ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - علماء العرب والمسلمين , في قنبلة المواضيع لأخو عياش "متعوب عليه يستحق القراءة "
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12-04-2007, 04:51
الصورة الرمزية البالود
البالود
غير متواجد
المراقب العام
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 8,801
افتراضي رد: علماء العرب والمسلمين , في قنبلة المواضيع لأخو عياش "متعوب عليه يستحق القراءة "

~*¤ô§ô¤*~العسكرية الإسلامية ~*¤ô§ô¤*~

قصص لها دلالتها:


في معركة القادسية فوجىء المسلمون في اليوم الأول للمعركة بظهور الفيلة في مقدمة جيش الفرس ،وكانت الفيلة بحجمها وصراخها المرتفع تخيف خيول المسلمين فتتراجع الخيل أمامها، وبسرعة خاطفة تشاور قادة المسلمين، وأعدوا خطة للتغلب على الفيلة، فجاءوا في مقدمة جيشهم بجمال ضخمة وربطوا كل جملين معا وكسوهما بثوب واحد حتى بدت الجمال كأنها وحوش هائلة، وأخذ الرماة على الجمال يصوبون سهامهم الى عيون الفيلة، فأصيبت الفيلة بالذعر فألقت بالجنود من فوقها وعادت وهي تدهس كل من في طريقها من جنود الفرس، وبهذا انقلبت الهزيمة الى نصر.

ومن أشهـر الخطط العسكرية في التاريخ والتي مازالت تدرس حتى اليوم في كليات أركان الحرب، ما فعله محمد الفاتح في فتح القسطنطينية، فقد وصل بسفنه المحملة بالمدافع الضخمة إلى مضيق الدردنيل، فوجد أن البيزنطيين قد سدوا المضيق بمجموعة من السلاسل الضخمة التي تمتد بين الشاطئين تمنع السفن من العبور ولكن هذا لم يفت في عضد هذا القائد العبقري ولم يوقف تقدمه، فقد قرر أن يقوم بأكبر عملية نقل أسطول بحري في التاريخ وقام الجيش كله بسحب السفن على أعمدة خشبية وضعها على البر، والتف من خلف السلاسل ونزل الأسطول في البحر مرة أخرى وفوجىء البيزنطيون بحركة الالتفاف التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ كله، فلأول مره في التاريخ العسكري يجرؤ قائد على نقل سفنه البحرية بما تحمله من مدافع ثقيلة ومؤن وعتاد، ويصعد بها قمة الجبل، ثم يهبط بها الي البحر ليواجه عدوه، وكانت نتيجة المفاجأة ان سقطت المدينة في قبضته بأقل الخسائر..

فهذه القصص تدلنا بوضوح على أن تفوق المسلمين الحربي وانتصاراتهم التاريخية لم تكن نتيجة الحماس والشجاعة وحدهما، ولكن كان هناك تنظيم وترتيب، وكان هناك تخطيط ومكيدة، وكانت هناك خبرة بفنون الحرب


العسكرية الإسلامية عقيدة وعلم


العسكرية الإسلامية.. تلك الظاهرة التي ولدت عملاقة، فلم تمر بمراحل التطور الطبيعية، والتي حيرت المحللين العسكريين، وكتاب التاريخ في كشف اسرارها.

لقد كانت شعوب العرب جماعات غير منتظمة ولا مدربة من بدو الصحراء ومع ذلك فقد تفوقوا فجأة على أعتى جيوش العالم في عصرهم،وأكثرها تدريبا وأحسنها سلاحا وعددا.

كان تعدادهم لا يزيد عن واحد إلى عشرة من تعداد عدوهم في أكثر المعارك ، وكان سلاحهم بدائيا في صنعه ومعدنه،وكانت ملابسهم مهلهلة ، فهي أقرب إلى ملابس البادية منها إلي عدة الحرب، ومع ذلك فقد هزموا جنود الفرس والرومان الذين كانوا مدججين بأحدث الأسلحة من قمة رأسهم إلى أخمص قدميهم، وكانوا متخمين بأطيب الطعام، ويغدق عليهم ملوكهم الأموال بغير حساب، حاربوا جيوش الإمبراطوريتين في وقت واحد وهو أمر يخالف أبسط القواعد العسكرية، ولم يكتفوا بمواجهتهم في المعارك البرية التي عرفوها بل طاردوهم في البحر الذي لم يعرفوه أبدا، وانتصروا عليهم في (ذات الصواري) وأسروا أسطولهم البحري الذي لم يذق طعم الهزيمة قبل ذلك أبدا فتعال ننظر بالتحليل العلمي ما هو سر هذه العسكرية الإسلامية، وكيف انتصر الحفاة العراة الجياع رعاة الشاة علي أعظم إمبراطوريتين في عصرهم في معارك خاطفة وحاسمة، وما هي عوامل النصر.؟

تقوم العسكرية الإسلامية على عنصرين هامين لا يستغنى عن أحدهما على حساب الآخر.. العقيدة والعلم ، فلا ريب أن للعقيدة الإسلامية الفضل الأول في التفوق العسكري لدى المسلمين الأولين.. فأهم سلاح للجندي المقاتل هو معنوياته، وكثيرا ما يرى الإنسان رجلا صغير الجسم ضعيف البنية. ولكنه قوي العزم والإرادة، فيهزم رجلا أعظم منه بدنا وأكثر وزنا ، وقوة ولكنه فاقد العزم والإرادة، وقد لعبت العقيدة الإسلامية دوراً كبيراً في الفتوحات الإسلامية الكبرى لم تلعبه أي عقيدة قبلها أو بعدها، وذلك لأنها العقيدة الوحيدة التي تربط بين الدين والدنيا، وتجعل للمجاهد في سبيل الله إحدى الحسنيين.. إما النصر والعزة في الدنيا، وإما الشهادة والجنة في الآخرة، وقد حرص الإسلام على تربية أبنائه على روح الثقة بالنفس، والثقة بالنصر، فكان يقول لهم "وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " وحذر جنود المسلمين من روح الهزيمة والتقهقر، إلا أن يكون منحازا إلى فئة، و متحفزا لقتال ،وهو يجعل الموت أمرا هينا ما دام في سبيل الله وفي طاعة أوامره، فإن من ورائه حياة أخرى أعظم وأفضل من حياة الدنيا.



مفهوم الحرب في الإسلام
أو العقيدة العسكرية الإسلامية:


ملحوظة هامة ... الجانب الشرعي الذي ضمنه كاتب المقال و هو الدكتور محمد خضر من جامعة عمان بالأردن لم يذكر مصدره و لذلك فهو رأيه الذي يؤمن به و أنا شخصيا لا أدين لله به و إنما أنشره امانة و ليس هو الهدف الأصلي من نشر البحث ... و هذا أيضا لا يعني اعتراضي عليه لكن بعض كلامه في الجانب الشرعي لا أعتقد صحته ... راشد


من المهم هنا قبل أن نتكلم عن العلوم العسكرية في الإسلام أن نشرح نظرة الإسلام إلى الحرب، ونلخص هذا المفهوم في عدد من النقاط الرئيسية: ــ

أولا
أن السلام هو الغاية والهدف.. والحرب إحدى وسائل تحقيق السلام وفي ذلك يقول القرآن الكريم.
- "ادخلوا في السلم كافة" البقرة 208
- "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" الأنفال 61.
- "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" النساء90.

ثانيا
أن الحرب في الإسلام نوعان:

1- دفاعية: لحماية أرض المسلمين وعقيدتهم، وفي ذلك يقول القرآن:
ـ "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " البقرة 194
- "ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة "واحدة "النساء 102 ) .
ـ وخذوا حذركم ".
- "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" الحج 39"
2 - هجومية: وليس الهدف منها الغزو والاستعمار وقهر الشعوب أو إكراه الأمم على اعتناق الدين، ولكن الهدف تحرير إرادتها وحريتها لكي تختار الدين الحق.. دون قهر من الحكام أو الغزاة وفي ذلك يقول تعالى:
- "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".
- "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " البقرة 25 .

- ثالثا: أن الشدة في القتال لا تعني القسوة ولا الوحشية ولا الظلم، فقد أمر المسلمون بالشدة في القتال بمعنى العزم والحزم وعدم التراجع فقال: "ولا تولوهم الأدبار".
"حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " محمد 47
" جاهد الكفار و المنافقين واغلظ عليهم ".
وفي نفس الوقت أمروا بالرحمة والعدل والرفق بعد الانتصار فقال تعالي:
"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
"فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها".
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ".
"ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ".

كان هذا هو الجانب العقائدي تحدثنا عنه بإيجاز شديد وبقي الجانب الآخر الذي هو موضوعنا الرئيسي من هذا البحث وهو الجانب العلمي من العسكرية الإسلامية.

فعندما نزل أمر الله للمسلمين بالجهاد.. لم يكلهم إلى عقيدتهم وحدها، ولم يكتف بمعنوياتهم العالية، بل قال لهم (وأعدوا) والأمر بالإعداد هنا لا يقتصر على السلاح وحده.. بل يشمل التنظيم الشامل المتواصل للحرب ماديا ومعنويا، وابتداء من تعليم الضبط والربط والنظام، إلى التدريب المتواصل على كل الأسلحة، إلى دراسة الخطط الحربية إلى معرفة جغرافية المناطق والمواقع.. ثم الحرص على الأسلحة الحديثة والمتطورة والتدريب عليها.. ومنذ اللحظة الأولى لنزول الأمر بالجهاد.. ابتدأ الرسول صلى الله عليه و سلم يعلم أتباعه ويعدهم للانطلاقة الكبرى لنشر الدين في أقصى بقاع الأرض بل كانت تعاليمه صلى الله عليه و سلم بمثابة مدرسة لتخريج القادة العظام لا من جيله فحسب بل على مر العصور والأجيال.



النظام و الانضباط في الجيوش الإسلامية



كان بدو الصحراء لا يعرفون النظام.. ومن الصعب عليهم أن يقفوا في صف احد.. أو صنع طابور.. فجاء الإسلام ليربيهم تربية جديدة فيها النظام وفيها دقة المواعيد.. وفيها الطاعة والضبط والربط فأمرهم بالوقوف في صف واحد للصلاة.. الكتف في الكتف والقدم بجوار القدم لا يتأخر أحدهم عن أخيه ولا يتقدم، وينذرهم بأن (الله لا ينظر إلى الصف الأعوج) أي أن الصف كله يتحمل وزر من يخالف النظام من أعضائه، وعلمهم المحافظة على المواعيد، إلى حد الدقيقة والثانية فإذا أذن المؤذن للصلاة لا يتغيب أحد ولا يتقاعس أحد، ولو كان تجارة أو طعام لانفضوا عنه لكي يستجيبوا إلى داعي الرحمن وإقامة الصلاة، ومن هنا فقد تعلم جنود المسلمين الضبط والربط ودقة المواعيد لأن هذه كلها من أصول العبادات ومن أوامر الدين التي يؤدونها كل يوم خمس مرات في حياتهم اليومية..

ولا يقتصر هذا الانضباط في الإسلام على فريضة الصلاة وحدها، بل إن كل فرائض الإسلام الأخرى من حج وصوم وزكاة.. تربي المسلم على معنى الانضباط والالتزام.

وبفضل هذه التربية لم يكن من الصعب على قادة المسلمين إعداد الجيوش في أيام معدودة، أو تجميع الإمدادات وإرسالها أو تحريك الكتائب لمباغتة العدو في فترات قياسية، ففي الجيوش العادية يجازى من يتخلف عن التجنيد بالغرامة أو السجن، أما في جيوش الإسلام، فإن الجزاء أشد من ذلك بكثير، إنه خسارة دينه ودنياه، وحرمانه من نعيم الجنة، وتحضرنا هنا قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن نداء الجندية في عهد الرسول.. بغير مرض ، ولا عذر قاهر، فلما اكتشفوا هول الخطأ الذي ارتكبوه في حق دينهم ودعوتهم وابتعد عنهم الناس وقاطعوهم حتى زوجاتهم وأولادهم، فضاقت بهم الدنيا بما رحبت ولم يجدوا ملجأ من الله إلا التوبة له.. وكادوا أن يهلكوا لولا أن نزل عليهم أمر الله بالعفو والغفران وإنذارهم ألا يعودوا لمثلها أبدا، فكانت تلك الحادثة قدوة وعبرة للأجيال من بعدهم ألا يتخلف احد عن داعي الجهاد، ولا يتأخر.

ومع مضي الزمن، وتطور الحروب الإسلامية والفتوحات كان النظام والطاعة من العوامل الرئيسية في انتصارات المسلمين، فكان الجندي المسلم لا يستطيع أن يخالف قائده أو يعصي أمره، أما القادة فكانوا فيما بينهم مثال، التواضع والزهد في المناصب، والبعد عن الغيرة الشخصية وجو الدسائس ،وعندما حاصر المسلمون مدينة القسطنطينية على عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك وهو الحصار الذي استمر شهورا متوالية.. كان في الجيش جميع أمراء بني أميه.. ومنهم المرشحون للخلافة، ومع ذلك فقد كان القائد يعاملهم كأي، جندي عادي.. ويوقع عليهم من المسئوليات والواجبات بل وأيضا العقوبات كأي جندي آخر.. وهذا مثال راق لما وصل إليه المسلمون من الضبط والربط.



نظام التجنيد.. والديوان:


عندما ابتدأت الدعوة الإسلامية إلى الجهاد كانت الجندية تطوعا وامتحانا للعقيدة والإيمان، ثم تحول التطوع إلى واجب والتزام لا يجوز لمسلم مهما كان عذره أن يتخلف عنه إلا أن يكون واحدا من ثلاثة حددهم القرآن في قوله تعالى:
" ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج "الفتح 17"

فالمرض المزمن مثل أمراض القلب والرئتين وكذلك العمى والعرج أوالمقصود بالأعرج كل صاحب عاهة تمنعه عن القتال، هذه هي الأسباب الثلاثة الوحيدة التي تعفي من التجنيد في الإسلام ومازالت هي نفس الأسباب في عصرنا الحديث، وطبيعي أن يكون السن شرطا آخر وقد حدد بخمسة عشر عاما وكان الرسول يرد من هو أصغر من ذلك، أما كبر السن فلم يكن له حد لمن أراد تطوعا.

وعندما تولى عمر الخلافة وتوسعت فتوح الإسلام أصدر أول أمر بالتجنيد الإلزامي فقال في خطابه إلى ولاة الأقاليم لا تدعوا أحدا من أهل النجدة ولا فارسا إلا جلبتموه فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه " ،وهكذا لم يكن يعفي من التجنيد في دولة الإسلام إلا غير المسلم لأن أهل الذمة معفون من الجندية، ولم يكن التجنيد إلزاميا للمرأة، ولكنه حق لها إذا وافق زوجها، فكانت نساء الصحابة يشاركن مع الرجال في الفتوحات الإسلامية الأولى.. فشاركن في فتوح فارس والشام ومصر بل شاركن في معارك البحر في ذات الصواري، وكان عمل المرأة تجهيز السلاح ومداواة، الجرحى وطهو الطعام ورعاية الخيل، فإذا احتاج الأمر شاركت في القتال الفعلي.

وكان يجري إحصاء الجند وتسجيلهم في ديوان الجند، وبموجب الديوان يعطي الجند أعطياتهم ما داموا على قيد الحياة، فإذا استشهد الجندي ينقل ديوانه إلي أهله.

وكان من وسائل الإحصاء في الجيوش الإسلامية أن يمر كل جندي أمام قائده أو رئيس وحدته.. فإذا وقف أمامه رمى بسهم من كنانته في مكان معين وبعد انتهاء المعركة يعاد العرض ليأخذ كل جندي سهما.. فالأسهم التي لم يأخذها أحد تبين عدد الشهداء والجرحى،وكان الجند في الجيش الإسلامي نوعين:
جنود محترفون ونظاميون وهؤلاء لا عمل لهم سوى القتال، ويصرف عطاؤهم من بيت المال علاوة على أسهمهم من الغنائم، وجنود متطوعون يلحقون بالجيش من البوادي والأمصار والبلاد المفتوحة (من المسلمين) ويتم تجنيدهم أثناء الفتوحات والقتال ولهم نصيب من الغنائم ولكن ليست لهم رواتب .

وكان عدد الجند في أواخر عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ثلاثين ألفا من المشاة وستة آلاف فارس وفي عهد أبي بكر وعمر بلغ 150.000 ثم زاد العدد باطراد الفتوحات وتوسعها، فيذكر ابن خلدون أن الخليفة المعتصم قد غزا عمورية بجند عدده 900.000 أي قرابة المليون.

والمسلمون أول من ابتكر نظام الدواوين والإحصاءات وكلمة الديوان عربية انتقلت عن العرب إلى أوروبا وما زالت حتى اليوم مستعملة وهذا دليلا على فضل الحضارة الإسلامية.


الاستخبارات والتجسس:

لقد برع المسلمون في الاستخبارات وكان القائد المسلم قبل أي معركة من المعارك الحاسمة يحرص على أن تكون لديه حصيلة وافية عن قوات العدو وأرضه، وقيادته وطباعه وعاداته، وكان هذا أحد أسرار الانتصارات الإسلامية الكبرى، والقرآن الكريم يذكرهم بأهمية الاستخبارات فيقول تعالي

- "يأيها الذين آمنوا خذوا حذركم " النساء71


ثم أورد الكاتب بضع آيات لا أدري موضع الاستشهاد فيها و لم يذكر آراء المفسرين فيها و هي في الأصل لمن أراد

وقد ضرب الرسول صلى الله عليه و سلم نفسه القدوة لكل القادة الذين يأتون من بعده في أهمية الاستخبارات ففي كل غزواته كان يرسل عيون الاستطلاع، وفي بدر قام بنفسه بالاستكشاف وأخذ معه أبا بكر، وأيضا أرسل حمزة وعليا وسعد بن أبي وقاص وعبيدة بن الحارث، في حملات أخرى لاستكشاف أخبار العدو، ومع تعدد مصادر معلوماته كان صلى الله عليه و سلم يراجعها ويطابقها ببعض للوصول إلى أدق الحقائق ويقوم بتحليلها حتى يعرف كل شيء عن العدو، ومن أهم وسائله صلى الله عليه و سلم بث العيون الثقات في مكة، يوافونه بالأنباء من أعلى المستويات، ومن هذه العيون عمه العباس وبشير بن سفيان العتكي وهما اللذان أفاداه بأهم المعلومات عن نوايا قادة قريش وتحركاتهم.

وقد استخدم الرسول صلى الله عليه و سلم الشفرة السرية، لإخفاء مضمون رسائله فكانت له شفرة شفوية وأخرى مكتوبة ،ففي غزوة الخندق أرسل سعد بن معاذ إلى يهود بني قريظة لمعرفة مكائدهم وأمره عند عودته أن لا يفصح عن أخباره لأحد حتى لا يوهن عزم المسلمين، بل يستعمل ( لحن القول) كنوع من الشفرة الشفوية وفي إحدى سراياه الاستطلاعية التقى بأعرابي فأخذ يسأله عن قريش حتى عرف، منه كل شيء ثم سأله البدوي بدوره "من أنتم " فقال : "نحن من ماء" وتركه مسرعا فأخذ البدوي يتعجب لهذا الرد ويقول "فكل الناس من ماء"

ومن قادة المسلمين الذين نبغوا في الاستخبارات عمرو بن العاص، فكان يتنكر بنفسه في زى التجار ويدخل معسكرات الرومان في مصر، وكانوا إذا أرادوا التفاوض ذهب بنفسه في زي جندي عادي من الوفد وترك غيره يتكلم وهو يستمع ويتطلع ويلاحظ. دون أن يعرفوه، وهكذا لم يكن يعتمد على الجواسيس المحترفين من العرب والقبط وحدهم، بل يستطلع بنفسه، ويدرس عقلية قادة الأعداء وأفكارهم بنفسه.


الحرب النفسية في الإسلام :

الحرب النفسية من أهم عناصر كسب المعارك، ويعتبر الرسول أول قائد عسكري في التاريخ يكسب معركة كاملة بالحرب النفسية وحدها، وذلك في معركة فتح مكة.. فقد كان حريصا في فتح مكة بالذات أن لا يريق نقطة دم وأن لا يستعمل السلاح في هذا الحرم المقدس. حتى لا تكون تلك سابقة لانتهاك حرمة الكعبة، وقد اتبع الرسول في ذلك أسلوبا فريدا:

- فقد جعل الفتح سرا لا يعرفه أحد سوى الخاصة من القادة.. حتى يضمن عنصر المفاجأة .
- وقطع المسافة بين المدينة ومكة مرحلة واحدة دون راحة حتى يصل قبل أن تعرف بأمره استخبارات قريش.
- ووصل في الليل فحاصر مكة من كل جانب بعشرة آلاف جندي رابط بهم على سفوح الجبال.
- وأمر جنوده أن يشعل كل واحد منهم نارا عالية فأشعلوا عشرة آلاف نار حتى أدخل الروع في نفوس السكان وأوهمهم بأن عدد الجند أكبر من ذلك بكثير لأن العرف جرى أن النار الواحدة تكفي عشرة جنود..
وعندما حضر أبو سفيان للتفاوض مع الرسول أمر بحبسه في خيمة دون أن يكلمه أحد حتى أدخل الروع في قلبه وظن أن مصيره القتل.
- ثم أمر عمه العباس أن يصطحبه ليرى استعراض جيش الرسول وهم يهتفون هتافاتهم الإسلامية تشق عنان السماء، ورأى الكتيبة الخضراء من أصحاب الرسول، في ملابسهم المتناسقة ونظامهم الدقيق حتى قال للعباس "والله يا عباس.. إنه لا قدرة لأحد على هؤلاء"

وأخيرا بعد أن بلغ به الانبهار والانهيار النفسي مبلغه، أكرمه الرسول صلى الله عليه و سلم بأن جعل كل من دخل بيته آمنا.
وبذلك سلمت مكة دون قتال..

كل هذا التكتيك الحربي كان بمثابة دروس يلقيها الرسول صلى الله عليه و سلم على القادة من أتباع أمته.. حتى يعملوا بالحرب النفسية على كسب المعارك بأقل قدر من الخسائر سواء من بين جنودهم أو جنود عدوهم، لأن رسالة الإسلام ليست في القتل والخراب. ولكنها في الهداية وكسب القلوب.




~*¤ô§ô¤*~السلاح في الجيوش الإسلامية ~*¤ô§ô¤*~

علماء المسلمين طوروا السلاح من السيف والسهم إلى الدبابة والمدافع

عندما قامت دعوة الإسلام.. كانت الأسلحة التقليدية المعروفة هي القوس والرمح والسيف، وقد استعمل الرسول صلى الله عليه و سلم في حروبه وغزواته كل هذه الأسلحة، فكان يرمي بالنبال إذا كان العدو بعيدا ثم يرمي بالرمح إذا اقترب العدو منه، ثم يضرب بالسيف إذا واجهه العدو.

وقد كون ( صلى الله عليه و سلم ) فرقا متخصصة في جيشه، كل منها يختص بسلاح معين، فهناك فريق الرماة بالنبال ، وفريق يختص بالرماح.. وفريق ثالث من المشاة حاملي السيوف.

وكان رماة المسلمين يوم أحد خمسين راميا وضعهم الرسول في مكان يسيطر على مسرح المعركة كله، وقد رمى الرسول عن قوسه المكتوم حتى صار شظايا.. ثم استعمل الحربة، ثم السيف حتى حول الهزيمة إلى نصر.


تطور السلاح الإسلامي

وقد وضع الرسول صلى الله عليه و سلم بنفسه مبدأ تطوير السلاح وكان حريصا أن يحصل جيشه على أحدث الأسلحة في عصره،. فمن ذلك أنه رأى في يد الزبير بن العوام، بعد عودته من هجرة الحبشة نوعا جديدا من الرماح يقال له (العنزة) وكان الأحباش يصيدون به الوحوش بدقة متناهية، فأمر الرسول أن يصنع لجيشه مثلها، وأمر الزبير أن يدربهم عليها، كذلك كان الرسول أول من أدخل في جزيرة العرب المنجنيق والدبابة فأرسل إلى الشام وفدا لتعلم صنعهم وقد صنعهم قبل حصار الطائف وقذف بهم الأسوار والحصون.

وبفضل هذا المبدأ الذي وضعه الرسول كان المسلمون من بعده يحرصون على تطوير سلاحهم بالدراسة والعلم والتجربة.. حتى جاء يوم أصبح السلاح العربي مضرب الأمثال في الجودة والمتانة والكفاءة .

ا) فمن هذه التطورات صناعة الصلب العربي الذي تصنع منه الأسلحة فقد بلغت هذه الصناعة أوجها في دمشق والقاهرة، وأصبح السيف العربي لا يدانيه سيف آخر من حيث حدة شفرته وعدم قابليته للصدأ أو الاعوجاج، وكان التوصل إلى هذا النوع من الصلب بفضل علماء المسلمين في الكيمياء الذين وضعوا الكتب والمؤلفات بعنوان مثل:

"فيما يوضع على الحديد والسيوف حتى لا تثلم ولا تصدأ"، وقد ظلت صناعة هذا النوع من الصلب العربي سرا لا يعرفه الغرب ،ولم يكتشف إلا من عهد قريب عندما أعلنت إحدى الجامعات الأمريكية أنها توصلت إلى تحليل معدن السيوف العربية القديمة (انظر باب الكيمياء).

2) أيضا تفنن المسلمون في الأسلحة الثقيلة كالدبابة والمنجنيق لمهاجمة الحصون فكان أول استعمالهم لها بعد الرسول في حصار دمشق سنة 13 هـ كما ادخلوا عليها الكثير من التطور، وفي حصار (الديبل) في بلاد السند كان لدى الجيش الإسلامي منجنيق هائل يدعى (العروس) بلغ عدد الجنود الذين يحركونه ويرمون عليه خمسمائة جندي.

وقد استعمل ابن الرشيد في حصار (هرقلية) في بلاد الروم منجنيقا يرمي الحصون بنار حارقة مكونة من خليط من الكبريت والنفط والحجارة وملفوف في الكتان، وفي الحروب الصليبية ابتكر المسلمون آلة جديدة اسمها (الزيار) ترمي أعدادا كبيرة من السهام الثقيلة دفعة واحدة.

3) كذلك كان المسلمون أول من اخترع حرب الغازات:
فقد جاءت جماعة من طائفة الإسماعيلية فعرضت على صلاح الدين اختراعا من ابتكارهم يعتبر أول استعمال للغازات في الحرب.

وذلك بأن تحرق مجموعة من الأعشاب المخدرة في موضع قريب من جيش العدو بحيث يكون اتجاه الريح نحوهم فيسبب التخدير للجيش كله وينومه مما ساعد صلاح الدين على مباغتة الصليبيين وهزيمتهم، وقد طور المسلمون هذا السلاح، فصنعوا منه (القبرة) وهي قنبلة يقذفونها بالمنجنيق على معسكر العدو وهي مشتعلة وتحتوي على مزيج من البنج الأزرق والأفيون والزرنيخ والكبريت فإذا تفاعل الكبريت والزرنيخ تولدت عنه غازات حارقة وخانقة.
4- صناعة المدافع: وسوف يأتي حديث مفصل عنها في باب الاختراعات الإسلامية الحاسمة في التاريخ.



المخطوطات العسكرية الإسلامية

لقد اهتم المسلمون بالدراسات العسكرية النظرية، وألفوا الكثير من المخطوطات في كل المجالات فمنها دراسات حول صناعة السلاح وتطويره، ومنها دراسات عن التدريب على السلاح واستعمالاته، ومنها دراسات عن الخطط العسكرية وفنون التعبئة وتحريك الجيوش.

وقد أحصى المؤرخ الإسلامي ابن النديم الكتب والمراجع في هذه المجالات فإذا بالتراث العلمي العسكري الإسلامي من أغنى المراجع في التاريخ وقد كتب هذا الباب بعنوان "فيما كتب في الفروسية وحمل آلات الحرب والتدبير الحربي ".

ويتكون هذا التراث العلمي من قسمين. قسم ألفه العرب والمسلمون وقسم مترجم نقلوه عن الفرس والروم والهنود، فمن الكتب المترجمة عن الإغريقية كتاب "فن الحركات الحربية" لمؤلفه اليانوس الإغريقي. وهناك كتب ترجمت عن الدولة الرومانية مثل كتاب Taktikon، " عن التكتيك الحربي لمؤلفه ليون السادس وكتاب Stratigikon وهو عن الاستراتيجية لمؤلفه ككاومنوس في القرن العاشر الميلادي.

أما المؤلفات العربية فهي نوعان: نوع يدخل في كتب التاريخ والأدب العربي وفيه وصف لمعارك الإسلام، مع توضيح للخطط الحربية والتدبير العسكري وملابسات المعارك ،ومن ذلك كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة "والعقد الفريد" لابن عبد ربه "وسراج الملوك " للطرطوشي.

وهناك أيضا المؤلفات المتخصصة في علوم الحرب: فمن ذلك كتب في الرمي بالنبال وإصابة الهدف وأخرى في صفات الأسلحة وأساليب استعمالها مثل "كتاب الدبابات والمنجنيقات " وكتب في الخيل والفروسية والعناية بالخيل مثل كتاب "فضل الخيل " لمؤلفه الفارس الإسلامي عبد المؤمن الدمياطي وكتاب "رشحات المداد في الصافنات الجياد".

- كذلك هناك مخطوطات في الخطط الحربية أو الخدعة مثل كتاب "الحيل والمكايد" وكتب التدريب التعبوي ككتاب "أدب الحرب " وكتب عن "فتح الحصون والمدائن وتربيض الكمائن " وكتب عن "توجيه الجواسيس والطلائع والسرايا ".

والكثير من هذا المخطوطات التي عددها ابن النديم قد فقدت من العالم العربي، ومنها النادر الموجود في مكتبات أوروبا حيث ترجم عدة مرات واستفادوا منها قرون طويلة. فمن أهم هذه المراجع مؤلفات القائد العسكري الإسلامي حسن الرماح الذي توفي في سوريا 1294 م وقد ألف كتاب "الفروسية والمكائد الحربية" وكتاب "نهاية السؤل والأمنية في تعلم الفروسية" ومن أهم كتبه كتاب "غاية المقصود من العلم والعمل بالبارود " وهو كتاب عن صناعة البارود وتحضيره وتنقيته من الشوائب. ويلمح سارتون في كتابه (مقدمة إلى تاريخ العلم) إلى أن روجر باكون قد نقل صناعة البارود من هذا الكتاب ولا يفوتنا هنا الإشارة الى مخطوط إسلامي عسكري هام ظهر أخيرا في مراكش يعود إلى سنه 1583 ومؤلف هذا الكتاب هو " إبراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا" وكان إبراهيم هذا من بقايا مسلمي الأندلس الذين أخفوا إسلامهم.. وعندما علم الأسبان بأمره ،طردوه إلى مراكش بعد أن قضى في سجونهم سبع سنوات.. وكان إبراهيم خبيرا بالمدفعية وبصناعة .. وقد ورث هذا العلم أبا عن جد منذ عصور الأندلس، أما الكتاب فاسمه "العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع "ويعتبر هذا الكتاب أول كتاب من نوعه في التاريخ متخصص في صناعة المدافع وحدها، وفيه يصف مؤلفه صناعة المدافع ابتداء من عصور الإسلام إلى استعمالها وتطويرها في الجيوش الأسبانية، وقد وصف الكتاب اثنين وثلاثين نوعا من المدافع المختلفة الأحجام والصناعة والأغراض، ووصف أنواع الحجارة وأحجامها التي يقذفها المدفع، ووصف صناعة المدفع وطريقة وزنه بميزان خاص للتأكد من دقة إصابته للهدف ،ثم يختم هذا المخطوط ببيان طريف بعنوان عن "تذويب المدفع إذا كان ثقيلا كي لا يغنمه الأعداء "والكتاب محلى بالصور العلمية التوضحية الملونة.. ولا تقتصر أهمية هذا المخطوط على ما فيه من معلومات قيمة عن المدفعية في أسبانيا في مرحلة التحول عن الإسلام. ولكنه يعتبر آخر صيحة من أحد بقايا مسلمي الأندلس إلى العالم الإسلامي كله تدعوه إلى اليقظة وإعداد السلاح المتطور لمواجهة أعداء الإسلام عملا بقوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" حتى لا يواجهوا مصير أهل الأندلس من الإبادة الجماعية وفي ذلك يقول في مقدمة كتابه:

"ما قصدت به نفعا دنيويا، بل الإخلاص لله تعالى راجيا أن يصل إلى جميع بلاد المسلمين ليحصل به النفع ويحصل لهم الأجر عند الله سبحانه وتعالى بتفريج المسلمين بإتقان أعمالهم وتخويف أعدائهم الكافرين. "



أزياء الجنود

لقد تطورت أزياء الجيش الإسلامي تطورا سريعا، كان المسلمون الأولون على عهد رسول الله "صلى الله عليه و سلم " يقاتلون في بدر وأحد بملابسهم العادية المهلهلة ولم يكن بينهم أكثر من فارس أو اثنين بعدة الحرب، ثم طور الرسول صلى الله عليه و سلم ملابس الجيش لتصبح أقرب إلى الجيوش النظامية، وكان زى الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه في الحرب هو السروال والقميص ويضعون العمائم على رؤوسهم وكان صلى الله عليه و سلم يلبس العمائم المختلفة الألوان حسب الغرض والمناسبة وبلقى بذؤابة العمامة بين كتفيه، وفي ذلك بقول صلى الله عليه و سلم (العمائم تيجان العرب) وفي فتح مكة كانت كتيبة الرسول صلى الله عليه و سلم هي الكتيبة الخضراء لأن كل ملابسها وعمائمها خضراء وقد غطوا وجوهم بذؤابات العمائم فلا يبين منهم إلا حدق عيونهم، وكانت هذه الكتيبة الخضراء بتنظيمها البديع وزيها الموحد وشعاراتها التي تطلقها إلى عنان السماء حدثا لم يسبق له مثيل في جزيرة العرب، وعندما مرت هذه الكتيبة أمام أبي سفيان وزعماء مكة أصابهم الذعر حتى قال أبو سفيان للعباس عم رسول الله "والله يا عباس إن ملك ابن أخيك اليوم أصبح عظيما".

وبهذا المظهر الأخاذ استطاع الرسول صلى الله عليه و سلم أن يكسب معركة مكة بالحرب النفسية وحدها وبدون إراقة قطرة واحدة من الدماء، وقد تطورت أزياء المسلمين بعد ذلك، فعرفوا الخوذة لحماية الرأس، وقد تفنن الصناع المسلمون في صناعة الخوذ فكانوا يكتبون عليها الآيات القرآنية.

وفي عصور الانحلال أصبحت الخوذ كتيجان الملوك تحلى بالذهب والياقوت، والزمرد، ومن ذلك خوذ المماليك وآخر ملوك الأندلس حيث كانت للزينة أكثر منها للقتال، كذلك عرف المسلمون الدروع والتروس لوقاية صدورهم ولبسوا (الجوشن) وهو لباس من حديد يلبس على الصدر عبارة عن حلقات من الحديد المتداخلة.


التدريب على السلاح:


التدريب المتواصل على السلاح وعلى خطط الحرب هو أحد واجبات الفرد المسلم وليس هذا خاصا بالجنود وحدهم وفي حالة الحرب وحدها، ولكنه أمر عام إلى الرعية المسلمة لكي يكون كل فرد قادرا على حمل السلاح مدربا عليه وفي ذلك يقول الرسول (صلى الله عليه و سلم) "كل شيء يلهو به ابن ادم فهو باطل إلا ثلاثة.. رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن حق " رواه الخمسة ومعنى هذا الحديث.. أن المسلم في وقت فراغه ولهوه عليه أن يتخير التسلية المفيدة التي تعده للحرب ،وعلى وقت الرسول كانت هذه التسلية هي التدريب على إصابة الهدف بالنبال، والتدريب على ركوب الخيل.. وفي الحديث أن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كبر في السن ومع ذلك فقد كان دائما يبدأ يومه بعد صلاة الفجر بالتدريب على الرمي بالنبال فكان أحفاده يسألونه أن يرفق بنفسه في هذه السن الكبيرة ،فيقول لهم "سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا". رواه أحمد، وهكذا سبق المسلمون أرقى الدول في عصرنا الحاضر وأكثرها نهضة وتقدما ففي السويد وفي سويسرا بعد أن ينهي الجندي خدمته العسكرية يظل تحت السلاح إلى أن يبلغ سن التقاعد، وعليه أن يحضر دورة تدريبية مرة كل عام حتى يجدد لياقته البدنية وخبرته بالسلاح، والإسلام يأمر الآباء أن يدربوا أولادهم منذ الصغر على ركوب الخيل.. وفي ذلك يقول صلى الله عليه و سلم"من حق الولد على والده أن يعلمه الرماية والسباحة وركوب الخيل " ويقول أيضا "ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا".

وكان الرسول (صلى الله عليه و سلم ) يعقد المسابقات بين شباب المسلمين وكانت كلها تدور حول الرماية والمبارزة والفروسية، وقد شاهد فريقين من المسلمين يتباريان في الرمي.. فقال لأحدهما "ارموا وأنا معكم " فلاحظ أن الفريق الآخر قد توقف عن الرمي فقال صلى الله عليه و سلم "ما لكم لا ترمون " قالوا "كيف نرمي وأنت معهم فضحك الرسول صلى الله عليه و سلم وقال "فإني معكم جميعا. "

وهكذا لا يعرف التاريخ كله عقيدة من العقائد اهتمت بالتدريب العسكري ونهت عن التخلف عنه.. وشجعت المتفوقين فيه وكرمتهم في حياتهم وبعد موتهم مثل العقيدة الإسلامية.


أساليب القتال في الجيوش الإسلامية.

كان العرب في الجاهلية يتبعون طريقة الكر والفر في حروبهم وكانوا يجعلون نساءهم وأولادهم وأرزاقهم وراءهم.

فلما ظهر الإسلام أخذ العرب يقاتلون زحفا أي صفوفا عملا بقوله تعالى "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " ولكن قادة المسلمين كان لديهم من المرونة في تغيير الخطط والتكتيك الحربي ما جعلهم دائما يفاجئون عدوهم بما لا يتوقعه ويتفوقون عليه. ففي سنة 13 هـ أدخل خالد بن الوليد نظام الكراديس في جيبه لأول مرة في معركة اليرموك ثم أتبعه سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية سنة 14 هـ.

والكردوس كلمة يونانية ومعناها القسم: إذ يقسم الجيش إلى خمسة أقسام مقدمة و ساقة وميمنة وميسرة وقلب.

وكانت جيوش المسلمين في كل معاركها تتفوق على العدو بفضل خفة الحركة وسرعة التصرف والقدرة على المباغتة فكان القادة يحركون الكتائب من موقع إلي موقع لإرباك العدو وذلك بأسلوب ورثه العرب عن أجدادهم الأولين الذين كانوا يحسنون فن الكر و الفر في القتال، ومن أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم"الحرب خدعة") أي أن القائد الماهر الذكي هو الذي يستطيع أن يكسب بالخدعة الحربية أو بالتأثير النفسي وباستعمال العقل والدهاء أكثر مما يكسب بالتضحيات والخسائر والدماء، وقد اتبع قادة المسلمين على مر العصور هذا الشعار في كل حروبهم حتى أصبحوا يسمون "بثعالب الصحراء"، كانوا يبعثون بالجواسيس والطلائع، وكانوا يحرصون على مقابلة قادة الأعداء ليعرضوا عليهم الإسلام أولا، وفي نفس الوقت ليدرسوا شخصيتهم وعقلهم عن قرب حتى يعرفوا نقاط الضعف فيهم، فكان عمرو بن العاص يتخفى في زي جندي بسيط ليقابل أطربون قائد جيش الروم ويعرفه عن كثب دون أن يعرف الخصم عنه شيئا، وقد نبغ قادة المسلمين في نصب الكمائن، وفي مهاجمة مؤخرة العدو وفي أساليب الحرب النفسية قبل المعركة وأثناءها.

وفي ختام هذا الموضوع نقول إن انتصارات المسلمين الرائعة على قوى تفوقهم عددا وعدة لم يكن بالتواكل والحماس وحدهما، ولكن كان هناك تنظيم علمي مدروس وتخطيط ذكي واستعداد دائم .


البحرية الإسلامية:


من طبيعة البدوي أنه يخاف البحر.. وذلك لأنه يعيش حياته كلها في الصحراء، سفينته هي ظهر جمله.. ومحيطه هو هذه الرمال الجافة المترامية.. وعندما نزل القرآن.. أشار إلى هذه الحقيقة في أكثر من موضع فقال تعالى "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد" (سورة 31 آية 13)

ولم يعرف عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه ركب البحر، وكذلك أبو بكر وعمر.. ومع ذلك نجد في تعاليم الإسلام ما يشجع على ركوب البحر والغزو فيه في سبيل الله.. إلى حد اعتبار غزوة البحر أكثر ثوابا من غزوة البر.. وشهيد البحر له مكان في الآخرة أعظم من شهيد البر.. ومعروف أن الفتوح الإسلامية الأولى كانت كلها في البر. سواء في فارس أو في الشام أو في مصر والشمال الإفريقي، وكان عمر بن الخطاب يأمر قادة الجيوش أن يبنوا المدن الجديدة في البلاد المفتوحة بحيث لا يفصلها الماء عن مكة، وهذا هو السر في بناء مدينة الفسطاط على الساحل الشرقي لنهر النيل، وعندما يئس الرومان من إحراز أي نصر على العرب في حروب البر، وجهوا همهم إلى أسطولهم الذي كان سيد البحار كلها، فأخذوا يغيرون على سواحل مصر والشام على أمل استعادة بعض ما فقدوه. وكان معاوية واليا على الشام وعمرو بن العاص على مصر، فطلب معاوية من الخليفة أن يأذن له ببناء أسطول بحري لكي بغزو به قبرص التي كانت قاعدة أمامية للأسطول الروماني، فكتب الخليفه إلى عمرو في مصر بطلب منه أن يصف له البحر وحال راكبه، فكتب إليه عمرو. "يا أمير المؤمنين إني رأيت البحر خلقا كبيرا يركبه خلق صغير.. ليس إلا السماء والماء: إن ركد أحزن القلوب. وإن ثار أزاغ العقول. والناس فيه دود على عود. إن مال غرق وأن نجا برق " فلما قرأ ابن الخطاب كتب إلى معاوية والذي بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه مسلما أبدا ورفض طلبه.. وقد زاد من إصرار الخليفة أن عامله على البحرين (العلاء ابن الحضرمي كان يرغب في فتح سواحل فارس حتى تصبح له شهرة مثل غيره من القادة الآخرين، فاستجمع بعض السفن البحرية.. واستعان في ذلك بأهل البحرين وهم ملاحون مهرة ونزل في سواحل فارس سنة 17 هـ دون إذن من الخليفة إلا أنه هزم فعاقبه الخليفة بأن أنزله من رتبته، وبعد أن توفى عمر وتولى عثمان أعاد معاوية الطلب : وبعد طول تردد وتأجيل وافق عثمان على غزوة قبرص بشروط : أولها أن يكون اختياريا لمن أراد وقال في ذلك "ولا تجبر الناس : ولا تقرع بينهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه " أما الشرط الثاني فهو أن يأخذ معه في البحر زوجته وزوجات الصحابة" وواضح أن الهدف من الشرط الأخير أن يكون المسلمون أكثر حذرا وحيطة في وجود زوجاتهم.

وبنى معاوية أسطولا بالاستعانة ببحارة الشام الذين أسلموا كما بنى والي مصر أسطولا آخر، وخرجت السفن من عكا تحت إمرة معاوية سنة 28 هـ وانتصر على الأسطول الروماني في قبرص ودمر قواعده، وصالح أهل قبرص على أن يدفعوا له جزية كل سنة ووافق أن يدفعوا مثلها للروم لا يمنعهم العرب من ذلك على أن لا تستعمل أرضهـم كقاعدة للهجوم على الموانيء الإسلامية وفي نفس الوقت يسمحون للسفن العربية بالهجوم على البيزنطيين من الجزيرة متى شاؤوا فكانت غزوة قبرص أولى معارك الإسلام البحرية.

وأراد الروم أن يستعيدوا هيبتهم في البحر والبر، فاهتم قسطنطين بن هرقل بالأسطول وزاد من قوته.. حتى عزم أن يغزو به الإسكندرية ويسترد مصر، وفي سنة 31 هـ أقبل قسطنطين بنفسه على قيادة أسطول من ألف سفينة رومانية ويقدر الطبري أن هذا كان أكبر حشد بحري عرفه الروم في تاريخهم، وأرسل معاوية أسطوله الذي أنضم إلى أسطول مصر تحت قيادة واليها عبد الله بن أبي سرح ، والتقى الفريقان قرب الإسكندرية في عرض البحر.. وكان الأسطول الإسلامي من مائتي سفينة وتشير المراجع الأجنبية أن مكان هذا اللقاء قبالة (فونيكة) وهو ثغر مصري يقع غرب مدينة الإسكندرية بالقرب من مدينة مرسى مطروح، وعندما اقتربت سفن الجانبين أطلق الرومان النار الإغريقية على سفن المسلمين.. وهي خليط من الكبريت والمواد السهلة الاشتعال ومادة الجير الحي التي تتفاعل مع الماء فتنتج الحرارة، ولكن المسلمين بدلا من أن يهربوا بعيدا عن النيران تقدموا بسفنهم المشتعلة حتى ربطوها بسفن الرومان فصارت 1200 سفينة في عرض البحر.. كل عشرة أو عشرين متصلة ببعضها، وأصبح ظهر السفن كأنه قطعة أرض منبسطة يجول فيها المشاة والرماة والفرسان.. وتحولت المعركة إلى برية، فأبيد من الروم خلق كثير حتى وصفت المعركة بأنها (اليرموك الثانية) وكاد الإمبراطور قسطنطين أن يقع أسيرا ولكنه تمكن من الفرار بسفينة القيادة تاركا أسطوله في قبضة المسلمين ووصل إلى جزيرة صقلية، فلما علموا هناك بهزيمته المنكرة انقضوا عليه فقتلوه وقد سميت هذه المعركة "ذات الصواري " لكثرة الصواري من الفريقين فيها.. وسميت في المراجع الأجنبية "معركة فونيكة" وتاريخها يوم 29 آب سنة 655 م ،لقد غيرت هذه المعركة الحاسمة مسار التاريخ البحري وتحول بعدها المسلمون من الخوف، من مجرد ركوب البحر إلى سادة البحار..

ومن بعدها استولي المسلمون على كل جزر البحر الأبيض: قبرص وكريت وكورسيكا وسردينيا وصقلية وجزر الباليار ووصلوا إلي جنوا ومرسيليا، ومن بعدها تحول لقب هذا البحر من (بحر الروم) أو (البحيرة الرومية) إلى بحيرة إسلامية، واستحكم نفوذ الأسطول الإسلامي عندما فتح المسلمون الأندلس وأصبحت سفنهم تعبر في أمان بين سواحل الشام ومصر شرقا وإلي الأندلس غربا.. وتحولت الدولة الرومانية من إمبراطورية بحرية عظمي إلى دويلة صغيرة تطل على البحر،وعلى مر العصور ازداد اهتمام المسلمين بالأسطول.. ففي عهد الأمويين حاصروا القسطنطينية من البحر مرتين الأولى في عهد يزيد بن معاوية سنه 49 هـ والثانية في عهد الوليد بن عبد الملك سنة 100 هـ هذا علاوة على الحصار البري، واهتم العباسيون أيضا بالأسطول في البحر الأحمر والمحيط الهندي وغزوا سواحل الهند سنة 159 هـ وفي مصر اهتم الفاطميون ثم الأيوبيون ثم المماليك بالأسطول فكان أسطول المعز لدين الله الفاطمي. يتألف من 600 سفينة أما أسطول الأندلس فكان يسيطر على شرق البحر الأبيض والمحيط الهادي، ففي البحر الأبيض استولوا على جزر ميوركة ومنورقة وكورسيكا ومدينة جنوة، وفي المحيط الهادي تصدوا لغزوات (الفيكنج) الذين كانوا يغيرون، على سواحل فرنسا وإنجلترا والأندلس وقد ردهم الأسطول الإسلامي عن العالم الإسلامي كله في حين لم تستطع أي دولة أوروبية أن تتصدى لهم.



صناعة السفن

انتشرت صناعة السفن في أنحاء العالم الإسلامي في ثغور متفرقة، ففي الشام اشتهـرت عكا وصور و طرابلس ثم بيروت، حيفا وفي مصر اشتهرت المقس والإسكندرية (19 )ودمياط و عيذاب علي ساحة البحر الأحمر كما كانت القاهرة تصنع المراكب النيلية وفي المغرب كانت هناك طرابلس وتونس وسوسة و طنجة ووهران والرباط. وفي الأندلس اشتهرت إشبيلية ومالقة.

و بتألف الأسطول من عدة أنواع من السفن.. فمنها الشونة والبارجة والقرقور والصندل والطراد والحراقة والغراب، وهي تختلف من حيث الحجم والوظيفة وخفة الحركة، وأكبرها الشونة التي تحمل الجنود والأسلحة الثقيلة أما الأسلحة فمنها الكلاليب التي استعملها المسلمون في ذات الصواري لربط سفنهم بسفن الرومان، ومنها النفاطة وهي مزيج من السوائل الحارقة تطلق من اسطوانة في مقدمة السفينة وتسمى النار اليونانية هذا علاوة على الأسلحة البرية التقليدية:


التراث الإسلامي في البحرية:

تأتي المخطوطات الإسلامية البحرية ضمن كتب التاريخ والقصص البحري والرحلات، وخاصة كتب الجغرافيين المسلمين ففيها وصف دقيق لخطوط الملاحة البحرية، كما فيها سرد تفصيلي لكل معارك الإسلام البحرية، ثم وصف للبحار والتيارات المائية والهوائية ومن أشهر هؤلاء المسعودي- والمقدسي وياقوت الحموي والبكري والشريف الإدريسي ومن الرحالة ابن جبير وابن بطوطة.

أما الكتب المتخصصة في علوم الملاحة والبحرية فمنها مخطوط قديم يعود إلى سنة 851 م بعنوان (رحلة التاجر سليمان) الذي زار موانيء آسيا حتى كانتون في الصين، وهو مخطوط هام جدا لأنه يحتوى على أول وصف عربي للبوصلة البحرية عند المسلمين قبل أن يعرفها الصينيون، وهناك كتب ابن ماجد في علوم البحار مثل كتاب "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد" وأرجوزته بعنوان "حاوية الاختصار في أصول علم البحار" وهناك مخطوط باسم سليمان المهري عنوانه "المنهاج الفاخر في علم البحري الزاخر: و "العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية".

وختاما فقد كان للمسلمين فضل لا ينكر على أوروبا في نهضتها البحرية وليس أدل علي ذلك من دخول العديد من الاصطلاحات البحرية العربية في اللغات الحية الاوروبية، فمن ذلك ( Admiral وأصلها أمير البحر Cable أصلها حبل- Resif " أصلها رصيف (Darsinal"أصلها دار الصناعة.

يتبع ...
__________________
نحن قوم إذا ضاقت بنا الدنيا
اتسعت لنا السماء

فكيف نيأس ؟!!
رد مع اقتباس