ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20-08-2006, 20:16
الصورة الرمزية دلوعة البصريات
دلوعة البصريات
غير متواجد
فيزيائي متمكن
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 184
Smile مشاركة: صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!

جائزة نوبل .....مرتان ‍‍‍‍!
كانت ماري أو مدام كوري من الآن ، تقوم بشئون المنزل . وقد ولدت طفلة ثم أتبعتها بأخرى . ومع الحمل والولادة كانت تدرس لنيل درجة الدكتوراه في علم الدكتوراه في علم الطبيعة . مجهود مضن وعمل متواصل ، هذا مع وجود تلف في رئتها اليسرى ، انما العدوى المتوارثة في عائلة (سكلودوفسكا ) ، لذا حذرها الأطباء ونصحوها أن تذهب الى احدى المصحات ولكنها لم تعرهم اهتماما . لقد كانت مدام كوري مهتمة هي وزوجها بيير بتجارب العالم الفرنسي (هنري بيكريل ) التي دفعه الى اجرائها كشف (رونتجن ) لأشعة اكس وخواصها في النفاذ خلال الأجسام . فما هو كنه هذه الخاصية الغامضة ، خاصية النفاذ من الأجسام المعتمة ؟ ومن أين يأتي تلك الطاقة العجيبة اللازمة لها ؟ كانت تلك الأسئلة وأمثالها تخلب لب ماري وبيير كوري .ها هنا لموضوع اذن موضوع لدراسة مبتكرة وأصيلة . انه موضوع بحث جدير بدرجة الدكتوراه من السوربون . هكذا كانت البداية متواضعة ومتحمسة في نفس الوقت لذلك البحث الذي أدى إلى اكتشاف الراديوم . لقد بدأت مدام كوري في سلوك طريق يوصلها إلى شهادة عادية من شهادات الدكتوراه ، لكنها وجدت نفسها – في نهاية الطريق – أمام جائزتي نوبل ‍‍‍!
عجائب الدنيا ثمانية ....‍!
ولكن الرحلة في ذلك الطريق لم تكن سهلة ومريحة ، وانما كانت شاقة وعسيرة ، وكانت تتطلب مذ الخطوة الأولى رجل وامرأة لديهما خيال فائق وشجاعة نادرة وصبر طويل .فقد قابلا منذ البداية عقبات من الصعب قهرها وقهراها . وكان المعمل الذي أعطاه لهما مدير مدرسة الطبيعة لإجراء تجاربهما هي عبارة عن مخزن أخشاب قديم متهدم . وفي ذلك "المعمل" البارد الرطب الذي يشبه "العشة " اندفعت الباحثة الصغيرة المصابة بالدرن ومعها زوجها نحو المجهول بكل تصميم . وكان متوسط درجة حرارة المعمل في الشتاء يهبط إلى نحو 7 درجات مئوية . كما كانت أجهزته قليلة وعتيقة , ولكنهما أخذا يختبران بها خواص اليورانيوم وطبيعته . واكتشفا أن الاشعاع الغامض لذلك العنصر كان خاصة ذرية , وكان ذلك كشفا علميا أدى فيما بعد (عام 1945م) إلى اختراع القنبلة الذرية !
وتستمر المسيرة الصعبة , وتذهب مدام كوري في ذات يوم الى أختها وقلبها يدق دقا عنيفا وهي تقول : (أتعرفين يا برونيا أن الاشعاع الذي لم أتمكن من تفسيره انما مصدره عنصر كيمياوي جديد ؟ ان ذلك العنصر موجود وعلي اكتشافه ).
وشرعت الآن ,وبصحبة زوجها , في العمل على اكتشاف ذلك العنصر الجديد .
كانت قد لاحظت وجود تلك القدرة الهائلة على الأشعاع في مادة (البتشبلند)وهي احدى أكاسيد اليورانيوم . وظنت مدام كوري أن الجزء ذا النشاط الاشعاعي من(البتشبلند)ربما لا يبلغ أكثر من جزء من مائة جزء من (البتشبلند) ولكن كم تكون دهشتها لوأنها عرفت –في ذلك الوقت –أن ذلك العنصر الجديد الذي كانت تحاول فصله كان يبلغ جزء من عشرة الآف جزء من هذا الجزء من المائة , أو بعبارة أخرى جزء من مليون جزء من خام (البتشبلند)"؟!.
يا لها من نسبة جد ضئيلة !يضاف اليها أن ثمن الطن الواحد من (البتشبلند) و ما يحتويه من يورانيوم أكثر مما يطيقان دفعه . وكانت تلك المشكلة تبدو مستعصية الحل . ولكن لابد من حل...اذا كان العنصر الجديد موجود في (البتشبلند), وهو في نفس الوقت مختلف عن اليورانيوم , فانه يمكن الحصول عليه وفصله من (المتخلفات)الباقية من(البتشبلند)بعد استخلاص اليورانيوم منه ...هكذا تساءلا .وان صح هذا , فان الحلم وشيك الوقوع , خصوصا وان هذه المتخلفات تعتبر عديمة القيمة وفي وسعهما أن يحصلا على كميات كبيرة منها بمال يزيد كثيرا على تكاليف نقلها .وانتابت الدهشة الناس كلهم عندما بدأ هذان العالمان (العجيبان ) يأمران أن تشحن أطنان من النفايات الى مخزن الأخشاب الذي يعملان فيه . وعندما وصلت النفايات أمسكا بجاروف وأخذا يقذفانها شيئا فشيئا داخل مخزن قديم من الحديد الزهر ذي أنبوبة صدئة .واستمرا أربعة أعوام عملهما هذا كما لو كانا وقادين يعملان في جوف سفينة , فهما يجرفان ويلهثان ويسعلان من أثر الأبخرة الضارة . وقد تناسيا كل هذا العذاب , وركزا فكرهما في شيء واحد وهو أن يستدرجا سر العنصر الجديد يخرج إليهما من وسط المعدن الملتهب . واستدرجا سران ! فبدلا من أن يجدا عنصرا واحدا وجدا عنصرين جديدين : أسميا أولهما (بولونيوم ) على اسم وطن ماري الأصلي بولندا ، وأسميا الآخر (راديوم ).وكانت خواص البولونيوم مدهشة فعلا ، اذ كان نشاطه الاشعاعي أكبر بكثير من نشاط اليورانيوم . ولكن خواص الراديوم كانت هي العجيبة الثامنة الكبرى في الدنيا حقا . فقد وجدا أن قدرته الأشعاعية تزيد عن قدرة اليورانيوم بنحو مليون ونصف مليون في المائة !.
أخلاق ...
كانت القاعدة المتبعة مع من يتسلمون جائزة "نوبل " هي أن يذهبوا لأستلامها بأنفسهم في " ستوكهلم " . ولكن " الكوريين " كانا غير قادرين على القيام بالرحلة فقد كانا مريضين . وهكذا استمرا في عملهما في هدوء وتواضع كما استمرا في الحرمان والعوز وانفقا كل نقودهما على تجاربهما الجديدة متناسيين ، في تسام روحي مجيد ، مصالحهما الشخصية . وعندما تقررت قيمة الراديوم العلاجية ووجدا أن له تأثيرا فعالا في معالجة أمراض كثيرة من بينها السرطان ، حثهما أصدقائهما أن يسجلا لنفسيهما عملية استخلاص الراديوم . ولو فعلا ذلك لضمنا لنفسيهما ثروة طائلة ، حيث أن ثمن الجرام الواحد من الراديوم كان يقدر اذ ذاك بنحو 150000 دولار . ولكنهما رفضا الحصول على أي ربح من اكتشافهما قائلين :" أن الراديوم هو أداة للرحمة وليست للتجارة !" .
البحث .. عن معمل !
لم يرفض " الكوريان " الأرباح فحسب وانما رفضا التكريم ايضا . وكان كل ما يطلبانه من دنياهما هو أن تعطى لهما حجرة معمل جديد للقيام بتجاربهما . وعندما كتب مدير " السوربون " الى " بيير " يخبره بأن الوزير قد قدم اسمه للحصول على وسام جوقة الشرف ، رد "بيير " – تؤيده "ماري " – " أرجوكم التكرم بشكر سعادة الوزير وتبليغه بأنني لا أشعر بأقل رغبة في الحصول على أوسمة ، ولكنني في أشد الحاجة الى معمل ".ومع ذلك فقد سمح "بيير " ، فقي مناسبة واحدة فقط ، بأن يقدم اسمه لنيل منصب رفيع . فقد أصر زملاؤه العلماء على أن يرشح نفسه لعضوية المجمع العلمي . ولم يكن قبوله لهذا الأمر رغبة منه في الحصول على ذلك التكريم في حد ذاته ، انما لأن ذلك سيعطيه الفرصة ليحصل على منصب أستاذ في " السوربون " ومن ثم يكون له الحق بالتالي للحصول على معمل .
للضرورة... أحكام !
شرع بيير في القيام على مضض بجولته على أعضاء المجمع العلمي ، اذ كانت العادة المتبعة أن يقوم كل مرشح بمثل هذه الجولة يطنطن فيها على مؤهلاته لذلك الشرف . واليك وصف أحد الصحفيين الباريسيين لتلك الحملة التي قام بها بيير لدخول المجمع العلمي :" كان بيير يشعر بالخجل برغم عنه كلما اضطر الى تلك الأشياء الحقيرة مثل ارتقاء السلالم ودق الاجراس ثم دخول المنازل لكي يشرح السبب في حضوره . ولكن مما يزيد الطين بله ، أنه كان مضطرا لأن يتحدث عن نفسه وعن تفوقه وأن يتباهى بعلمه واكتشافاته . ولما كان كل ذلك يبدو له محنة وعذابا ، فقد كان يعظم من شأنه خصمه ويمدحه بإسهاب و إخلاص قائلا :ان مسيو أماجا لديه مؤهلات أفضل منه شخصيا ، أي بيير نفسه ، للدخول الى المجمع العلمي ، وانتخب المجمع مسيو أماجا !
رد مع اقتباس