقه ، سوى ما بعد آخر ذرة ، في أعلى نقطة في طبقة الهواء التي فوق الأقصى وما حوله ، فتلك حدود ال"تحت" وال"فوق" ، وخارج هذه الحدود ، ليفعل الآخرون ما شاءت لهم رغباتهم من بناء ليتعبدوا على طريقتهم ، وذلك ان كان هناك من يجيز لهم ذلك ، وكان لديهم استطاعة وقدروا .
ان المسجد الأقصى بيت الله ، أقيم باذن الله ، بارادة الله ، واختصه الله بالمعراج ، وهو اختصاص لم يختص به نبيا من قبل .
فالرسالة من المرسل الى الرسول في الأرض . في المعراج الرسول يعرج به الى السماء .. الى المرسل .
ولقد كان ذلك بارادة الله ، وما كان للانسان اختيار في ذلك ، وقد بارك الله المسجد الأقصى وما حوله . وقوله تعالى ذكره : (... باركنا حوله ...) ، بنص القرآن دالة على نطاق مساحات تحيط بالمسجد الأقصى ، والبركة رحمة بعباد يعبدون الله كما شاء هو لهم أن تكون العبادة ، لا كما صاغوها هم وارتاحوا لها ويريدونها ، فلا تكون تلك العبادة ، فلا بركة ، ولا رحمة على تطاول واجتراح سيئات .
وأما من كان اختياره أن يعاند ويكابر ويعترض بارادته على مشيئة الله في خلقه ، فذلك الذي فسق ، وضل سعيه وغوى ، وذاك الذي لا موطىء قدم له ، حيث البركة .
ولو اقتربنا من عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وفصلنا الشواهد على عدله تفصيلا ، وتوقفنا عند دخوله القدس وتتبعنا مواطىء أقدامه ، وما ذهب اليه من عدل ، نشره في المدينة وفي بقاع الأرض ، لتوصلنا الى أن هذا العدل انما يكفي دليلا على صلاته وركوعه وسجوده ، حيث المعراج ، انما هذا هو مكان المعراج ، وهذا هو المسجد الأقصى ، وهذا هو الذي يخص المسلمين ودين الاسلام ، وهذا هو المكان الذي كان منذ آدم ، وقف على رسالة التوحيد ، وها هو بارادة الله خاصة المسلمين ، فالعبادة فيه للمسلمين من دون سائر الأمم .
فالسلام لنا وعلينا ليس سلاما متاحا بارادة غزاة ، لا يتفق لهم الا ما ينسجم مع أطماعهم ، حتى ولو كان ذلك أن يتأتى لهم اقتلاع الايمان بالاسلام من قلوب المسلمين ، باقتراب من جوهرة ايمان وهي المسجد الأقصى ، ليكون العدوان عليه بعينه بوابه تفكيك لايمان ، فصلة بدين ، فصلة بأرض ، فصلة بوجود عليها .

.................................................. .................................................. .......................
25/11/2009 الأربعاء