غير أن التنبؤ بالمستقبل ارتبط في أغلب الأحيان بالنظم التي لا تحكمها قوانين محددة, مثل التنبؤ بالأحوال الجوية, أو التنبؤ بارتفاع أو انخفاض أسعار العملات في أسواق المال العالمية, أو بحدوث زلزال في بقعة من بقاع الأرض, وهذا النوع من التنبؤ يتقاسمه عاملان: عامل «مشاهد» نلحظ أثره بالتجربة ونحصي شواهده بالوسائل العلمية المختلفة ولكننا في الوقت نفسه نلاحظ قصوره عن الإحاطة بالظاهرة التي ندرسها في كثير من الحالات التي تخفق فيها توقعاتنا وتنبؤاتنا, وعامل آخر هو عامل «غيبي» لا تدركه حواسنا ولا أدواتنا ولكننا نؤمن به ونسلم بوجوده بوصفنا مسلمين, وبين هذين العالمين؛ عالم الغيب, وعالم الشهادة تقع جميع الظواهر والأحداث في الكون. ونحاول في هذا المقال أن نلقي بعض الضوء على ظاهرة كونية أدهشت العلماء لفترة من الزمن, يمكن أن تكون شاهدًا من عالم الشهادة على عالم الغيب, إذ إنها تؤثر في مستقبل الأشياء أشد التأثير, ومع ذلك فقد أعلن العلم عجزه عن تتبع آثارها أو التنبؤ بتداعياتها مهما طال به التقدم. ذلك أن الشأن لا يتعلق بتقدم العلم أو تأخره ولكن يتعلق بطبيعة الأشياء التي فطر الله الكون عليها, وبذلك يقر العلم ويسلم بوجود نوع من الظواهر لا يمكن للإنسان التنبؤ بها مع أنها محكومة بقوانين ومضبوطة بأنساق تهيمن عليها وتنفي عنها أي عشوائية مظنونة.
الحتمية العلمية واحتمالية «عدم التحديد»:
عندما كشف نيوتن اللثام عن قوانين الحركة - التي تنسب إليه - كان ذلك حدثا علميا كبيرا, أدى إلى التساؤل عما يمكن أن يقدمه العلم لفهم الكون ومعرفة أسراره. وأدى هذا الحدث العلمي الضخم إلى تطرف بعض العلماء - الذين جاءوا بعد نيوتن - في تصورهم عن مستقبل العلم, وما يمكن أن يؤول إليه الحال إذا ما تم الكشف عن جميع القوانين التي تنظم شؤون الكون, وتصور بعضهم أن المسألة مسألة وقت وأن هذا الكون يمكن تشبيهه بساعة ضخمة تنتظر أن يكشف عن القوانين التي تحكمها ليصبح التنبؤ بالأحداث التي تقع فيه بعد ذلك أمرًا واضحا