كيف اخترق صبيان مشردون من قرية شويكة التي أوصلها الاحتلال الإسرائيلي إلى حافة المجاعة الحواجز الجغرافية والتاريخية التي تفصلهم عن القوة العلمية التكنولوجية العظمى في العالم؟ هل تفسر هذه الظاهرة قوانين "فيزياء الكم" الخارقة التي تعتقد أن "حقيقة المادة ليست في مكوناتها بل في ما يحدث لها"؟ وهل تفسر "القفزة الكمية" المشهورة في "فيزياء الكم" ظهور الجيل الجديد من سلالة آل نايفة الذين يساهمون حاليا في ابتكار علوم وتقنيات القرن 21؟ ثامر علي نايفة الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "إم أي تي"، والطبيب المهندس طارق علي نايفة ، ودكتور الهندسة الالكترونية ماهر علي نايفة ، ودكتور علم الكمبيوتر باسم عدنان نايفة، وأستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة "سنترال فلوريدا" جمال فارس نايفة، وحسن منير نايفة الذي يحضر الدكتوراه في معهد ماساتشوستس؟ عند تصوير الفيلم التلفزيوني عن أسرة نايفة الذي أشرف عليه "سندباد علمي" وقع حدث ساحر لا يصدق. كان فريق تلفزيون "القناة 13" الذي يعود لجامعة إيلينوي يصور داخل منزل نايفة . وأفلت فجأة من القفص طير ببغاء "ككتيل" أصفر اللون كشعاع شمس. ذعر المصور التلفزيوني وأوشك على التوقف عن التصوير، وصرخت به: أرجوك استمر.. استمر أرجوك. وانجذبت الكاميرا كالمغناطيس وراء الببغاء الأصفر اللون الذي حلق فوق رءوس أطفال الأسرة مهى ومنى وأسامة وعمار ثم حط على كتف حسن.
وهتفت: خير إن شاء الله خير! بعد ذلك بشهرين نال حسن زمالة دراسية للدكتوراه في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا". قيمة الزمالة ربع مليون دولار، وموضوعها يتعلق بتكنولوجيا "النانو".
بلورات البادية
"الطبيعة فن الله"، كما كان يقول الشاعر الإيطالي دانتي. وهل غير ذلك يمكن أن يصور البلورات الطبيعية التي جلبها منير نايفة من البادية الأردنية؟ بلورات "الزيولايت" في تراب البادية تكشف تحت المجهر عن تركيب اسفنجي خارق يحتوي على أنفاق وخروم ومسامات بالغة الدقة لا تسمح إلا لمرور الذرات والجزيئات. يحاول منير نايفة وتلميذه زين حسن يماني، مبعوث جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران تقليد هذه الخروم التي أحدثتها كائنات عضوية مجهرية عاشت قبل ملايين السنوات في بحار كانت تغطي المنطقة العربية. يساهم في التجارب الدكتورة ليلى أبو حسان والدكتور عبدالجواد أبوالهيجاء، وكلاهما من الجامعة الأردنية والدكتور سامي محمود والدكتور نهاد يوسف، من جامعة اليرموك الأردنية، والهدف تطوير أسلاك ومفاتيح ذرية تستخدم في تشغيل آلات القرن الحادي والعشرين.
هذه المادة الأسفنجية القادرة على الاحتفاظ بجزيئات الماء تصلح لصناعة مزيج من التربة ملائم للزراعة في المناطق الجافة، ويعتقد خبراء في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أن تربة "الزيولايت" تصلح أكثر من أي مادة أخرى لإقامة مزارع في المحطات الفضائية والمستوطنات الزراعية على سطح القمر والكواكب الأخرى، العودة إلى "الزيولايت"، كالعودة إلى الرمل في صناعات الكمبيوتر تبرهن على أن الطبيعة لا تزال تخبئ مفاجآت كبرى للعلوم والتكنولوجيا. وفريق نايفة يحاول استخدام مادة "الزيولايت" لاجتياز الحواجز التي تقف أمام الرمل في الصناعات الإلكترونية. فأجهزة التلفزيون والراديو والكمبيوتر الشخصي وحتى هواتف الجيب والساعات الالكترونية كلها تعمل بترانزسترات مصنوعة من السليكون الذي يستخرج من الرمل. عدد الترانزسترات في شريحة الكمبيوتر يتضاعف مرتين كل 18 شهرا، وأدى هذا الى مضاعفة قوة أجهزة الكمبيوتر 25 ألف مرة منذ اختراعها قبل نحو ربع قرن وخفض أسعارها ألف مرة. إذا استمرت الاتجاهات الحالية فان الكمبيوتر المنضدي الذي سينتج عام 2020 سيعادل في القوة جميع أجهزة الكمبيوتر الموجودة في العالم اليوم مجتمعة.
وضع ملايين الترانزسترات في مساحة لا تزيد على طابع بريد هو سر الثورة التكنولوجية التي لن تكتفي بإنتاج كمبيوترات تتعامل بالمعلومات، بل ستنتج مصانع ومختبرات محمولة في كف اليد. الصعوبات الأساسية في طريق بناء هذه الآلات ليس محركات التشغيل بل الأسلاك ومفاتيح التشغيل. كيف يمكن استخدام الأسلاك النحاسية الحالية في آلات بالغة الصغر لا ترى تفاصيلها بالعين المجردة؟
مادة "الزيولايت" تقدم الحل في رأي منير نايفة الذي يجرب الآن استخدام الخروم والتجاويف المجهرية في جزيئات "الزيولايت" كقوالب لصناعة أسلاك ومفاتيح كهربائية على المستوى الذري. تعمل هذه المفاتيح عن طريق حبس ذرة فلزية في قفص الجزيء ويتم تشغيل المفتاح بتحريك الذرة من مكان إلى آخر داخل القفص باستعمال نبضات الجهد الكهربائي. ويقوم نايفة مع فريق علماء من فلسطين والاردن والسعودية بتجارب لوصل هذا المفتاح الجزيئي بدائرة كهربائية مستخدمين في ذلك المجهر الألكتروني، الأداة التي مكنت نايفة من تحريك الذرات ورسم صورة القلب.
المجهر الالكتروني
قبل المجهر الإلكتروني الذي ابتكر في الثمانينيات من القرن الماضي لم يكن ممكنا "رؤية" الذرات. ويختلف المجهر الإلكتروني عن المجاهر البصرية المعتادة، فهو لا "يرى" الأشياء ضوئيا بل يقصفها بحزم من الالكترونات. والإلكترونات هي جسيمات أولية موجودة داخل جميع الذرات وهي التي تنشئ التيار الكهربائي عند انتقالها الحر بين الذرات. وتتحرك الحزمة الإلكترونية كالموجة مخترقة الشيء المراد رؤيته. وتؤخذ عادة من الشيء المراد تصويره بالمجهر الالكتروني شريحة بالغة الرقة. فتنطبع صورة الشيء في الحزمة الالكترونية التي تبثها عبر عدسات الكترونية مماثلة لعدسات المجاهر البصرية. ويمكن لهذه العدسات أن تكبر الصورة 200 ألف مرة. وفي مختبر نايفة لمست بيدي أكثر المجاهر الالكترونية تطورا، يطلق عليه اسم "مجهر الماسح النفقي"، وهو يعمل بالطريقة التالية: