ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-08-2006, 20:17
الصورة الرمزية دلوعة البصريات
دلوعة البصريات
غير متواجد
فيزيائي متمكن
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 184
Smile مشاركة: صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!

درس ...للصحفيين !
كان "بيير كوري "بارعا في محاولاته للهروب من الشهرة , وكذلك كانت ماري . وكانت وسيلتها البسيطة للتخفي هي أن لا تلجأ للتخفي ! فلم يكن أحد يظن أبدا من النظرة الأولى لهذه السيدة الريفية الشابة وهي في رداءها الأسود المتواضع , أنها هي نفسها العالمة الشهيرة الحائزة على جائزة "نوبل " . وذات يوم كان أحد مراسلي الصحف الأمريكية يتتبع آثار "الكوريين " بحماس, وسمع أنهما يقضيان اجازتهما في احدى قرى الصيادين . وعندما وصل الى القرية سأل عن الطريق الى كوخهما . وعند الكوخ وجد سيدة شابة تجلس حافية القدمين على عتبة الباب فسألها :
-هل أنت مديرة هذا المسكن ؟
- أجل .
- هل السيدة موجودة في المنزل .
- كلا .أنها بالخارج .
- هل تنتظرين رجوعها قريبا ؟
- لا أظن ذلك .
وعندئذ جلس المراسل الفضولي المراسل الفضولي , كعادة الصحفيين , على عتبة الباب بجوارها وقال لها : " هل يمكنك أن تخبريني عن أي شيئ من أمورها الخاصة ؟ "فأجابت " ماري ": لا شيئ عندي الا رسالة واحدة طلبت مني مدام كوري أن أنقلها الى مراسلي الصحف , وهي أن تقللوا من فضولكم بحثا عن أخبار الناس وأ، تتطلعوا الى ما هو أجدى ".
عضو .. رغم أنفه !
وأصبح بيير برغم أنفه عضوا آخر الأمر في المجمع العلمي بدون أن يرغب في الانضمام اليه وبدون أن يرغب المجمع في ضمه اليه !.
وبعد عدة اجتماعات , أدرك بيير عدم وجود جدوى حقيقية للمجمع العلمي . وفي ذلك كتب يقول : " انني لم أكتشف بعد ما هو الغرض من وجود مثل ذلك المجمع !" . ومع ذلك فقد كان المجمع السبب في تحقيق حلم " الكوريين " الكبير , فقد مكن بيير في الحصول على منصب في السوربون , ومع المنصب كان الحلم , أي المعمل الذي طالما بحثا عنه .

الكارثة ...!
يبدو أن النعمة لا تتم وأن الفرحة لا تدوم, لم هذا التشاؤم ؟ انه ليس تشاؤم ولكنه تقرير واقع . فاذا سرتك الدنيا يوما أهمتك أياما . واذا أضحكتك ساعة أبكتك ساعات !. فبعد أن حقق بيير وزوجته كثيرا من الانتصارات العلمية وحصلا على حلم حياتهما كان القدر يدبر لهما أمرا . ففي صباح ممطر خبأ ضوء الشمس فيه من أيام ابريل عام 1906م , خرج بيير من بيته ليذهب الى ناشر كتبه وكان هذا هو الخروج الأخير . اذ بعد ساعات قليلة أعادوه الى ماري جثة هامدة . فقد زلت قدمه وسقط على أرض الشارع الرطبة فداسته عربة نقل ثقيلة . يا لها من كارثة مروعة ... لقد انتهت سعادة ماري ...أصبح فؤادها فارغا أبيضت عيناهامن الحزن . لقد أصبحت أرملة ولكن ليست ككل الأرامل . فلم يكن الفقيد الغالي مجرد زوج فحسب , ولكنه كان الصديق والمحب والشريك في البيت والعمل معا .أجل لقد انتهت سعادة ماري , ولكن لحسن الحظ ان عملها لم ينته هو الآخر . وها هو عرض مغر يقدم لها لتكون أستاذة في السوربون وتحل محل زوجها في منصبه . انه حقا عرض مغر ولكنه لم تكن تتمناه أبدا . على أية حال لعل في المنصب الجديد بعض العزاء لتلك الأرملة الثكلى . وكانت هي بالعل أول مرة في التاريخ الفرنسي يمنح فيها منصب في التعليم العالي لأحدى السيدات , وأخذت تواصل تحقيق الرسالة بعدما تسلمت الراية في معمل بيير الجديد الذي أصبحت من الآن مديرته .
رثاء ..!
وتمر خطى الزمن بطيئة متثاقلة , وماري توزع عملها بين رعاية أطفالها واجراء ابحاثها . ولكن هل ينسى الفؤاد الحبيب الراحل !؟ بالقطع لا ينساه فهذه ماري تكتب كل ليلة وقبل أن تأوي الى فراشها بيانا عن أدق أفكارها الباطنة للعزيز بيير وكأنها تناجي شخصا على قيد الحياة لا يزال!
"لقد عرضوا علي يا حبيبي أن أخلفك في منصبك وأن أقوم بتدريس منهجك وادارة معملك .وقد قبلت ذلك وأنا لا أدري ما اذا كان ذلك أمرا حسنا أو سيئا " "عزيزي بيير: انني لا أكف عن التفكير فيك ويكاد رأسي ينفجر في ذلك . انني لا أعرف كيف قدر علي أن أعيش من الآن فصاعدا من غيرك " ."أيها الحبيب الراحل . انني لا أحب الآن رؤية الشمس أو الأزهار , لأن رؤيتها تجعلني أتعذب ولكنني أشعر أنني أفضل حالا في الأيام المعتمة التي تشبه يوم فقدك . واذا كنت لم أتعلم بعد أن أكره الجو الصحو , فذلك لأن أطفالي بحاجة اليه " .
كانت هذه بعض نبضات قلب ..أنات قلب وألم فؤاد فارغ أضناه الفراغ .قلب ذاق مرارة الوحدة وعقرته وحشة الطريق ولفحته نار الحرمان .
من لم يمت بالسل ..مات بغيره !
حكمة سمعناها , ترددت أصدائها في جوف الزمان , "من لم يمت بالسيف مات بغيره , تعددت الأسباب والموت واحد " .وكان والد مانيا .أقصد مدام كوري لا يريد أن يصرعها السل كما صرع أمها من قبل . ولكن –كما قلنا –من لم يمت بالسل مات بغيره . اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى واستعر أوارها , ووجدت مدام كوري أن من أوجب واجباتها المساهمة في تخفيف الآم المصابين , ومن ثم نظمت عددا من وحدات الأشعة السينية لعلاج الجنود الجرحى وأشرفت بنفسها عليها .وأخذت تقوم بالرحلات على طول البلاد وعرضها كملاك للرحمة ذي وجه أبيض جميل وأصابع متألمة متآكلة بفعل الأحماض. وعلى الرغم من تعبها وألمها وحزنها , فانها كانت مستعدة دوما للترفيه عن الجرحى بابتسامتها المشجعة ولمستها الحانية وكلماتها الرقيقة ونظرتها المتفائلة .وكان الذعر يصيب الجنود عندما يرون جهاز الأشعة السينية المخيف ويسألون:" هل يسبب ألما ؟"وكان جوابها الذي لا يتغير هو "أبدا ..مطلقا ..ان الأمر ليشبه التقاط صور لكم ".ووضعت الحرب أوزارها , وعادت مرة أخرى الى الرحلات ومظاهر التكريم والمقابلات والأوسمة والمحاضرات والمآدب .كما عادت الى السعي والكدح والأحزان .النهاية تقترب ..تقترب"آه..كم أحس بالتعب "صرخة أطلقتها مدام كوري عندما رجعت من عملها ذات يوم وبعدها لم تستطع مغادرة فراشها .وحار الأطباء في تشخيص الداء .فمن قائل انه انفلونزا ,بينما رأى آخر انه درن ,أما ثالثهم فقد أكد أنه فقر دم خبيث .ولكنه في الحقيقة لم يكن واحدا من هذه الأمراض انه "التسمم الراديومي "الذي لم يتمكن الأطباء معرفة كنهه الا بعد وفاتها .فقد حدث تحلل تدريجي للأعضاء الحيوية في جسم مدام كوري نتيجة لتعرضها للاشعاع الشديد طوال حياتها .أجل لقد أحبت مدام كوري عملها في ميدان الراديوم المشع ,وكان هذا الحب نفسه هو الحب القاتل!.
رد مع اقتباس