رد: 4 مراحل لإنتهاء الزمن
ألا يمكن أن تأتيَ لحظةٌ في وقت ما من المستقبل لا شيء «بعدها»؟ ومن المُكئب، إجابة الفيزياء الحديثة عن هذا السؤال بنعم. فالزمن ذاته يمكن أن ينتهي، وحينئذ تتوقّف جميعُ الفعاليات، ولن يكون هناك أيّ تجديد أو استرداد للحياة؛ فزوال الزمن هو نهاية النهايات.
مثّلت هذه الإمكانية المخيفة تنبّؤا غيرَ متوقَّع لنظرية (آينشتاين) في النسبية العامة، التي تزوّدنا بفهم معاصِر للثقالة gravity. قبل هذه النظرية كان أغلب الفيزيائيين والفلاسفة يعتقدون أنّ الزمنَ نقرٌ شموليٌّ على الطبل، أي إنّ إيقاعَه ثابتٌ يسير وفقه الكونُ برمّته، دون أيّ تغيّر أو ذبذبة أو توقّف. ما بيّنه (آينشتاين( هو أنّ الكون أشبه بمقطوعة موسيقيّة متعدّدة الإيقاعات، إذ يمكن للزمن فيها أن يتباطأ إيقاعه أو أن يتمدّد، بل أن يتمزّق كذلك. عندما نشعر بقوة الثقالة فإننا نحسّ بأداء الزمن الارتجاليّ الإيقاعي، وعندئذ تنجذب الأجسامُ الساقطة نحو الأماكن التي يَمضي فيها الزمن بسرعة أبطأ. لا يؤثّر الزمنُ فيما تفعله المادة فحسب، بل يستجيب أيضا لما تقوم به المادة، كحال قارعي الطبول والراقصين الذين يتآثرون فيما بينهم فيصاب الجميع بنوبة إيقاعيّة متناغمة. ومع ذلك، عندما تخرج الأمور عن السيطرة يمكن للزمن أن يتبخّر ويزول كالدخان، حالُه في ذلك كحال قارع طبل جعله هياجه المفرط يحرق نفسه بشكل عفوي.
تُدعى اللحظات الموافقة لحدوث هذا الأمر باسم المتفرِّدات signularities، ويدلّ هذا التعبير على أيّ حدٍّ boundary للزمن، سواء أكان بداية أم نهاية له. وأشهر حدٍّ هو الانفجار الأعظم the big bang، وهو اللحظة التي مضى عليها 13.7 بليون سنة عندما خُلق الكون – ومعه الزمن - وبدأ بالتمدّد والاتّساع. ولو قُدّر للكون أن يتوقّف عن التمدّد والاتّساع ويبدأ بالانكماش، فإنه سوف يعاني شيئا مشابها للانفجار الأعظم ولكن بطريقة عكسية – الانسحاق الأعظم the big crunch - وهذا يؤدي إلى تدمير الزمن وإيقافه.
ليس من الضروري للزمن أن ينعدم في جميع أرجاء الكون. فالنسبية تقول بزواله داخل الثقوب السوداء مع استمرار وجوده في الكون عموما. وتتمتّع الثقوب السوداء بسمعة سيئة في مجال التدمير والتخريب، لكنها أسوأ حتى ممّا قد يخطر على بالك. إذا قدِّر لك السقوط في واحد منها، فإنك لن تتمزّق إلى أشلاء فحسب، بل إنّ بقاياك سوف ترتطم في نهاية الأمر بمتفرّدة واقعة في مركز الثقب، وعندئذ يتوقف الزمن الملازم لك. ولا يمكن لأيّ حياة جديدة أن تبزغ انطلاقا من رمادِك، ولن تخضع جزيئات جسمك إلى إعادة تصنيع. وكحال شخصية البطل في الصفحة الأخيرة من الرواية، لن تعانيَ مجرّد موت، بل نهايةَ الوجود ذاته.
استغرق الفيزيائيون عقوداً عدّةَ قبل أن يقبلوا بأنّ نظرية النسبية تتنبّأ بشيء محيِّر كالموت من دون انبعــاث. وحتى يومنـا هــذا، فهــم لا يزالون غير متوثقين تماما ممّا يتعين عليهم فعله مع هذا الأمر. ويمكن الدفاع عن الرأي القائل إن المتفرّدات هي السببُ الرئيسُ وراء سعي الفيزيائيين إلى إيجاد نظرية موحّدة للفيزياء تجمع بنات أفكار (آينشتاين) مع الميكانيك الكمومي quantum mechanics: إيجاد نظرية كمومية للثقالة. والفيزيائيون يقومون بذلك جزئيا أملا بإمكان تبرير أسباب عدم أهميتها. ولكن عليك أن تكون حذرا في اختيار ما تتمناه، فمن الصعب تخيّل نهاية الزمن؛ لكنّ زمنا لا نهاية له يحمل في ثناياه تناقضا يصعب تخيله أيضا.

حافات الزمن
على مرّ العصور - قبل مجيء (آينشتاين) بوقت طويل - ناقش الفلاسفة ما إذا كان الزمن عرضة للزوال. وقد اعتبر (I.كانط) هذه القضيـــة نوعــــا مــن التناقض الداخلي، أي إنه يمكنك قبـوله وقبول عكسـه؛ وهذا ممّا يدعك لا تعرف كيف تفكّر.
وجد والدُ زوجتي نفسَه فوق أحد قَرْنَي هذه المعضلة عندما حضر مساء أحد الأيام إلى المطار ليجد أنّ طائرته قد غادرت منذ وقت طويل. لامَه الموظّفون في ميزان التحقّق من الحقائب قائلين إنه كان عليه معرفة أنّ ساعة المغادرة المكتوبة «12 صباحا» تعني أوّل رحلة في الصباح. ومع ذلك كانت حيرة والد زوجتي من الممكن فهمها، إذ لا يوجد رسميا وقتٌ موافق لـ«12 صباحا»، فمنتصف الليل ليس قبل منتصف النهار ولا بعده، فهو يمثّل نهايةَ يوم وبدايةَ يوم آخر كلتيهما، ويوافق في ترميز الوقت ذي الساعات الأربع والعشرين كلا الرمزَين 24:00 و00:00.
__________________
نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا
اتسعت لنا السماء
فكيف نيأس ؟!!
|