ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
عرض مشاركة واحدة
  #348  
قديم 15-12-2009, 17:04
الصورة الرمزية محمد يوسف جبارين
محمد يوسف جبارين
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: أم الفحم..فلسطين ...تحت الاحتلال الصهيوني
المشاركات: 51
افتراضي رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟

حريق بين رموشي

بقلم : محمد يوسف جبارين( ابوسامح)..أم الفحم..فلسطين

حريق لا يزال ماثلا أمام عيوني . لا ينزل من بين رموشي . أتماثله دوما فكأني أراه ، كما رأيته أول مرة . رأيت الدخان ، فطار بي عقلي و وجداني ، مع من طاروا ، الى حيث يطير الوعي والانتماء والايمان ، بقلب ينخلع من مكانه الى ما تراه عيناه .
ولا يزال الحريق نافذة فكري ، الى فهم ما كان ، وما هو آيل ليكون ، فلم يتشكل لدي مفهوم واحد ، لكل ما له صلة بالمكان خارج الحريق . لقد كان الحريق هو رسالة القوة ، الى التاريخ والجغرافية والديمغرافية ، واللغة والثقافة والدين .
لم يكن الحريق جنونا من جنون مجنون ، ولا من خبل معتوه ، ولا من حقد يتغافل حكمة ، وانما كان رسما بوعي ، فجاء الحريق عملا يقول شيئا مفهوما ، لا يحتاج الى قراءة ، بعقل نادر في قدرته ، على فك تعقيدات التعقيد .
لقد كان الحريق يتكلم بلغة فصيحة العبارة ، وبها سهولة ويسر ، وجاءت تبلغ رسالة ، وقد وصلت الرسالة . وقد فهمت من الرسالة ، بأن من لا هوية جغرافية له ، قد أصبح بالقوة يريد بناء هيكل مكان الأقصى ، وذلك ليعيد كتابة التاريخ ، على أساس أن له هوية ، فالحريق مثل الاقتلاع ، يقومان على احتلال الجغرافية ، بوهم الغاء التاريخ والهوية ، للتأثيث لتاريخ وهوية .
ومن يومها تعرت أمامي حركة التاريخ .. منذ سقوط قرطبة واحتجاز ما يقارب الألف من العلماء العرب ، لارغامهم على نقل العلوم الى غيرهم في اسبانيا .. في أوروبا .
وعرفت لأول مرة ، بأن مسؤولية السياسة تتعدى واقع الحال ، الى واقع قادم تكون فيه أجيال لم تولد بعد .
فأوروبا التي تم البدء في تأهيلها ، منذ ذلك الوقت لاجتياح العالم ، وبما أبدعته من علوم وقوة ، هي التي أهلت من أشعلوا الحريق ، فقد تخرجوا من التأهيل ، وبهم علم ومال وقوة ، وقراءة واعية لخريطة العالم ، بما فيها من جغرافية وسلطة واقتصاد وعقائد ومفاهيم وقيم .
وفي المقابل ، هنا عندنا ، ومنذ ذلك الوقت ، تدافع تأهيل المنطقة الى فقر وسوء تدبير ، والى الأمية ، في وقت فيه الجيران ( أوروبا ) ، يؤهلون أنفسهم بالمال والعلم والقوة ، وبذلك احتلوا جغرافية العالم ، ونهبوا ثرواتها ، وباعوا واشتروا الناس ، وساموهم العذاب ، ولا نزال نحن نذبح في بيوتنا ، وتهدم بيوتنا ، فوق رؤوسنا ، وكل ذلك يحصل ، ونحن نعرف بأننا قبل سقوط قرطبة كنا شيئا مختلفا . ونسأل الآن ، لماذا تأخرنا . بل لماذا حصل أن تم تشريدنا من ديارنا ، ولماذا تم حرق مسجدنا أمام عيوننا ، ولماذا هم يقتلون الناس ، وهم يصلون في بيت الله .. لماذا نحن عاجزون .. لماذا فارق القوة بيننا وبين أوروبا وأميركا بهذا الاتساع المخيف .
وحين أقرأ البتاني وابداعاته في الفلك ..في علم الهيئة .. في قراءة مواقع النجوم من فوقنا ، أو ما أبدعه أبناء هذه الأمة ، أو حصلوه واستوعبوه وفهموه واستعملوه وأضافوا اليه ، في حساب المثلثات والجبر والفلك ، ينسرح فكري ، ويتألق السؤال الحائر ، لماذا بعد أن استوينا على درب صوابنا ، حارت ألبابنا ، وتاه دليلنا ؟ ، لماذا الآخرون غيرنا التفتوا الى ما نحن عليه ، وما هو بين دفات عقولنا وبين أيدينا ، وعرفوا كيف يأخذون ، وماذا يأخذون منا ، وعرفوا كيف ينهضون من الظلام ، وتدافعوا نحو أحلامهم وحققوا سبقا مذهلا ، بطول المسافة الممتدة الآن بين تفوقهم وبين تخلفنا . ولماذا لا أقول بأني وأنا ألاحظ في قراءتي لابن الهيثم بأنه يؤسس لمنهج تجريبي ، وألمس في بحوث جابر بن حيان ، بأنه يدخل بنا بوابات العلم الطبيعي بمنطق ومنهج يمكنا تطويره والسير في ركابه ، أو أقرأ في مقال لابن رشد ، في ابداع فكرة السببية ، تجوبني الحسرة وتدمع عيوني .. فكل ذلك أركناه بلا وعي منا ، على رفوف الذكرى ، على عتبات النسيان ، بينما كل ذلك راح مضافا في صحوة عقل غيرنا .. ذهب كنهضة حياة ينهض بها غيرنا ، وأسدلنا ستائر الجهل على عقولنا ، فكل تألق فكر نخبو به ، وكل تفلسف نجنح به الى كفر نجلده ونئده .. نواريه غروبا في نسيان ، فابن رشد تناولت النار كتبه في الأندلس ، في موسم ابتسامة الترحاب بكل فتنة وجهل . لكن فلسفته التي أشعل عرب بها النيران ، قد ساهمت كثيرا في انارة طريق الفكر في أوروبا . ولم يزل سؤال الحريق ، لماذا بلغ الحال بنا ، الى أن تجرأت مخلوقات ، على اشعال النار في مواطىء أقدام الفاروق ، وأبي عبيدة وصلاح الدين .. لماذا ؟! .. اننا باكتشاف العلاقات السببية ، في داخل سير تاريخ كان ، وفي بنيوية سير لتاريخ نريده أن يكون ، نعرف باستشرافنا بالعقل ، لغايات نؤملها ، ونرسو دوما بفكرنا عليها ، بأن الحرية والعدل والوحدة ، هي التي غابت وأهلت المنطقة ، الى مذابح ، في مدى امتد في أكثر من قرن من الزمان ، ناهيك الى ما كان وأدى ، من قبل ذلك ، الى سهولة أمام تتار وأوروبيين جاءوا غزاة تحت شعارات صليب أو غيره .. فكيفما عبث العابثون ، وغدر الغادرون ، ولعب بقضايا المصير التافهون ، فالحريق هو الحريق الذي لم يزل هو الشاهد على التاريخ ، وعلى ماذا علينا أن نفعل .