اقتراح هوكينج لتدارُك خطر زوال البشر!
جواد البشيتي
كاتب فلسطيني - الأردن
8/12/2006 – القدس العربي
نادرا ما يقبل عالم الكونيات البريطاني الشهير، والمُقْعَد، ستيفن هوكينج Stephen Hawking التحدُّث إلي وسائل الإعلام. لقد تحدَّث، قبل بضعة أيام، إلي هيئة الإذاعة البريطانية، فأعرب عن اعتقاده بأنَّ الجنس البشري مهدَّد بالزوال إذا لم يسارع إلي تطوير تكنولوجيا ووسائل نقل فضائية، تمكِّنه من استيطان كواكب "ملائمة" في مجموعات شمسية أخري، فليس في مجموعتنا الشمسية من الكواكب التي تلائم الاستيطان البشري.
والمشكلة الكبري التي لم تُحل حتي الآن، والتي لا بد من حلها تلافيا لكارثة كونية، أو من صنع البشر، يمكن أن تؤدي إلي زوال الجنس البشري، تكمن في عجز البشر العلمي ـ العملي، أو التكنولوجي، عن إيجاد بديل من الوقود الكيميائي التقليدي الذي يستخدمونه الآن قوة دفع لصواريخهم الفضائية، فالوصول إلي أقرب كوكب ملائم للاستيطان البشري بمركبات فضائية تستخدم مثل هذا الوقود يستغرق نحو 50 ألف عام!
وفي سعيه إلي البحث، أو إلي التشجيع علي البحث، عن حل ثوري لتلك المشكلة، تحدَّث هوكينج، مؤلِّف كتاب "تاريخ مختَصَر للزمن"، عن استخدام مركبات فضائية علي غرار "ستار تريك" Star Trek وعن سفينة النجوم الخيالية "انتربرايز" التي تَسْتَخْدِم قوة دفع تسمح لها بالسير في الفضاء بسرعة تفوق سرعة الضوء، فتَنْتَقِل "لحظيا" إلي الموضع الكوني الذي تريد. لم يَقُلْ هوكينج بقوة دفع كهذه؛ لأنَّ القول بها ينطوي علي انتهاك كبير لقانون فيزيائي من أهم قوانين نظرية "النسبية" لآينشتاين هو قانون استحالة أن يتخطي أي جسم، أو جسيم، أكان له كتلة أم لم يكن، في سرعته، سرعة الضوء، التي هي السرعة العظمي في الكون.
هوكينج انتقل، في حديثه النادر، من روايات الخيال العلمي، إلي بعض النظريات والحقائق الفيزيائية، في سعيه إلي إيجاد حل لمشكلة القوة الدافعة للصواريخ الفضائية، فأوضح أنَّ تطوير تكنولوجيا تسمح لنا بالإفادة من "الطاقة الخالصة" ـ المتأتية من تفاعل جسيمات المادة مع جسيمات المادة المضادة، كعملية تصادم الإلكترون وجسيمه المضاد البوزيترون ـ في الحصول علي قوة دفع لصواريخنا الفضائية تمكِّننا من السفر في الفضاء بسرعة تقل قليلا عن سرعة الضوء التي تبلغ 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
الحل الذي يتوقَّعه هوكينج يقوم أولا علي تكنولوجيا تسمح للبشر بالحصول علي "الطاقة الخالصة" مما يسمي عملية "الفناء المتبادل للمادة والمادة المضادة"، فهذا المَصْدَر من الطاقة هو، بحسب ما يأمل ويتوقع هوكينج، الذي يمكنه تزويدنا قوة الدفع الصاروخية تلك. ولكن، ثمة مشكلة أخري لا بد من حلها، إذا ما حللنا مشكلة "قوة الدفع"، هي أنَّ الوصول إلي كواكب ملائمة للاستيطان البشري يستغرق، ولو سافرنا في الفضاء بسرعة تقل قليلا عن سرعة الضوء، زمنا طويلا جدا.. مئات، أو آلاف، أو ملايين، أو مليارات، السنين، فكيف الحل؟!
الحل جاء به آينشتاين إذ اكْتَشَفَ، وإذ أقيم الدليل الفيزيائي ـ العملي علي صحَّة اكتشافه، أنَّ الزمن يتباطأ في مركبة فضائية تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء. ولا شك في أنَّ هوكينج المؤمِن بهذا الذي جاء به آينشتاين، أي "تباطؤ (أو تمدُّد) الزمن"، لا يري مشكلة في سفر الإنسان إلي كوكب يبعد عن الأرض مسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره مئات، أو آلاف، أو ملايين، أو مليارات، السنين.
هذه المقالة الصحافية لا تسمح لنا بالتحدُّث عن هذا الأمر إلا بالمختَصَر المفيد. وما سنقوله، في هذا المختَصَر المفيد، ليس من الخيال العلمي، في جوهره ومبدأه، فبعض التجارب الفيزيائية العملية أقامت الدليل علي صحَّته. إذا سافر إنسان في مركبة فضائية بسرعة قريبة من سرعة الضوء (290 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة مثلا) إلي كوكب يبعد عن الأرض مسافة يقطعها الضوء في زمن مقداره، مثلا، 10 ملايين سنة فإنه يستطيع الوصول إلي هذا الكوكب، والعودة منه إلي الأرض، في زمن مقداره، مثلا، 10 ساعات، بحسب ساعة هذا المسافر (التي تباطأ سير الزمن فيها).
هذا المسافر لم يَزِدْ عُمْره فعلا سوي 10 ساعات؛ ولكن عُمْر الأرض زاد بنحو 12 مليون سنة. مسافرنا هذا سيعود إلي الأرض ليجد أنَّ 12 مليون سنة قد مرَّت علي الأرض بينما هو زاد عمره 10 ساعات فحسب. معني ذلك أنَّ السفر في الفضاء بسرعة قريبة من سرعة الضوء يسمح لأي إنسان شاب أن يصل إلي كوكب يبعد عن الأرض أكثر مما تبعد الشمس بملايين المرات قبل أن يشيخ أو يموت، فالسفر الفضائي بمثل هذه السرعة يطيل، ويطيل كثيرا، عُمْر الإنسان المسافر بالنسبة إلي سكان الأرض وليس بالنسبة إليه. هو سيعيش، مثلا، 70 عاما بحسب ساعته؛ ولكنه، بحسب ساعة سكان الأرض، عــــاش، مثلا، ملايين السنين!