هذا حبر من أحبار اليهود إسمه زيد بن سنعة
قال زيد بن سعنة : مامن علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين
نظرت اليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله , ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
قال زيد بن سعنة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات - ومعه علي بن ابي طالب
رضي الله عنه فأتاه رجل على راحلته فقال : يا رسول الله لي نفر في قرية بني فلان قد اسلموا ,
وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا. وقد اصابتهم سَنة وشدة وقحط من الغيث فأخشى يا رسول الله أن يخرجو من الاسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا،
فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيئ تغيثهم به فنظر إلى رجل بجانبه - أراه عليا- فقال : يارسول الله مابقي منه شيء
قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يامحمد هل لك أن تبيعني تمرا معلوما في حائط بني فلان إلى أجل معلوم ، إلى أجل كذا وكذا .
قال / أي الرسول صلى الله عليه وسلم / : لا تٌسم حائط بني فلان . قلت: نعم , فبايعني ،
فأطلقت همياني/ وهو الكيس الذي تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط/ فأعطيته ثمانين مثقالاَ من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاه الرجل وقال / أي الرسول صلى الله عليه وسلم/ : ارجع إليهم وأغثهم.
قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في نفر من أصحابه في جنازة
، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته ، فاخذته بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ ، وقلت له يامحمد ، ألا تقضيني حقي ؟ فوالله ، ما علمتم بني عبد المطلب إلا مطلاً ،
ولقد كان لي بمخالطتكم علم . ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير
، ثم رماني ببصره فقال : ياعدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمع؟ وتصنع به ما أرى ؟ فو الذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي راسك ،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليّ في سكون وتؤده.
فقال يا عمر ،
أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن الأخذ اذهب به ياعمر ، فأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته.
قال زيد فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر.
فقلت ماهذه الزيادة ياعمر ؟ قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك. قال زيد :
قلت : وتعرفني ياعمر؟! قال : لا
. فقلت : أنا زيد بن سعنة . قال الحبر؟ قلت الحبر.
قال فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله ما فعلت ، وقلت له ما قلت ؟! قلت ياعمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إلا اثنتين،
لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ، ولايزيده شدة الجهل إلا حلما .
وقد اخترتهما ،
فأشهدك ياعمر أني قد رضيت بالله ربا ،وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا، وأشهدك :
أن شطر مالي صدقةعلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال عمر : أو على بعضهم فإنك لا تسعهم، قلت أو على بعضهم.
فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( حياة الصحابة للكاندهلوي)