تسمرت هناك وظهرى للمسجد . لا أعلم ماذا أفعل .
شعرت بالخجل والهزيمة . وبدأت فى العودة لمكتبى .
مرت بعض الثوانى وأنا أحملق فى السماء ، كانت واسعة ، غامضة و مريحة .
لقد حاربت عشر سنين فى التوجه إلى الله ودعائه ،
ولكن مقاومتى إنهارت الآن فقلت "يا إلهى !
إذا كانت إرادتك لى أن أنزل إلى مكان المسجد ، فامنحنى القوة لفعل ذلك" .
وانتظرت . لا شئ ! كنت أتمنى أن تميد الأرض من تحتى ، أن أتلقى وميض ضوء ...
وإذا بى أدور 180 درجة عائدا للمسجد ، وفتحت الباب ودخلت .
"هل تبحث عن شئ ؟؟؟"
لقد قطعت حديثهم . كانوا يقفون أمامى ناحية الحائط الأيسر ،
بقدمين بلا أحذية ، وكانوا أقصر منى قليلا .
كان أحدهم يرتدى ملابس شرقية ، مع غطاء رأس مستدير أبيض ،
والآخر يلبس ملابس افرنجية .
نسيت ما كنت أخطط له . "هل عمر أو محمود هنا ؟؟؟" ،
هذا ما صدر منى . وبدأت مرة ثانية فى القلق .
"ما هو اسمهم الآخير ؟؟؟" ... والرجل بلا غطاء رأس بدأ فى الشك .
"قنديل" ... قالا ... لا يوجد أحد هنا سوانا .
"آسف ... ربما أكون فى مكان خطأ" . ودرت لأعود أدراجى .
"هل تريد أن تعرف شيئا عن الإسلام ؟؟؟" .
قال ذلك الشخص الذى يرتدى غطاء الرأس .
"نعم نعم فعلا أرغب فى ذلك" ، وتوجهت نحوهم .
"هل تسمح بخلع نعليك" طلب منى ذلك بأدب .
وبدأ الذى يلبس الملابس الشرقية فى الكلام ، والآخر ينظر إلى تعبرات وجهى .

جلسنا على الأرض فى الركن الأيسر .
عبد الحنان طالب من ماليزيا ، ومحمد يوسف الطالب الآخر ، من فلسطين .
وذكرت لهما ما أعرفه عن الإسلام ،
فكانوا معجبين ومندهشين من معلوماتى ، وقد تكلمنا لحوالى ربع الساعة .
سألت بعض الأسئلة السطحية ، ولكن الإجابة لم تكن كما توقعتها .
تكلم عبد الحنان عن الملائكة تضرب أرواح الكفار فى القبر ،
وعن عذاب القبر الذى سيلاقيهم . ،
فتظاهرت بالإستماع ، ثم قلت لهم أن عندى محاضرة وأريد الذهاب .
"وهذه حيلة كثيرا ما تنفع" وشكرتهما وحاولت العودة .
وبينما كنت على وشك الإنصراف
إذ بالباب يفتح وأرى ظل رجل فى المدخل ،
فقد كانت الإضاءة ضعيفة فى الحجرة ، له لحية كثة ،
ويلبس جلبابا قصيرا بعض الشئ ، وعلى رأسه عمامة .
كان كأنه موسى عليه السلام عائدا من جبل سيناء . شكله له سحر ،
مما اضطرنى للبقاء .
دخل بهدوء ، وكان من الواضح أنه لم يشعر بوجودنا .
تمتم بشئ لمحمد ، ثم دخل غرفة المغسلة .

هذا الأخ "غسان" ، إمام المسجد والذى يؤم المصلين فى الصلاة .
ذكروا لى ذلك بحيوية وانشراح .
ولكنى أعلم من قراءتى بأن المسلمين ليس عندهم كهنة رسميين ،
فأيا منهم يمكنهم الإمامة فى الصلاة ، قلت ذلك لهما .
فقال محمد "نعم من الممكن أن أؤم أنا أو عبد الحنان أو أى شخص" .
وبعد دقيقة عاد غسان للحجرة ، فأفسح له الطالبان مكانا ليجلس فيه .
وضع يديه على ركبتى ، وسألنى ما هو اسمك .
وكان هو أول من سألنى عن اسمى ، فلم يفعل ذلك نحند أو عبد الحنان ،
قلت له "جيف لانج"... هل أنت طالب فى الجامعة ؟؟؟ ،
وذلك لأن ملامحى تظهر أنى أصغر من سنى الحقيقى .
فقلت له "لا ، أنا مدرس رياضيات بالجامعة" .
فاتسعت حلقتى عينيه وهو ينظر للآخرين . ثم استأذنى غسان ،
لأنهم سيصلون صلاة العصر . وبدأوا فى الصلاة .
بدأ غسان المناقشة ، "ما الذى جعلك تهتم بالإسلام ؟؟؟" .
فقلت لقد قرأت عنه ، وأخذنا نناقش بعض الأمور الفنية ،
ولكننا لم نكن متواصلين فى النقاش . وانتهى ما فى جعبتى من أسئلة ،
كما انتهى ما فى جعبتهم من إجابات ، فهممت بالإنصراف .
فسألنى "هل لديك أسئلة أخرى ؟؟؟" . فقت لا .
وفجأة خطر لى سؤال لا أعرف كيف أصوغه ،
فسكت لحظة ثم قلت "هل تستطيع أن تخبرنى ،
ماهو شعورك بأن تكون مسلما ؟؟؟
أعنى كيف ترى علاقتك مع الله ؟؟؟
عرفت فيما بعد بأن غسان له وضعه هنا وفى الخارج ،
كزعيم روحى ، وله قدرة على محاورتك فى كثير من الأمور
والقدرة على إقناعك ، بمعنى آخر له هيبة وحدس .
كانت أول كلمة تصدر منه ، عبارة عن خشوع ونداء "الله" ،
ومد فيها طويلا . ثم سكت وأخذ نفسا عميقا .
"إنه الكبير ونحن لا شئ بجوار عظمته ، نحن أقل من ذرة رمل بجواره" .
"وبالرغم من ذلك فهو يحبنا ، ويكرمنا ،
ويرحمنا أكثر من رحمة الأم مع رضيعها" .
شعرت أنى قد فجرت فيه كل العواطف بسؤالى هذا .
"ولا يحدث شئ إلا عن إرادته" ، ووضع يديه على صدره ،
"لا نتنفس إلا بأمره ، ولا نخرج النفس إلا بأمره ،
لا نحرك أرجلنا إلا بأمره ، لا تسقط ورقة من شجرة إلا بأمره ،
لا نتكلم إلا بأمره ، وحينما نسجد لعظمته على الأرض
نشعر كمسلمين بالسعادة الغامرة تغشى قلوبنا ، نشعر بالقوة التى يمنحها لنا ،
ولا توجد كلمات يمكن التعبير بها عن شعورنا تجاه عظمنه .
لابد من أن تذوقها بنفسك ... فلو أراد شخص أن يشرح لك طعم شئ لم تذقه ،
فلن يستطيع ، إلا أن تفعل ذلك ، لابد من التجربة" .
بقى هادئا لعدة ثوان ، كأنه يريد أن تتفاعل الكلمات معى ،
وفعلا كنت أود أن نتبادل المواقف ، ولو لبضع دقائق ،
لأشعر بالرغبة ، والعاطفة ، والشوق للإله . كانت كلماته تخرج من القلب ،
ولا تملك حياله إلا التسليم للإيمان .
أردتُ معْرِفة الصفاءِ والعذابِ،الرجاء والخوف،
وأن أتمرّد على التفاهةِ التى أعيش فيها ، وأن إستسلمِ للإيمان .
اشتقتُ أَنْ أُنتعَشَ مِنْ هذا الموتِ الروحيِ .
واصطك بأذنى هذا السؤال ،
"لذا، هَلْ تَرغَبُ فى أَنْ تَكُونَ مسلما؟" . كان كالصريخ فى أذنى !!!
ما الذى دعاه لهذا السؤال ؟؟؟ ماذا سأقول لعائلتى ،
لأصدقائى ، لزوجتى السابقة ... أنا أعمل فى جامعة يسوعية ،
ماذا سيكون موقفى فى عملى ؟؟؟ "
أجبت على الفور .. لا ليس الآن على كل حال ،
أنا مجرد أردت أن أطرح بعض الأسئلة"
يتبع
أشكر كل من يتابع