ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-08-2006, 20:15
الصورة الرمزية دلوعة البصريات
دلوعة البصريات
غير متواجد
فيزيائي متمكن
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 184
Smile مشاركة: صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!

مربية أطفال .....!
حصلت مانيا برغم تمردها , على الميدالية الذهبية عند اتمام دراستها في المدرسة الثانوية عام 1883م .ولم يكن ذلك بغريب على آل (سكلودو فسكا). ورأى والدها عند ذلك أن ما حصلته من الدرس يكفيها في الوقت الحاضر فلتذهب الآن الى الريف لمدة عام لتقوي جسمها , وحدثته نفسه (يجب أن لا تسقط هذه الطفلة الحسناء فريسة للسل مثل أمها ). وانقضى عام عادت مانيا بعده الى (وارسو ) حيث واجهت مستقبل غير مضمون حيث كانت شقيقتها الكبرى ( برونيا ) تريد أن تدرس في جامعة (السوربون ) في باريس , وكانت مانيا مثل ذلك تريد .ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك والأسرة ليس لديها من المال ما يكفي للانفاق على واحدة منهما فقط , ناهيك عن اثنتين خلال تعليمهما في الجامعة . وكانت الجملة تبدو مستعصية الحل .ولكنني أرى حلا ! هكذا قالت مانيا وأفصحت عن ذلك .. (سوف أجد لنفسي عملا كمربية أطفال واساعدك حتى تكملي تعليمك , وبعد ذلك تحصلين على الدكتوراة وبعدها تساعدينني ). وكانت تلك الخطوة تبدو جريئة بعيدة التحقيق . لكنها نفذت وانتج ثمارها المرجوة , وأصبحت مانيا معلمة أشبه بالخادمة , لدى سيدة غبية , فظة , ضيقة الخلق , حمقاء , كانت تقتصد من ثمن زيت المصابيح لتبعثر ما ادخرته في لعب القمار ! . وسرعان ما استبدلت سيدتها بسيدة أخرى .
صخرة التقاليد ...!
لماذا لم تتزوج مانيا من (كازيمير ) ؟ ومن (كازيمير ) هذا ؟ انه الابن الأكبر لسيدتها الأخرى . وهل أحبها ؟ أحبها وأحبته , اذ عندما رجع من ( وارسو ) حيث كان يدرس في الجامعة الى عائلته لقضاء العطلة وقع فورا في غرام الآنسة مانيا الصغيرة الحسناء , التي لم تكن تتكلم فقط كلام العلماء بل كانت أيضا ترقص أيضا رقص الفنانيين !. لكن لم يقدر لهما , وكل شيئ نصيب , أن يتزوجا . وما السبب ؟ التقاليد , فقد رفضت والدة ( كازيمير ) أن تقبل مربية أطفال لتكون أحد أفراد عائلتها, ناسية أنها هي نفسها كانت مربية أطفال قبل زواجها !.
لا يأس مع الحياة :
لم اليأس يا مانيا ؟ ( انني دفنت آمالي وطموحاتي ..وأدتها ونسيتها ..ان الأسوار أقوى من الرؤوس التي تنطحها .انني أنوي أن أودع هذه الدنيا الحقيرة , ان الخسارة علي لن تكون كبيرة والأسف من أجلي لن يطول ) .
كانت هذه اجابة مانيا على التساؤل : لم اليأس ؟
مانيا ..أمسكي عليك حياتك ،انك ستكونين في المستقبل واحدة من أشهر نساء الدنيا . وتغلبت على يأسها ، ورجعت الى التدريس والتقتير معا لتستمر في مساعدة برونيا لتكمل دراستها في ( السوربون ) . ولم يخيب الله مسعى الشقيقتان الطموحتان , فقد تمكنت برونيا بفضل مساعدات مانيا وبفضل ما لديها من مقدرة فطرية على تحمل عضات الجوع وآلامه , من أن تتم دراستها بنجاح وتحصل على بكالوريوس الطب وهي تتضور جوعا . وتزوجت من أحد زملاءها الأطباء . برونيا .. لقد جاء دورك لكي تقومين بنصيبك في الاتفاقية التي عقدتها معك مانيا . وهكذا استطاعت المربية الشابة أن ترى آخر الأمر تحقيق أعز أحلامها وهو الذهاب للسوربون .

الجوع كافر ...؟!
هاهي الآن في باريس . الاسم : ماري (سكلودو فسكا).العمل : طالبة بكلية العلوم . السن : 23 عاما .الشعر : أشقر رمادي . الشخصية : صموتة . الكفاءة : نادرة – كانت هذه هي أهم المعلومات عنها من واقع بطاقتها الشخصية . استمرت سنوات أربع وهي تعيش معيشة الراهب المتنسك وقد رفضت أن تكون عبئا على أختها , ومن ثم فقد سكنت بمفردها في حجرة فوق السطوح في منزل في الحي اللاتيني . وكانت الحجرة في غاية الوضاعة , فلم يعرف لها الماء كما لم تعرف لها التدفئة طريقا ، وكذلك الضوء اللهم الا شعاع يتيم يأتيها متسللا من كوة صغيرة في سقفها المائل . وعاشت في السجن , أقصد في الحجرة , على غذاء فقير يتكون في العادة من خبز وزبد وشاي ,ولم تكن تضاف له بيضة أو إصبع موز واحد الا في المناسبات !.وكان ما لا بد أن يكون ..الاغماء .وقد اسعفها زوج أختها برونيا . وعرف سبب الاغماء ( جوع وجهد ) ,فقد كان كل ما أكلته خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لا يعدو عن قبضة من فجل ونصف رطل كريز !.وقد أخذها , برغم مقاومتها , الى منزله حيث اعتنت برونيا باطعامها وجعلتها تستريح بضعة أيام رجعت بعدها الى كتبها وجوعها برغم كل الاحتجاجات من قبل أختها وزوجها .ولكن على الرغم من كل هذه المعاناة , فقد كانت مانيا ذات عقل متأهب وخيال متوثب ومهارة فائقة , وكان أساتذتها يبتهجون بما يلاحظون من حماسها الدافق ويشجعونها دوما على القيام بمزيد من الأبحاث . وكان من بين تشجيعهم لها ألا تجري أبحاثها في ميدان واحد فحسب وانما في ميدانيين . ومن ثم عقدت العزم على الحصول على درجة ماجستير مزدوجة في علم الطبيعة وفي الرياضيات .ونجحت فيما عزمت عليه , فاجتازت امتحانها الأول لدرجة الماجستير في الطبيعة في عام 1893 ، ثم اجتازت امتحانها الثاني لدرجة الماجستير في الرياضيات في عام 1894 .
شريك الحياة ...!!
(بيير كوري ..بيير كوري ) اسم حملته ( ماري سكلو دو فسكا ) وأصبحت منذ ارتباطها به تنتسب اليه . ولكن ما هي القصة ؟ بعد حصول مانيا على الماجستير ذهبت الى (بولندا ؟ لقضاء عطلة قصيرة ، فرجعت بعدها الى باريس . وكانت بعد اندفاعها الأول غير الموفق الى دوامة الميول العاطفية ، فقد نذرت أن تكرس بقية حياتها لنوع واحد من الحب وهو حب العلم ، وقررت أنها ليست بحاجة إلى الرجال ! وفي المقابل كان هناك شاب يعيش في باريس يدعى (بيير كوري ) قد كرس حياته للعلم أيضا وقرر انه هو أيضا ليس بحاجة الى النساء ! ولعب القدر لعبته وتقابل الاثنان ذات يوم في مسكن احد الأساتذة البولنديين خلال زيارته لباريس . يالها من مصادفة غريبة ، وياله من لقاء عجيب .. ( عندما دخلت الحجرة كان بيير واقفا امام النافذة بجوار باب يؤدي الى الشرفة . وقد بدا في نظري حديث السن جدا على الرغم من انه كان في الخامسة والثلاثين من عمره . وقد تأثرت كثيرا بالصراحة التي تطل من عينيه . وبما يبدو على قامته الطويلة من مظاهر الاهمال الخفيف . وأحببت كلماته البطيئة المتروية وبساطته وابتسامته التي كانت تمتزج فيها الحكمة بالشباب ، وبدأنا نتحدث في شئون العلم . وقبل ان نعرف ما حدث كنا قد اصبحنا حبيبين !) هذاما قالته مانيا عن ذلك اللقاء .
ولكن ماهو ذلك الشاب بالضبط ؟ ، أصله ، فصله ، مؤهلاته ، أعماله ، الخ . انه ابن طبيب فرنسي ، وقد حصل على درجة بكالوريوس في العلوم وهو في سن السادسة عشرة وعلى درجة الماجستير في الطبيعة وهو في سن الثامنة عشرة . وعندما قابل ماري كان قد أصبح رئيس المعمل في مدرسة الكيمياء والطبيعة في باريس . وكان ما حققه من نجاح وانتصارات قد وضعاه في الصف الأول من علماء فرنسا .. لقد صاغ قانون التماثل في تركيب البلورات ، وأكتشف – بالاشتراك مع اخيه (جاك ) – ظاهرة (بيزو ) في الكهرباء ( تولد الكهرباء عن طريق الضغط ) ، وابتكر جهازا جديدا لقياس الكميات الصغيرة جدا من الكهرباء قياسا دقيقا . وصنع آلة فائقة الحساسية سميت باسم (مقياس كوري ) لمراجعة نتائج التجارب العملية .
وكم راتبه ؟ كانت الدولة الفرنسية تمنحه في مقابل كل تلك الأعمال العظيمة راتبا زهيدا لا يتجاوز ثلاثمائة فرنك شهريا ، أي ما يعادل 30 جنيها مصريا . وذلك بأسعار القرن التاسع عشر ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.وتقدم بيير على استحياء يعرض الزواج على مدام 0سكلو دوفسكا ) معتمدا على راتبه الضئيل وأعماله العظيمة .ووافقت مانيا على استحياء كذلك .وقد اتضح فيما بعد – وهذا للتاريخ – أن زواجهما هذا لم يكن مجرد زمالة فقط بين عبقريين ، وانما كان رفقة حب عميق ، وقد تم زواجهما بطريقة هي في حد ذاتها تعتبر ثورة على التقاليد فقد كان كلاهما مفكرا حرا لم يلجأ الى محام أو قسيس لاتمام إجراءات الزواج . وتمتعا بشهر عسل فيه من النعومة والطراوة وفيه من التحرر والانطلاق ما يمهد لهما السبيل لعمل مضن يجلب ويخلد الذكرى لاسم (كوري ).
رد مع اقتباس