ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - الفيزياء وعلومها ومؤلفاتها
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-03-2007, 16:25
الصورة الرمزية Diamond
Diamond
غير متواجد
فيزيائي قدير
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
الدولة: بلد الحرمين
المشاركات: 1,418
Exclamation الفيزياء وعلومها ومؤلفاتها

الموازين والثقل النوعي.

أولى الفيزيائيون المسلمون الميزان عناية خاصة باعتباره أداة تتعدى وظيفتها الوزن؛ فقد أرادوه أداة عملية لتقدير الوزن النوعي للمعادن والسبائك. وكانوا يعدون الميزان من عجائب النسبة، واخترعوا موازين غاية في الدقة كانت نسبة الخطأ فيها أقل من أربعة أجزاء من ألف جزء من الجرام. بل كانت لديهم موازين أدق من ذلك، إذ نجد أنه عندما وزن فلندرز بتري ثلاث قطع نقدية إسلامية قديمة، وجد أن الفرق بين أوزانها جزء من ثلاثة آلاف جزء من الجرام. ولا يمكن الوصول إلى هذه الدقة في الوزن إلا باستعمال أدق الموازين من النوع الذي ينبغي أن يوضع في صناديق زجاجية حتى لا تؤثر فيها تموجات الهواء، مع إعادة الوزن مرارًا. كما استخدموا ميزان القبان والميزان الحساس في وزن جميع السلع ابتداءً من المجوهرات وانتهاءً بالمحاصيل الزراعية. وصنَّفوا في الموازين مؤلفات قيمة؛ فلثابت بن قرّة كتابان أحدهما في استواء الوزن واختلافه وشرائط ذلك، والثاني في القرسطون (ميزان الذهب). ولأبي جعفر بن الحسن الخازن ميزان الحكمة الذي وصف فيه أشكالاً متعددة للموازين وصفًا دقيقًا مفصلاً. ومن الذين صنفوا مؤلفات في الميزان أيضًا، الكوهي، والفارابي وابن سينا، وقسطا بن لوقا، وابن الهيثم والجلدكي، واستخدموا لموازينهم أوزانًا منوعة. وأفضل كتاب في هذا المجال هو الذي وضعه عبدالرحمن بن نصر المصري للمراقب؛ أي المحتسب العام لأحوال السوق التجارية في عهد صلاح الدين الأيوبي. وكانت صناعة الموازين حرفة في حد ذاتها؛ ذلك لأن التجارة كانت أحد المصادر الرئيسية للاقتصاد الإسلامي. وأوكل إلى والي الحسبة مراقبة الموازين والمكاييل، وفحص وسائل الغش في صناعتها. وأهم السلع التي كانوا يتعاملون بالتجارة فيها الذهب، والفضة، والزبرجد، والياقوت، والماس. لذا تحروا الدقة في صنع موازينها، بل حددوا الثقل النوعي لكثير منها باستخدام أجهزة اخترعوها لهذا الغرض. ومن الطريف أن العرب عند بحثهم في خواص النسبة أشاروا إلى أن عمل القرسطون (القبان) هو من عجائب النسبة. فقد جاء في رسائل إخوان الصفا "… ومن عجائب خاصية النسبة ما يظهر في الأبعاد والأثقال من المنافع، ومن ذلك، يظهر في القرسطون؛ أعني القبان؛ وذلك أن أحد رأسي عمود القرسطون طويل بعيد من المعلاق والآخر قصير قريب منه. فإذا علق على رأسه الطويل ثقل قليل وعلى رأسه القصير ثقل كثير تساويا وتوازنا حتى كانت نسبة الثقل القليل إلى الكثير كنسبة بعد رأس القصير إلى بعد رأس الطويل من المعلاق…" والمعلاق هنا هو نقطة الارتكاز.



وقد بنى الخازن كتابه ميزان الحكمة وكذلك ثابت بن قرة القرسطون على البراهين الهندسية، وكانت مسلماتهما نقطة الانطلاق في مؤلفات علماء النهضة في أوروبا. وهي مرحلة سابقة لكل من جاليليو في مؤلفه محاورات حول علمين جديدين، وإسحق نيوتن في عمله الكبير المبادئ الرياضية. ومن هذه المسلمات: 1ـ الأجسام الثقال قد تتساوى أثقالها وإن كانت مختلفة في القوة مختلفة في الشكل 2ـ الأجسام الثقال مختلفة القوى؛ فمنها ما قوته أعظم، ومنها ما قوته أصغر، 3ـ كل مسافتين يقطعهما متحركان في زمانين متساويين، فإن نسبة إحدى المسافتين إلى الأخرى كنسبة قوة المتحرك في المسافة المستوية إلى قوة المتحرك الآخر، 4ـ كل خط ينقسم بقسمين متساويين ويعلق في طرفيه ثقلان متساويان، فإن ذلك الخط إذا علق بالنقطة القاسمة له بنصفين، وازى الأفق. 5 ـ إن معرفة أوزان الأثقال المختلفة المقادير، تكون بتفاوت أجرام رطوبات يغاص فيها الموزون رقة وخثورًا.



بحث العلماء المسلمون أيضًا في الثقل النوعي، وعرَّفوا الثقل والخفة فقالوا إن الجسم إذا ما أخرج عن موضعه الطبيعي فاتجه نحو مركز الأرض؛ أي إلى أسفل يُسمّى ثقيلاً، أما إن هو اتجه نحو محيط العالم؛ أي إلى العلو سُمّى خفيفًا. واستنبطوا طرقًا لحساب الوزن النوعي واخترعوا له الآلات، وقاموا بحساب ثقل عدد من الأجسام حسابًا يقارب التقدير الذي وصل إليه المعاصرون وأحيانًا يطابقه، وهم أول من وصل إلى نسب حقيقية بين وزن الأجسام المختلفة وبين وزن الماء. وأول من بحث في الثقل النوعي سند بن علي في عهد المأمون (199ـ 218هـ، 814ـ 833م)، ومن الذين بحثوا هذا الأمر ابن سينا أيضًا. أما العالمان اللذان بزّا غيرهما في هذا المجال فهما البيروني والخازن. فقد قام البيروني بتحديد الثقل النوعي لبعض الفلزات والجواهر باستخدام جهاز مخروطي الشكل ذي مصب بالقرب من فوهته، بحيث يتجه هذا المصب إلى أسفل. وكان يزن الجسم المطلوب قياس وزنه النوعي وزنًا دقيقًا، ثم يدخله في جهازه المخروطي المملوء بالماء، وهنا يحل الجسم الذي أدخله في الجهاز محل حجم مساوٍ له من الماء الذي يفيض من المصب، بعد ذلك يقوم بوزن الماء المزاح، ومن ثم يحدد الوزن النوعي للجسم بحساب النسبة بين وزن الجسم ووزن الماء الذي أزاحه. ويعد الجهاز الذي اخترعه البيروني أقدم مقياس لتعيين كثافة المواد.

اكتشف البيروني أن هناك تباينًا في الثقل النوعي للماء، فقد وجد أن الثقل النوعي للماء البارد يزيد على الثقل النوعي للماء الساخن بمقدار 0,041677؛ أي أن الماء يزيد حجمه بالتبريد بحوالي، 4,1667 %.



إلى جانب أبحاثه في الثقل النوعي للسوائل وغيرها، بحث البيروني في ميكانيكا الموائع؛ فشرح الظواهر التي تقوم على ضغط السوائل وتوازنها، وشرح كيفية تجمع مياه الآبار والمياه الجوفية بالرشح من الجوانب، كما تحدث عن كيفية فوران المياه وانبثاق النافورات وصعود مائها إلى أعلى.

أما الخازن فقد وصف ميزانًا غريب التركيب لوزن الأجسام في الهواء والماء، وقام باستخراج الوزن النوعي لكثير من المعادن والسوائل والأجسام الصلبة التي تذوب في الماء، ووضعها في جداول في غاية الدقة وصلت صحتها في بعض الأحيان إلى درجة التطابق مع الوزن الحديث. وقد أتقن قياس الثقل النوعي للسوائل حتى لم يتعد خطؤه فيه ستة من مائة من الجرام في كل ألفين ومائتي جرام. انظر بعض هذا القياس في الجدول المبيّن هنا.

يجب أن ننظر إلى النسبة التي توصل إليها الخازن على أنها دقيقة جدًا إذا ما أخذنا في الحسبان دقة الأجهزة العلمية الحديثة. كما أن الاختلاف الطفيف بين ما وصل إليه الخازن وما وصل إليه المعاصرون يمكن تعليله؛ فمياه البحر تختلف في مقدار ملوحتها. فالبحار الداخلية ـ كالبحر الميت وبحر قزوين ـ تكون نسبة ملوحتها أكثر، وبالتالي أثقل من مياه البحار المفتوحة كالمحيطات. كما أن الثقل النوعي للحليب يختلف باختلاف الأبقار والمراعي، ولم يذكر الخازن مياه البحر التي وزنها ولا نوع وعدد البقر الذي أجرى عليه التجارب.

علم الحيل والساعات. برع المسلمون في صنع الساعات التي تعمل بالماء والرمل والزئبق والشمع أو الأثقال المختلفة، كما اخترعوا الساعات الشمسية وأعطوها شكلاً دائريًا يتوسطه محور دائري آخر. واستطاعوا عن طريقها تحديد موقع الشمس والزمن ووضع التقاويم السنوية. وكانت الساعة الشمسية النقالة أو ساعة الرحلة كما كانوا يسمونها، أكثر اختراعاتهم أصالة في هذا المجال. كما اخترعوا نوعًا من الساعات الشمسية المنبِّهة التي كانت تعلن عن الوقت بصوت رنَّان وسُمِّيت الرخامة. كما صنعوا نوعًا من الساعات المائية كانت تقذف على رأس كل ساعة منها كرة معدنية في قدح، وتدور حول محور تظهر فيه النجوم أو رسوم أخرى، وما تلبث أن تبرق كلما جاوزت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل وعندها يمر فوقها هلال مضيء.

أهدى هارون الرشيد عام 192هـ، 807م إلى الملك شارلمان ساعة نحاسية أدهشته، وكانت تُسقط بعد مضي كل اثنتي عشرة ساعة كرة صغيرة تحدث لدى اصطدامها برقاص معدني إيقاعًا جميلاً، وكان بها 12 حصانًا تقفز من 12 بوابة كلما دارت الساعة دورة كاملة. وأشهر الساعات إلى جانب هذه الساعة كانت ساعة الجامع الأموي، وكانت هذه الساعة تُسقط عند كل ساعة من ساعات النهار صنجتين من فمي بازين على طاستين مثقوبتين. أما بالليل فتجهز بمصباح يدور به الماء خلف زجاجة داخل الجدار، وكلما انقضت ساعة من ساعات الليل عم الزجاجة ضوء المصباح، ولاحت للأبصار دائرة متوهجة حمراء. ومن الساعات الشهيرة أيضًا ساعة مرصد سُرَّ مَنْ رأى، وكانت بها دُمى تظهر في أوقات ومواعيد ثابتة لتؤدي بعض الحركات. وقد اخترع أبو سعيد عبدالرحمن بن يونس المصري (ت 399هـ، 1009م) رقّاص الساعة (البندول) ثم تبعه كمال الدين الموصلي (ت 639هـ، 1242م) وأضاف أشياء كثيرة تتعلق بتذبذب الرقاص.

متفرقات ِحيَلِية أخرى. للعرب اختراعات أخرى صمموا بعضها بغرض التسلية، وبعضها الآخر للأغراض العملية، وكانت كلها، تعمل وفق نظام تلقائي أو شبه تلقائي. وكانت صناعة اللعب والدُّمى المتحركة منتشرة بكثرة لديهم، وقد أفرد لها ابن الرزاز الجزري مؤلفًا سماه الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل. وكذلك ألّف أبوعامر أحمد الأندلسي كتابًا باسم الباهر في عجائب الحيل. وقد وصفا فيهما أنواعًا كثيرة من الدُمى التي كانت تصنع من الشمع وخامات أخرى وكانت تتحرك بنفسها، وضمَّنا كتابيهما عددًا كبيرًا من الرسوم الإيضاحية التي تبيِّن تركيب هذه الدُمى والآلات وطبيعتها.

من أشهر من كتب وعمل في علم الحيل أبناء موسى ابن شاكر الثلاثة، وهم محمد والحسن وأحمد، وكان ذلك في أواسط القرن الثالث الهجري. وقد برعوا في الرياضيات والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والحيل. بلغ أحمد في صناعة الحيل ما لم يبلغه أخواه، فقد كانت لديه مخيلة مبدعة قدّمت كثيرًا من المخترعات العملية للتدبير المنزلي، والألعاب الميكانيكية المدهشة للأطفال والأثقال وغيرها. من الآلات التي صنعها، دِنان تنزل منها كمية معلومة من السوائل، تعقب كل كمية منها فترة استراحة قصيرة، وآلات تمتلئ بالسوائل ثم تفرغها تلقائيًا، وقناديل ترتفع فيها الفتائل تلقائيًا ويصب فيها الزيت ذاتيًا أيضًا، ولا تنطفئ بفعل الهواء. كما اخترع آلة تحدث صوتًا بصورة ذاتية عند ارتفاع المياه إلى حد معين في الحقول عند سقيها، كما ابتكر عددًا من النافورات التي كانت تظهر صورًا متعددة بالمياه الصاعدة منها. ومن أعماله أيضًا خزانات للحمامات، والمعالف التي لا تستطيع الأكل أو الشرب منها سوى حيوانات صغيرة الحجم، ونافورات تندفع مياهها الفوارة على أشكال مختلفة. ومن إنجازاته بالمشاركة مع أخيه محمد في مرصد سُرَّ مَنْ رأى، آلة دائرية الشكل تحوي صور النجوم ورموز الحيوانات في وسطها وتدار بالقوة المائية، وكلما غاب نجم عن القبة السماوية ظهرت صورته في الخط الأفقي من الآلة. ومن الواضح أن هذا العمل يتطلب دراية واسعة بعلم الفلك إلى جانب علم الحيل. وكان من الطبيعي أن يستفيد علم الفلك من الآلات التي يخترعها أو يطورها العلماء المشتغلون بعلم الحيل. فقد طوّر العلماء المسلمون على سبيل المثال؛ البوصلة التي اخترعها الصينيون. وكان الصينيون يستخدمونها في أمور غير ذات صلة بالعلم كالسحر والخرافات، فأخذها المسلمون وجعلوا لها بيتًا استفادوا منه في الملاحة وأطلقوا عليه بيت الإبرة. كما كانت لديهم آلات للتطويع وتقطيع الحلقات، فقد استعمل نصير الدين الطوسي (ت 672هـ، 1273م) في مرصده في مراغة المحلّقة ذات الحلقات الخمس والدوائر من النحاس. كما اكتشفوا طريقة خاصة صنعوا بها الحلقة ذات القطر البالغ خمسة أمتار، وزادوا بذلك ثلاث حلقات على المحلقات الفلكية الموجودة؛ مما مكنهم من إجراء قياسات فلكية أخرى، ثم أضافوا مسطرة قياس الزوايا المعروفة باسم الأداد، وهي مسطرة تدور حول نقطة في طرفها وينتقل طرفها الآخر على دائرة ذات أقسام متساوية. وتوصل عباس بن فرناس (ت 260هـ، 873م) إلى صنع الزجاج من الرمال والحجارة، واخترع عددًا من الآلات الفلكية الدقيقة مثل الأداة المسماة ذات الحلق؛ وهي آلة تتكون من عدة حلقات متداخلة تعلق في وسطها كرة تمثل حركة الكواكب السيارة. كما اخترع آلة لقياس الزمن أطلق عليها اسم الميقاتة، إلا أن أشهر محاولاته في علم الحيل هي تلك المحاولة التي لقي فيها حتفه؛ فقد احتال لتطيير جسمه فمد لنفسه جناحين، ثم صعد إلى مكان عال أمام جمع غفير من أهالي قرطبة، واندفع في الهواء طائرًا دون أن يجعل لنفسه ذنبًا يحميه في هبوطه ويعطي لمقدم جسمه ومؤخرته نوعًا من التوازن، وحلّق مسافة ليست بالقصيرة ثم سقط على مؤخرته ومات. ولعله أول إنسان حاول الطيران في العالم.
رد مع اقتباس