كانت رياضيات كرونيكر مزيجا من الديكارتية الفلسفية والقبالة البريطانية من القرن السابع عشر. فكما كان ديكارت يعتقد، اعتقد كرونيكر أن الكون محصور على أجسام قابلة للعد تسبح في فضاء اقليديسي. وهذه وجهة نظر خاصة غذت اتجاهات إسمانية راديكالية متطرفة مثل كتاب Principia Mathematica لبرتراند راسل Bertrand Russell (1872-1970) ووايتهيد A.N. Whithead (1861-1947).
يظهر من عملية مسح لمصادر أصلية غير منشورة مؤرشفة بالإضافة إلى بعض المصادر الأصلية المطبوعة أن الهجمة ضد كانتور جاءت من ثلاثة اتجاهات متعاونة مع بعضها. فمن فرنسا جاءت من الإرث الذي خلفته عمليات لابلاس وكاوشي ضد الشخصيات القيادية في الإيكول بوليتيكنيك (مثل فوريير ولوجوندر وآخرين). كما كان هناك عنصر اضطهاد ديني في شكل محكمة تفتيش ضد رياضيات كانتور من قبل جماعة دينية، وهو الأمر الذي دفع كانتور في لحظة ما إلى مناشدة ابابا ليحميه من هذه العملية. الهجوم الثالث جاء من بريطانيا حيث لعب بيرتراند راسل دورا قياديا لبعض الوقت في عملية الاضطهاد هذه. كان ذلك استمرار لعملية موجهة ضد غاوس وريمان من بريطانيا، وهو الغرض الذي من أجله تم توجيه عمل جيمس ماكسويل James C. Maxwell بصورة رئيسية وذلك حسب تصريحات ماكسويل نفسه. إن الذم الجاهل الذي وجهه راسل ضد أطروحة ريمان لعام 1854 هي مثال توضيحي على الحماسة التي كان عليها راسل حينما كان يبذل جهوده لاستئصال سمعة غاوس وريمان وكانتور وفيليكس كلاين. بالإضافة إلى أن راسل عاش طويلا جدا بما يكفي ليصبح أكثر شخص شرير في القرن العشرين، فإن راسل كان هو قائد الحملة التي أرادت تدمير مفهوم كانتور "لماوراء المتناهي" transfinite وللترويج للأكذوبة القائلة بأن "نظرية الأعداد" set theory هي ناتج من نتاجات عمل كانتور.
لقد عرضنا هذه المؤامرة المدهشة التي حيكت ضد كانتور لكي نوضح قوة وضخامة الجهود التي بذلت في القرن التاسع عشر لاستئصال التراث المنهجي العلمي (الهندسي) لكوزانوس ودافينتشي وكيبلر ولايبنتز وأويلر ومونج وغاوس وريمان وآخرين. فمعظم العيوب البديهية الأساسية التي تفسد العمل العلمي المعاصر هي بشكل عام نتائج محاكم التفتيش في القرن التاسع عشر التي تمثل قضية كانتور نموذجا لها. وعلى نفس هذه الشاكلة تبدو المفاهيم التي تم إثباتها بما لا يقبل الجدل والناتجة عن عمل قرون بدءا من كوزانوس وانتهاء بخمسينات القرن التاسع عشر، تبدو اليوم وكأنها أخطاء شاذة في أوساط الاختصاصيين المعاصرين الذين تنقصهم المعرفة بتاريخ الصراعات الخبيثة التي نتجت في أعقاب مؤتمر فيينا عام 1815. لكن لحسن الحظ وبفضل جهود المئات من الباحثين الذين فتشوا بين ثنايا كل ما وجد من المواد الأرشيفية في أكثر من عشر دول ولمدة دامت أكثر عقد أُخرِج جزء كبير من حقيقة التاريخ الداخلي للعلم الحديث إلى النور. لقد ثبت أن الجزء الأعظم من هذا الموضوع له علاقة مباشرة بالقضايا الأساسية الخاصة بعلم الاقتصاد. وكيف لا يكون، طالما أن الموضوع الجوهري في علم الاقتصاد هو "التكنولوجيا"؟
وحتى نختزل المراجعة المطروحة أعلاه حول الصفات الخاصة لعلم الفيزياء الرياضية ذات العلاقة المباشرة بعلم الاقتصاد، نقول ما يلي:
1. الكون الحقيقي ككل هو انتروبي سالب كما يتضح ذلك من التمحيص النقدي لقوانين كيبلر في علم الفلك من قبل غاوس.
2. يقع الكون الحقيقي أنطولوجياً في "الكل ـ المتعدد المتصل"، وهو متغير يمكن سبره رياضيا بواسطة هندسة تركيبية مبنية على الفعل اللولبي المخروطي المتشابه. العالم المرئي هو صورة مشوهة إسقاطية عن العالم الحقيقي.
3. نوعية الأعداد التي تتوافق بشكل مباشر مع واقع العالَم الفيزيائي (المادي) هي ذات صيغة الأعداد المركبة التي تتولد عن طريق عمليات بناء هندسية تركيبية. الأعداد المستخدمة في عملية العد هي إسقاطات لأعداد مركبة على العالم المرئي.
4. المعرفة بالعالَم الفيزيائي تأتي من ما يسميه ريمان "تجارب فريدة".
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار ما تسمى بقوانين الديناميكا الحرارية قوانيناً مزيفة ومسلّمات مفروضة قسرياً على العمل العلمي من الخارج. الأهم من ذلك هو أن أي علم ديناميكا حرارية يعتمد على هذه القوانين المزعومة هو علم انتروبي وهذا يتناقض مع النظم الكونية الأساسية المبرهنة. بالإضافة إلى ذلك فإن "الطاقة" و "العمل" إذا عرَّفناهما تعريفاً صحيحاً فإنهما يتفقان مع حقائق موجودة ضمن "الكل ـ المتعدد المتصل" ومتفقة مع دالات مركبة لا يمكن اختزالها إلى مقادير عددية (لا توجيهية). لذلك فإن "العمل" و "الطاقة" هما ليسا "شيئين" بل عمليتين.
الهوامش
[1] مات بولتزمان منتحراً عند مزار توري إي تاسو Thurn und Taxis حيث قلعة ريلكه ( Rainer Maria Rilke) المسماة دوينو. أنظر أدناه.
[2] كان هذا الافتراض النقطة الأساسية في طريقة تفكير كارل ماركس المغلوطة (رأس المال، الكتاب الثالث: التناقضات الداخلية) القائلة بأن "نسبة الربح لا بد وأن تميل إلى الهبوط" في الاقتصاد الرأسمالي. فبالرغم من أن ماركس يذكر مرارا في حججه أنه يترك الدالات المحسوبة للتقدم التكنولوجي خارج حساباته، إلا إنه كان دائما يبني حساباته حول شروط التوسع عن طريق إعادة الاستثمار على معادلات خطية بسيطة مستشرفا بذلك أسلوب "تحليل النظم" system analysis الحديث. توجد بضعة أخطاء كبرى أخرى في حجج ماركس حول هذه المسألة ، لكن هذه هي أهمها.
[3] لقد تطوع بعض صناع القرار في "نادي روما" مثل الدكتور أليكساندر كينج Alexander King بالتصريح بذلك، حيث أكدوا التأثير الذي كان لعمل لاروش وآخرين.
[4] طرح الاقتراح للقيام بهذه التركيبة للبرهنة على مبادئ التعدد النغمي جيد التعديل well-tempered polyphony لأول مرة من قبل لاروش، وذلك أثناء ندوة عقدت في ربيع عام 1981. وقد أكمل هذا التركيب الدكتور جوناثان تينينباوم Dr. Jonathan Tennenbaum ورولف شاورهامار Rolf Schauerhammer وآخرون وتم عرضه في مؤتمر عقد في آخر ذلك العام في ألمانيا الغربية. وأدى هذا إلى عمل جديد لإعادة صياغة الافتراضات الرياضية الأنطولوجية لنظرية "النسبية الخاصة" Special Relativity (أنظر مجلة Executive Intelligence Review الصادرة في نيويورك في يناير عام 1983) ولعملية مسح ابتدائية لطريقة غاوسية للاستخدامات الحديثة للدالات اللولبية المخروطية. (تينينباوم في ربيع عام 1984).
[5] مصدر سابق. بيرنارد ريمان، أطروحة التخرج (1854).
[6] نفس المصدر
[7] نفس المصدر
[8] لا ينطبق عمل كانتور مع "نظرية الأعداد" بالصيغة المطروحة في "الرياضيات الجديدة" اليوم. (سيأتي ذكر ذلك لاحقا في هذا الكتاب).
[9] لقد بدأ لاروش باكتشاف الخيوط الأولى عن دور ديدكند في هذه العملية القذرة بعد إعادة قراءة المقدمة التي كتبها ديدكند عام 1872 لمقالته حول "الاستمرارية والأعداد الصماء" "Continuity and Irrational Numbers" . إن دور ديدكند ما هو إلا وجه من أوجه ما يمكن وصفها كليا كعملية استخباراتية.