ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - { مُمَيز } عش دقائق مع القرآن .. في سباق [ الجُزء الأول ] ~
عرض مشاركة واحدة
  #42  
قديم 06-07-2010, 00:42
الصورة الرمزية دموع الريم
دموع الريم
غير متواجد
فيزيائي فعال
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: السعودية
المشاركات: 147
افتراضي رد: عش دقائق مع القرآن .. في سباق

تستطيع / تسطِع
قال موسى عليه السلام للخضرعليه السلام : {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً ؟ قال : إنك لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً }. أي إنك ستجد أمامك أحداثاً ستتعرف على حِكَمِها ومغزاها إذا صبرت عليها، ولكنك لن تصبر عليها، لذا فلن تتعرف ولن تتوصل إلى حِكَمها. إذ ليست عندك القدرة الكاملة على الصبر لتعلم هذا العلم. فالصبر لتعلمها يتحقق بإحدى طريقتين :
• إما أن تصبر إلى أن تنتهي هذه الأحداث فأفسرها لك.
• و إما أن تصبر نفسك على التوصل إلى معرفة حِكَمها بنفسك.

وأنت يا موسى لا تمتلك القدرة الكاملة للصبر على تعلمها بإحدى الطريقتين. فقال موسى عليه السلام : {ستجدني إن شاء الله صابراً } أي سوف أصبر لأتعلم من هذا العلم ، وستجد عندي القدرة على تعلم هذا العلم بصبري معك بإذن الله تعالى .

ولكن موسى عليه السلام لم يصبر في الموقف الأول وذلك أنهما لمّا {ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها؟!} فذكّره الخضر{ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً}، أي ألم أقل إنك لا تمتلك القدرة الكاملة (لن تستطيع) على تعلم هذا العلم بالصبر، ولكن مازال في المجال متسع لتصبر على تعلمه. قال موسى عليه السلام حينئذٍ {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً}.

ثم حدث موقف آخر فلم يصبر فيه موسى عليه السلام عندما { لقيا غلاماً فقتله، قال: أقتلت نفساً زكية بغير نفس ؟!} ، فقال الخضر: {ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً}. فليست عندك القدرة الكاملة على تعلم هذا العلم بالصبر، وأكده بقوله ( لك ) لينتبه، ولكن ما زالت الفرصة أمامك لتصبر على معرفة الحِكَم من ورائها. فقال موسى عليه السلام : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، قد بلغت من لدني عذراً}.

ثم حدث موقف ثالث عندما {أتيا أهل قرية،استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض} فأقامه الخضر . حينئذ لم يصبر موسى عليه السلام فقال: { لو شئت لاتخذت عليه أجرا}،لأن القوم لئام لم يضيفونا.

فقال الخضر: {هذا فراق بيني وبينك، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} أي سأنبئك بحقيقة الأحداث وحِكَمِها، والتي لم تكن عندك القدرة الكاملة على معرفتها وتعلمها بالصبر .

فقوله تعالى في الآية{ ما لم تستطع } بإثبات التاء فيها دلائل:
1) نفى القدرة الكاملة على الصبر لتعلُّمها ، ولكن لم ينف القدرة الناقصة على معرفتها بالصبر .

قال البقاعي: « ما نفى إلا القدرة البليغة على الصبر، إشارة إلى صعوبة ما حمل موسى من ذلك، لا مطلق القدرة على الصبر».


2) إذ من الممكن في هذه اللحظة أن يطلب موسى عليه السلام من الخضر الانتظار لكي يحاول معرفة الحكمة منها بنفسه، فيصبر نفسه هذه اللحظات على التفكير في مغزاها والتوصل إليها ثم يقول: قد علمت الآن لماذا تصرفت تلك التصرفات التي ظاهرها مفسدة وحقيقتها مصلحة. لذا لم ينف الخضر القدرة الناقصة لموسى عليه السلام على أن يصبر نفسه لمعرفتها، ولكن نفى القدرة الكاملة لها .
ولكن لهول هذه الأحداث وعظمها وتتابعها من خرق سفينة المساكين الكرماء، وقتل النفس البريئة، وإكرام اللئام، لم يطق موسى عليه السلام الصبر لحظة على هذه المنكرات العظيمة في الظاهر، إلى أن يتوصل لمغزاها.

حينئذ بين له الخضر حقائق هذه الأحداث وما وراءها وتأويلها وحِكَمِها. فاتضح بعد الانتهاء من تفسير الخضر لها ، أن موسى عليه السلام لم تتوفر لديه القدرة الكاملة ولا القدرة الناقصة على تصبير نفسه للتوصل إلى معرفتها، فانتفت عنه كل أنواع القدرة للصبر على تعلمها.

لذا نفاها عنه الخضر في نهاية القصة فقال :{ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}.
قال:{تسطع} بحذف التاء، أي القدرة الناقصة، فنفى عنه هذه القدرة الباقية الناقصة من الصبر على تحمل هذه الأهوال للتوصل إلى الحكمة منها فقال {ما لم تسطع} ولم يقل« ما لم تستطع ».

قال البقاعي: « حذفت تاء الاستطاعة لصيرورة ذلك- بعد كشف الغطاء- في حيز ما يجمل. فكان منكره غير صابر أصلاً لو كان عنده مكشوفاً من أول الأمر».

فعندما كان في المجال متسع ليصبر موسى عليه السلام نفسه لمعرفتها قبل تفسير الخضر لها قال : {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع} بإثبات التاء فلم ينف القدرة الناقصة وإنما نفى القدرة الكاملة. وبعدما فسر له الحوادث وتبين أن موسى عليه السلام لا يملك أي نوع من الصبر للتوصل إلى مغزاها قال : { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} بحذف التاء. فنفى القدرة الناقصة من الصبر لتعلمها ومعرفتها.


والله أعلى وأعلم