لقد تم تفنيد القانون الثاني للديناميكا الحرارية بصورة غير مباشرة بواسطة عمل يوهانيس كيبلر الذي تم نشره في بداية القرن السابع عشر، أي قبل قرنين من فرض كاوشي على منصبه في الإيكول بوليتيكنيك من قبل مؤتمر فيينا عام 1815. وقد وضحنا بعض النقاط المتعلقة بهذا الأمر في موضع سابق من هذا الكتاب. والآن سنبين علاقة هذه المادة ببرهان كيبلر.
لقد ذكرنا من قبل أن باتشيولي وليوناردو دافينتشي كانا أول المعاصرين الذين ذكروا أن العمليات الحياتية تتميز عن العمليات عن العمليات غير الحياتية بنمو متشابه self-similar متطابق مع المقطع الذهبي. وقد أعاد كيبلر التشديد على ذلك التمايز فيما بعد. إن الحقيقة الأساسية المتعلقة بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية هو أن جميع القوانين الفلكية لكيبلر قد تم اشتقاقها بواسطة عملية بناء نابعة من نقطة الانطلاق المتمثلة بالمقطع الذهبي. وطالما أن غاوس قد برهن فيما بعد أن قوانين كيبلر كانت مناسبة بشكل فريد وطالما أن هذه القوانين موجودة ضمن المقطع الذهبي، فإن الكون كله له نفس خصائص العمليات الحية. {{أي أن الكون ككل ذا خاصية انتروبية سالبة جوهرياً}}.
وتتضح أهمية المقطع الذهبي - بدون عبء الخرافات أو غيرها من الأفكار الباطنية - عن طريق عمل غاوس في تحديد الدالات الإهليلجية.
قُم ببناء لولب متشابه (لوغارثمي) على جانب مخروط. إن الشكل المُسقَط لهذا اللولب على القاعدة الدائرية للمخروط هو لولب مستوي يمتلك خاصية المقطع الذهبي. يمكن تقريب هذه الخاصية عن طريق تقسيم أذرع اللولب بأنصاف أقطار القاعدة الدائرية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت أنصاف الأقطار مرسومة بحيث تقسم القاعدة الدائرية إلى 12 قسم متساوي، فإن أنصاف الأقطار تقسم طول أذرع اللولب إلى أقسام منحنية تتناسب بالضبط مع نوطات السلم الموسيقي الجيد التعديل (شكل 1)[4]
.
هذا يوضح حقيقة أن بروز المقطع الذهبي كخاصية لعملية تتم مراقبتها في الفضاء المرئي (أي الفضاء الإقليديسي) هو ليس إلا عملية إسقاط على الفضاء المرئي لصور فعل لولبي-مخروطي متشابه يقع في "الكل ـ المتعدد المتصل" continuous manifold الذي يمثل مجال الفعل اللولبي المخروطي المتشابه، أي "المجال المركب" "the complex domain". ويتضح هذا بشكل أكبر من خلال الاستكشاف التالي لأهم نواحي مثل هذه الدالات المخروطية[5]
.
أولا، إذا درس التلميذ لولبا لوغاريثميا مبنيا على جانب مخروط وقام بوصف المحل الهندسي locus لتوليد هذا اللولب جبريا فإن التلميذ سيلاحظ أنه قد انتج أكثر شكل ابتدائية من أشكال المتغير المركب complex variable : a+bi . وإذا استمر من هذه البداية فإن "الخصائص" الأساسية الأخرى للدالات المخروطية (دالات المتغير المركب) ستظهر أمامه. قام التلميذ في البداية بتكوين معنىً "فيزيائياً" ابتدائياً لمفهوم المتغير المركب. من هذا المنطلق وبعد تكوين ذلك يكون التلميذ قادراً على تحديد الأهمية الفيزيائية لكل واحدة من "الخصائص" المستنبطة من استمرار عملية الاستكشاف.
ثانيا، على التلميذ أن يبني خطاً مستقيماً من رأس المخروط إلى قاعدته الدائرية وأيضا بناء الخط الذي يمثل محور المخروط. في كل نقطة يتقاطع فيها اللولب مع الخط المستقيم الممتد من رأس المخروط إلى قاعدته قم بقطع حجم المخروط بمقطع عرضي دائري (الشكل 2). على التلميذ حينذاك أن يتصور أن حجم المخروط هو المحل الهندسي لارتفاع الكثافة السكانية النسبية المحتملة بحيث يمثل كل مقطع عرضي دائري كثافة سكانية نسبية كامنة معينة. يعطينا هذا صورة هندسية للأهمية الفيزيائية {{للأنتروبية السالبة}}. {{هذا البناء الهندسي يمثل التعريف الرياضي الصحيح للأنتروبية السالبة}}. إن دالة المتغير المركب التي توَلّد تتابع المقاطع العرضية الدائرية ترمز إلى دالة ارتفاع في الكثافة السكانية النسبية المحتملة.
ثالثا، على التلميذ أن يربط المقاطع العرضية الدائرية المتتابعة داخل المخروط ببعضها البعض بواسطة قطوع ناقصة قطرية (مائلة) diagonal ellipses (الشكل 3). هذه هي نقطة البداية لفهم الدالات الأهليلجية. على التلميذ أن يلاحظ بعد ذلك الفرق بين قيم المتوسط الهندسي geometric mean والمتوسط الحسابي لحركة اللولب من أحد المقاطع العرضية الدائرية إلى المقطع التالي. إن المتوسط الهندسي يقابله المقطع العرضي الدائري عند تلك النقطة من اللولب التي عندها يكون "نصف الوقت قد مضى" بين تركه (أي اللولب) نقطة البداية لدورة كاملة واحدة حول المخروط ووصوله إلى نهاية دورة كهذه. بينما يقابل المتوسط الحسابي مقطعاً عرضياً دائرياً مبنياً عند نقطة الوسط لمحور المخروط الواقعة بين بداية ونهاية دورة كاملة واحدة. على التلميذ أن يحدد علاقة المتوسطين الحسابي والهندسي بعملية تحديد بؤر القطع الناقص القطري المقطوع من حجم المخروط لدورة واحدة. على أي البؤرتين للمدار الإهليلجي للأرض تقع الشمس؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة لفيزياء الدالات المخروطية؟
رابعاً، على التلميذ أن يبني سطحاً مستوياً موازياً لقاعدة المخروط بحيث يمر عبر رأس المخروط. ثم عليه أن يقوم بإسقاط صور القطع الناقص القطري وصفاته المحددة على هذا السطح المستوي (الشكل 4). سيقع رأس المخروط على إحدى بؤرتي القطع الناقص على السطح، وهذا هو موضع الشمس بالنسبة إلى مدار الأرض.
خامسا، على التلميذ أن يقسم حجم دورة واحدة من الفعل اللولبي المخروطي إلى أجزاء أصغر عند النقط البؤرية للقطع الناقص الأصلي. بعد ذلك يقوم بقطع هذا التقسيم الثانوي للحجم بقطع ناقص مائل ثاني (الشكل 5). كرر ذلك لمرة ثالثة لحجم أصغر مكون بنفس الطريقة (الشكل 6). ابدأ عند هذه النقطة بوصف نسب القيم المميزة لسلسلة القطوع الناقصة التي يتم توليدها.
سادسا، افترض أن هذا التقسيم الإهليلجي المتكرر لحجم دورة واحدة ينتهي عند نقطة ما. تمثل هذه النقطة حجما مقطعيا للمخروط وبعض أجزاء محور المخروط (الشكل 7). عادِل بين هذا الفاصل الصغير من حجم المخروط والخط مع أصغر قيمة لـ "دلتا" في حساب تفاضل لايبنتز. بالإضافة إلى ذلك صَنِّف هذه باعتبارها "مفردة" (الحالة الفريدة) singularity عملية التحول الانتروبي السالب الممثل بدورة واحدة للولب المخروطي.
إن هذا التصور - الموصوف بهذا الطريقة - يُعبّر كتقدير تقريبي أولي عن المشكلة الطوبولوجية التي يتناولها مبدأ ديريشليت بنجاح. يرشدنا هذا الأمر بدوره مباشرة عمل ريمان وبضمنه برنامج علم الفيزياء الرياضية الذي يطرحه ريمان في أطروحة تخرجه عام 1854 ومبادئ "سطح ريمان" والمبادئ المؤسسة للأطروحة المشار إليها من قبل والتي كتبها ريمان عام 1859 حول الموجات الصدمية الصوتية.
على التلميذ أن يتقن المواضيع المذكورة في علم الرياضيات عن طريق الرجوع إلى المصادر الأصلية المناسبة لكتابات غاوس وديريشليت وريمان. وينبغي أن يكون هذا موضوعا إلزاميا في المنهج الدراسي الجامعي للعلوم الاقتصادية. فبدون هذا الأساس سيكون من غير الممكن تطبيق علم رياضيات مفصل في العلوم الاقتصادية. ولا نتناول هنا إلا أهم النقاط الأساسية المتعلقة بالموضوع.
سابعا، على التلميذ أن يتقصى الحالة التي يكون فيها المخروط طويلا إلى أبعد الحدود وزاوية رأس المخروط صغيرة جداً. بمعنى آخر، عندما ننتقل بنظرنا بعيدا عن رأس المخروط فإن المنظر الجانبي للمخروط سيشبه شكل اسطوانة، كما يصبح الفرق بين المتوسط الحسابي والمتوسط الهندسي ضئيلا جداً. كما ستصبح قيمة المقاطع العرضية الدائرية المقطوعة عند نهاية كل دورة قريبة من قيمة المقاطع السابقة لها والتي تليها. وتصبح "المفردة" صغيرة جداً أينما وضعنا الحد النهائي للتقسيم الاهليلجي المتكرر. ويظهر المنظر الجانبي للولب المتشابه قريبا جدا من موجة جيبية sine wave .
حتى التلميذ الذي لم يكمل تمرين البناء المذكور هنا يمكنه أن يتوقف لحظة ويتأمل في التكافؤ الفيزيائي بين الدالات اللولبية المخروطية والدالات اللوغارثمية والمثلثية وطريقة تحديد الأرقام المتسامية e و ? (pi). تمثل الهندسة التركيبية طريقة أكثر إمتاعا لفهم علم الرياضيات بدلا من المسار الذي تحدده نقطة الانطلاق لعلم حساب بديهي. فالخرافة وغيرها من الملغزات الغريبة التي هي جزء لا يتجزأ من علم الحساب البديهي والجبريات المتسقة مع علم الحساب البديهي يمكن تجنبها بكل سعادة.
في هذه اللحظة نسجل نقطتين لا بد من توضيحهما ونحن سائرين في نهجنا هذا. إن تعريف مصطلح "العمل" في طريقة لاروش-ريمان في علم الاقتصاد هي صورة تشبيهية لدالة انتروبية سالبة للولب مخروطي متشابهة. أما تعريف "الطاقة" باعتباره مختلفاً عن تعريف "العمل" في طريقة لاروش-ريمان فهو دالة لولب أسطواني متشابه.
وللتركيز على الأهمية "الفيزيائية" لمثل هذه الدالات ذات المتغير المركب نشير إلى المشكلة التي طرحها أفلاطون لأول مرة. أصر أفلاطون على أن للعالم المرئي مظهر مختلف عن العالم الحقيقي، بنفس المعنى العام لقضية الظلال المشوهة المنعكسة من شعلة نار على جدار كهف مظلم. يقول القديس بولص أننا نرى الأشياء كأنما عبر مرآة داكنة. يأتي البرهان الأساسي على هذا الحكم من الهندسة التركيبية التي كان أفلاطون يعرفها. وقد أوصل اكتشاف كوزانوس مجددا للمبدأ الجذري للهندسة التركيبية - وهو مبدأ متساوي المحيطات - أوصل إلى حل مشكلة أفلاطون وإلى عمل غاوس وريمان.
فموضوع "المجسمات الأفلاطونية الخمس" يبين محدودية الفضاء المرئي (الإقليديسي)، وهي محدودية نابعة من مبدأ. توجد في الفضاء المرئي أشكال معينة موجودة كصور، ولكن لا يمكن اشتقاقها عن طريق البناء اعتمادا على الفعل الدائري. كل هذه الأشكال تضم في تركيبتها دالة ذات متغير مركب (أي دالات متسامية). فهي أشكال مشتقة من اللولب المخروطي المتشابه البسيط. علاوة على ذلك فإن الفعل الدائري ومشتقاته الناتجة عن عملية البناء الهندسي التركيبي هي أيضاً تعتبر عمليات إسقاط projections لدالات بنائية مبنية على أساس الدالات المخروطية المتشابهة. يبين هذا أن الصور الموجودة في الفضاء المرئي التي لا يمكن تفسيرها ضمن حدود الخصائص الهندسية للفضاء المرئي، يمكن تفسيرها بشكل تام باعتبارها صور مسقطة من فضاء ذي مرتبة أعلى، وهو فضاء الفعل اللولبي-المخروطي المتشابه.
فكما فعل ريمان ،[6]
نسمي الفضاء المرئي {{"الكل ـ المتعدد المنفصل"}} Discrete manifold ، أما الفضاء ذي المرتبة الأعلى للتراكيب البنيوية اللولبية-المخروطية المتشابهة فنسميه {{"الكل ـ المتعدد المتصل"}} continuous manifold . ونطالب بأن يتم بناء علم رياضيات خاص بعلم الفيزياء كليا في حدود "الكل ـ المتعدد المتصل"، وأن يتم تفسير دالات "الكل ـ المتعدد المنفصل" رياضيا باعتبارها إسقاط لصور "الكل ـ المتعدد المتصل" على الكل ـ المتعدد المرئي (المنفصل). لهذا الغرض نطلب من التلميذ أن يقوم باستخدام الفعل اللولبي المخروطي المتشابه لتطوير هندسة تركيبية لفضاء ذي كل ـ متعدد متصل بنفس الصيغة التي يستخدم فيها الفعل الدائري لبناء هندسة تركيبية لفضاء مرئي (الكل ـ المتعدد المنفصل). يجب اشتقاق كل الرياضيات المستخدمة في علم الفيزياء والبرهنة عليها رياضيا، فقط باستخدام طريقةِ بناءٍ هندسية تركيبية ضمن كل ـ متعدد متصل. كما يجب معاملة الدالات الجبرية باعتبارها مجرد عمليات وصف لدالات هندسية-تركيبية "لكل ـ متعدد متصل" لا غير.
بالنسبة لنا - كما هي الحال بالنسبة لريمان[7]
- يتمركز علم الفيزياء التجريبي حول تلك {{"التجارب الفريدة"}} التي تبرهن فرضيات رياضية (هندسية) مرتبطة بالكل ـ المتعدد المتصل بواسطة عمليات مراقبة تجريبية لصور مسقطة على الكل ـ المتعدد المنفصل. تعتمد هذه الإمكانية على مبدأ هندسي من مبادئ الطوبولوجيا وهو "الثبات" invariance . حسب التقدير التقريبي الأولي يمثل "الثبات" تلك الخصائص المميزة لهندسة كل ـ متعدد متصل والتي "تُحفَظ" عبر عملية الإسقاط كخصائص للصور المنعكسة على الكل ـ المتعدد المنفصل. في التقدير التقريبي الثانوي تمثل الثوابت ذات المرتبة الأعلى تلك التغيرات في الكل ـ المتعدد المتصل التي تُحمَل الى الكل ـ المتعدد المنفصل كتحولات في ثوابت الكل ـ المتعدد المنفصل. إن {{التحولات النسبية في الخصائص القياسية (metrical ) للفعل}} في الكل ـ المتعدد المنفصل تنتمي إلى هذا الصنف الثاني ذي المرتبة الأعلى من الثوابت الإسقاطية. إن الموضوع الأساسي لأية "تجربة فريدة" يخص مثل هذا التحول ذي المرتبة الأعلى في الخصائص القياسية لمبادئ الفعل في "الكل ـ المتعدد المنفصل". رسالة ريمان لعام 1859 حول توليد الموجات الصدمية هي نموذج رائد لمبادئ "التجارب الفريدة".
فمبدأ "التجربة الفريدة" هذا هو المفتاح إلى كشف سر "الظاهرة المثيرة" التي أشرنا إليها بشكل عام فيما سبق.
لوجهة نظر غاوس وريمان وآخرين مجموعة سمات رئيسية ظاهرة، كما أن لها معاني خفية قد تبدو عميقة جدا للعديد من قراء هذا الكتاب، لكن علينا ان نحددها هنا. إن تحديد هذه النقاط سيكون له تأثير كبير على المواضيع التي سنواجهها في الأجزاء اللاحقة من الكتاب.
أولا، وجهة نظر ريمان ومؤلف هذا الكتاب فيما يخص علم الفيزياء تسمى في بعض الأحيان بوجهة نظر "ماوراء اللامتناهي الانطولوجي" ontological transfinite . هذا يعني بصورة أساسية أن تعريف "المادة" و "الجوهر" ينبغي أن لا يطلق على الصور الموجودة في "الكل ـ المتعدد المنفصل"، بل يجب أن يطلق على "الأشياء الحقيقية" الموجودة في "الكل ـ المتعدد المتصل". فيجب أن لا تختلف "الخصائص" المنسوبة "للمادة" إطلاقا عن تعريف "المادة" المتطابق كليا مع الفيزياء الرياضية "للكل ـ المتعدد المتصل". هذا لا يعني أن الأشياء المحسوسة لا تمثل شيئاً حقيقياً، بل المقصود أن الطريقة التي يدرك عقلنا بها حسيا تَمَيُّز (انفصال discreteness ) الاشياء في "الكل ـ المتعدد" المرئي (المنفصل) هو إدراك مشوه. في كل حالة من الحالات علينا أن نجد الواقع الفعلي ضمن "الكل ـ المتعدد المتصل" الذي يتوافق مع التجارب المُدرَكة في حدود "الكل ـ المتعدد المنفصل".
مصطلح "ماوراء اللامتناهي" transfinite المستخدم بهذا الشكل يتوافق مع استخدام جورج كانتور (1845-1918) في كتاباته الصادرة بين عام 1871 و 1883 حول "المراتب العددية ماوراء اللامتناهية" transfinite orderings وخاصة في مقالته Grundlagen الصادرة عام 1883 بعنوان "أسس لنظرية عامة للمتغيرات". الاسس الرئيسية لهذا العمل من أعمال كانتور كانت الطرق الريمانية في التعامل مع المتتاليات المثلثية، بالإضافة إلى عمل استاذ كانتور كارل وايرشتراس Karl Weierstrass (1815- 1897) الذي أثرت طريقته في طريقة تعامل كانتور مع تحليل فوريير (Jean Baptiste Fourier). مصطلح "ماوراء المتناهي" بالمعنى الذي يفهمه كانتور ينبع من طريقة هندسية دقيقة جداً متوافقة مع طريقة ريمان [8]
. من هذا المنطلق لا يمكن اعتبار المصطلح المستخدم "ماوراء المتناهي الانطولوجي" مصطلحا غير ملائم.
وقد برز مصطلح "ماوراء المتناهي الانطولوجي" بشكل رئيسي بسبب اختلافات كبيرة في طرق البحث بين غاوس وريمان من جهة وجامعة جوتنجن في عهد البروفيسور فيليكس كلاين Felix Klein (1849-1925) وآخرين في الجهة الأخرى. وبالرغم من أن كلاين كان يشدد على أن طرق الاكتشاف التي كان كارل غاوس يستخدمها قد بدأت تضيع من المعرفة المعاصرة وحاول بذل وتحشيد الطاقات لإحياء هذه المعرفة المتلاشية، إلا أن الأخطاء الموجودة عمل ديفيد هيلبرت العظيم David Hilbert (1862-1943) تبين فقدان الفهم الحقيقي لمبادئ الهندسة التي كان غاوس وديريشليت وآخرون يستخدمونها. هذا هو ما يتضح أيضاً عندما ننظر إلى فشل العمل العظيم لماكس بلانك Max Planck (1858-1947) حول "الآثار الضمنية لإشعاع الجسم الأسود" بسبب انقلابه في منتصف الطريق - أثناء محاولته توضيح المفهوم الكمي - ضد الطريقة الهندسية الدقيقة والعميقة، مفضلا التأقلم مع مذاهب كلاوسيوس وهيلمهولتز وبولتزمان وآخرين. في أحسن الأحوال حاول رواد علم الفيزياء الرياضي في القارة الأوربية في الأجيال التي جاءت بعد عام 1860 الدفاع عن كيبلر ولايبنتز وأويلر وغاوس وريمان وآخرين بوجه هجمات التجريبيين ودافعوا عن مفهوم ماوراء المتناهي كمفهوم رياضي، مع ذلك فإنهم لم يقبلوا بالبرهان الدال على أن الجوهر المادي يوجد بدائياً في "الكل ـ المتعدد المتصل" بالمعنى الذي حددنا فيه هنا "ماوراء اللامتناهي الانطولوجي" ( Ontological Transfinite ). لهذا السبب ارتبطت الأجيال المشار إليها بمفهوم "ماوراء اللامتناهي الميثودولوجي" ( Methodological Transfinite ) وهكذا نشأ التمييز المذكور أعلاه.
النقطة الثانية في قائمة القضايا المطروحة هنا هي القضية التي تظهر بجلاء في الحملات المسمومة ضد فايرشتراس وكانتور من قبل اشخاص مثل ليوبولد كرونيكر Leopold Kronecker (1823- 1891). فكرونيكر المسؤول عن بعض الرياضيات السيئة، روج الشعار القائل "الله خلق الأعداد الصحيحة" مصرا على ان بقية الأعداد هي مجرد تراكيب ذهنية. إن قيام باسكال بتطوير الطريقة الهندسية في تحديد متتاليات الأعداد التفاضلية بالإضافة الى عمل فيرما وأويلر وديريشليت وريمان حول تحديد الأعداد الأولية يوضح مسألة أن {{جميع الأعداد يتم توليدها بعمليات هندسية}} وأن هذا التحديد ينتمي بكل مفاصله إلى "الكل ـ المتعدد المتصل" (المجال المركب). وبالرغم من أن كرونيكر ومنافسه الودي ريتشارد ديدكند Richard Dedekind (1831-1916) كانا من تلاميذ ديريشليت إلا أنهما لعبا دورا مزدوجا في مركز مؤامرة مترامية الأطراف لتدمير جورج كانتور . [9]