ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - الفيزياء والميتا فيزياء
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 16-06-2013, 15:58
الصورة الرمزية بروفيسورة الفيزياء
بروفيسورة الفيزياء
غير متواجد
فيزيائي نشط
 
تاريخ التسجيل: May 2013
المشاركات: 44
افتراضي

يتوقف الزمن، وفق النسبية، إذا ارتحلنا بسرعة الضوء. أما في الميكانيكا الكوانتية فإن تسلسل الأحداث غير معرَّف ولا يمكن ملاحظته في العالم الميكروفيزيائي. يعني ذلك، فيما يعنيه، أن الزمن غير خالد. ولما كان من المتعذر وجود كينونة غير خالدة بدون كينونة خالدة فقد انْوَجَد تعريف المطلق وكسر التناظر المرتبط به، الذي يخلق مفارقة لا تُحَلُّ إلا بالعودة إلى التناظر، أو بالمضي قدماً في مسلسل كسر التناظر. تفيدنا نظرية المعرفة بأن كل تعريف جديد إنْ هو إلا كسر للتناظر. لذا كان التناظر غير متناظر؛ إذ إنه ينكسر عند طرحه كتعريف. نعيد كتابة ما تقدم في مفردات ميتافيزيائية فنقول: إن الخلق المستمر هو حلٌّ للتناقض بين العدم وبين اللانهاية.
درج أينشتاين على التساؤل فيما إذا كان لدى الإله أي خيار عند خلقه العالم. بدورنا نفسر تساؤل أينشتاين بالقول إن التناظر المطلق هو فوضى مطلقة. لذا كان لا بدَّ من أن يُكسَر تحقيقاً لمبدأ كمال التناظر. ولقد انبرى وجودنا، على هامش هذا الكسر، لتمثل تكافؤ النظام والفوضى فينا بثنائية: السبب–النتيجة. أجل، إنها لمعجزة أن نكون موجودين، وأن يكون باستطاعتنا التنظير لهذه الثنائية!
لا مفرَّ من قبول الغائية. فإذا قررنا أننا مخيَّرون خَلُصنا إلى أننا لا نملك من خيار إلا أن نختار. ولعل المقصود بذلك هو خلود الفكرة وخلود القيمة. تتخلل القيمة كل أنماط الصيرورة وتأبى إلا أن تحقق معاييرها. من ذلك العقوبات الأخلاقية التي قد تبدو غائية، لكنها موجودة ومديدة. فالقيمة في الصيرورة، مثلاً، تحكم بانقراض التجمعات التي يتزوج فيها الذكور أخواتهم.
لا تجد الفيزياء معنى لها إلا في الميتافيزياء؛ بينما يبدو عالم التطبيقات غريباً عنها. فالمبادئ الفيزيائية النظرية تعني حيازتنا في نمط معين. فبسبب الجاذبية تحوزنا الأرض، وبسبب النسبية يحوزنا الآن–هنا.
هل يمكن أن تحقق الفكرة خلودها؟ إن التكاثر هو أدنى أشكال السعي إلى الخلود؛ بينما التوحد مع الوجود أرفعها. إن كانت القوانين الفيزيائية محكومة بالزمان والمكان فلا خلاص لها، ولا ضمانة، إلا بالخلود. نعرج هنا قليلاً على تعريف الحياة. لا أحد يدري ما هي الحياة؛ لكن الجميع يتفقون على سمة رئيسية لها هي أن الحياة لا تعدم المأوى في أي ظرف. كيف سيكون مأوى الحياة بعد اندثار المادة وتحولها إلى طاقة في المستقبل البالغ البعد من حياة الكون؟ تتجزأ الحياة في عصر المادة إلى تشخيصات منفصلة يلعب كل منها دور كون بأكمله. تلكم هي السمة المميزة للمادة، سمة الانفصام والتقوقع. إن تجاوز هذه السمة عمل خلاق ولا شك.
إلا أننا نشير إلى أن ذرائعية المادة زيَّنت لآليات اندماج عابرة، كالعلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى. فبقدر ما توفر تلك العلاقة مناخاً ملائماً لاستمرار الحياة فقد تنقلب في فترة معينة إلى عامل مُهلِك. إن انتشار الإيدز في عصرنا لهو أكبر دليل على تحول العلاقة المذكورة عن المهمة المنوطة بها إلى مهمة معاكسة هي محو الجنس البشري. تحدونا الرغبة لأن نؤكد أن مستقبل الحياة غير مرهون بهذا الجنس، وأن الحياة في طريقها إلى الأسمى قد تتجاوزه. أما الأسمى فهو المأوى النهائي للحياة حيث تنتهي المادة ولا تبقى إلا الطاقة. وإذ ذاك يتحقق كائن كلِّي موحَّد هو السعادة السرمدية بتحقيق "الفكرة" ذاتها أخيراً.
إن كان الإنسان كائن معرفة فيُفترَض في ورثته أن يكونوا عارفين فعلاً. لن يتم هذا التوريث إلا عبر ترشيح أخلاقي. فالمعرفة والقيمة صنوان؛ ولن تحقق الفكرة ذاتها إلا بتبني مبدأ الاصطفاء الأخلاقي، كما هو شأن مبدأي الاصطفاء الطبيعي والاصطفاء الصنعي. إن أي حديث عن الكلِّ الموحَّد لا يستقيم إلا بإعلاء شأن الآلية المذكورة كنهج ملزِم لسعي الفكرة إلى التحقق النهائي. باختصار، لن نجد مخرجاً من مفارقة paradox الاصطفائين الصنعي والطبيعي إلا بالسمو إلى مبدأ الاصطفاء الأخلاقي؛ ففيه تذوب كل عناصر العملية المعرفية وتندمج. تفيدنا نظرية رامزي في الرياضيات بأن كل مجموعة، مهما انطوت على عشوائية، فإنها – ولا شك – ستضم عناصر منتظمة. ويفضي تضخيم المجموعة إلى توسيع الحيِّز الخاص بتلك العناصر، بما يؤدي إلى احتلالها كلَّ مساحة المجموعة فيما بعد. كذا هو شأن الاصطفاء الأخلاقي الذي سيسهم، بالمثل، في مدِّ آثار الفكر المعرفي الأخلاقي. إن جبلَّة الكائن الكلِّي الموحَّد التالي هي من جبلَّة أرباب هذا الفكر. اختزل الحلاج هذه الحقيقة بقوله: "يا هو أنا وأنا هو؛ لا فرق بين أنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم."
إن منح الموضوعية العلمية مصداقية من درجة معينة يفرض، أولاً وأخيراً، موقفاً ذاتياً جوهره الإخلاص للحقيقة. فالمعرفة هي آلية الانعتاق من شوارد الصيرورة. نستخدم هنا مصطلحات ميتافيزيائية فنقول: إن السعي إلى الحقيقة مقدس؛ فلا غرو بأن نقبل الولاء للحقيقة. ولنلاحظ نفي المناهج المتضادة لهذه المقولة: فالفكر المادي والفكر الغيبي يتفقان على وجود قاع صخري هو نهاية المطاف – وإن يكن القاع مختلفاً في الحالين. قد يقوِّي الموقف
رد مع اقتباس