وقال أنس بن مالك رضى الله عنه : خدمت النبى r عشرة سنين ، فما قالى لى يوماً هلا فعلت كذا ، ولم يقل لى يوماً لما لم تفعل كذا ، وما قال لشئ حدث ، ليته ما حدث ، وما قال لشئ ما حدث ، ليته حدث...ولقد كان بعض أهل النبى وزوجاته يلوموننى على شئ أفعله، فيقول لهم النبىr دعوه، فلو قضاه الله لما كان.
أرح نفسك من الهم بعد التدبير... فما قام به غيرك عنك ... لا تقم به أنت لنفسك . فالمؤمن الحقيقى لا يفرح بدنيا تصيبه ، ولا يحزن على فواتها ، ولكنه يفرح بالطاعة ، وتحزنه المعصية .. فكل ما فاتك من الله سوى الله يسير ، وكل حظ لك سوى الله حقير (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ يَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس:58 ، كل ما فاتك من الله سوى الله يسير ... وكل حظ لك سوى الله حقير
كما قال النبىr: " إذا سرتك الطاعة ، وساءتك المعصية فأنت مؤمن "
نسأل الله تبارك وتعالى أن نكون ممن تسرهم طاعتهم ... وتسوءهم معصيتهم . وفى الحديث القدسى : ( أبن آدم ، تفرغ لعبادتى ، املأ صدرك غنى وأسد فقرك ... وإلا تفعل ، ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك )
وقد قال الله تعالى وهو يخاطب النبىr
لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه :132 ..(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) هود:6
فالغد أمرة بيد الله ، وليس للأنسان من أمره شئ فأنه قد يأتى الغد وهذا الأنسان ليس من أهل الدنيا ، فالموت قريب منا جميعاً ،ويجب أن نؤمن إيماناً راسخاً بأن الله تبارك وتعالى لا يقضى إلا بالحق (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فما يقضية الله للأنسان هو الخير ...
أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان ما يكفيه ، فقد قدر الله الأقوات من الأزل قبل خلق السموات والأرض ، ولكن الأنسان دوماً يطلب المزيد ، وهو لا يعرف ما يفعل به المزيد ، فحين يختار الله الغنى أو الفقرلإنسان ما ، فأنه يختار له ما يصلحه ولكن الأنسان لا يعلم ذلك .
وقال الله تعالى فى الحديث القدسى ( إن من أستسلم لقضائى ، ورضى بحكمى ، وصبر على بلائى بعثته يوم القيامة مع الصديقين )
[GRADE="000000 2E8B57 32CD32 FFFFFF 008000"]ومن النماذج الرائعة يا أخوانى فى الرضا بقضاء الله وقدره هو الصحابى الجليل عمران بن حصين ، عمران بن حصين أحد الصحابة الذى أشترك فى غزوات كثيرة فى عهد النبى r، وبعد وفاة النبى r جاءه شلل نصفى ، فرقد على ظهره ثلاثون سنه لا يتحرك ، حتى أنهم نقبوا له فى السرير حتى يقضى حاجته ، فدخل عليه بعض الصاحبة ، فلما رأوه بكوا ، فنظر إليهم وقال : أنتم تبكون ، أما أنا فراضى ، أحب ما أحبه الله ، وأرضى بما أرتضاه الله ، وأسعد بما أختاره الله ، وأشهدكم أنى راضى . " أحب ما أحبه الله ، وأرضى بما أرتضاه الله ، وأسعد بما أختاره الله"
قال النبى r "إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتى أجنحة ، فيطيرون من قبورهم إلى الجنان ، يسرحون فيها ويتنغمون فيها كيف شاءوا ، فتقول لهم الملائكة هل رأيتم الحساب ؟ فيقولون ما رأينا حساباً ، فتقول لهم الملائكة : هل جزتم الصراط ؟ فيقولون ما رأينا صراطاً ، فتقول لهم: هل رأيتم جهنم ؟ فيقولون ما رأينا شيئاً ، فتقول الملائكة :من أمة من أنتم ؟! فيقولون من أمة محمد r ،فتقول الملائكة : نشدناكم الله
حدثونا ما كانت أعمالكم فى الدنيا ؟! فيقولون خصلتان كانتا فينا ، فبلغنا هذه المنزلة بفضل رحمة الله ، فيقولون : وما هما ؟! فيقولون كنا إذا خلونا نستحى أن نعصيه، ونرضى باليسير مما قسم لنا، فتقول الملائكة : يحق لكم هذا.
أن الأيمان عبارة عن التصديق بالغيبيات ، والرضا بالقضاء والقدر ، فنحن لم نر الله ، ومع ذلك نؤمن به ، ونصدق بوجوده ، وطالما رضينا بالله ربا ، فأنه له الحكم وله الأمر ، وله التصريف وله التدبير ، فلا يمكن أن يصدر حكمه أو أمره أو قضاءه إلا عن حكمة ، وإن خفيت عنا . إن أمنا بالله حق الإيمان فلا شك أننا سنرضى بكل ما يأتينا من قبل الله تبارك وتعالى .
فيجب علينا أن نستسلم لقضاء الله سبحانة وتعالى وأن نرضى بحكمه. وقال رسول الله r : إن العبد يجمع فى بطن أمه نطفة أربعين يوماً ، ثم علقة أربعين يوماً ، ثم مضغة مثل ذلك ، ثم يأتى ملك الأرحام فيحملها على كفه فيقول : يارب ، مُخلقة أو غير مُخلقة؟ فإن كانت مُخلقة أمر بكتابة أربعة أمور : أجله ، رزقه ،أثره ، شقى أم سعيد
فماذا نحن فاعلين وقد قدر الله تعالى كل شئ وكان له الأمر من قبل وبعد . فماذا بقى للأنسان بعد هذه الأربعة ؟! لم يبق إلا النية الصالحة والعمل الصالح ، وذكر الله عز وجل واللجوء إليه فى كل وقت وحين . (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف:54[/GRADE]