ـ
(15)
الناس الطيبين يتعجلون الرحيل ,هذا ما يحصل فعلاً . لقد وسدوا رأسها المدر قريبا , إني أفتقد فيها شيئا ما , وليس جزعاً لرحيلها أبداً ,فهذا أمر الله , ولن يبكيها بحرقة سوى أبناءها , وقد حصل هذا , لكني فعلا شعرت بوحشة وغربة قاتلة , لقد أحسستُ بموتها قبل أن يصلني خبر وفاتها و أن العناية المركزة لم تعد تنفع دماغها النازف لقد توقفت كل وظائفها الحيوية , لم تعود من الغيبوبة , بعد ان كان الدكتور يطمئن اهلها أنها بدات في التحسن , يوم وفاتها بالذات لا أدري لماذا سلك السائق لإيصالي من عملي لمنزلي طريقا مواجها للمقبرة الكبيرة, هذا غريب حقا , كان للأمر وقعا في قلبي , شعرت معه أن هناك شيء ما قد حصل , كان فعلا شيئا غريبا ان أستشعر هذا , صحيح أنه في الآونة الاخيرة بعد تطمينات والدتي عنها , لم أعد أتذكرها بالدعاء لكنها فعلا تهمني حياتها , هي ذات ذكر طيب و واحب ان يبقى أمثالها يلونون الحياة , حقيقةً كان موتها مفاجئا , جدا جدا .
ـــ نعم أخي ماذا تريد ؟ ماتت؟ هكذا رددتٌ على مكالمته وأنا أهم أن أطفح غدائي البائت مع تلك الظهيرة الموحشة , وصوت الرياح القبيح يزفر بالقرب من النافذة , أغلقت الاتصال , وتركت الطعام جانبا , وصرت أتذكر أخر مشهد جمعني بها , كانت قد هنئتني بالوظيفة في ذلك اللقاء , ولما رأت طفلنا عزوزي بعد أن كانت قد جلست في مقعدها في تلك الاحتفالية الجميلة عادت لتقبله , لا أنسى عينيها المملوءة بالسرور , عيناها ضاحكتان سيسعدك حقا أن تمتلئ بها رؤية , حقا مريحة جدا , تستطيع أن ترى فيها الابتسامة دون رؤية فمها , لديها غمازتان رائعتان في جانبي خديها , عزوزي يخاف الأغراب , لكن وجهها الأليف الملامح جعله يتقبلها دون ادنى خوف منها , انحنت بجسدها نحوه وصارت تقول هذا طفل حمادة , ما أجمله , حمادة هو أحمد والد عزوزي في عمر ابناءها , هي تتذكر طفولته , ورأت في عزو أباه الصغير كأنه هو أمامها, صارت تتأمله وتقول لوالدته أنه يشبه أباه , عادتْ مكانها بعد ذلك ولازالت تلتفت بجسدها نحو عزو ,لقد كان هذا اخر ما علق في ذاكرتي عنها وأخر مشهد جمعني بها , الآن هي تسكن قبرا . يا إلهي لا أكاد أصدق أنها رحلت , يبدو أن الناس الطيبين يرحلون بسرعة , بسرعة جدا .
ـ