وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (سورة الأنعام, آية 59).
لقد علق الأستاذ سيد قطب على هذه الآية بحديث طويل ورائع, أشار فيه إلى أوجه من الإعجاز الذي تضمنته, وذكر من ذلك أن السامع لهذه الآية يدرك أنها من عند الله, فليس من اهتمام البشر ولا من اختصاصهم ولا مما يدور في أذهانهم أن يحصوا أوراق الشجر ولا أن يقسموا الأشياء إلى رطب ويابس, ثم يحاولوا أن يحيطوا علمًا بما هو رطب منها وما هو يابس, إن هذا ليس من كلام البشر وليس من تطلعاتهم.., إلى آخر ما قاله - يرحمه الله - من كلام نافع وبليغ. غير أنه يبدو لي أن في الآية إشارة إلى هذه النظم الفوضوية التي نتحدث عنها, فإن سقوط الورقة من الشجرة وكُمُون الحبة في ظلمات الأرض يعد في ضوء نظرية الفوضى حدثا كونيا مهما يؤثر على ما حوله من الأشياء ويتفاعل معها, وإن كان أثره المباشر قد يخفى عن العين فتهمله. ويمكنك أن تقارن بين خفق الفراشة لجناحها وبين سقوط الورقة لترى ما بينهما من صلة فيما يخص الموضوع الذي نتحدث عنه. إن نظرية الفوضى تقول لنا: إن كل شيء في هذا الكون يؤثر في كل شيء فيه.. ويتأثر بكل شيء فيه.. في شبكة هائلة من الأحداث المتسلسلة والممتدة عبر الزمان والمكان, لا يدرك منتهاها إلا الله وحده. فلا تستغرب إذًا قول أحد الصالحين: «إني لأجد أثر المعصية في خُلُق دابّتي» ولا تقل: وما دَخْلُ المعصية بخُلُق الدابة؟ إلا إذا قلت: ما دخل البعوضة في بيت «معمر» بمستقبل أبناء «عمير»!
مراجع مفيدة في الموضوع:
1. James Gleick, 1988, Chaos: Making a New Science, Penguin Books, New York.
2. Nina Hall (Ed), 1992, The New Scientist Guide to Chaos, Penguin Books, London.
3 - Larry S. Liebovitch, 1998, Fractals and Chaos Simplified for the Life Sciences, Oxford University Press, New York