[align=center]الدرس الأول
إذا رجعنا إلي الوراء مئة و عشرة من الأعوام
آي قبل اختتام القرن التاسع عشر
لوجدنا أن الأوساط العلمية حينئذ كانت تتحدث عن الإشعاعات الغريبة الشأن التي أكتشفها العالم الفرنسي بيكوريل
و التي كانت تنبعث من تلقاء نفسها من بعض أملاح اليورانيوم
ثم ما لبثت مدام كوري و زوجها أن اكتشفا مادة الراديوم
و هي ذات إشعاعات أقوي من اليورانيوم بحوالي مليوني ضعف
و كان العلم في دهشة من هذه الإشعاعات الراديومية و التي تجعل الراديوم يتوهج في الظلام و ترفع من درجة حرارته
و سرعان ما أُدركت خواص تلك الأشعة القوية القتالة فاستخدمت للفتك لخلايا السرطان
و نظر العلماء إلي هذه الأشعة كدليل علي جبروت الطاقة المختزنة و التي تغلي في باطن المادة
و لكن كيف ؟
و علي آية صورة ؟
يرجع الفضل الأكبر في كشف حقائق هذا النشاط الإشعاعي إلي العالم الأنجليزى أرنست راذرفورد
الذي أدي إلي علم الطبيعة النووية خدمات متتالية جعلته يعتبر بحق أعظم عالم ذري تجريبي في هذا القرن
فقد أجري بمساعدة ( F.Soddy ) جملة تجارب أدت إلي أعلانهما عن حقيقة النشاط الإشعاعي
و طبقا لهذه النظرية تنفجر بعض ذرات المواد المشعة و ينبعث منها الحطام بقوة إلي الخارج
و قد وجدت أن هذه الإشعاعات ليست متجانسة
بل تشمل ثلاث أنواع سميت بالحروف : ألفا , بيتا , جامل
و هي الحروف الثلاثة الأولي في اللغة الإغريقية
و عند انفجار ذرة اليورانيوم مثلا
فإن ما بقي من الذرة يستمر في الانفجار
و يتتالى ذلك حتى تصبح الذرة المتبقية ذرة رصاص فتقف عن التفتت
و لم يكن للذرة تركيب معروف حينئذ
و كان العالم الأنجليزى ج.ج.تومسون مكتشف الإلكترون
قد أقترح بأن تتصور الذرة كأنها كرة من الكهرباء الموجبة تحمل في ثناياها الالكترونات السالبة التكهرب
كما توجد البذور داخل ثمرة التفاح أو البرتقال
و لكن هذه الصورة سرعان ما أهملت
إذ أن انبعاث جسيمات بيتا السالبة ( و هي الكترونات ) بسرعة كبيرة من داخل الذرات
– كما لاحظ العالم الألماني لينارد –
يدلنا علي أن الذرة معظمها فراغ
و كان أن وضع راذرفورد مرة أخرى في سنة 1911
و كان حينئذ في جامعة مانشستر
أساس الصورة التي مازالت في جوهرها سائدة حتى الآن
فقد أثبت بتجارب أجراها حينئذ
بأن الشحنات الموجبة في الذرة يجب أن يكون مركزها في حيز صغير جدا في وسط الذرة
و أن الالكترونات - ذات الشحنات السالبة – متحركة بسرعة حول النواة علي مسافات كبيرة منها
آي أن الذرة في مجموعها ليست سوي مجموعة شمسية مصغرة
تكون النواة فيها هي الشمس
و تكون الالكترونات فيها هي الكواكب التي تدور حولها
و كانت قوانين الحركة الطبيعية المعروفة حينئذ
تستلزم أن يشع الإلكترون ضوءا أثناء الحركة الدورانية
و ينتج عن ذلك اقترابه في حركته من النواة
و هكذا يستمر في أشعاع ضوء و الاقتراب من النواة تدريجيا حتى يلتصق بها
و تتلاشي شحنات الكهربية في الذرة و يتغير تركيبها
و هذا لا يتفق مع المشاهد عمليا
إذ أن المواد المركبة من ذرات تبقي دائما ثابتة في تركيبها لا تتغير أبدا
و كان من الواضح أن هذه الصعوبة ليس مرجعها نقص في صورة راذرفورد
و لكن النقص كان في تلك القوانين الطبيعية التي يجب أن يسير بمقتضاها الإلكترون
و في هذا الوقت الحرج في تاريخ العلم
( 1911 )
سافر شاب دنمركي ( نيلز بوهر ) إلي انجلترا للدراسة
و بعد أن قضي سنة في كامبردج
مضي إلي مانشستر حيث راذرفورد يواصل تجاربه و أبحاثه
و في سنة ( 1913 )
أقترح بوهر القوانين التي رأى أن يسير علي هديها الإلكترون بدلا من تلك التي كانت سائدة قبلا
و التي ما نزال حتى الآن نطبقها علي الأجسام التي نراها و نقابلها في حياتنا العادية كالعربات و الطائرات و ما شابه ذلك
فقد قال بوهر أن الالكترونات في حركتها لها قوانين خاصة بها
فالإلكترون مثلا يستطيع أن يدور حول النواة دائما أبدا دون أن يقترب من النواة أو يفقد جزءا من طاقته
وذلك في مسارات معينة حول النواة
و أنه إذا أنتقل الإلكترون من مسار إلي آخر من هذه المسارات المعينة
فإنه يفقد جزءا من طاقته علي شكل إشعاع ضوئي
إذا كان المسار الأخير أقرب إلي النواة
و أنه بعد هذا الانتقال يظل الإلكترون يدور في مساره الجديد دون أن يفقد جزءا من طاقته
و قد نجحت هذه الفروض نجاحا كبيرا في شرح الظواهر الذرية
و لكن لم يكن العلماء مستريحين تماما للطريقة التي وضع بها بوهر اقتراحه
بتحديد هذه المسارات المعينة التي يستطيع بها الإلكترون البقاء دائما أبدا دون إشعاع
فما هو السبب في وجودها ؟
نعم أنها نجحت نجاحا لم يكن متوقعا
و لكن حتى سنة 1924 لم يستطع أحد التوصل إلي معرفة الجواب علي هذا التساؤل
و كان يلزم للإجابة علي هذا السؤال نظرية وضعها عالم فرنسي هو " لويس دى بروجلي " في سنة 1924
أحدثت رجة كبيرة في الأوساط العلمية حينئذ
فقد لاحظ دى بروجلي
– و كان يعمل بمعمل عمه الذي كان يبحث في خواص الأشعة السينية –
أن خواص الضوء أمكن شرحها علي أساس الفرض بأن الضوء له خواص الموجات و خواص الجسيمات معا في وقت واحد
أي أن شعاعا ضوئيا متحركا نستطيع أن نشبهه بسيل من الجسيمات الصغيرة المتتابعة
و نستطيع أيضا تشبيهه بمجموعة من الموجات
و تساءل دى بروجلي
لماذا لا نفرض نفس الشئ لسيل من الجسيمات المادية – و لتكن من الالكترونات مثلا ؟
باعتبارها سيل من الجسيمات
و لماذا لا نفترض بأن له صفات موجية أيضا ؟
أليس الإلكترون في حركته يشيه حركة مجموعة من الموجات المتتابعة ؟
و قد أمكن لبعض العلماء التجريبيين التحقق من هذا الفرض و أثبتوا صحته علميا
و بذا أصبحت الخواص الموجية للجسيمات الصغيرة شيئا ثابتا بالتجربة
و قد أدى الفرض الجديد إلي زيادة فهمنا لحركة الالكترونات حول النواة و انتقالاتها
و حلت جميع مشاكل الالكترونات تقريبا علي أساس هذه النظرية
التي تسمي ب " الميكانيكا الموجية " [/align]