نحن أدرى
أيها الحادي الذي يحدو القوافل **** أنت ماضِ ، وجدير أن تواصل
أسمع الصحراء صوتاً أنجشياً **** صافياً يلهبُ أخفاف الرواحل
وبه تمنحنا الراحة ظلاً **** وبه تُطوى من الدرب المراحٍل
أيها الحادي ، أدرُ شدوك فينا**** نغماً يوقظ أحلام الغوافل
صوتك العذب يُرينا كيف تهفو **** مقل الرمل ، وأهدابُ المنازل
صوتك العذبُ غناء يتلاشى **** عنده تغريد أصوات البلابل
كلما أنشدت لحناً ، خلت أني **** أمسح النجم بأطرف الأنامل
وأناجي قمر الليل وأبني **** فوقه صرحاً ، وأبراج فضائل
وأرى دائرة النور أمامى **** غرةً بيضاء في جبهة صاهل
وأرى الأنجم عقداً لؤلؤياً **** ما له في عالم الدر مماثل
أيها الحادي ، تألقت فرفقاً **** بالقوارير وربات الخلاخل
خفف اللحن الذي أصبح سحراً **** يتسامى وصفه عن سحر بابل
أيها الحادي على لحنك سارت **** خيلنا الدهم الكريمات الأصائل
لم نزل نُركضها في خير أرض **** صانها الرحمن من ضرب الزلازل
لم نزل نسقي رمال البيد غيثاً **** من سحاب ، عبرت عنه الجداول
لم نزل في رحلة الحب سوياً **** نقطع البيد ونجتاز المجاهل
ربما يعذلنا من ليس منا **** والفتى الواثق لا يخشى العواذل
نحن ما زلنا على درب هُدانا **** نرشد الناس وندعو ونحاول
لا نبالي بخفافيش ظلام **** بل نناديها وغيثُ الحب هاطل
يا خفافيش ظلام الليل ، إنا **** قد عرفنا كل ما تُخفى الحواصل
عجباً كيف وهمتُم ، أنسيتم **** أن بحر الوهم لا يلقاه ساحل؟
لجةً مظلمة يغرق فيها **** كل مجنونٍ ومخدوع وعاطل
يا خفافيش ظلام الليل إنا **** لم نزل نحمل في الليل المشاعل
ما وجدنا حيرة لما انطلقنا **** بل عرفنا كيف نمضي ونواصل
نحن لم نجنح عن الحق ولكن **** جنح الواهم واللص المخاتل
دارتِ الدنيا بنا حتى ثبتنا **** وورثنا بالهدى مجد الأوائل
وعرفنا لغة التجديد لكن **** دون أن نفقد روحا أو نجامل
أرضنا مهبط وحي الله فيها **** جمع الإسلام أشتات القبائل
هذه كعبتنا مهوى قلوب **** شوقها يغلي كما تغل المراجل
ركنها والحجر الأسود فيها **** والمصلى والحمامات الزواجل
صورةً تختصرُ الكون وتمحو **** من قلوب الناس آثار الغوائل
يا خفافيش ظلام الليل مهلاً **** سرجكم في ساحة الميدان ما ئل
شرقوا أو غربوا إنا ورثنا **** من تعاليم الهدى خير الشمائل
ورثنا من كتاب الله علماً **** كل علم بعده تحصيل حاصل
ويلكم كيف نسيتم أن ديني **** هو نبع الخير والأرض خمائل ؟
انما يحفظ حق الناس دين **** يَرِدُ الناس به اصفى المناهل
وبه يحفظ حق لضعيفٍ **** وبه يُطعمُ مسكين وعائل
وبه ترفع راياتُ بلادي **** وبه تُعرف أحكام النوازل
إن من أعظم ما يرعى حقوقاً **** لبني الإنسان ان يُقتل قاتل
ان ترى كفُّ الذي يسرق حدا **** صارماً يحمي من اللص السنابل
أن يرى المجرمُ سيفاً حيدرياً**** مشرقاً يلمع في قبضة عادل
أن ترى الأمة ما يحمي حماها **** من هوى باغِ ومن زلة جاهل
أن يرى من يهتك الأعراض ظلما **** كيف يحمي الرجمُ أعراض الحلائل
ان يرى من يقذف الناس بفحش **** أن حد القذف يحمي عرضَ غافل
في القصاص الأمنُ من سطوة باغ **** وبه تُطفأ نيران القلاقل
صورة مُحكمة النسج ودين **** واضح تسمو به الأرواح كامل
عجباً ممن يرى في التمر جمراً **** ويساوي بين مجنون وعاقل
ويرى أن العصا مثل حسام **** ويساوي بين سحبان وباًقل
كيف يرعى من حقوق الناس شيئاً **** ومن يناديهم إلى وحل الرذائل؟
ويرى حرية الناس انحلالا **** وانحرفا عن موازين الفضائل
عالم الغرب الذي يُطلق فينا **** كل يوم صرخة من فم صائل
لم يزل يسبح في بحر المعاصي **** وعلى شطآنه تجري المهازل
لم يزل ينهشنا لحماً وعظماً **** ويُرينا كيف يجتز المفاصل
عالم الغرب اختراعات عقول **** أصبحت في خالق الكون تجادل
يَزنُ الأمر بميزانين هذا **** راجح في الوزن والآخر شائل
وكأن الهيئة الشمطاء فيهم **** ناقة مسمولة العينين حائل
كيف نرجو من فتىً يأبى التزاما **** بفروض الدين تطبيق النوافل؟
ما قلوب الناس إلا كبقاع **** بعضها معشوشب والبعض قاحل
كم قلوب كزهور الروض حباً **** وصفاء وقلوب كالجنادل
أيها الماضون في درب الدعاوى **** دربنا يُسقى من الخير بوابل
نحن أدرى في مملكة أشرق فيها **** فجر دين الله يجتاز الحوائل
نحن أدرى بحقوق الناس هذا **** ديننا يدفع عنها ويناضل
ديننا للدين والدنيا نظام **** جامع مستوعب للكون شامل
ديننا صرح من الخير متين **** تتهاوى دونه اعتى المعاول
ديننا اثبت من قنَّة رضوى **** كل دين غيره في الأرض باطل
راية التوحيد إعلان صريح **** وجواب عندما يسأل سائل