هل المنطقة العربية معرضة للزلازل ؟
مع التسليم بأنَّه لا يمكن استثناء أيَّة منطقةٍ من مناطق سطح الأرض من إمكانيَّة التعرَّض للهزَّات الأرضيَّة ، إلا أنَّ هناك أحزمةً محدَّدةً على سطح الأرض يتكرَّر حدوث الزلازل عبرها، ولذلك عُرِفَت باسم أحزمة الزلازل الأرضيَّة (Earthquake Belts) ومن هذه الأحزمة ما يلي :
حزام زلازل المحيط الهادي / المحيط الهندي :
ويشمل المنطقة المُمتدَّة من غربيْ الأمريكيَّتَيْن إلى شرقيْ آسيا بما في ذلك شرقيْ الصين ، جزر اليابان ، والفلبِّين ، واندونيسيا وجزر المحيط الهندي , وهذا القوس المعروف باسم قوس النار (the Ring of fire) يحيط بأعمق أعماق المحيطات حيث لا يتعدَّى متوسِّط عمق المحيطات الأربعة كليومترات (3800مترا تحت مستوى سطح البحر) فإنَّ أجزاءاً كثيرةً من المحيط الهادي ، وشرقيْ المحيط الهندي تتجاوز ضعف هذا العمق (أكثر من 11كيلومتر في أغوار ماريانا إلى الشرق من جزر الفلبين) والسبب في ذلك هو تحرُّك قاع المحيط الهادي وأجزاءٍ من قاع المحيط الهنديِّ تحت اليابسة مما يؤدي إلى احتكاك تلك الألواح من ألواح الغلاف الصخريِّ ، وينتج عن هذا الاحتكاك أقدارٌ من الطاقة تنطلق فجأةً مُكَوَّنةً هزَّةً أرضيَّةً ، وإذا كانت الهزَّة تحت قاع المحيط فإنها تُحرِّك مياه المحيط في موجاتٍ مُتلاحِقةٍ شديدة الطول وعالية السرعة تُعرَف باسم الامواج البحريَّة المُصاحِبة للهزَّات الأرضيَّة (tsunami) .
حزام زلازل شمال الصين / القوقاز :
ويمتدُّ من الشرق إلى الغرب بمحاذاة شمال الصين والقوقاز ليلتقي شرقاً مع حزام المحيط الهادي ، وغربا مع حزام الهمالايا / زاجروس / الألب / البرانس/ أطلس .
حزام زلازل جبال الهيمالايا / الالب / البرانس :
ويمتدُّ من جبال الهيمالايا شرقاً إلى جبال طوروس ثمَّ جبال الألب والبرانس ، ويمتدُّ منه فرعان أحدهما جنوباً ليشملَ جبال زاجروس في غربيْ إيران ، والآخر يتَّجه إلى الجنوب الغربيِّ ليشملَ جبال أطلس في شمال أفريقيا مُرُوراً بجزيرتَيْ قبرص وكريت .
وعلى ذلك فإنَّ دولتَيْن عربيَّتَيْن فقط تقعان على هذا الحزام الزلزاليِّ وهما الجزائر والمغرب .
حزام زلازل أخدود شرقيْ أفريقيا / البحر الاحمر/ خليج العقبة / البحر الميت / وادي الأردن / الأناضول :
وهو حزامٌ زلزاليٌّ ضعيفٌ ؛ لأنَّه يمثِّل مناطق تَباعُد ألواح الغلاف الصخريِّ عن بعضها البعض أو تَحرُّكها عبر بعضها البعض دونَ صدامٍ ، بينما الأحزمة الثلاثة السابقة هي حدود تصادمٍ لألواح الغلاف الصخريِّ للأرض ، وهذا الحزام يؤثِّر على كلٍّ من اليمن والمملكة العربية السعودية ، والأردن ، وفلسطين ، ومصر ، والسودان ، والحبشة ، ومناطق الأخدود الأفريقيِّ العظيم بهزَّاتٍ أرضيَّةٍ خفيفةٍ لا تتعدى 5 درجاتٍ على مقياس رختر في أغلب الأحوال .
زلازل داخل ألواح الغلاف الصخري المكونة للمنطقة العربية :
وهي مُرتَبِطةٌ بصدوع في داخل تلك الالواح الصخريَّة ، وذلك من مثل أغلب الزلازل التي حدثت على أرض مصر . وهذه الصدوع إذا تمَّ تحاشيها أثناءَ اختيار مواقع المباني والمنشئات المُختلِفة كانت تلك المباني والمنشئات في مَأمنٍ من آثار تَحرُّك القشرة الأرضيَّة عبر تلك الصدوع .
من هذا الاستعراض السريع يتَّضح لنا بجلاءٍ أن الدول العربيَّة - فيما عدا كلاً من الجزائر والمغرب - تقع خارجَ نُطُق أحزمة الزلازل الكبري المَعرُوفة على سطح الأرض ، وأنَّ تأثَّر كل من غربيْ اليمن والمملكة العربية السعوديَّة ، وشرقيْ السودان ومصر ، بالإضافة إلى كل من الأردن وفلسطين بحركات انفتاخ البحر الأحمر ، وانزلاق الأرض عبر صدوع خليج العقبة / البحر الميت / وادي الأردن / بحيرة طبريا شمالاً إلى الحدود التركيَّة .
وعلى الرَّغم من ذلك فلا يستطيع الإنسان أن ينفيَ إمكانيَّة حدوث الزلازل في أيَّة بقعةٍ من بقاع الأرض ؛ لأنَّنا نعيش فوقَ بحرٍ من الصخور المُنصَهِرَة أو شبه المُنصَهِرَة التي لا يفصلنا عنها سوى الغلاف الصخريِّ للأرض المُمزَّق بشبكةٍ هائلةٍ من الصدوع إلى عددٍ من الألواح واللوَيْحَات التي تتحرَّك إما مُتباعِدةً عن بعضها البعض ، أو مُصطَدِمَةً ببعضها البعض , أو مُنزلِقةً عبر بعضها البعض , وهذه الألواح واللوَيْحَات مُعرَّضةٌ للتصدع في داخلها وللخسف لتنفصَّلَ بعددٍ من البحار الطولية، كالبحر الأحمر الذي يظل يتَّسع قاعه باندفاع ملايين الأطنان من الصهارة الصخرية عبر خسوف وسطه حتى يتحول إلى محيط بالتدريج وقد ثبت علميا تَحوَّل القارَّات إلى قيعان بحار ومحيطات ، وتحوَّل الأخيرة إلى قارَّات في دورةٍ مُحكَمَةٍ تُعرَف باسم دورة القارة – المحيط ، ولذلك فالأرض مَحفُوفةٌ بالمخاطر من تحت غلافها الصخريِّ ، ومن حول غلافها الغازيِّ ، ولولا رحمةُ الله –تعالي- بنا لهَلَكْنَا وهَلَكَ كلُّ ما ومن حوَلنا، ولذلك فمن العواصم من مثل هذه الكوارث الخضوع لله -سبحانه وتعالي- بالطاعة والعبادة، والسعي للقيام بواجبات الاستخلاف فى الأرض بعمارتها وإقامة عدل الله فيها ، والتركيز على الآخرة ؛ لأنَّ التركيز عليها يستوعب الدنيا كاملةً في إطارها الصحيح – رحلةٌ للآخرة مُؤقَّتةٌ قصيرةٌ ومزرعةٌ لها – ولا ينسى الدار الآخرة ، وهي دار الخلود بلا موت ، وهى إمَّا أن تكون جنَّةً أبدا أو ناراً أبداً كما أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، بينما التركيز على الدنيا فقط ينسى الآخرة حتى ينتهيَ الأجل ولم يُحَصِّل الإنسان لها شيئاً فيلقى الله - تعالى - صفرَ اليدَيْن من الحسنات ، كثيرَ الذنوب والتبعات ، فيُلقِيه ذلك فى نار جهنَّم ، وهو الخُسران المبين .
ولذلك أوصانا القرآن الكريم ، كما أوصانا رسولنا الكريم بالعمل للآخرة مع عدم نسيان الدنيا ، وكان من أحبِّ الدعاء على قلبه الشريف : " اللهمَّ لا تَكِلْنَا لأنفسنا ولا لأحدٍ من خلقك طَرفَةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك " ، وهذا الدعاء هو حرزُ المسلم في رحلة الحياة الدنيا التي نسأل الله - تعالى - أن يوفقَنا فيها إلى كلِّ خيرٍ ، وأن يحفظنا فيها من كلِّ سُوءٍ وهو ربُّ ذلك والقادر عليه. اللهمَّ آمين آمين آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.