قال الله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا " [النور:55]
وأما الموعود بالآية فقد ذهب بعض العلماء إلى أنهم هم المهاجرون الأولون، وقالوا: إن الآية أول ما تنطبق على الخلفاء الراشدين: الصديق و الفاروق و عثمان و علي ؛
لأن هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا مغلوبين فأصبحوا غالبين، وكانوا مقهورين فأصبحوا قاهرين، وكانوا مطلوبين فأصبحوا طالبين، وحقق الله لهم الوعد، ويوم نزلت هذه الآية المباركة لم يكن أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي خليفة، وإنما كانوا من المهاجرين الأولين يخافون، فلما منّ الله عليهم بعد ذلك نال هؤلاء الأربعة الراشدون الخلافة، ومكن الله جل وعلا لهم في الأرضولكننا نقول: إن الآية -وإن دخل فيها هؤلاء الأربعة دخولاً أولياً كما تحرر في التأصيل العلمي في دخول ذوات الأسباب- المخاطب بها كل مؤمن، وإذا نزلنا على أصلها فإنه يجب أن نعلم أن الله ربط العزة والقوة والعلو والظهور بالإيمان وعمل الصالحات، ولم يربطها بزوال الأعداء، فبعض الناس اليوم يتمنى أن يهلك الله أعداءنا، وهذا من حيث الجملة لا حرج فيه، ولكنه ليست رفعة شأننا مردها إلى ضعف عدونا، إذ ليس ضعفنا اليوم مرده إلى قوة عدونا، ولكن لبعدنا عن الإيمان والعمل الصالح.