تفسير الآية الثامنة ...
((وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ))
أي وستعود الأرض ، صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها ، وانقطعت أنهارها ،
و اندرست آثارها ، وزال نعيمها ، وهذه حقيقة الدنيا ، قد جلاها الله لنا كأنها رأي عين ،
وحذرنا من الاغترار بها ، ورغبنا في دار يدوم نعيمها ، ويسعد مقيمها ، كل ذلك رحمة بنا .
فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها ، من نظر إلى ظاهر الدنيا ، دون باطنها ، فصحبوا الدنيا ،
صحبة البهائم ، وتمتعوا بها تمتع السولئم ، لا ينظرون في حق ربهم ، ولا يهتمون لمعرفته ،
بل همهم تناول الشهوات ، من أي وجه حصلت ، وعلى أي حالة اتفقت ، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت ،
قلق لخراب ذاته ، وفوات لذاته ، لا لما قدمت يداه ، من التفريط والسيئات . وأما من نظر إلى باطن الدنيا ،
وعلم المقصود منها ومنه ، فإنه يتناول منها ، ما يستعين به على ما خلق له ،
وانتهز الفرصة في عمره الشريف ، فجعل الدنيا منزل عبور ، لا محل حبور ، وشقة سفر ،
لا منزل إقامة ، فبذل جهده في معرفة ربه ، وتنفيذ أوامره ، وإحسان العمل ، فهذا بأحسن المنازل عند الله ،
وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم ، وسرور وتكريم ، فنظر إلى باطن الدنيا ، حين نظر المغتر إلى ظاهرها ،
وعمل لآخرته ، حين علم البطال لدنياه ، فشتان ما بين الفريقين ، وما أبعد الفرق بين الطائفتين!!