رد: بحث مذهل عن البرق
حقائق تاريخية
ظلت ظاهرة البرق حدثاً مخيفاً ومحيِّراً للعلماء على مدى قرون طويلة، ونُسجت الأساطير
الكثيرة حول منشأ البرق وتأثيراته، فكل حضارة كانت تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها حدث مقدس يرتبط بالآلهة، وكل
حضارة كانت تحاول إعطاء تفسير لهذا الحدث المرعب. ففي الميثولوجيا الإغريقية مثلاً كان البرق هو سلاح الإله
زيوس، الذي استخدمه لقتل أعدائه (على حد زعمهم) (3).
صورة تمثل المعتقدات القديمة السائدة قبل آلاف السنين، فقد كانوا ينسبون البرق للآلهة وليس
كظاهرة طبيعية لها قوانينها، ففي أساطير الإغريق كان البرق هو سلاح للإله زيوس فقد كان الإغريق يعتقدون بوجود
آلهة غير الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ثم جاء العصر الحديث عندما قام العلماء بتجارب متعددة منذ منتصف القرن السابع عشر
الميلادي وحتى يومنا هذا، أي على مدى أكثر من قرنين ونصف، قام خلالها العلماء بآلاف التجارب في سبيل فهم هذه
الظاهرة المحيرة، والتي لا تزال التفاصيل الدقيقة مجهولة تماماً بالنسبة لنا حتى الآن.
ففي النصف الثاني من القرن الثامن عشر قام بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin
بأول تجربة علمية منظّمة أثبت من خلالها الطبيعة الكهربائية للبرق، وأن البرق ما هو إلا شرارة كهربائية ناتجة عن
التقاء شحنتين كهربائيتين متعاكستين. فقد قام هذا العالم بربط سلك من الحرير إلى طائرة ورقية وأرسله عالياً أثناء
وجود غيوم كثيفة وممطرة، أي أثناء وجود عاصفة رعدية، وربط نهاية السلك بقضيب معدني وغلفه بعازل من الشمع
لكي لا تتسبب الشرارة القوية بقتله.
وقد نجحت التجربة، وعندما قرَّب القضيب من الأرض انطلقت شرارة قوية تشبه شرارة البرق،
فأثبت بذلك هوية البرق الكهربائية وآلية حدوثه، ولكن النتائج التي حصل عليها كانت متواضعة جداً ولم يستطع إدراك
العمليات الدقيقة التي تسبب هذه الشرارة القوية.
أما الفيزيائي السويدي رتشمان G. W. Richmann, والذي قام بتجربة أثبت فيها أن
الغيوم الرعدية تحوي شحنات كهربائية، وقد قُتِل بسبب صدمة البرق التي تعرض لها أثناء قيامه بالتجارب. واستمرت
التجارب، ولكن المعرفة بالبرق بقيت متواضعة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عندما أصبح
التصوير الفوتوغرافي ممكناً، عندها أصبح بإمكان العلماء التقاط صور لومضات البرق ومن ثم تحليلها ومعرفة بعض
تفاصيلها التي لا تدركها عين الإنسان.
إن ضربات البرق ما هي إلا تفريغ للكهرباء الموجودة على الغيوم، فلذلك يعمل البرق كصمام
أمان، لأن هذه الشحنات العملاقة إذا زادت كثيراً فإنها تؤدي إلى تكهرب الجو بكامله؛ تماماً مثل البطارية إذا ظللنا
نشحنها فإنها ستنفجر في النهاية. فسبحان الله!
ولكن أجهزة التصوير كانت بطيئة وبقيت العمليات الدقيقة التي ترافق ظاهرة البرق مجهولة
حتى الستينات من القرن العشرين، حيث تطورت التجارب وازداد الاهتمام بها لتجنب صدمات البرق التي تتعرض لها
المراكب الفضائية والطائرات والمنشآت الصناعية. وقد أمكن استخدام التصوير السريع والمراكب الفضائية والرادارات
والحاسوب لمعالجة ودراسة البيانات التي قدمتها مختبرات مراقبة البرق (4).
وقد استطاع العلماء أخيراً بفضل التصوير فائق السرعة والمعالجة الرقمية للبيانات أن يثبتوا
أن ومضة البرق الواحدة قد تتألف من عدة ضربات، وكل ضربة تتألف من عدة مراحل أو أطوار. وقد تم قياس الأزمنة
لكل مرحلة بدقة كبيرة، ورؤية هذه المراحل، ولم يتحقق هذا إلا في نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الحادي
والعشرين.
في كل ثانية هنالك مئة ومضة برق في العالم. وفي كل يوم هنالك 8,6 مليون ضربة برق. وفي
سنة واحدة يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية فقط 20 مليون ضربة برق. كل ومضة برق تولد توتراً يتراوح من 100
مليون وحتى 1000 مليون فولت. كل ومضة برق تنتج تياراً من 10 آلاف أمبير وحتى 200 ألف أمبير. إذا نظرنا للكرة
الأرضية في أية لحظة نرى فيها 2000 عاصفة رعدية تحدث في نفس اللحظة (7).
البرق خطوة خطوةلكي نسهل رؤية ما يحدث تماماً في البرق نستعين بالرسوم التوضيحية (10).
وهذه الرسوم هي تقريب لما يحدث، والواقع أن ضخامة وسرعة العمليات الخاطفة في شرارة البرق لا يمكن إدراكها
أبداً.
الخطوة الأولى: تبدأ شحنة سالبة دقيقة تدعى
القائد المارّ بالانطلاق من الغيمة باتجاه الأرض على خطوات طول كل منها 50 متراً بزمن 1 مايكرو ثانية، ويتفرع هذا
الشعاع إلى عدة فروع ويحمل بحدود 100 مليون فولت، ويأخذ فترة توقف بين الخطوة والأخرى مقدارها 50 مايكرو
ثانية، ويبقى يتقدم حتى يجد هدفاً ليصطدم به، وإلا فيرجع ويعيد الكرة. ويتألف الشعاع الواحد من عشرة آلاف خطوة!!
الخطوة الثانية: حالما يصل الشعاع القائد إلى
الأرض يبدأ بجذب الشحنة الموجبة على سطح الأرض، وبسبب الشحنة الضخمة التي يحملها هذا الشعاع فإنه يؤسس
قناة من الأرض للغيمة والتي ستجري داخلها الشحنات، ويحدث اللقاء بين الشحنتين على ارتفاع 30-100 متر فوق
سطح الأرض.
الخطوة الثالثة: وفيها تبدأ الشحنة السالبة
بالتدفق إلى الأرض، وتجذب إليها الشحنة الموجبة من الأرض.
الخطوة الرابعة:
تبدأ الضربة الراجعة على شكل موجه موجبة بسرعة أكثر من 100 ألف كيلو متر في الثانية، بالتوجه نحو الأعلى
وينتج تيار كهربائي الذي يستغرق 1 مايكرو ثانية للوصول إلى 30 ألف أمبير وسطياً، وتنتج هذا البرق الراجع أكثر من 99
% من إضاءة البرق وهو ما نراه فعلاً أي نرى رجوع البرق. (11).
والآن وبعدما رأينا نتائج أبحاث وتجارب استمرت قرنين ونصف من الزمن، وبعدما رأينا
علماء أفنوا حياتهم ومنهم من مات في سبيل معرفة هوية البرق وأطواره ومراحله، وكم من الأموال قد صرفت في
سبيل التعرف على ضربة برق لا يتجاوز زمنها طرفة العين! نأتي بعد هذه الحقائق العلمية لنرى الحقائق النبوية، ونعيش
رحلة ممتعة مع كلام النبي الأميّ الذي علّم العلماء، ونقارن ونتدبر، ونتساءل: أليس هذا الحديث الشريف يطابق
ويوافق مئة بالمئة ما توصل إليه العلماء اليوم؟!
__________________
ما دعوة أنفع يا صاحبي *** من دعوة الغائب للغائب
ناشدتك الرحمن يا قارئاً *** أن تسأل الغفران للكاتب
|