ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - تدريس العلوم باللّغة العربية ضرورة حياتية
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-03-2010, 16:40
الصورة الرمزية تغريـد
تغريـد
غير متواجد
فيزيائي عبقري
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 873
افتراضي رد: تدريس العلوم باللّغة العربية ضرورة حياتية

من لطف الله بعباده أن يقدر للطالب المتميز أن يلتقي بالمدرس المتميز فيغير مسار حياته
فالحمد لله اولا و أخيرا

أخي الكريم أحييك على هذا المقال الرائع و أرجو من الله أن تستمر بنفس الزخم و أن يبارك لك الله في إيمانك و في علمك


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abcd19


بسم الله الرحمان الرحيم

و الإحترام هنا أنّه إستفزّ طبع المراهقة الحادّ عندنا وآستغلّه في الفيزياء وآحترم عقولنا بوضعنا أمام تحديّات فيزيائية دون النضر إلى أعمارنا (في حدود 15 أو 16 سنة) و دون أفكار مسبّقة عن جديّة أخذنا للأمر, كأن يقول بعضهم "ماذا تفعل أتتصوّر من هؤلاء الأشقياء التفكير في مثل هذه الأمور".

.
.

نعم إستفزّتنا تحدّيات السيد الطاهري و تسابقنا في مجموعات لكسرها.

فمثلا

عندما إنتهينا من درس الطاقة صمت قليلا ثمّ تحولت

نظرات الطيبة و التقوى في وجهه, نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحدا من عباده, إلى ...

شرارات تحدّي مع إبتسامة مخفية.

" يا شباب يستحيل إختراع محرّك يشتغل بصفة لانهائية بكميّة أولية من الوقود دون زيادة "

يرمي جملته دون أن يقول أتحداكم, تأتي في قالب الدرس دون أن يجبرك على البحث فيها. هكذا. يتركك و يذهب.


طيّب يا أستاذ.

نحن لها.

تلتقي المجموعة في منزلي الليلة, نرسل إلى شباب الحيّ المجاور أننّا لن نلعب الكرة غدا. (في أحيان أخرى نلغي المعركة). نبدأ في رسم المخططات لمحرك يعمل بشكل لانهائي بدفعة وحيدة من الوقود. نتدارس. وقع الإتفاق على إقتراحي. رسمناه.

و قدمناه في الأسبوع التالي للسيّد الطاهري.
أمعن النظر, دققّ, فكر مرّة أخرى, نظر إلينا, أرجع بصره للورقة و غابت هذه المرّة شرارة التحدي من عينيه


"لا أعرف أين يوجد الخطأ في هذا المخطط, رغم يقيني بوجوده".

كانت لحظة قوية لي.

.
.
.

في نهاية الأمر بإمكاني الإنتاج في الفيزياء, بإمكاني البحث, ليس الأمر فوق طاقة البشر, ليس ا

لأمر حكرا على أجنبي أو أعربي,

ليس الأمر مهولا.

ثم


و كانت اللحظة أيظا درسا عظيما في التواضع من السيّد الطاهري عندما لم يرّد علينا بعنف عندما لم يجد الخطأ و لم يعتبر الأمر طعنة لغرور, بل تعجب بفرح من بحثنا و أقّر بأخلاق العلماء أنّه لا يعلم مكمن الخطأ.

للمعلومة, لقد وجدت مكمن الخطأ عندما درست في الجامعةThermodynamique أضنّها باللغة العربية "الديناميكا الحرارية".


كان الأستاذ الطاهري يخاطبنا خارج المنهج الرسمي بالعربية (المنهج بالفرنسية) و كان من كرمه أنّه يجيب عن أسئلة التلاميذ الذين يلتقيهم في المسجد

شكر الله لك و لاستاذك أخي الكريم


(قبل القرار بغلق المساجد خارج أوقات الصلاة).
فرج الله كربكم و أعان الأمة لما فيه صلاحها


في درس الضوء و قبل نهاية الدرس حدثنا عن أمرين باللغة العربية (الأمران زيادة منه خارجة عن الدرس و المنهج). كانت صدمة لي, يبدو الأمر تافها و لكنّه هزّني إلى الحدّ الذي غير مسار تفكيري إلى الآن.

أعلمنا السيّد الطاهري بكلّ بساطة أن سرعة الضوء سرعة قصوى و أن الفيزياء الحديثة تقول أن بدايات الكون بدأت بالإنفجار الكبير. مرّت دقائق و القسم في حاله العادية و أنا مشدوه جمدت فصائلي. عقلي لا يتبع عينيّ. عقلي ذهب بعيدا. عيناي على السبورة. كانت صدمة. الغريب أني كنت على علم بهذه المعلومات من قبل و لكنّها أوّل مرة تقدّم إلي بلهجتنا التونسية الدارجة القريبة فعلا من اللغة العربية. ماذا وقع إذا. الذي وقع هوّ أنّه لدى سماعي للمعلومة بلغتي ربطّها حالا بإرثي العربي الإسلامي. و.. لم يلتقي الإرث بالمعلومة.
كان أستاذي يكتب أرقام تمارين الدرس على الصبورة عندما رفعت يدي.
"سيّدي"
إستدار "نعم"
"لا أوافق"
"ماذا؟"
"نظرية الإنفجار الكبير غير مقبولة بالنسبة لي"
لحظات صمت كي يعود أستاذي من عالم التمارين و المنهج إلى هذا القابع خلف الصفوف يتكلّم في نظرية القرن العشرين
"و لما ذلك؟"
عدم مواجهتي بإعصار من نوع "و من أنت حتّى توقف الدرس و تتكلم في أمر عظيم كهذا؟" أو حمام بارد من نوع "أصمت وآكتب تمارين الغد" شجعني على التمادى.
هممت بالكلام بتؤدة حتى أجمع أفكاري
"حسنا..."
رنّ الجرس, وداعا أفكاري.
و بإهتمام طلب منّي: "طيب, أكتب أسبابك وآعرضها للنقاش على القسم في الحصّة القادمة".
أنتما حقا نموذجين رائعين للمدرس و التلميذ


الحمد لله, سيترك لي هذا بعض الوقت للبحث. سخرت نهاية الأسبوع للقراءة عن "الإنفجار الكبير" ووقعت على مفاجأة زادت ثقتي في نفسي.
"الإنفجار الكبير" ليس "نظرية" Théorieإنّه "نموذج" Modèle فأساس كل نظرية في بديهياتها و أن لواضع النظرية الحرية في إختيار البديهيات. هذا ما له. أمّا ما عليه, فلكي تسمى النظرية كذلك يجب أن لا يتناقض التسلسل المنطقي داخلها مع البديهيات التي أختيرت مبتدأ.

و من الحكمة أن نحكم بعدم إستقامة هذا الرأي لعدم وجود مصلحة أو منطق لتعدد مسار التكون بشكل لا نهائي كما هو تماما. وإلا فإنّ الإنذار الذي تحصلت عليه الأسبوع الماضي من أستاذ اللغة الفرنسية قد تحصلّ عليه عدد لا متناهي من أمثالي في عدد لا متناهي من الأكوان الأخرى من عدد لا متناهي من أساتذة الفرنسية. و هذا شيء مرعب سيّدي: تصوّر وجود إثنين من أمثال أستاذ الفرنسية في الوجود.
حقا ما الحكمة من تعدد الأكوان
!!!!!!!!!!
لن تعدم أن تجد جوابا في مكان ما و لكن لا شيء يثبت أحقيقة أي فرضية


و ليكن الأمر واضحا. إن عملية توسع السموات أمر حق. فقد أقرها الله, و لله الحمد, في القرآن " وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"(سورة الذاريات الآية 47).
و ما أختلف فيه مع "هابل" القول بوجوب العود مع فكرة التمدد إلى الوراء زمنيا دون وقوف إلى الحد الذي لا يمكن معه وهما أو تخيلا العود و هنا وجه الإختلاف, فالرأي عندي أن عملية التمدد التي نلاحظها هي أمر عرضي بعدي للخلق و ليست مصدرا تم عبره الخلق, و الله أعلم.
صدقت أخي الكريم
الله أعلم

لحظة من فضلكم.


خسارة أن نترك قصّة أستاذي دون أخذ عبرة هامة منها وهي ضرورة تدريس العلوم للشعوب بلغاتها. لماذا؟
المسئلة مرتبطة بالهدف من تدريس العلوم. فإن كان الهدف هوّ إيجاد"تقنييّي علوم" أي أناس عبأتهم بمعلومات لإنجاز مهام معيّنة. في هذه الحال يمكن أن تدرس شعبك بأيّ لغة تريد, بالصينية, بالألمانية, بالفرنسية... سينجز لك من علمته المهمة كما سينجزها لك إنسان آلي عبأته بنفس المعلومات و الأوامر.
أما إن كان هدفك هوّ إيجاد قاعدة كبيرة من التقنيين و الكوادر القادرة من ناحية أولية على إنجاز المهام الضرورية داخل مجتمعك و بُنَاكَ التحتية و في نفس الوقت تكون هذه القاعدة رَحما تولد منه نخبة من العلماء و المبدعين, تكون لهم مهمة رسم وآستشراف سبيل المستقبل و الإبداع, و بالتالي المساهمة في أن تأخذ أمتك دورها في خارطة حضارة الإنسان. حينها يجب تدريس شعبك بلغته.
صدقت أخي و على كل مسلم أن يعمل على إزالة العوائق التي تمنع ذلك


علينا أن لا نخجل من الكلام بصوت مسموع جدا و عال لإعلام الإنس و الجنّ إن لزم, أنّ منهجنا هوّ الفقه الإسلامي. للفقه الإسلامي منهج علمي. هو أسلوب تفكير يختلف عن ما يسمّى الفلسفة. لا وجود لفلسفة في الإسلام بل لا وجود لشيء إسمه فلسفة أصلا.
ثم

وآنظر إلى الغزالي, رحمه الله, حيث عنون كتابه "تهافت الفلاسفة" و آستعمل كلمة تهافت و لم يستعمل كلمة "سقوط" مثلا, لأنّ في "السقوط" إثبات لوجود شيء قد سقط و الفلسفة ليست بشيء لتسقط و كلمة تهافت قد توحي بمعنى فيه "التفاهة و التيه و الوهم".

ثم


أجيبك.. جاري "عمّ عمر".
رجل أميّ لا يحسن القرائة و الكتابة, عامل يوميّ في البناء. نراه كلّ يوم في الصلوات الخمس حاظرا في المسجد. يأخذ على عاتقه في كثير من الأوقات تنضيف بيت الوضوء في المسجد. ليس فيه ما يميّزه إلاّ شيء واحد. تقوى الله, نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحد من عباده.
هناك شيء فوق الذكاء شيء يجعل من عمّ عمر أذكى من إنشتاين. هوّ الإيمان بالله.
صدقت أخي الكريم.


والحمد لله أنّ الإمام الغزالي لم يكن مغرورا بل مسلما حرّا. عندما بان له تهافت هذا "السبيل" أدار له ظهره.
مسلم حر

مسلم حر

مسلم حر
؟؟؟؟؟؟؟


مسلم حر


فماذا إكتشف؟ إكتشف بعد هذا السفر الطويل أنّ قمّة المعرفة هيّ الإيمان بالله و هذا الإيمان, منزلته فوق منزلة الذكاء. و هذا ما تحصلّ عليه "عمّ عمر" هبة من الله. وهبه الله الإيمان فجاوز بإيمانه الذكاء. فعندما تسمع من "عمّ عمر" أو غيره كلمة "إتقي الله" لا تأخذ هذه النصيحة في جانبها السلوكي أو العبادة فقط. وهما جانين في غاية الأهميّة طبعا.

بل إتقي الله أيضا في عقلك,

وآتقي الله عند إختيار سبيلك

و منهج بحثك.
أتمنى أن تسمع الامة هذه الحكمة


كانت تلك عينة فقط أما الكلمات فجميعها ممتزجة بالحكمة
نرجو من الله لك التوفيق في جميع أمرك

بارك الله فيك و سدد خطاك أخي الكريم
رد مع اقتباس