ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - الابن ...الوحيد!
الموضوع: الابن ...الوحيد!
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-08-2006, 19:36
الصورة الرمزية دلوعة البصريات
دلوعة البصريات
غير متواجد
فيزيائي متمكن
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 184
Smile الابن ...الوحيد!

حفيد.... السائس !
ولد"لافوازييه"في باريس يوم 6 أغسطس عام 174م وكان الابن الوحيد لوالدين مقتدرين .وقد ماتت أمه وهو لايزال صغيرا فكفله أبوه وعمته العانس.
وكان "لافوازييه" يتمتع بنعمة العبقرية ولكنه قاسى من لعنة الثراء . فقد قادته عبقريته الى المجد وقاده ثراؤه الى الموت.وكان أسلافه قد ارتقوا من الحضيض الى القمة , ذلك أن جد جده لأبيه كان سائسا في الاصطبلات الملكية . أما والده فكان مشرعا قانونيا لبرلمان الفرنسي.وقد أعد " أنطوان" الشاب نفسه للمحاماة مثل والده , على أن اهتمامه كان يتجه الى العلم فقد كان يفضل البحث والتنقيب على الدفع والتقاضي.وقد بلغ من استغراقه في تجاربه العلمية أنه كان حتى وهو طالب صغير قد ابتعد بنفسه تماما عن اللهو الطائش الذي ينغمس فيه المجتمع , وكان يعتذر عن الصلات الاجتماعية بدعوى أنه معتل الصحة . ولم يكن هذا الاعتذار مجرد حجة لا أساس لها , فقد كان يعاني فعلا من سوء الهضم المزمن وكانت الشهور تمر وهو لا يتغذى بغير اللبن , ونصحه أصدقاؤه بأن يقلل من العمل ويزيد من التريض , حتى قال له أحدهم :"لأن يزداد عمرك سنة أخرى فوق الأرض خير لك من أن يعيش مائة سنة في ذاكرة سنة في ذاكرة التاريخ!".
ووافق لافوازييه على أن يمد فترة حياته فوق هذه الأرض قليلا . لذلك قبل عرضا يمكنه من أن يجمع بين التريض والعمل . فقد دعاه الجيولوجي الشهير "جان جيتار" الى المساهمة في انشاء أطلس تعديني لفرنسا . وكان ذلك يعني فرصة للسفر والتنقل , وكان "لافوازييه" متشوقا لاقتناص تلك الفرصة.


ادارة .... المساحيق!
كثيرا كان "لافوازييه" يضطر الى وقف أبحاثه عندما تدعوه الحكومة لأن يقدم لها المساعدة الفنية . ودعته الحكومة ذات يوم للعمل على حل مشكلة النقص في البارود . فقد كانت فرنسا تشكو من نقص ملح نيترات البوتاسيوم , وهو أحد المركبات الأساسية في صناعة البارود , وكانت تنتجه احدى الشركات الاحتكارية بطريقة غير فعالة . وقد طلب مراقب عام المالية مشورة "لافوازييه" الذي اقترح أن تؤسس الحكومة ما اسماه "ادارة المساحيق !" . وقد عين لافوازييه نفسه أحد أربعة مديرين لهذه الادارة , وقد استطاع خلال سنوات ثلاث أن يرتفع بانتاج فرنسا السنوي من البارود الى حد كبير . ومما هو جديربالذكر أن جهود "لافوازييه" هذه قد ساعدت على نجاح الثورة الأمريكية , لأنه لولا البارود الذي أمدت به فرنسا الثوار لتغيرن نتيجة الثورة !.

موظف...حكومة!
تخللت الفترة التي قضاها "لافوازييه" في ادارة المساحيق تجربتان تدلان على مدى ما يتعرض له العالم الذي يعمل في خدمة الحكومة , ففي أحد الأيام كان " لافوازييه", ومعه زوجته وثلاثة من مساعديه , يجرون تجربة على ملح كلورات البوتاسيوم لدراسة امكانية استخدامه كأحد المفرقعات فحدث انفجار في المعمل أدى الى وفاة اثنين من الحاضرين , وقد نجا لافوازييه من موت محقق وزوجته .
"اذا تكرمتم , يا سيدي , بعرض أمر هذا الحادث المؤسف على الملك والأخطار التي تعرضت لها , فانني أرجوكم أن تنتهزوا هذه الفرصة لكي تؤكدوا لجلالته أن حياتي فداء له ولفرنسا وأنني سأكون دائما على استعداد للتضحية بها لما فيه المصلحة العامة , اما بتكرار العمل على المادة المفرقعة ذاتها أو بأية وسيلة أخرى ". تلك عبارات "لافوازييه" التي أبلغ بها وزير الملك عن حادث الانفجار , وهي تنم عن نبل أخلاقه واستعداده للتضحية والفداء.
أما التجربة الأخرى فكانت سياسية , ففي عام 1789م عندما استولى الثوار على "باريس" , قررت ادارة المساحيق أن تشحن مازنته 10000 رطل من البارود الصناعي الردئ الى خارج المدينة لاستبداله بنوع أفضل واستدعى المحققون المديرين , الا أن صيحة الرأي العام للمطالبة باعتقال " لافوازييه" تخفت لم تخفت الا بعد عودة شحنة البارود الى دار الصناعة .

صاحب بالين ...!
لم يكن "لافوازييه" صاحب بالين وانما كان صاحب ثلاثة ! . ومن هذه الاهتمامات كانت مأساته :
عمل" لافوازييه" ,بالاضافة الى أبحاثه , ملتزم ضرائب . وقد قابل أثناء عمله هذا "ماري ان بيريت " وكانت في الرابعة عشرة من عمرها وهي ابنة كبير الملتزمين " جاك بولز " وتزوجها وكان عمره آنذاك ثمانية وعشرون عاما .
ومع أن زواج "لافوازييهط كان من ترتيب والد زوجته حتى لاتقع ابنته تحت ضغط الجهات العليا التي كانت ترغب في زواجها من كونت عجوز فاسد الأخلاق , الا أن الأيام أثبتت أن زواج "لافوازييه" من هذه العروس الطفلة كان ناجحا وسعيدا .
بدات ماري في تعلم اللغتين اللاتينية والانجليزية لترجمة الأعمال العلمية لزوجها الذي كان قليل الالمام باللغات الأجنبية . وترجمت له كتابين هامين للعالم الكيميائي الايرلندي "ريتشارد كيروينط , وأعدت موجزا لأبحاث نشرها "جوزيف بريستلي" و"هنري كافنديش" وغيرهما من علماء الكيمياء المعاصرين لذلك العهد . وجعلت ماري من منزلها مكانا يؤمه العلماء الأجانب والفرنسيون , كما كانت فنانة موهوبة ترسم اللوحات لكتبه , فضلا عن أنها سكرتيرته وذراعه اليمين .
وبعد اعدام " لافوازييه" كتبت وطبعت كتابه الأخير "مذكرات في الكيمياء" وهو الكتاب الذي كان قد جمع مادته في السجن ولكنه لم يكمله . ويشق علينا هنا أن نذكر أن تلك الزوجة الوفية المشاركة قد كوفئت على عملها أسوأ مكافأة . وذلك لزواجها التعس الذي لم يدم طويلا من الكونت "رامفورد" , وكان "رامفورد" هذا عالما متميزا ومخترعا مشهورا الا أنه كان أيضا مغامرا لا يبارى ووصوليا كبيرا.
ولكن ما السبب في إعدام "لافوازييه"؟
كان السبب الجزئي هو العمل الذي أوجده له صهره , كبير الملتزمين , فقد أصبح لافوازييه بهذا العمل يشغل باله بوظائف ثلاث : عضو المجمع العلمي , مدير الترسانة , ملتزم ضرائب.
وتضافر مع هذا السبب سبب آخر....

عندما توأد ...العدالة !
توج "لافوازييه" أعماله العلمية الكبرى بنشر كتابه " رسالة أولية في علم الكيمياء " في عام 1789م . وكان نشر هذه "الرسالة" بمثابة فاتحة عصر جديد في علم الكيمياء الحديث , تماما كما كان نشر "مبادئ" نيوتن فاتحة عصر جديد في علم الميكانيكا الحديث . وبعد عامين من نشر " رسالته" كتب لافوازييه في عام 1791م يقول :" انه ليسعدني أن أرى نظريتي الجديدة وقد اجتاحت كالثورة ,جميع الدوائر الفكرية في العالم ".
ولكن تيار ثورة أخرى كان يجتاح فرنسا في تلك اللحظة . وكان ذلك التيار يقترب من "لافوازييه" باستمرار, فان "أبا الكيمياء الحديثة" بعد أن حرر العلم من " عهد الخطأ" وأوصله الى " عهد الصواب" كان على وشك أن يقط فريسة " لعهد الارهاب".
فقد تعرض في 27 يناير 1791م لهجوم حقودمن جريدة " مارا" المسماة "صديق الشعب " . وكانت هذه الحملة المسمومة تخدم في الحقيقة مصالح "مارا" (هوأحد الزعماء اليعاقبة الثلاثة أثناء الثورة الفرنسية وهم روبسير , ودانتون, ومارا ) على الرغم من تظاهرها بالمحافظة على مصالح الشعب . ولكن ما القصة بالضبط ؟ أو بمعنى آخر ما سر العداوة بين " مارا" و"لافوازييه" ولعلها عداروة من طرف واحد .
لم يكتف مارا بأن يكون أحد زعماء الثورة الفرنسية بل كان يطمح في أن يكون أحدقادة العلم كذلك . فقد كتب في عام 1780م "رسالة عن طبيعة النار "ولما عرضت على "لافوازييه" أبدى رأيه , الذي ثبتت صحته فيما بعد , فيها و بالطبع لم يكن رأي "لافوازييهط في صالح "مارا" بذلك قرر الانتقام .
ولعل المقالة الملتهبة التي نشرها "ماراط في عام 1791م كانت بمثابة أول تنفيذ لذلك القرار . "أيها المواطنون الفرنسيون : انني أكشف لكم أمر ذلك السيد لافوازييه , ملك الدجالين , ورفيق الطغاة , وتلميذ الأوغاد , وشيخ اللصوص , هل يمكنكم أن تصدقوا أن جابي الضرائب القمئ هذا , والذي يبلغ دخله أربعين ألفا من الجنيهات في العالم ,منغمر في شيطانية ليجعل الناس ينتخبونه مديرا لباريس ؟ ان الواجب علينا بدلا من انتخابه لذلك المنصب أن نعلقه مشنوقا في أقرب عمود مصباح في الطريق ".يالها من كلمات نارية تنم عن حقد وسوء طوية , غير أن "لافوازييه" لم يأبه بها كثيرا , ظنا منه أنها مجرد تنفيس عن الكبرياء المجروحة . ولكن "مارا" استمر في حملته المسعورة , ولم يمض وقت طويل حتى انضم اليه في فريته وتهجمه عدد آخر من ( الثوار) الذين أصابتهم العدوى وأصدروا مرسوما باغلاق المجمع العلمي , الذي أصبح "لافوازييه" مديرا له , متهمين اياه بأنه " مستودع ميت متعفن لأفكار الملكيين" وعندما اعترض"لافوازييه" على ذلك القرار ألقوا القبض عليه بتهمة خيانة الحكومة الجديدة .
هل بامكان أعدائه اثبات تلك التهمة ؟ لقد حاولوا بيد أنهم أخفقوا . وهل يستيئسون ؟ كيف؟ لقد وجهوا اليه اتهاما جديدا وهو ابتزاز أموال الأمة في أثناء عمله كملتزم ضرائب . وقاموا بتفتيش منزله ووضعوا أيديهم على أوراقه , وعلى الرغم من أنهم لم يجدوا أدلة دامغة ضده فانهم نقلوه الى سجن المحكوم عليهم بالاعدام !!
ما موقف "لافوازييه"يا ترى ؟ لم يفقد شجاعته وهو يواجه الموت " لقد عشت حياة مديدة وسعيدة , وسوف يوفرون على متاعب الشيخوخة واوجاعها وسوف أخلف ورائى علما كثيرا ومجدا كبيرا . ما الذي ينتظره الانسان من دنياه أكثر من هذا ؟ " –تلك كانت كلماته الى ابن عمه " أوجيه دي فيلير " في خطاب أرسله له في تلك الظروف العصيبة .
وانعقدت المحاكمة ...شكلية ومتكلفة . وكان شاهد الاثبات الوحيد ضده ,من ؟ أحد مستخدميه السابقين , وكان لصا بارعا ومزيفا للنقود محترفا .
وعندما حاول أحد المحامين المدافعين عن " لافوازييه" أن يلفت أنظار القضاة الى أمجاد"لافوازييه" العلمية , فلم يكن منهم غير الفظاظة والصدود " ان الثورة ليست في حاجة الى العلماء , انها في حاجة الى العدالة !".
أية عدالة هذه والتهمة غير ثابتة عليه ؟! ان العدالة على أية حال كانت آخر ما ينتظره المرء من وسط جنون الثورة المسيطر في تلك الآونة . وقد نعت "لافوازييه" – على لسان محامي الخصوم – بأنه "مصاص الخصوم" _ بأنه "مصاص للدماء تراكمت جرائمه العديدة لدرجة تتطلب منه الانتقام ".
هل هذه تهمة معقولة ؟ هل ذلك العالم الممتاز مصاص دماء ؟! هل الذي وهب علمه وافنى صحته وشبابه من أجل بلده يمكن أن يكون خائنا له ؟! ولكن لابد من الاستسلام للقدر " أرجو يا عزيزتي أن تعتني بصحتك , وتذكري أنني قد أنهيت عملي ومهمتي على خير وجه , وأشكر الله على ذلك ". هكذا كتب "لافوازيه" بنفس راضية خطابا أخيرا الى من قاسمته حياته بحلوها ومرها قبل أن يقاد الى المقصلة .
ووضع الرأس العالم تحت المقصلة وما هي الا لحظة أوتكاد حتى ..لا.. توقفي أيتها اللحظات , تمردي أيتها المقصلة , ارتدعوا أيها الجلادون , أي ذنب جناه هذا الانسان ليلقى هذا المصير ؟...ولكن ما قدر يكون .وفصل الرأس عن الجسد..فانتفضت الدنيا , واستنكرت الضمائر "أيتها الحرية : كم من الجرائم ترتكب باسمك!" يالها من صرخة قلب لوعته المأساة وأدماه الظلم البين فأطلقها مدوية في جوف الزمان ليرددها من بعده كل ما يعتريه جور أو يلحق به هضم . ولكن قلب من هذا ؟ ومن يكون غير قلب أرملة هزتها الفجيعة وقصمتها المحنة .
وهاهي صرخة أخرى , ولكنها مكتومة ..متأنية ..متألمة أطلقها العالم "لاجرانج" :"لم يستغرق قطع رأس لافوازييه أكثر من لحظة واحدة . ولكننا ربما انتظرنا قرنا كلاما ليجود الزمان برأس مثله !".
"مارا" ..افعل ما شئت , فكما تدين تدان ؟ وما هي الا سنوات حتى وقع هذا الأثيم صريعا , فقد اغتالته "شالوت كورادي" – سبحانك ربي أنت المنتقم الجبار .
رد مع اقتباس