الإدراك الحسي للوقت
ما ندركه على أنه الزمن هو في الحقيقة طريقة نقارن فيها دقيقة مع أخرى. يمكننا أن نشرح هذا بمثال. عندما يقوم إنسان ما بتسجيل شيء، يسمع صوتا معينا، وعندما يسجل نفس هذا الشيء بعد خمسة دقائق، فإنه يسمع صوتا آخر. يدرك الإنسان أن هناك فاصلا بين الصوت الأول والصوت الثاني ويسمي هذه الفواصل "الزمن". عندما يسمع الصوت الثاني لا يبقى الصوت الأول في مخيلته. إنه جزء من معلومة في مخيلته. يقوم الإنسان بتشكيل مفهوم الزمن عن طريق مقارنة الدقيقة التي يعيش فيها بتلك التي يملكها في ذاكرته . وإذا لم تحدث هذه المقارنة، فلا يمكن أن يتشكل مفهوم الزمن .
وبشكل مشابه، يقوم الإنسان بمقارنة عندما يرى أحدهم يدخل غرفة عبر الباب ويجلس على كرسي في منتصف الغرفة. في الوقت الذي يجلس فيه هذا الشخص على الكرسي ، تتراكم الصور الخاصة بفتحه الباب ودخوله إلى الغرفة وتوجهه نحو الكرسي كأجزاء من المعلومات في دماغه. ويحدث إدراك الزمن عندما يقوم أحدنا بمقارنة الرجل الجالس على الكرسي بأجزاء المعلومات تلك.
باختصار يوجد الزمان كنتيجة عن مقارنة تتم بين بعض الخيالات المختزنة في الدماغ. فإذا كان الإنسان دون ذاكرة فإن دماغه يعجز عن إيجاد هذه التفسيرات وبالتالي لا يمكنه الوصول إلى مفهوم الزمن. السبب الوحيد الذي يجعل الإنسان يقرر أنه في الثلاثين هو أنه قام بمراكمة معلومات تعود إلى هذه السنين الثلاثين في دماغه فإذا كانت ذاكرته غائبة، لم يتمكن من التفكير بفترة سابقة كهذه وسوف يتعامل فقط مع اللحظة التي يعيشها
أثبت فيزيائيو القرن العشرين مثل "ألبرت أينشتاين"، ولينكولن بارنت اLincoln Barnet الذي كتب كتاب "الكون والدكتور اينشتاين" نسبية الزمن. يقول هذا الأخير في كتابه:
مع الفضاء المطلق يطرح أينشتاين مفهوم الزمن المطلق - الزمن الكوني الثابت الصلب اللامتغير المتدفق من الماضي اللامحدود إلى المستقبل اللامحدود. الجزء الأكبر من الغموض الذي يحيط بالنظرية النسبية ينشأ عن ممانعة الإنسان لإدراك الشعور بأن الزمن مثل الشعور باللون نوع من الإدراك. تماما كما أن الكون يمكن أن يكون نظاماً من أشياء مادية، كذلك فإن الوقت نظام من الأحداث. من الأفضل شرح ذاتية الزمن بكلمات أينشتاين نفسه، "تظهر لنا تجربة أحد الأشخاص مرتبة في سلسلة من الأحداث. في هذه السلسلة يتم ترتيب الأحداث المفردة التي نتذكرها حسب مقاييس المبكر والمتأخر. لذلك يتواجد للفرد الوقت الذاتي. هذا بحد ذاته غير قابل للقياس. يمكنني أن أربط أرقاما مع الأحداث بهذه الطريقة يرتبط الرقم الأكبر مع الحدث الأخير وليس بالحدث المبكر.43
أشار أينشتاين نفسه، كما جاء في كتاب بارنت، إلى أن: "الزمن والمكان نوعان من الحدس الذي لا يمكن أن ينفصل عن الشعور كما هو إدراكنا للّون والشكل والحجم. وحسب النظرية النسبية فإن "ليس للزمن وجود مستقل بعيدا عن ترتيب الأحداث التي نقيسه بها".44
وبما أن الزمن يتكون من إدراك فهو يعتمد على مدرك وهو لذلك نسبي .
النسبية في القرآن
النتيجة التي أوصلنا إليها العلم الحديث هي أن الزمن ليس حقيقة مطلقة كما يظن الماديون، وإنما هو إدراك نسبي فحسب. المثير في الأمر أن هذه النتيجة التي لم يصل إليها العلم قبل القرن العشرين، قد كشفها القرآن الكريم منذ قرون خلت. هناك عدة شواهد في القرآن على نسبية الزمن.
ومن الممكن أن نجد العديد من الآيات القرآنية التي تبرهن علميا على أن الوقت إدراك نفسي يقوم على الأحداث، والمحيط والظروف. على سبيل المثال حياة الإنسان قصيرة جدا كما يقول لنا القرآن:
{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ..} [يونس: 45].
{يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} [الإسراء: 52].
تعطينا بعض الآيات أمثلة عن اختلاف إدراك البشر للوقت، ففي بعض الأحيان يشعر الناس بالوقت القصير أنه طويل جدا. مثال على هذا محاورة الناس أثناء حسابهم في اليوم الآخر:
{قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين. قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون} [المؤمنون: 112 ـ 114].
وفي آيات أخرى يبين الله أن الوقت يمكن أن يسير بخطوات مختلفة في محيطات مختلفة:
{ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47].
{تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره ألف سنة..} [المعارج: 4].
{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة: 5].
هذه الآيات برهان واضح على نسبية الزمن التي قال بها العلم الحديث والتي كشف عنها الله منذ 14 قرنا مما يدل على أنه تنزيل من الله مالك الزمان والمكان.
في آيات أخرى يكشف لنا الله على أن الزمان إدراك وخاصة في القصص. في قصة الكهف مثلا تنام مجموعة المؤمنين في الكهف ثلاثمائة سنة، وعندما يستيقظون يحسبون أنهم لم يلبثوا إلا قليلا، ولا يتمكنون من تحديد الوقت الذي أمضوا:
{فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا. ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} [الكهف: 11 ـ 12].
{وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم...} [الكهف: 19].
الحقيقة التي تطرحها الآية التالية تبين أن الوقت إدراك نفسي:
{أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 259].
تدل هذه الآية على أن الله الذي خلق الزمن غير مقيد به.من جهة أخرى الإنسان مقيد بالزمن الذي قدره الله. الإنسان غير قادر حتى على معرفة المدة التي نام فيها. وهنا اعتبار أن الزمن مطلق (كما يدعي الماديون) أمر غير عقلاني
تختلف سرعة الزمن حسب المرجع الذي نستخدمه للقياس لأنه ليس هناك ساعة طبيعية في الجسم الإنساني تحدد بدقة السرعة التي يمر بها الزمن. كتب لينكولن بارنت: "كما أنه لا يمكن رؤية اللون بدون عين، كذلك لا يمكن أن يكون هناك ساعة أو دقيقة أو نهار دون حدث".45
في الأحلام تبدو نسبية الوقت واضحة. فبالرغم من أن ما نراه في أحلامنا يبدو وكأنه استغرق ساعات، فهو حقيقة لم َيطُلْ أكثر من دقائق أو حتى ثوان.
لنأخذ مثالا يوضح الموضوع أكثر. لنفترض أننا وُضعنا في غرفة فيها نافذة واحدة وبقينا فيها وقتا من الزمن. وليكن هناك ساعة يمكن من خلالها أن نقيس الوقت الذي يمضى. وفي نفس الوقت يمكن أن نرى شروق الشمس وغروبها في فواصل معينة. بعد عدة أيام يمكننا أن نعطي جوابا عن سؤال يطرح علينا نحدد فيه كمية الزمن الذي أمضيناه في الغرفة معتمدين على كل من عدد المرات التي أشرقت فيها الشمس، والساعة التي نأخذ منها الوقت بين الحين والآخر. على سبيل المثال كانت مدة جلستنا في الغرفة حسب تقديرنا ثلاثة أيام. ولكن إذا جاء الذي وضعنا في هذه الغرفة وقال لنا إن الشمس التي كنا نراها من خلال النافذة كانت من مصدر اصطناعي، آلة استثارة مثلا، وأن الساعة تم ضبطها بشكل متسارع، عندها يكون التقييم الذي أجريناه خاطئا.
هذا المثال يبين لنا أن المعلومات التي نحصل منها على نسبة الزمن تعتمد على مراجع نسبية. نسبية الزمن حقيقة علمية تمت برهنتها بواسطة مذهب علمي.. تقول نظرية أينشتاين للنسبية العامة: تتغير سرعة الزمن اعتمادا على سرعة الشيء وحالته في حقل الجاذبية. وعندما تزداد السرعة ينقص الزمن وينضغط : ويتباطأ وكأنه سيتوقف.
لنشرح هذا من خلال مثال طرحه أينشتاين، قال: لنفترض وجود توأمين أحدهما موجود على الأرض والآخر في الفضاء يسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء. عندما يعود المسافر سيجد أن أخاه قد أصبح أكبر منه بكثير. السبب أن الزمن يسير ببطء أكثر بالنسبة للمسافر بسرعة قريبة من سرعة الضوء. لنتأمل والدا مسافرا في الفضاء وابنه موجود على الأرض. إذا كان عمر الأب عندما سافر 27 سنة والابن ثلاث سنوات، فعندما يعود الأب إلى الأرض بعد ثلاثين سنة (من زمن الأرض)، سيكون عمر الابن قد أصبح 33 سنة بينما عمر الأب 30 سنة فقط.46 هذه النسبية في الزمن ليست بسبب تسارع أو تباطؤ الساعات أو نابض الآلة، بل هي نتيجة لفترات العمل المتمايزة لكامل نظام وجود المادة، التي تسير بسرعة تعادل سرعة جزيئات أصغر من الذرة. بتعبير آخر، إن قصر الزمن بالنسبة للشخص الذي يتعامل معه لا يشبه صورة العمل بالحركة البطيئة. في وضع يتباطأ فيه الزمن، تتم العمليات الحيوية مثل نبضات القلب، انقسام الخلايا، الوظائف الدماغية بصورة أبطأ من أبطأ إنسان يتحرك على وجه الأرض. مع ذلك يستمر الإنسان في حياته دون أن يلاحظ قصر الزمن. في الحقيقة لا يمكن أن يظهر تناقص الزمن إلا بالمقارنة.