أخي الفاضل ناصر،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شكراً على سؤالك وعلى تنبيه الأخ كابتن على وجود السؤال... المشكلة ليست في شروط وإنما في وجود إطار للعمل ولبناء البنية التحتية.
أنا الآن لاأدرس وإنما أعد الخطط الشاملة لتطوير التعليم الجامعي (في الفروع العلمية) والبحوث وأشرف على تنفيذها والتأكد من جدواها ونتائجها ثم ربط نتائجها باحتياجات المجتمع (مثل NIST).
في الحقيقة، تكاد تنعدم المؤسسات التي ترعاها الدول العربية في هذا المجال وهي عصب التقدم في أوربا...
أعطيك مثالاً من السعودية حتى لانذهب بعيداً... أطلع على إصدارات الجامعات السعودية باستمرار من خلال معرض جنيف للكتاب وجناح السعودية فيه وأنفق الكثير من الوقت للاطلاع على الكتب العلمية المطروحة ممايسترعي انتباه المشرفين على الجناح... ولكن تمنيت مرة واحدة أن أجد كتاباً يرتقي إلى ماينتجه بلد من الصف الثاني في أوربا مثل تشيكيا أو سلوفاكيا أو بولونيا... تصور ذلك !
كيف يمكن للطالب أن يتعلم إن لم تكن المادة الدراسية بمستوى جيد وخاصة أننا نحتاج إلى بذل الكثير، لاأقول لللحاق بالأمم وإنما لكي لانظل في آخر الصف...
بالأمس قامت إحدى الأخوات مشكورة بترجمة فهرس الكتاب المقرر لامتحان الماجستير في السعودية... ورغم أن الترجمة قد حوت على الكثير من الأخطاء لكني لم أعثر إلا على مشاركات شكرها على مسعاها... لم يخطر ببال أي زميل أن يقارن النص الأصلي مع الترجمة ويقوم بإضافة ولو بسيطة...
ينقصنا الآن :
الروح العلمية في البحث والتنقيب والتصويب والإضافة (ولو كانت بسيطة، أؤكد)
روح قبول الخطأ (على مبدأ الإمام الشافعي رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خاطئ يحتمل الصواب)...
طلب المعلومة الدقيقة والاستناد إليها في بناء معارفنا... وهذا يعني وضع المعارف بلغة عربية سليمة لأنه لايمكننا بناء معارف مفيدة لمجتمعنا ونحن نرطن بلغة أجنبية...
إذا بدأنا بتحقيق هذه الأشياء بصورة سليمة يمكننا التفكير بمستقبل أفضل...
سؤالي الآن لأهل الفقه، ألايعد الإنفاق على العلم من أسمى المساعي الدينية ؟ لماذا لانتحرك في هذا الاتجاه... لدينا مشاريع نستطيع تحقيقها وهي تخدم الناطقين بالعربية كافة ولكنها تبقى متوقفة أمامنا مثل غصة كبيرة لغياب التمويل المناسب لانتاجها بشكل يرقى لمستوى مضمونها... هل ننتظر أن يمد الغرب يده لنا... سننتظر طويلاً ولن يمدَّ يده لأنه يناسبه أكثر أن نبقى مستهلكين لمنتجاته... متى نصحو إذاً !!!
في الختام قصة محزنة أكثر... تعرفت إلى شخص سويسري يعمل في شركة لصنع الساعات الذرية (لاعلاقة لذلك بالأسلحة الذرية طبعاً بل بقياس الوقت بشكل متناهي الدقة) وهو يركب العديد منها في دول الخليج (لن أسميها لعدم إحراج أهلها) ويطلب من القائمين عليها أن يبعثو مهندساً عربياً للتعلم على صيانتها، وهو أمر يستغرق شهراً على الأكثر، وهم يرفضون ويفضلون أن يطلبوه من سويسرا كلما حدث خلل فيها... هو منزعج كثيراً منهم لأنهم ينفقون عليه أكثر من عشرة أضعاف الكلفة التي تحتاجها هذه الساعات فيما لو أتى مهندس عربي وعمل دورة عليها.... تصوروا أن الأوربي يريد أن يكون صادقاً معنا وأن يرأف بحالنا ونحن لانريد ذلك....
أترككم الآن مع هذه الأفكار وأرجو أن تخبروني ماذا أنتم صانعون...
وسأتابع معكم بشكل متواصل إن شاء الله
والسلام عليكم