فعندما نذكر النور فأول ما يرسم في أذهاننا وفكرنا سبل الهداية الحقة ومعالم الفوز والفلاح ، هذا النور الذي يحمل في دلالاته
معان رحبة واسعة وسامية كلها طهر وقدسية وكمال وجلال ، ولقد ورد ذكره في محكم آيات الكتاب الذي هو نور منزل بنور وعلم الله العليم الحكيم ، بمرادفات لا حصر لها كالرحمة والهداية والطريق المستقيم والحق والحقيقة والكتاب والايمان والطهر والعلم والمعرفة والبصائر والكمال والجمال والجلال والحكمة وغير ذلك من المعاني السامية المطلقة التي تدل على الحق والحقيقة ، والنور هو حقيقة الانسان وقيمته الحقيقية في الحياة والوجود ، لذا نجد الاشارات المتضمنة في الآيات التي تصف النور نبضها أقوى كل علم أو وصف أو ادراك وما نعلمه بالضرورة من أخبار الغيب الذي نؤمن به وما تضمنته آيات جليلة ومحكمة المراد منها تقريب الفهم والمعنى للمتلقي تهذيبا وهداية لبصائره .
والعقل الدماغ عاجز عن الادراك والاحاطة بحقائق أسمى من ماديته بكثير لكن الله تعالى يلهمه نورا في بصيرته ، وبنور العقل نبصر الحقيقة ، ونور العقل هو الذي يجعلنا نهتدي الى الله ، ومن رحمة الله أن أودع فينا ما يقربنا اليه وهو مالك قلوبنا وواهبها الرحمة والشوق لما يحيينا بهذا النور .
ونور العقل لا يمكن انكاره الا من جاهل ، لأنه يتملك أعماق الانسان وملكاته ويتفاعل تفاعلا قويا حقيقيا نلمسه في الخشية والوجل والتوجه الى المولى ونحن ندعوه في خشوع بوجه خاشع بعين تفيض من الدمع وبقلب خافق وجسم مقشعر وسمع مرهف ولسان رطب بذكره سبحانه ، فكل ذرة فينا هيأها المولى عز وجل لهذا التفاعل مع الحق ومع هذا النور الذي به نبصر الحقيقة مبددا كل الحجب المستترة ، وهذا النور هو الذي يجعلنا نسمو عن غرائزنا ويبين لنا مكانتنا الحقيقية في الوجود ، اذ هذا النور لا يهدمه الموت وله استمرارية في الحياة البرزخية بعد الموت لأنه بهذا النور نستوعب الحقائق كاملة وهذا النور لا يكتمل الا بالايمان والتصديق ، والمؤمن قلبه حي بالايمان يفكر بنور وبصيرة ويسلك نهجا قويما في حياته متوجها الى الله في كل أحواله موحدا متآلفا رحيما خيرا مع عباد الله وخلقه .
يقول الله عز وجل في محكم كتابه العزيز ( يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير) الآية 8 من سورة التحريم
واذا تأملنا من حولنا نرى هذا النور المخلوق بصفاته المادية ونرى عجائب خصائصه وصفاته ومجالاته التي تفسر بالعلم ومن بين هذه الخصائص أن النور يملأ المكان ويعمه والنور يبدد الظلام واذا رأيت ثم رأيت في اطلالة على فضاءات واسعة مشرقة يعمها النور فستحس بسعادة غامرة تسري في أوصالك لأن القلوب بمعدنها تنشرح لهذا النور الغامر الذي ينقلك بالمشاهدة الى ما وراء حدودك المعرفية الدنيوية بمقاييسها العقلية وخلجاتها النفسية الى فضاءات أرحب وأوسع تسمو عن كل تقدير يحسمه العقل وكل نور يحيط به علم الخلق فهو مخلوق أما نوره فقد غمر الكائنات والخلائق وما سطع نور الا بظهوره سبحانه ، والعلم نور سبيله الايمان
وهذا النور المشع في العقل كلما أبصر وتعرف الى الحقائق المحيطة به
علم يقينا عظمة الله وقدرة الله ووجود الله ، وأزيلت الحجب المستترة والنور يستدعي النور حتى بلوغ درجة اليقين فالعلم اذا بلغ بالعبد جرده من كل مفقود وأيقن بالموجود وأدرك المعنى القائم من غير هوية
فما بلغنا عن الله هو الحق المبين والنور الذي يبدد ظلمات الجهل وهو سبحانه يخرجنا من الظلمات الى النور ويطهرنا ويزكينا ويبلغنا عظمة هذه الحقائق والتي ما هي في حقيقته الا كمال موجود ولا سابق ولا لاحق نسأله سبحانه رضاه عنا
فما أعظم هذه النعم التي نورت العقل والقلب فاستقامت على الحق
ولقد سأل بعض عباد الله الصالحين : ما السبيل الى معرفة الله ؟ فقال : ليس يعرف بالأشياء ، بل تعرف الأشياء به سبحانه
فالمحيط العلمي الآني تعيش أحواله صمتا مريبا ودخل في غيبوبة مزمنة بعدما اصطدمت علومه بعلوم استصعبت
واستعصت
عليه وهي علوم الجليل الذي أودع ألطافه ورحماته في أدق جزئيات الذرة وما دونها وأصيبت العقول
بارباك كبير وأصيبت دوائر العلوم بانفصام كبير وعجزت التفاسير عن التفسير واربكت العقول بكشف علمي
لما بدت جسيمات تأخذ ألوان مختلفة تشكلت بما أبدع الخالق فتتغير مواصفاتها بشكل لا يصدق في
مختبر العلم فالحتمية باقرار وارادة الله لأن الله تعالى لطيف خبير غمرها بعلمه المكين فلا يمكن أن يتنبأ العلم بشيء في
شساعة علم متسع بأنواره الجامع بحكمته لأسبابها المتباعدة بأنواره وعلماء الذرة عانوا من مضاهاة هذا العلم
الرهيب الذي لا يخضع للمختبر وذلك بأسراره الكامنة في محيط جزئيات الذرة التي ألف بين جزئياتها بعلمه المحيط وهذه
الكشوفات أمدت العالم بمخترعات لم يكن يحلم بها وخصوصا تقنية الصغائر أو تقنية النانو هي العلم الذي يهتم بدراسة معالجة
المادة على المقياس الذري والجزيئي ، وذلك من رحمة الله الذي دانت له الأشياء وقدرها بمقاديره لكن الناس
جحدوا بمن يسرها لهم بمنه وفضله وآثروا عدم معرفته ، لكنه مع ذلك بالناس رؤوف رحيم
فلم يبق للعلم أحبابي الكرام سوى سبيل وحيد ألا وهو الايمان بالله فتصفو مداركه من كل تعنت كتعنت أبلاس وغيره
في مضمار نظرياتهم المهزوزة والتي لم ترتوي من أنوار اليقين ، فهذا علم العليم الحكيم يا أحباب وأشهد بها يقينا فبشرى للناس جميعا برحمة
الاسلام المهداة للعالمين وهذا لأعده من الكشوفات الجلية وأنتم قاب قوسين أو أدنى من هذا الاعتراف الا من أبى وتعنت
بجهله وأحبط الله عمله ، فلم يبق الا الاعتراف والاغتراف من حقائق أنوار علم الله الذي أبدع جزئيات الذرة فما دونها
وغمرها بلطائف مشمولة برحمته فهو الممد لما ظهر ببديع خلقه ، فهو سبحانه الذي فطر خلقه من غير مثال سبق
وغمره بأنوار استشكلت على أهل الاختصاص في علوم متفرعة بما خفي بلطيف أنوار علمه وهو سبحانه الذي يزيد في الخلق ما يشاء