ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - اصحاب الاعراف وجسر اينشتين تعال لترى المدهش!!
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-07-2011, 22:39
الصورة الرمزية الحفيان
الحفيان
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 58
افتراضي اصحاب الاعراف وجسر اينشتين تعال لترى المدهش!!

[OVERLINE][OVERLINE]الجسور الكونية والسفر السريع عبر النجوم: Rapid Interstellar Travel[/OVERLINE][/OVERLINE]إذا أردنا السفر سريعاً إلى النجوم ,و الكواكب البعيدة وفى وقت وجيز، فالعلماء يقولون إن ذلك بإمكانه أن يتحقق افتراضاً وذلك عبر ما يعرف بالجسور الكونية او الثقوب الدودية. Wormholes
وسنستعرض هنا بعضاً من آراء العلماء حول هذه الوسيلة الافتراضية.
ما هي الثقوب الدودية؟ Wormholes
الثقوب الدودية هي طريق افتراضي مختصر للسفر إلى المسافات البعيدة في الكون في زمن وجيز، وبتعبير كيب ثورن في كتابه الثقوب السوداء:
(A wormhole is a hypothetical shortcut for travel between distant point in the universe.) ( )
ويعرفها ريتشارد قوت في كتابه السفر عبر الزمن بقوله:
Wormholes are tunnels connecting two regions of space time distant from each other ( )
بمعنى أن الثقوب الدودية هي ممرات تصل بين مكانين متباعدين في الفضاء مع بعضهما البعض.
والثقوب الدودية ليست تلفيق أو اختلاقات نبعت من خيال كتاب قصص الخيال العلمي، ولكنها حقيقة علمية اكتشفت رياضياً في العام 1916م بواسطة العالم الفيزيائي لودويق فلام Ludwig Flamm كأحد حلول معادلات آينشتاين. ومن ثم أكد آينشتاين بنفسه هذا الاكتشاف الرياضي في العام 1935م بالاشتراك مع العالم ناثان روزين وأطلق عليها آنذاك بجسر آينشتاين روزين وأعقبهما بعد ذلك عالم الفيزياء الأمريكي جون ويلر John Wheeler عام 1950م حيث تعمق في دراستها رياضياً.
كيف يتم استغلال الثقوب الدودية للسفر السريع بين النجوم؟ لشرح ذلك تخيل أن الكون مسطح الشكل ذي بعدين فقط، وفي إحدى حافتيه تقع الأرض وفي الحافة الأخرى يقع النجم فيجا والذي يبعد عن الأرض ب 26 سنة ضوئية، وتخيل أن احد الفلكيين أراد السفر من الأرض إلى ذلك النجم البعيد. فلكي يصل هذا الفلكي المغامر إلى النجم فيجا بالطرق التقليدية، فإنه سيحتاج إلى أن يسير بسرعة الضوء ولمدة 26 عاماً حتى يصل موقع النجم، وسيحتاج أيضاً إلى مثلها لكي يعود إلى الأرض مرة أخرى. وهذه طريقة عقيمة جداً وغير مجدية.
ولكن... هل من سبيل آخر لهذا الفلكي لكي يسافر سريعاً ويعود؟ يقول العلم نعم هناك وسيلة أكثر فعالية، وهي استخدام الجسر الكوني أو الثقب الدودي، لتقريب المسافة بينهما ، فبعد هذا التقريب بإمكان الفلكي المغامر الدخول من باب الثقب الدودي القريب من الأرض والسير عبره وعند خروجه من الباب الآخر للثقب سيجد نفسه في مواجهة النجم فيجا ويكون بذلك قد اختصر الطريق زماناً ومكاناً.
هذا التقريب للمكان يفرز حقيقة علمية غاية في الأهمية وهى أن طول الجسر أو الثقب الدودي الذي يصل ما بين الأرض والنجم فيجا سيكون قصيراً جداً، وفى حدود كيلومتر واحد أو أقل!. وفى هذا المعنى يقول كيب ثورن
With the wormhole in place ,we like an ant or worm crawling over the embedding diagrams surface ,have two possible routes from Earth to Viga:the long ,26-light- year route through the external universe ,and the short 1-kilometer route through the wormhole. ( )
بمعنى أنه وعند تكون الثقب الدودي أصبح لنا طريقان ممكنان، إما الطريق الذي بطول 26 سنة ضوئية عبر الكون الخارجي، أو الآخر القصير والذي بطول واحد كيلومتر عبر الثقب الدودي او الجسور الكونية.
خصائص الثقوب الدودية او الجسور الكونية :

هذه الثقوب الدودية كانت محل بحث ودراسة الكثير من علماء الفيزياء النظرية، وعلى رأس من درسوها العالم الأمريكي كيب ثورن ومجموعة من العلماء المميزين الآخرين. بعد هذه الدراسات اكتشف العلماء عدة خصائص للثقوب الدودية ومن بينها:
1 - سرعة الفتح والإغلاق:Pinch on/off/COLOR
]يقول العلماء إن لهذه الثقوب الدودية فوهتين Mouths احداهما للدخول والاخرى للخروج ، وأن لها باب في منتصفها له خاصية عجيبة ، فهو يفتح ويغلق بصورة سريعة جداً Pinch on/off ولا ضمان للفلكي أثناء سفره عبره أن ينطبق عليه فيتحطم جسده وبالتالي يطيح بآماله وتتبدد رغباته، فما العمل إذن لكي نبقي باب الثقب مفتوحاً؟ يقول العلماء إنه ولكي يحافظ على باب الثقب الدودي مفتوحا وأسواره متباعدة فلا بد من ضخ الثقب بمادة ذات طاقة سالبة يسميها العلماء بالمادة الغريبة Exotic Matter، ويرى العلماء أن هذه المادة هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تبقي الباب مفتوحاً . ويقول العلماء إن المادة ذات الطاقة السالبة توجد داخل ما يسمى بالأوتار أو الخيوط الكونية (سنتعرض لها بالشرح لاحقاً) كما أن نظرية الكموم تسمح بوجود هذه المادة في جوار الثقوب السوداء. (المادة ذات الطاقة السالبة هي المادة التي لا تزن شيئاً). فإذا ما أمكن من إبقاء باب الثقب مفتوحاً فسيتمكن الفلكي من العبور بأمان، إلى المكان المقصود.
2 - [COLOR="darkred"][SIZE="5"]الحبس والتفريق:[/SIZE]Converging &Diverging [/COLOR
]
ذكر العلماء أن من خواص الثقوب الدودية أيضاً خاصية الحبس والتفريقConverging &Diverging بمعني أن الثقوب الدودية تترك أثراً على حزم الضوء الداخلة عبر بوابة دخولها، فتفرض عليها التقارب Converging أولا عند الدخول ويظل هذا التقارب ملازما لحزم الضوء حتى تصل وسط الثقب الدودي، ثم يفرض الثقب عليها التباعد والتفرق Diverging عندما تخرج حزم الضوء من بوابة الخروج. بمعنى آخر فإن الثقب الدودي يسلك سلوك العدسة المشتتة للضوء Defocusing Lens تجمع وتحبس حزم الضوء أولا ثم تفرقها. وفى هذا يقول كيب ثورن:
Any spherical wormhole through which a beam of light can travel will gravitational defocus the light beam.To see that this is so ,imagine that the beam is sent through a converging lens before it enters the wormhole ,thereby making all its rays converge radially toward the wormhole center. Then the rays will always continue to travel radially , which means that when they emerge from the other mouth ,they are diverging radially outward, away from the wormhole center, The beam has been defocused. ( )
(انظر شكل 9).
شكل رقم (9)







الثقب الدودي يجمع أو يحبس أشعة الضوء بعد دخولها ثم يفرقها بعد خروجها ( )
بمعنى: أن أي حزمة ضوء تمر عبر ثقب دودي كروي لا بد أن تتشتت، ولكي تتصور ذلك تخيل أن حزمة من الضوء أرسلت عبر عدسة مجمعة، فقبل ولوجها للثقب، ستتجمع كل أشعة الحزمة نحو وسط الثقب، ثم تواصل مسيرها، حتى تخرج بعيداً عن وسط الثقب عبر البوابة الأخرى نحو الخارج ولكن بصورة مشتتة (متفرقة). وبذا تكون حزمة الضوء قد تشتت.
يضع العلماء تصورا لثقوب الدودية فيقولون إنها كروية الشكل، ولها فوهتان أو بوابتان Two Mouths كما ذكرنا من قبل، إحداهما للدخول والأخرى للخروج، ويضيف العلماء أن من طبيعة هذه الثقوب ان تريك الأحداث التي تجري في الكون البعيد وأنت مقيم في منزلك! فمثلاً إذا كانت بوابة الدخول تقع أمام منزلك وبوابة الخروج تقع قرب أحد النجوم البعيدة فإنه ومن خلال بوابة الدخول يمكنك أن ترى إشعاع ذلك النجم البعيد! والعكس كذلك فإذا كنت في بوابة الخروج جوار النجم البعيد فسترى منزلك وكل أشياءك التي فيه! ( ).
خلاصة القول، أنه ولكي يتحقق السفر السريع إلى المسافات البعيدة عبر النجوم، فإن ذلك يتم بوصل المكان المراد بالثقب الدودي ليكون بمثابة الجسر ليمر عبره المسافر، ولن يتعدى طول هذا الجسر كيلومترا واحداً أو عدة أقدام!. ومهما بعد ذلك المكان فإن المسافة بينه وبين الأرض ستظل كما هي قريبة أقل من كيلومتر واحد. ولكن الذي يراقب من بعيد، أي من خارج الثقب، فسيرى الكون كما هو دون تقريب اي جهة اخرى! ويرى كيب ثورن ان الزمن داخل وخارج الثقب يتصرف بصورة غريبة جداً! فمثلا إذا كان هناك ثقب دودي تقع فوهة دخوله بجوار منزلك وإذا أرادت زوجتك استغلال هذا الثقب للسفر إلى كوكب بعيد، فإنها إذا دخلت من بوابة أو فوهة الدخول للسفر إلى ذلك الكوكب البعيد وكانت مسافة الرحلة تستغرق اثنتي عشرة سنة بحسابات من يقطنون خارج الفوهة، فإن زوجتك ستصل ذلك المكان البعيد وتعود منه في زمن قدره اثنتي عشرة ساعة فقط! فإذا كانت قد بدأت السفر مثلاً في العام 2010م فعندما تعود إلى منزلها ستجد أن العام 2222م قد حل! مما يعني أنها ستجد زوجها قد زاد عمره اثنتي عشرة سنة بينما هي لم يزد عمرها غير اثنتي عشرة ساعة( ).
يرى العلماء أن حلم السفر السريع عبر النجوم لن يتحقق إلا في وجود حضارة متقدمة تتمكن من بناء مثل هذه الثقوب الدودية، ومن ثم المقدرة على إبقاء باب الثقب الدودي مفتوحا عن طريق ضخ الثقب بالمادة ذات الطاقة السالبة، فعندها يمكن العبور إلى عوالم أخرى بسهولة، ويرى كيب ثورن أن تحقيق ذلك عملياً في خلال الألف عاماً المقبلة يساوى صفر!.
هذه بعض من الوسائل التي يؤكد العلماء أنها تمكن الإنسان من السفر عبر الزمن، وهي صحيحة من الناحية النظرية وتسمح بها قوانين النسبية العامة. ويرى العلماء أن أكثر الأماكن ملاءمة للسفر عبر الزمن هي الثقوب السوداء فهي وسيلة مناسبة لتحقيق هذا الحلم، فعندها ينحني الزمن والمكان إلى مستويات عظيمة وبالتالي يختصران. وإذا أردنا السفر عبر الزمن فإنه لابد من وجود حضارة متقدمة تعد لذلك اعداداً جيداً، فهل سيحدث ذلك يوماً ما؟ وهل ستتمكن البشرية يوماً من السفر عبر الزمن إلى مناطق بعيدة لا يمكن الوصول لها بوسائل السفر التقليدية؟ وما هي شروط النجاح والنجاة وكيف نتفادى أسباب الهلاك.؟ وسنعرف كيف يتحقق ذلك فيما يلي:
دليل السفر السريع بين النجوم من القرآن والسنة:
دليل الثقوب الدودية من القرآن والسنة:

قبل أن نورد الأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة على وجود الثقوب الدودية نلخص للقارئ الكريم مواصفات هذه الثقوب الدودية أو الجسور الكونية:
1) هي جسور كونية تستخدم لتقريب المسافات البعيدة في الكون. وذلك عن طريق تقريب أو حني كون الجهة المقصودة بالسفر.
2) أن لها باب في منتصفها يفتح ويغلق بصورة سريعة جداً. (Pinch on/off)
3) أن الثقوب الدودية قصيرة جداً حيث لا يتعدى طولها كيلومتراً واحداً أو أقل.
4) أن أحزمة الضوء الداخلة إلى الثقب الدودي تتجمع أولاً في وسط الثقب ثم تتفرق عند خروجها منه.
5) أنها شفافة بحيث يمكن أن يرى كل واحد من خلالها مكان الآخر.
القنطرة ثقب دودي:
الدليل على وجود الثقوب الدودية جاء بصورة واضحة ومباشرة في الحديث الذي رواه البخاري،عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال:
(إذا خلص المؤمنون من النار، حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا،حتى إذا خلص المؤمنون هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فلأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا) ( ) صدق رسول الله (ص).
والقنطرة هي الجسر كما جاء في المعاجم فقد جاء في لسان العرب: القَنْطَرة، معروفة: الجِسْرُ) وفى القاموس المحيط: (القَنْطَرَةُ: الجِسْر). وجاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري:
(وقوله: "بقنطرة الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة , ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة.) ( ) وفيما يلي نورد الأدلة التي تؤكد تطابق المواصفات بين قنطرة يوم القيامة مع تلك التي جاء بها العلم الحديث.
دليل الحبس والتفريق:
Converging & Diverging

يثبت الحديث السابق لنا بصورة تفصيلية صفة الحبس والتفريق لحزم الضوء الداخلة للثقب. فمصدر الفعل في قوله : (ص) (حبسوا) هو الحبس وهذا يعادل أو يناظر قول العلماء Converging وهى بمعنى الحبس أو الجمع أيضاً.
وقوله : (ص) (فلأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا) يفهم منه تفرق المؤمنين، كل مؤمن إلى داره ومقره في الجنة، وهذا هو التفريق الذي عناه العلماء بقولهم Diverging.وفى هذا عبرة لمن يعتبر.
الدليل على تقريب الكون:
وبمثل ما قال العلماء، إن الجسر أو الثقب الدودي يستخدم لتقريب المسافة للوصول لجهة ما ، فكذلك فإن الله عز وجل يقرب الجنان يوم القيامة للمؤمنين حتى يتمكنوا من دخولها. كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (13) التكوير وقوله (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) ق. وازلفت بمعنى قربت سريعا. فالقنطرة المذكورة في الحديث هي بمثابة الجسر الذي يقرب المسافة بين الجنة المقربة والنار. وذلك لتمكين المؤمنين الناجين من النار عبر الصراط من دخول الجنة.
الأدلة على بقية المواصفات:
ولكن ماذا عن بقية المواصفات؟ أين نجد أدلتها؟ هل من ذكر لذلك في القرآن أو الأحاديث؟ أجل لقد جاء بهن القرآن وفصلهن تفصيلاً حياً. ولاستنباط بقية تلك المواصفات من القرآن والسنة، فإن الحديث الذي أوردناه يحمل المفتاح ويمهد الطريق إليها، فهذا الحق من ذاك ولا ينطق المصطفى × عن هوى إن هو إلا وحى يوحى.
فقد قال (ص) في الحديث (فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا خلص المؤمنون هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة).يفهم من هذا إن القنطرة هي المكان الذي ينقى فيه المؤمنون ويهذبوا، ففي أي آية من آيات القرآن الحكيم ذكرت هذه التنقية؟ نقول إنها وردت في القرآن في آيتين أولاهما الآية 43 سورة الأعراف والآية 47 سورة الحجر. ففي آية الحجر يقول تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) [الحجر: ٤٥ – ٤٨]
والغل بمعنى الشحناء، وقد ربط ابن كثير في تفسيره ربطاً واضحاً بين هذه الآية والحديث الذي أوردناه حيث يقول رحمه الله:
(وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة: حدثنا أبو المتوكل الناجي: أن أبا سعيد الخدري حدثهم: أن رسول الله × قال: " يخلص المؤمن من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار. فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إِذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة ") ( ).
وهذا الربط صحيح جداً، وما يؤكد صحته أن التنقية والتهذيب للمؤمنين وحسب نص الحديث، تتم في القنطرة، بمعنى أنها تتم قبل دخول المؤمنين الجنة فالآية تؤكد هذا بصورة واضحة، فقوله تعالى: (ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ }) فالفعل ادخلوا جاء بصيغة الأمر أما في قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا) فقد جاء بصيغة الماضي، مما يدل على أن نزع الغل تم قبل دخول الجنة. كذلك ذكرت التنقية في آية الأعراف التي يقول فيها الله عز وجل:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (43) [الأعراف: ٤٣].
ففي هذه الآية يتأكد المعنى مرة أخرى مما يعني تطابق الآيتين في معناهما بأن نزع الغل يأتي قبل دخول الجنة. فالفعل في قوله تعالى (وَنَزَعْنَا) جاء أيضاً بصيغة الماضي في حين أن الفعل في قوله تعالى (تَجْرِي) والذي يصف حال الأنهار في الجنة، جاء بصيغة المضارع. وفى ذلك عبرة لمن يعتبر.
وآية الأعراف هذه ستشكل محور حديثنا القادم، فمنها ومن الآيات التي وردت في سياقها، وبشرح معاني تلك الآيات، والتدبر فيها، وبإيراد الأحاديث النبوية التي جاءت معضدة لمعاني تلك الآيات، سنتمكن من استنباط وإيراد كل الأدلة المتبقية عن مواصفات الجسور أوالثقوب الدودية. آية الأعراف المذكورة وردت في سياق عدة آيات مترابطة وموحدة ومتسلسلة في الإيراد وفي الموضوع فهي تبدأ من الآية 37 وحتى الآية 53.
يقول تعالى:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53)
فقوله تعالى:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ (37)
هذا المشهد يحكى عن الكافرين الذين كذبوا بآيات الله كما يحكى عن موتهم واعترافهم بكفرهم. أما الآيات في قوله تعالى:
قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41 [الأعراف: ٣٨ – ٤١].
فتحكى عن دخول أمم الكافرين من الجن والإنس النار، أمة بعد أمة وتلاومهم ودعاؤهم لبعضهم البعض. كما تحكى عن تكذيبهم بالآيات و استكبارهم واستحالة دخولهم الجنة وجزاءهم من العذاب.وبعد وصول الكافرين مهاد جهنم، انصرفت الآيات إلى ذكر حال المؤمنين أصحاب الجنة وخلودهم فيها كما في قوله تعالىوَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42))
ثم تتدرج الآيات وتحكى حالهم في القنطرة، وهو المكان الذي ينزع فيه الغل والشحناء والبغضاء من صدورهم، فينقوا ويهذبوا، ثم يدخلون الجنة كما في قوله تعالى:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) [الأعراف: ٤٣].
فبعد أن دخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، يذكرونهم بصدق وعد الله، بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال الكافرين النار، فيرد عليهم أهل النار مقرين بصدق وعد الله كما في الآيات التالية:
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) [الأعراف: ٤٤ – ٤٥].
الدليل علي قصر الثقب الدودي:
من قوله تعالى: (قَالُواْ نَعَمْ) نتحصل على الدليل على قصر المسافة ما بين الجنة والنار! وهذه المسافة تشغلها القنطرة التي وردت في الحديث فإذا كانت المسافة قصيرة، فهذا بالضرورة يعني قصر القنطرة. وأصحاب الجنة هنا لا يستخدمون مكبرات صوت ليسمع صوتهم، فالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم يعرفون كيف ينادي الإنسان أخاه الإنسان. وقول الكافرين (نعم) دليل على قرب صوت المنادي. وانظر، عزيزي القارئ، إلى دقة التعبير في قول الله عز وجل: (وَنَادَى) فهذا الفعل يحدد بالتقريب طول المسافة، وهي بقدر ما يسمع الإنسان أخيه الإنسان عندما (يناديه) لا عندما (يقول) له. فالمناداة تكون للشخص البعيد، ولكن بعداً يمكنه من سماع صوت المنادي. والقول يكون بين الشخصين القريبين أو الملتصقين. وبتطبيق المناداة بين شخصين يمكننا تحديد طول هذه المسافة بدقة،وستكون أقل من كيلومتر واحد. ويعضد أيضًا قصر المسافة بين الجنة والنار وبالتالي قصر القنطرة قوله تعالى: ({وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق: 31].
الدليل علي وجود الباب وسرعة الفتح والإغلاق:
ولكن هل ينتهي المشهد ويسدل الستار بدخول الكافرين النار والمؤمنين
الجنة؟ فالقراءة الأولية للمشاهد السابقة توحي بذلك، لكن القرآن يقول لا! فالآية التي تلتها ابتدأت بحرف عطف، وهو الواو، مما يدل على أن المشاهد القادمة معطوفة على ما قبلها ومرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً! فما الذي سيحدث إذن؟
وأرجو منك عزيزي القارئ أن تنتبه جيداً لما سنذكره في تفسير الآيات القادمات، فالمشاهد القادمة تعد من أكثر مشاهد اليوم الآخر درامية وأشدها إثارة! يختلط فيها الفرح بالحزن! والخوف بالأمن! واليأس بالأمل! تتجلى فيها الرحمة الإلهية في أبهى صورها! والعدالة الربانية في أعلى قيمها! تظهر فيها إنسانية الإنسان المؤمن في أروع مشهد! فيها تنفذ فئة من المؤمنين المختارين أعظم مهمة إنقاذ إنسانية عرفها تاريخ البشر، إنها آيات مسك الختام ليوم القيامة، ويا له من ختام عظيم، فيا فرحة من كان يؤمن بالله آنذاك، ويا شقاء وحسرة من كان يكفر به.
في هذا المشهد القادم يتنزل العلم تنزيلاً ويفصل تفصيلاً،فيه نعرف كيف يفتح باب القنطرة ويغلق ، وسنعرف كيف تعود الجنة إلى وضعها الطبيعي بعد أن قربتها القنطرة من مكانها البعيد، بالضبط كما قال العلماء! يقول عز وجل:
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
المفسرون للآية ربط معظمهم الحجاب المذكور فيها بالسور الذي له باب، والذي ورد في قوله عز وجل في سورة الحديد:
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) الحديد.
فقد جاء في تفسير الإمام الرازي: (أعلم أن قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } يعني: بين الجنة والنار، أو بين الفريقين، وهذا الحجاب هو المشهور المذكور في قوله فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ(.
أما ابن كثير فقال:
(لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار، نبه أن بين الجنة والنار حجاباً، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة، قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى فيه: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ} وهو الأعراف الذي قال الله تعالى فيه: {وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ} ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ }: وهو السور، وهو الأعراف. وقال مجاهد: الأعراف حجاب بين الجنة والنار، سور له باب، قال ابن جرير: والأعراف جمع عُرْف، وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً، وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه.) ( )
وكذا قال القرطبي في تفسيره حيث ذكر:
(قوله تعالىٰ: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين النار والجنة ـ لأنه جرىٰ ذكرهما ـ حاجز؛ أي سُورٌ. وهو السور الذي ذكره الله في قوله فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ ( ).) .
اذن الآيات تمثل دليل واضح ومباشر على وجود الباب ! ولله العلم ومن قبل ومن بعد .
ووجود الباب يعني انه يفتح ويغلق فلو انه لا يفتح ويغلق لما كان هناك معنى لذكره ! ولا يمكنك أن تصف شيئاً ما بأن له باب دون أن تكون له صفة الفتح والإغلاق! وبصورة متكررة ولمرات عدة!.فهذا هو الدليل على سرعة الفتح والغلق ! ويدل على هذا ايضا المعنى اللغوي لكلمة حجاب . فقد جاء في اللسان:
(الحِجابُ: السِّتْرُ. حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْباً وحِجاباً وحَجَّبَه: سَترَه. وقد احْتَجَبَ وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ. وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ. وحِجابُ الجَوْفِ: ما يَحْجُبُ بين الفؤَادِ وسائره؛ قال الأَزهريّ: هي جِلْدة بَين الفؤَادِ وسائر البَطْن. والحاجِبُ: البَوَّابُ، صِفةٌ غالِبةٌ، وجمعه حَجَبةٌ وحُجَّابٌ، وخُطَّتُه الحِجابةُ. وحَجَبَه أَي مَنَعَه عن الدخول.وقال (واحْتَجَبَ الـمَلِكُ عن الناس، ومَلِكٌ مُحَجَّبٌ.)
وجاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: (الحاء والجيم والباء أصل واحد، وهو المنع. يقال حجبته عن كذا، أي منَعتُه. وحِجابُ الجَوْف: ما يَحْجُبُ بين الفُؤاد وسائر الجَوْف. والحاجبان العظمان فوق العينين بالشّعْر واللّحم. * وهذا على التشبيه، كأنهما تحجبان شيئاً يصل إلى العينين. وكذلك حاجبُ الشّمس، إنما هو مشبَّهٌ بحاجب الإنسان.) نخلص من هذا السرد اللغوي إلى أن كلمة حجاب تعني ستار أو حاجز لكنه مرن يمكن التحكم فيه فتحاً وإغلاقاً!!
ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه هل يمكن لكلمة (سور) أن تحل محل كلمة (حجاب) أو العكس؟ وإذا كانت الإجابة بنعم باعتبار أن لكليهما مدلول لغوي واحد، فما المغزى من إيرادهما الاثنين معا طالما أن لهما معنى واحد؟ وبالتدبر في الآيتين سنعرف المغزى من وراء ذلك.
باستعراض المعنى اللغوي لكلمة حجاب كما أوردناه آنفاً وجدنا أنها تحمل صفة الفتح والإغلاق! وبهذا فإن كلمة حجاب الواردة في الآية تعبر عن الصفة أكثر من تعبيرها عن الذات، وكلمة سور في الآية الأخرى تحمل معنى الذات أكثر من معنى الصفة، وعليه يمكننا أن نقول إن الحجاب يصف خاصية للسور، وهى خاصية الفتح والإغلاق!.
من هم أصحاب الأعراف؟
مما سبق يتولد لنا سؤال في غاية الأهمية وهو، لمن يفتح باب هذا السور؟ ويحتجب أو يغلق ويوصد دون من!؟. إن الإجابة على هذه الأسئلة ستوصلنا حتماً إلى ما نبحث عنه وهو استنباط الأدلة على تطابق مواصفات الجسر أو الثقب الدودي مع القنطرة الواردة في الحديث. فليس أمامنا إلا مواصلة قراءة وتدبر الآيات التي ابتدأناها. وسنصل كذلك إلى نتائج أخرى مذهلة لم تكن في الحسبان شغلت بال المفسرين كثيرا، ومنها معرفة من هم أصحاب الأعراف، هؤلاء الرجال الذين اختلفت فيهم أقوال المفسرين كثيراً، وسيتبين لنا أن التفسير الخطأ الذي ظلمهم هو الذي ساد ويسود اليوم!.
يقول تعالى:
(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53) [الأعراف: ٤٦ – ٥٣].
هذه الآيات تحكى عن أصحاب الأعراف، هؤلاء الرجال الذين سميت السورة باسمهم، فبمعرفتهم سنصل إلى الأدلة التي نبحث عنها. أقوال المفسرين عنهم على قسمين، فمنهم من يرى أنهم قوم فضلاء ورجال صالحون، ومنهم من قال أنهم قوم تعادلت حسناتهم وسيئاتهم، ولأجل ذلك حبسوا في مكان بين الجنة والنار. فقد جاء في تفسير الإمام الرازي: (ولقد كثرت الأقوال فيهم وهي محصورة في قولين: أحدهما: أن يقال إنهم الأشراف من أهل الطاعة وأهل الثواب، الثاني: أن يقال إنهم أقوام يكونون في الدرجة السافلة من أهل الثواب)( ). فأي الفريقين هم أصحاب الأعراف؟.
ولكي نعرف من هم أهل الأعراف، ينبغي أن نتدبر آياتهم تدبراً عميقاً، يقول الله تعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) فالواو حرف عطف وبذلك تكون القصة الآتية كلها معطوفة على ما قبلها من أحداث. وعليه فإن الضمير في (وَبَيْنَهُمَا) يعود إلى أصحاب الجنة الذين دخلوها وأصحاب النار الذين دخلوها كما هو واضح في الآيات من الآية 38 وحتى الآية 45.والحجاب كما بين المفسرون هو السور الذي يفصل بين الجنة والنار.
أما قوله تعالى (وَعَلَى الأَعْرَاف رجالِ) فالأعراف (مشتق من المعرفة) جمع عرف، وعرفت الشئ، أي وصلت الى نهايته، والمعرفة تعني الوصول الى نهاية الأشياء.
والعرف في المكان بمعنى حده و نهايته، كما جاء في لسان العرب (وعُرْف الرمْل والجبَل وكلّ عالٍ ظهره وأَعاليه) .
من التحليل اللغوي للفظ (الأعراف) يتضح ان أصحاب الاعراف هم من يعرفون أصحاب الجنة وأصاب النار ويميزون هذا من ذاك كما قال عز وجل (يعرفون كلا بسيماهم). وبدلالة الكلمة ايضا فهم يقفون عند النهاية ، أي عند مدخل القنطرة ثم الذي يفصل بين الجنة والنار وعليه بابه كما بينت الآيات ووضح الحديث. فبداية السور مما يلي الجنة يشكل منطقة عرف، أي نهاية للطريق الذي يبدأ من قصور المؤمنين (اصحاب الأعراف ) في الجنة وبداية لبوابة القنطرة ومنها للسور أو الحجاب وبابه(في منتصف القنطرة) ومن ثم للنار. فمثلا، إذا أراد شخص من أهل الجنة أن يطلع الى اهل النار فسيسير أولا من داره، ثم الى منطقة الأعراف حيث نهاية الطريق المودي الى بوابة القنطرة ، ثم باب السور فيرى اهل النار.
لكن الآية ذكرت الأعراف بالجمع وليس بالمفرد فما تفسير ذلك؟ الأجابة أن هناك جنات وليست جنة واحدة، فلكل جنة عرف وسور له باب يفصل بينها وبين النار.
وكلمة رجال غالباً ما تأتي في القرآن مرتبطة بالمؤمنين الأتقياء كما في قوله تعالى:
(لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)التوبة
وقوله :
(رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)النور
وقوله:
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23)الاحزاب
قوله تعالى (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) أي أن أصحاب الأعراف يعرفون سيماء أصحاب الجنة، وسيماء أصحاب النار الذين وثقت الآية 44 الحوار الذي دار بينهم.
قوله تعالى: وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) أي أن أصحاب الأعراف الواقفون عند نهاية الطريق المؤدي إلى مدخل القنطرة نادوا أصحاب الجنة، ماذا قالوا لهم؟ قالوا لهم سلام عليكم، والذي يلقى السلام لا بد أن يكون في موقف ومكان آمن، وفى حالة مطمئنة، وهذا حال أصحاب الأعراف فهم آمنون ومطمئنون جداً حالاً ومكاناً.ولكنهم ألقوا السلام على من؟ الإجابة واضحة كما ذكرت الآية، ألقوه على أصحاب الجنة. ثم يختم الله عز وجل الآية بقوله لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) والسؤال هنا إلى من يعود الضمير في قوله تعالى (وهم)؟ الإجابة وحسب قواعد اللغة العربية يعود إلى أقرب اسم، وأقرب اسم في هذه الحالة أصحاب الجنة. وهذا يعنى أن أصحاب الجنة لم يدخلوا الجنة! لقوله تعالى (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ))، فكيف يستقيم هذا والآيات السابقة أكدت دخول أصحاب الجنة للجنة، بل وجرى حوار بينهم وبين أصحاب النار كما أوضحت الآية 44؟ كيف إذن تأتي آيات القرآن مرة أخرى وتقول: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ؟ أليس في هذا تناقض ظاهري؟ ولكن حاشا للقرآن أن يختلف!. إن هذا لا يعنى إلا شيئاً واحداً وهو، أن أصحاب الجنة هؤلاء، الذين لم يدخلوها وهم يطمعون غير أصحاب الجنة الذين دخلوها أولا! بمعنى آخر أن هناك نفراً من بقية من أصحاب الجنة محبوسون في مكان ما، ولم يتمكنوا من دخولها مع إخوانهم الذين دخلوا أولاً.
من هذا التفسير يتضح أن أصحاب الجنة المحبوسين هم الذين ألقى عليهم أصحاب الأعراف السلام! وعلى هذه النتيجة تتكشف الكثير من الحقائق، أولها ترجيح الاحتمال الأول الذي ساقه المفسرون عن أصحاب الأعراف هم الأشراف من أهل الطاعة، وسياق الآيات يؤكد ذلك بقوة، ونزيد، فنقول إن أصحاب الأعراف رجال أتقياء أنقياء اختيروا بعناية إلهية من المجموعة الأولى من المؤمنين التي دخلت الجنة بغير حساب. اختيروا لمهمة إنسانية عظيمة وهى الشفاعة لإخوانهم الذين حبستهم ذنوبهم من دخول الجنة وهم يطمعون في دخولها، ولكن باب السور موصد أمامهم! ويحتاج الباب لمن يفتحه! ومن المخول بفتحه؟بمواصلة قراءة الآيات والتدبر فيها يتضح كل شيءٍ.
يقول تعالى في الآية التالية: (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47. أي إذا صرفت أبصار أصحاب الجنة المحبوسين تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين من أهل النار. ثم يقول تعالى:
وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
فكما نادى أصحاب الأعراف من قبل أصحاب الجنة المحبوسين، فهذه المرة ينادي أصحاب الأعراف، وهم وقوف عند نهاية الطريق المؤدي إلى القنطرة، ينادون أصحاب النار ممن حكم عليهم القرآن بالخلود فيذكرونهم بجمعهم وكثرتهم وقوتهم التي كانوا يستكبرون بها حينما كانوا في الدنيا. فيقولون لهم:
أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
قوله: (أَهَؤُلاء) يقصد، أصحاب الجنة المحبوسين والمعنى، يا أصحاب النار أن الذين أقسمتم ألا ينالهم الله برحمة أبداً ها هي رحمة الله تتنزل عليهم فادخلوا يا أصحاب الجنة، ادخلوا الجنة فلا تخافوا فلن يوصد باب السور حتى تمرون!! ولا تحزنوا فقد جاءكم الفرج.
ولعل المدهش حقاً وما يؤكد سرعة فتح باب السور وإغلاقه أو حجبه، السرعة في قراءة قوله تعالى: (لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ) فالهمزة
في (ادْخُلُوا) همزة وصل وليست همزة قطع، فمن يقرأها لا بد أن يوصل التنوين المكسور في قوله (بِرَحْمَةٍ) بالدال المسكونة في قوله (ادْخُلُواْ)! وإذا كتبناها حسب النطق بالوصل سنكتبها كالآتي (بِرَحْمَتنِدْخُلوا)، وعند قراءتها بالوصل ستكون قراءتها سريعة جداً وبالتالي تتطابق مع المعنى. وبذا يكون معنى الآية، ادخلوا سريعاً ولا تخافوا فإن الباب لن يغلق دونكم وبالتعبير الفيزيائي: The wormhole wont pinch off
وبإيجاد الدليل على سرعة إغلاق وفتح باب القنطرة يتعزز لدينا الدليل على أن القنطرة التي جاءت في الحديث ما هي إلا ثقب دودي.
ثم بعد أن يدخلونهم الجنة،ينادى أصحاب النار المخلدون أصحاب الجنة الذين تكاملت صفوفهم واجتمع شملهم فيها حيث يقول تعالى:
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
نعم إن الكتاب قد سبق وأمر الله قد قضى ونفذ فهي محرمة عليهم وخالدون في النار إلى الأبد. لماذا لأنهم هم: ( الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) فهذا جزاؤهم وما ظلمهم الله أبدا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
الدليل على أن باب القنطرة شفاف:
وكما ذكر العلماء فإن باب الثقب الدودي شفاف بحيث أنه يتيح لمن هو عند بوابة الدخول أن يرى حال من يكون عند الطرف الآخر عند بوابة الخروج والعكس أيضاً وكذلك قنطرة يوم القيامة فأهل النار يرون عبر باب السور الشفاف ، نعيم أهل الجنة ورزق الله لهم والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50). فلو لم يكن باب السور شفافاً لما رأى أصحاب النار نعيم الجنة لما دعوا أهلها ليفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله. وكذلك ير أصحاب الجنة خلال السور الشفاف أصحاب النار وهم يعذبون في النار كما في قوله تعالى: (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54)فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) الصافات. فقد قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (وقال ابن عباس في قوله تعالى: (قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) إنّ في الجنة كُوًى ينظر أهلها منها إلى النار وأهلِها. وكذلك قال كعب فيما ذكر ٱبن المبارك، قال: إن بين الجنة والنار كُوًى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا ٱطلع من بعض الكوى؛ قال الله تعالى: )فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ (55) (أي في وسط النار والحسَكُ حواليه؛) ( ). وجاء في تفسير ابن كثير في تفسير الآية أيضاً:
(وقال قتادة: ذكر لنا أنه اطلع، فرأى جماجم القوم تغلي، وذكر لنا أن كعب الأحبار قال: في الجنة كوى، إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فيها، فازداد شكرا) ( ) .
والكُوّة في المعاجم بمعنى الثقب، فقد جاء في لسان العرب: (والكَوُّ والكَوَّةُ: الخَرْق في الحائط والثَّقْب في البيت ونحوه.) وهذه الكوى ما هي إلا بوابة القنطرة أو الثقب الدودي.
الدليل على طرح الكون مرة أخرى:
قبل استنباط الدليل على ذلك، نذكر القارئ العزيز بحديثنا السابق، إن الله عز وجل كان قد أزلف الجنة للمؤمنين ليدخلوها. والسؤال الآن، هل ستزول القنطرة بعد اداء وظيفتها؟ بمعنى آخر هل سيعيد الله الجنان إلى وضعها الطبيعي؟ الإجابة نعم! وهذا ما توضحه تكملة الآية حين يقول عز وجل: ( فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51). فما المقصود بقوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ)؟ وما معنى النسيان في اللغة والمعاجم؟ جاء في معجم مقاييس اللغة: (نسي: النون والسين والياء أصلانِ صحيحان: يدلُّ أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على تَرْك شيء.فالأوّل نسِيتُ الشَّيءَ، إذا لم تذكُره، نِسياناً. وممكنٌ أن يكونَ النِّسْيُ منه. والنِّسْيُ ما سَقَط من منازل المرتحلين، من رُذَال أمتعتهم فيقولون: تتبَّعوا أنساءَكم. قال الشَّنْفرى:
كأنَّ لها في الأرض نِسياً تقُصُّه على أمِّها وإنْ تكلِّمْك تَبْلَِتِ
وجاء في لسان العرب:
(وقوله عز وجل: نَسُوا اللهَ فنَسِيَهم؛ قال ثعلب: لا يَنْسى الله عز وجل، إنما معناه تركوا الله فتركهم، فلما كان النِّسْيان ضرباً من الترك وضعَه موضعه، وفي التهذيب: أَي تركوا أَمرَ الله فتركهم من رحمته. وقوله تعالى: فنَسِيتَها وكذلك اليومَ تُنْسَى؛ أَي ترَكْتَها فكذلك تُتْرَكُ في النار.) ثم قال: (والنِّسيانُ: الترك. وقوله عز وجل: ما نَنْسخ مِن آية أَو نُنْسها؛ أَي نأْمُركم بتركها.يقال: أَنْسَيْته أَي أَمَرْت بتركه. ونَسِيتُه تَرَكْتُه.).
والترك في اللغة كما جاء في لسان العرب: (التَّرْكُ: وَدْعُك الشيء، تَركه يَتْرُكه تَرْكاً واتَّرَكه. وتَرَكْتُ الشيءَ تَرْكاً: خليته.) أما في التفاسير فقد قال الإمام الرازي:
(قال: { فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } وفي تفسير هذا النسيان قولان: القول الأول: أن النسيان هو الترك. والمعنى: نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، وهذا قول الحسن ومجاهد والسدي والأكثرين.) ( ) وجاء في تفسير الطبري: (وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون، وهي حججه التي احتجّ بها عليهم من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك. يجحدون: يكذّبون ولا يصدّقون بشيء من ذلك) ( ).
ولا تقول للشئ نسيته إلا إذا تركت مكانه الذي نسيته فيه وغادرته، كما يقول تعالى في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، قال تعالى:
(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) [الكهف: ٦١ -٦٤].
فنسيا الحوت، بمعنى تركاه وغادرا المكان الذي نسياه فيه، ولن يتحقق معنى النسيان الفعلي إلا بعد مغادرة مكان النسي.
بهذا الفهم يكون نسيان الله للكافرين في النار وتركهم، بمعنى زحزحة الجنان إلى مكانها الطبيعي الذي أزلفت منه من قبل، وبالتعبير العلمي إعادة طرح المكان (Unfold) بعد حنيه أولاً. أو إزالة القنطرة وبإزالتها يكون قد ظهر بعد المسافة الحقيقي والطبيعي بين الجنة النار.
ثم يقول عز وجل:
(وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53) وجاء في تفسير الرازي لهذه الآيات:
(قوله: كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف: 51] ثم بين تعالى أن هؤلاء الذين نسوا يوم القيامة يقولون: { قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ } والمراد أنهم أقروا بأن الذي جاءت به الرسل من ثبوت الحشر، والنشر، والبعث، والقيامة، والثواب، والعقاب، كل ذلك كان حقاً، وإنما أقروا بحقيقة هذه الأشياء لأنهم شاهدوها وعاينوها، وبين الله تعالى أنهم لما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ }. والمعنى إنه لا طريق لنا إلى الخلاص مما نحن فيه من العذاب الشديد إلا أحد هذين الأمرين. وهو أن يشفع لنا شفيع فلأجل تلك الشفاعة يزول هذا العذاب أو يردنا الله تعالى إلى الدنيا حتى نعمل غير ما كنا نعمل يعني نوحد الله تعالى بدلاً عن الكفر ونطيعه بدلاً عن المعصية.) ( ).
وصدق الله حين يقول في ختام القصة (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). فقد رأينا حقاً كيف صدق القرآن العلم في هذه المشاهد بما يدعو للدهشة ولقد صدق الله حين يقول ({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة 19] ونسال الله أن يكون هذا التصديق هدى للعلماء لكي يؤمنوا ورحمة لهم ينقذهم الله بها من عذابه.
السنة تبين المشهد:
وسؤالنا مرة أخرى هل انتهى المشهد؟ الإجابة لا! ثم ماذا بعد هذا؟ نقول إن الأحاديث النبوية صورت كل تلك المشاهد تصويراً حقيقياً كأنها تقع أمام ناظريك فهذا الرسول × لا يخرج من فيه إلا الحق. وكلا المصدرين القرآن والسنة يخرجان من مشكاة واحدة. وسترى في هذه الأحاديث الصحيحة كيف يتحاجّ المؤمنون عند ربهم ليلحق بهم إخوانهم الذين سقطوا في الصراط وسترى استجابة الله لهم واختياره لرجال منهم وهم أصحاب الأعراف لينقذوا من سقط في النار أثناء عبور الصراط.
روى الإمام البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري  قال رسول لله × (فبعد أن ذكر الشفاعة الكبرى في أول الحديث) قال: (ثم ‏ ‏يضرب ‏ ‏الجسر على جهنم ‏ ‏وتحل ‏ ‏الشفاعة ويقولون اللهم سلم، قيل يارسول الله وما الجسر، قال ‏ ‏دحض ‏ ‏مزلة فيه ‏ ‏خطاطيف ‏ ‏وكلاليب ‏ ‏وحسك ‏ ‏تكون ‏ ‏بنجد ‏ ‏فيها ‏ ‏شويكة يقال لها ‏ ‏السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير ‏ ‏وكأجاويد ‏ ‏الخيل ‏والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل ‏ ‏ومكدوس ‏ ‏في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في ‏ ‏استقصاء ‏ ‏الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيراً، ثم يقولون ربنا لم ‏ ‏نذر ‏ ‏فيها خيراً، وكان ‏ ‏أبو سعيد الخدري ‏ ‏يقول، إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم ({إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء40] فيقول الله عز وجل، شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد ‏ ‏عادوا ‏ ‏حمماً،‏ ‏فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في ‏ ‏حميل ‏السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس ‏ ‏أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ‏ ‏ترعى بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ( ) صدق الصادق المصدوق × والحديث برواية مسلم.
وفي رواية إبن ماجه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي × قال: (إذا خلّص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين في أخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون ربنا إخوتنا كانوا (فذكر بمعناه يقولون: ربنا كانوا) يصومون معنا ويصلون ويحجون)( ).
وروى الإمام أحمد في مسنده ‏عن ‏ ‏جابر ‏ ‏قال: ‏ قال رسول الله ‏ ‏×‏ ‏إذا ميز أهل الجنة وأهل النار فدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قامت الرسل فشفعوا فيقول انطلقوا ‏ ‏أو اذهبوا ‏ ‏فمن عرفتم فأخرجوه فيخرجونهم ‏ ‏ قد ‏ ‏امتحشوا ‏ ‏فيلقونهم في نهر ‏ ‏أو على نهر ‏ ‏يقال له الحياة قال فتسقط ‏ ‏محاشهم ‏ ‏على حافة النهر ويخرجون بيضا مثل ‏ ‏الثعارير ‏ ‏ثم يشفعون فيقول اذهبوا ‏ ‏أو انطلقوا ‏ ‏فمن وجدتم في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏قيراط ‏ ‏من إيمان فأخرجوهم قال فيخرجون بشراً ثم يشفعون فيقول اذهبوا ‏ ‏أو انطلقوا ‏ ‏فمن وجدتم في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏حبة من ‏ ‏خردلة ‏ ‏من إيمان فأخرجوه ثم يقول الله عز وجل ‏ ‏أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي قال فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في رقابهم عتقاء الله عز وجل ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها الجهنميين) ( ).
فهذه الأحاديث ومعها حديث القنطرة ينبغي أن تكتب بمواد من ذهب فهي تتطابق تماماً مع آيات سورة الأعراف وتتطابق تماماً مع ما قاله العلماء عن الثقوب الدودية.
و أرجو منك عزيزي القارئ أن تتأمل قوله (ص) ‏ (فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة). فأفواه الجنة هنا تمثل فوهة خروج القنطرة وعلماء الفيزياء اليوم يسمونها أيضاً كما أوضحنا بالفوهة أو كلمة Mouthباللغة الإنجليزية وأنت هنا لا ترى أي فرق بين التعبيرين!،وكم يكون الباحث فرحاً أشد الفرح عندما يتوصل لنتيجة كهذه.والله أعلم.
الخلاصة:
باستصحاب هذه المصادر الثلاثة نفهم بما لا يدع مجالا للشك أن المؤمنين الذين يتحاجون عند الله في استقصاء الحق من المؤمنين الذين سقطوا في النار هم أصحاب الأعراف. وبذا يكون مجمل تفسير آيات الأعراف كالآتي:
إن المؤمنين يوم القيامة بعد انتهاء الحساب، يضرب لهم جسر جهنم وهو الصراط المستقيم. فيمرون عليه فالناجون الأوائل الذين أفلحوا في العبور يحبسون في قنطرة بين الجنة والنار لينزع الغل من صدورهم. ثم يتفرقون ويدخلون الجنة كل إلى داره.
وعندما يروا نعيم الجنة ويحسون بصدق وعد الله، يتفقد بعضهم بعضا فيعلمون أن بعضا من إخوانهم أو أهلهم أو ذويهم لم يدخل الجنة معهم! أين هم؟ لقد سقطوا في جهنم أثناء ملحمة عبور الصراط. فهل سيرتاح للمؤمنين الأوائل بال في الجنة؟ هل ستستمتع بالنعيم أخي المسلم، وأخوك أو أبوك أو أمك أو ابنك أو جارك أو صديقك، كان معك في الدنيا يصلى ويصوم ويحج ولم يدخل معك الجنة؟ لا والله لن يهدأ لك قرار ولن يرتاح لك بال، ما لم يلحقوا بك.
فما الحل ولمن الشكوى والملتجأ؟ إلى من يتحاجون؟ إلى الله طبعاً، فهو مالك الملك في ذلك اليوم، فيذهبون إليه ويتحاجون عنده لإخوانهم الذين سقطوا في النار، فيستجيب الله لهم ويختار منهم رجال لأعظم مهمة إنسانية.هؤلاء الرجال المختارون هم أصحاب الأعراف.فمنهم الأنبياء ومنهم الشهداء ومنهم العلماء، فهم رجال كما قال الله عز وجل ونسأل الله أن يجعلنا وإياك عزيزي القارئ منهم.
يذهب أصحاب الأعراف من ديارهم في الجنة إلى حتى ينتهوا إلى مدخل القنطرة و باب السور مغلق ومن ورائه إخوانهم المؤمنين محبوسين. فيخاطب أصحاب الأعراف أصحاب النار كما ذكرت الآيات. ثم يفتح السور بابه فيأمرون أصحاب الجنة المحبوسين بالمرور سريعاً عبر باب السور، ويطمئنونهم بأنه لن يغلق دونهم، فيعبرون عبره إلى الجنة فيلقون في نهر الحياة عند أفواه الجنة فيخرجون منه بيضاً ويدخلون الجنة.
ويعود أصحاب الأعراف مرة أخرى إلى الجنة، ولكنهم يؤمرون بالرجوع ليشفعوا في آخرين فيعودون فيخرجونهم من النار، وهكذا تتكرر عملية العودة والإخراج مرات ومرات، فكلما يصلون إلى مدخل القنطرة لإخراج فوج منها، يفتح لهم باب السور، وكلما يعودون يوصد مرة أخرى فهذه هي مهمة باب السور.وأخيراً فعندما يخرجون كل من أمروا بإخراجهم يعودون إلى ربهم فيقولون لم نذر فيها أحداً. فيخرج رب العزة منها بنفسه كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان حتى ولو لم يعمل خيراً قط! ما عظم هذه الرحمة!.
ثم تأتي المناداة الأخيرة بين أصحاب الجنة الذين تكاملت صفوفهم واجتمع شملهم وبين أصحاب النار فينادونهم بأن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله، فيجئ الرد حاسماً وسريعا بأن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا.
وفى مسك الختام الأخير يأمر الله كون الجنة بمن فيه من المؤمنين بالزحزحة والعودة إلى مكانه الطبيعي بعيداً عن النار تاركاً هؤلاء الكفرة في النار والعذاب إلى الأبد.
سؤال صعب؟:
هنا نسال أنفسنا سؤالا قد يخطر ببال كل قارئ، وهو، ماهي المدة الزمنية التي سيمكثها أصحاب الجنة المحبوسين من الجهنميين في النار قبل انقاذهم؟ العلم يجيب على السؤال، فقد سبق أن ذكرنا أن من خصائص الثقوب الدودية أنها تختصر الزمن والمسافات بين الأمكنة المتباعدة، وذكرنا حال زوجتك المسافرة عبر ثقب دودي، فعند عودتها من رحلتها، والتي لم تستغرق اكثر من اثني عشرة ساعة، عادت ووجدت أن زوجها زاد عمره اثنتي عشرة سنة!!. عند تطبيق هذا المفهوم، ومن خلال تدبر الآيات فالزمن الذي يمضيه أصحاب الجنة في تفقد ذويهم وأهلهم المفقودين لن يكون طويلا (زمن الزوجة)، ولكنه غير الزمن الذي يقضيه هؤلاء المفقودين في النار (زمن الزوج). فزمن الجنة يختلف نسبيا عن زمن النار فالأخير يبطئ!!. بمعنى آخر، فقد تساوي الدقيقة في الجنة عشرات السنين في النار! أو أقل أو اكثر! والله اعلم. لذلك قال الله (وعلى الأعراف) ولو تعدى أصحاب الأعراف مخل القنطرة، لدخلوا زمنا آخرا، ولربما وجدوا نسخا أخرى من أنفسهم في القنطرة تستعد لدخول الجنة! والله اعلم.
آخر المشاهد واكتمال تأويل القرآن:
اذا علمت عزيزي القارئ أن قصة أصحاب الأعراف تمثل آخر مشاهد يوم القيامة وتحقق الوعد الالهي للرسل وللبشرية كافة فان قوله تعالى:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (53)
تمثل اكتمال تأويل القرآن وتطبيقه، إذ التاويل في اللغة يعني إنزال المثال أو النظرية منزلة الواقع.وقد بدأ تأويل آيات القرآن منذ لحظة نزوله، وظل التاويل قائما طوال سني الدنيا، والآية السابقة تمثل ختام تاويل القرآن وتطبيقه عمليا.
وبهذا السرد فقد استطعنا وبتوفيق من الله عز وجل إثبات وجود الجسور أو الثقوب الدودية من القرآن. فما من علم جاءنا به هؤلاء العلماء إلا وكان لهذا القرآن السبق فيه وقد صدق الله العظيم حين قال: ( ({ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 19]. إن هذا الكتاب كما قال عنه سيد الخلق (ص) لا تنقضي عجائبه أبداً ولا يخلق من كثرة الرد ولا تشبع منه العلماء. فعودوا لكتاب الله أيها الناس ولا تكونوا ممن قال فيهم الله عز وجل يوم القيامة ({وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } والله أعلم.(الموضوع مقتطع من كتاب القيامة في ضوء العلم الحديث هل جهنم ثقب اسود؟ ، دار سما ، القاهرة يونيو 2010م).