ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - الاعتراف الأخير
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-10-2005, 20:59
الصورة الرمزية no1
no1
غير متواجد
مشرف المنتدى العام ومنتدى التجارب ومنتدى الفيزياء النووية.
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,003
افتراضي مشاركة: الاعتراف الأخير

الاجتماع الحاسم والمفاجأة الهزيلة
في صباح يومٍ ممطر من أيام أيلول (سبتمبر) 1987 إتصل حامد يوسف حمادي السكرتير الشخصي لصدام بهمام (رئيس المنظمة) طالباً منه الإعداد لاجتماع عاجل في موقع التويثة برئاسته وحضور المعنيين بشؤون التسلح النووي. فكان له ما أمر، وعقد الاجتماع في قاعة في الطابق العلوي من مكتبة التويثة وترأس الاجتماع حامد وحضرهُ الفريق عامر السعدي ممثلاً شخصياً لحسين كامل وحضر الاجتماع من المنظمة همام وجعفر ونعمان وخالد ابراهيم سعيد (الذي كان يشغل منصب مدير مركز البحوث النووية آنذاك) كما حضر الاجتماع خضر حمزة. طلب حامد حمادي من عامر السعدي أن يعرض على المجتمعين خلاصة لتقرير مجموعة مشروع الحسين (مجموعة خضر حمزة) عن متطلبات برنامج التسلح النووي. فقرأ عامر السعدي بنبرة السخرية أن البرنامج يحتاج إلى تخصيص بليون دولار وإلى تعيين ثلاثمئة عالم من حملة الدكتوراه بتخصصات نادرة للعمل ضمن البرنامج الذي سيستغرق عشر سنوات بعد تأمين هذه المتطلبات لإنجاز البرنامج وتجهيز القنبلة النووية (قنبلة خضر حمزة/ محمد حازم صانع قنبلة صدام!). كان خالد ابراهيم سعيد يجلس قبالة عامر السعدي فتبسم ضاحكاً وقال بنبرة التحدي أنا أستطيع أن أنفذ البرنامج بأقل من نصف المدة هذه وبإمكانات مركز البحوث النووية الذاتية ومن دون أي تخصيص إضافي. عندها نظر جعفر إلى همام ونعمان متعجباً بينما ابتسم عامر السعدي بابتسامته المعروف بها وحوّل وجهه نحو حامد يوسف حمادي وقال: "المسألة انتهت... البرنامج عاد إلى المنظمة وننتظر التنفيذ من قبلكم وبما اقترحه خالد ابراهيم سعيد" وانفض الاجتماع المصيري بهذه العجالة بينما كنا معتادين حين مناقشة موضوع بسيط كتصاميم بناية لمشاريع الهندسة الكيميائية كان النقاش يبدأ بعد صلاة المغرب ولا ينتهي إلاّ عند أذان الفجر.
صدام مستقبلاً جعفر جعفر.
استدعى حسين كامل خضر حمزة وأمره أن يغادر فوراً ليلتحق بوظيفته السابقة هو وجماعته في منظمة الطاقة الذرية. فغادر مهرولاً ونسي أن يصطحب معه أوراقه الشخصية ومن بينها نسخة من تقريرٍ كان قد أعده لحسين كامل صبّ فيه جام حقده وغضبه على قياديي المنظمة بدءاً بهمام رئيس المنظمة وانتهاء بظافر سلبي مدير عام إدارة مجموعة البرنامج الوطني النووي (أي مجموعة جعفر) متهماً إياهم باحتكار الامتيازات وتجاهلهم باقي منتسبي المنظمة من أمثاله، علماً أن همام أمر موظفاً إدارياً بعد يومين أو ثلاثة للذهاب إلى مقر نقابات العمال وجلب ما تركته مجموعة خضر حمزة هناك حين غادرت مهرولة إلى موقع التويثة تحت مطرقة حسين كامل. فوقعت نسخة تقرير حمزة إلى حسين كامل بيد رئيس المنظمة واطلع وآخرون على ما تحتويه من تشنيع وافتراءات.
جعفر: انتقال المجموعة الأولى إلى خارج المنظمة
لم ننتظر طويلاً لنواجه إجراءات حسين كامل المباغتة إلينا فبعد أيام قلائل أصدر صدام أمراً بنقل المجموعة الأولى (G1) بكامل منتسبيها ومشاريعها ومعداتها من المنظمة إلى جهاز الأمن الخاص وبارتباط مباشر بحسين كامل.. غضب رئيس المنظمة همام من هذا التصرف التكتيكي الذي يتناقض مع استراتيجية المنظمة في أسلوب تنفيذ البرنامج النووي الوطني، غير أنني لم أُظهِر أي رد فعل، وعندما أظهر لي نعمان عدم ارتياحه من هذا القرار وتوقعه وصول قرارات أخرى على شاكلة هذا قلت له "نحن نعمل لإنجاح البرنامج ولا يهمنا الارتباط الإداري الذي يقرر لنا، وعلينا التركيز على الجوانب العلمية والفنية والمضي قدماً بمشاريعنا". لم يكن نعمان معتاداً على هدوء أعصاب مثلي ولكنه أيقن أن ليس بمقدور أحد أن يعترض على قرارات صدام فهو الآمر الناهي ومن لا يروق له ذلك فليشرب ما شاء من البحر.
جعفر: تأسيس البتروكيمياويات 3
لم يتوقف طموح حسين كامل في السيطرة على البرنامج النووي الوطني عند عتبة استيلائه على إحدى تكنولوجيات ذلك البرنامج بل أخذ يتحين الفرص للاستيلاء على البرنامج بأكمله. وجاءته الفرصة الذهبية مرة أخرى في النصف الثاني من عام 1988 عندما عرض رئيس المنظمة همام عبدالخالق على صدام تقدم العمل في البرنامج النووي الوطني فذكر أن ثمة تأخراً في خطة تجهيز ثلاث ورش تابعة لمنشأة عقبة بن نافع بالمكائن المتخصصة، وأشار في مذكرته إلى وجود عثرات ضمن خطة تنفيذ أبنية ومرافق موقع الطارمية المخصص للمرحلة الإنتاجية من برنامج التخصيب بطريقة الفصل الكهرومغناطيسي علماً أن هذا الموقع تنفذه الشركة الفدرالية للمشاريع المتخصصة (شركة حكومية يوغسلافية) بعقد مع منشأة عقبة بن نافع التابعة لوزارة الصناعة والتصنيع العسكري نيابة عن منظمة الطاقة الذرية. كان طبيعياً أن يحيل صدام حسين هذه المذكرة إلى حسين كامل بصفته وزير الصناعة والتصنيع العسكري وهي الوزارة التي اتهمها رئيس المنظمة بالتقصير. طار صواب حسين كامل حين قرأ المذكرة فهو يعتقد أن وزارته لا تخطئ ولا تتوانى في تنفيذ خططها، فأعاد المذكرة إلى الرئيس العراقي معلقاً: "إذا كانت معظم الفعاليات التصنيعية والإنشائية للمنظمة تتم في وزارتنا وإن كنا نحن سبّبنا التأخير فلماذا لا ينتقل البرنامج النووي الوطني بالكامل إلى وزارتنا كي نحكم سيطرتنا على حُسن تنفيذ فعالياته كلها ولا نكون الجهة الملامة في التأخير والتقصير". اقتنع الرئيس بمنطق حسين وأمر رئيس ديوان الرئاسة أحمد حسين خضير أن يترأس اجتماعاً للطرفين ويتوصل معهم إلى توصية تعرض عليه. وتم عقد هذا الاجتماع في تشرين الأول (اكتوبر) من عام 1988 وحضره من وزارة الصناعة والتصنيع العسكري الوزير نفسه ووكيل الوزارة الأقدم لشؤون التصنيع العسكري عامر السعدي والمدير العام للدائرة الفنية في التصنيع العسكري نزار جمعة قصير العاني والمدير العام لمنشأة عقبة بن نافع أحمد مرتضى أحمد والمدير العام لمنشأة الفاو عبد الفتاح بينما حضره من جانب المنظمة رئيسها همام عبدالخالق وكذلك المدير العام للمجموعة الثالثة المهندس ظافر رشيد سلبي (اضافة لحضوري شخصياً). وبعد أن افتتح الجلسة أحمد حسين خضير بدأ حسين كامل الحديث بانفعال وصوت عال صاباً جام غضبه على رئيس المنظمة همام عبدالخالق متهماً إياه بتعليق إخفاقات برنامجه على شماعة منشآت التصنيع العسكري فغدا الوضع متشنجاً وبدا واضحاً للجميع أن المنظمة قد خسرت في الجولة الأولى ولا تستطيع الصمود أمام حجج حسين كامل ومقترحه الذي بدا منطقياً في معطيات الحدث، وكان رد همام متشنجاً وضعيفاً وهكذا انتهى الاجتماع.
قرارات ومراسيم
في صباح اليوم التالي اتصل بي حسين كامل هاتفياً وأخبرني بصدور قرار صدام حسين بنقل البرنامج النووي الوطني بجميع مشاريعه ومنتسبيه ومعداته إلى وزارة الصناعة والتصنيع العسكري. وطلب مني بأن يستمر العمل كما هو عليه وأن يكون الارتباط في كل الأمور به شخصياً. وفي مطلع عام 1989 صدر مرسوم جمهوري بتأسيس كيان اسمه مشروع البتروكيماويات 3 وهو اسم وهمي برئاستي وفي الوقت نفسه تم تعييني في منصب وكيل وزارة الصناعة والتصنيع العسكري وأن يرتبط هذا الكيان بالوزير حسين كامل. وقبل أن ننتقل إلى قصة تقدم العمل في البرنامج ليصل إلى ما وصل إليه وما اكتنفه من مصاعب علمية وهندسية وتصنيعية كبيرة تم التغلب عليها واحدة إثر الأخرى بالجهد الخلاق والعمل الجماعي المنظم وبنكران الذات، نجد من الأهمية بمكان أن ندون هنا الجهد الخلاق الذي بذل لتأمين الحصول على التجهيزات اللازمة والحساسة من الأسواق العالمية المتاحة للجميع وما رافق ذلك من عراقيل وإجراءات للتغلب على المحددات الدولية والمراقبة المخابراتية العالمية المشدّدة وكيف تمكنّا من تجاوز هذه المحددات ببراعة لا تقل عن براعة البحث والتطوير والاختراع الذي أنجزناه خلال المسيرة الخلاّقة في تنفيذ البرنامج. لقد تم الحصول على المعدات والمكائن والتجهيزات من الأسواق العالمية بأسلوب التخفي والتمويه ومن خلال أغطية تكنولوجية مموهة وعبر قنوات تجهيز ثلاث هي: - قناة التجهيز من خلال دوائر وأقسام المشتريات في وزارات ودوائر الدولة، مثل الشركة العامة للمشاريع النفطية (سكوب) والمنشأة العامة للصناعات الكهربائية والمنشأة العامة للصناعات الهندسية الثقيلة. - تأسيس أقسام مشتريات وهمية في وزارات معينة تعمل خصيصاً لتجهيزات البرنامج النووي الوطني، لا سيما التجهيزات بالغة الحساسية وشملت هذه الأقسام مديرية الأجهزة الفنية والمديرية العامة للتجهيزات الصناعية وقسم الخدمات الهندسية. - تأسيس شركات وهمية ضمن القطاع الخاص لتتولى تصريف مشتريات البرنامج مثل شركة أحمد رشيد أحمد ومشروع تطوير الوحدات الصناعية وكنا نستعرض حاجتنا للمشتريات الخارجية فإن وجدناها تجهيزات اعتيادية نستوردها عبر قناة مشتريات الطاقة الذرية أما عندما نجد أن جهازاً ما أو معدة محددة متخصصة وقد تجلب الانتباه وتحرك جرس مراقبة الشركات المجهزة أو الأجهزة المخابراتية الدولية المعنية بمراقبة مشتريات العراق كنا ندرس مواصفات المعدة ونجتهد لإيجاد استخدام صناعي غير الاستخدام الحقيقي ضمن برنامجنا وعندئذ نحدد قناة المشتريات التي تتولى استيرادها، وعلى سبيل المثال أردنا استيراد نحو 210 مضخات تفريغ عملاقة من النوع الانتشاري لاستخدامها في إحداث تفريغ وتأمين استقراره بحدود 10-7 ملي تور ضمن وعاء الفاصلة الكهرومغناطيسية الإنتاجية وهو وعاء بحجم (10)متر مكعب لموقع الطارمية ومثلها لاحقاً لموقع الشرقاط. (اجتهدنا بأننا سنستخدم هذه المضخات ضمن مشروع صناعي لفصل حامض الأولييك من الزيوت النباتية.. ولكي نظهر صحة هذا التمويه أعددنا التصميم الأساس والتفصيلي لمنظومة إنتاجية لهذا الحامض وأعددنا برنامجاً تدريبياً نظرياً للمهندسين حول أسلوب تنفيذها ونصبها وتشغيلها كل ذلك كي يكون نقاشهم مع الشركة المجهزة مقنعاً انطلاقاً من مبدأ (الاقتناع قبل الإقناع) وفاتحنا العديد من الشركات المصنعة في دول مختلفة لشراء هذا العدد الكبير من المعدات وسافر مهندسونا المدرَّبون لمفاوضة الشركات المجهزة ووجدوا هناك أن برنامج تدريبهم النظري أعطى ثماره حيث استطاعوا محاورة الشركات المجهزة حول شكوكهم بعدم حاجة المنظومة الإنتاجية (التمويهية) لمضخات بهذه المواصفات وتمكنا من استيراد العشرات من هذه المضخات قبل أن نجابه بحجز 27 مضخة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنع الشركة المجهزة (CVC Products Inc.) من بيعها للعراق. وعندئذ حاولنا تصنيع مثل هذه المضخة بأسلوب الهندسة العكسية وتمكنا من تصنيع أنموذج تجريبي واحد. وحين أردنا استيراد زيت الفومبلين لاستخدامه في هذه المضخات وهو زيت يقاوم التعرض لغازات الهالوجينات مثل الكلور أو الفلور أو لمركباتهما وجد مهندسونا الموفدون لمفاوضة الشركات المجهزة صعوبة في إقناع المجهزين بضرورة استخدام هذا الزيت المتخصص جداً لمنظومة إنتاجية بسيطة مثل إنتاج حامض الأولييك فعلق مدير مبيعات إحدى الشركات المجهِّزة قائلاً: (إذا كانت لديكم مبالغ كثيرة لشراء زيت لا تحتاجونه لمنظومة صناعية بسيطة فهذا شأنكم ولابأس لنا من الاستفادة من فائض أموالكم) وعندها التزم مهندسونا الصمت لأن الغاية كانت شراء الزيت وبالكميات الكبيرة المطلوبة. وبأسلوب المشتريات هذا كنا نبذل جهداً ضائعاً كبيراً لجوانب خارج مسلكنا الأساس ولكنها كانت ضرورية ضمن مسلسل الغش والتمويه. غير أننا لم نكن موفقين في جميع مشترياتنا بهذه الطريقة فعندما أرادت المجموعة الرابعة المعنية ببرنامج التسلح النووي شراء أفران متخصصة لتستخدم في مصبوبات فلز اليورانيوم اتصلت عام 1989 بشركة كونسارك(Consarc Corporation New Jersey, USA) لشراء فرن من نوع شكل الجمجمة يعمل عند درجات حرارة عالية ولغيره من الأفران فكان المخطط المقرر أن تشترى من فرع الشركة في سكوتلاندا تحت غطاء تمويهي لاستخدامها في صب أطراف صناعية لمعوقي الحرب ولم نتمكن من الحصول عليها إذ تدخل البيت الأبيض الأمريكي ومنع عملية الشراء في حزيران من عام 1990. وحتى لو لم يحصل هذا المنع فلم يكن بمقدورنا تسلُّمها لأن إجراءات الحصار دخلت حيز التنفيذ بعد ذلك بشهرين إثر غزو صدام لدولة الكويت.
رد مع اقتباس