ملتقى الفيزيائيين العرب > قسم المنتديات العامة > منتدى الفيزياء العام | ||
الثقافة العلمية في المجتمع السعودي! (مقال) |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() السلام عليكم. هذا مقال كنت قد نشرته في مجلة الفيصل (عدد ربيع أول و ثاني 1430 هـ، رقم393 - 394. ص18-25) و عذرا لأي أخطاء طباعية، فهذه النسخة الأولى من المقال الثقافة العلمية في المجتمع السعودي كتبه: مَعين يحيى بن جنيد قسم الفيزياء و الفلك، جامعة الملك سعود. المقدمة: [/CENTER] لا يكاد يختلف أحد على أهمية العلوم الحديثة و مكانتها و دورها في الرقي بالأمم فكريا و حضاريا و اقتصاديا. غير أننا في المجتمعات العربية لا نجيد التعامل مع تلك العلوم، و التقنيات الناتجة عنها، بطريقة تعود بالنفع لمجتمعاتنا. فنحن من أقل الشعوب إسهاما في تطوير العلوم و التقنية على الرغم من أننا من أكثرها استهلاكا لمنتجاته، و تحديدا المنتجات الصناعية و التقنية. إن العلوم الحديثة تكاد ترتبط بجميع مناحي حياتنا ارتباطا وثيقا، و على الرغم من ذلك الارتباط فإن المهتمين بأمر العلوم يقروُّن بوجود فجوة كبيرة بين الطبقة المتعلمة من المجتمع و بين العلوم الحديثة باعتبارها وسيلة رئيسة للرقي بالمجتمع في مجالات الفكر و التقنية و النمو الاقتصادي. من أجل ذلك، فإن السبيل إلى ردء تلك الفجوة لا يكون إلا بتوعية الطبقة المتعلمة و الصانعة للقرار بأهمية دور العلوم في قيادة مسيرة التطوير. لذلك، فإن نشر الثقافة العلمية يعد مطلب ملح و واجب وطني لا بد أن يقوم به المختصين من أفراد و مؤسسات و جهات حكومية. فالثقافة العلمية هي حلقة الوصل بين العلوم الحديثة -شاملة لجميع مناشطها و تطبيقاتها و أبعادها الفكرية- و بين المجتمع. لكي نفهم أهمية الثفافة العلمية و دورها في مسيرة التطوير و التنمية، لا بد لنا أن نحدد كيفية ارتباط العلوم الحديثة بحياتنا من مختلف الأوجه، ثم نعرج على وضع الثقافة العلمية في مجتمعنا و تحديدا بين طبقة المتعلمين لنعرض مصاعب انتشارها. بعد ذلك، نحدد دور الثقافة العلمية و أهمية انتشارها في المجتمع السعودي باعتبارها من ركائز التنمية و التقدم الحضاري. أخيرا، نناقش طرق نشر الثقافة العلمية لتمكين الفكر العلمي من لعب دور أساس في ثقافة المجتمع الساعي إلى التطور اقتصاديا و فكريا. النقطة الأولى: ارتباط العلوم الحديثة بالحياة و دورها في الرقي بالمجتمعات المتحضرة: لقد لعب المنهج العلمي -الذي ظهر في القرن السادس عشر الميلادي- و التطورات العلمية الناتجة عنه دورا رئيسا في تغيير نمط حياة الإنسان في الأرض، ليس من الجانب الفكري و حسب، بل جميع مجالات الحياة كطرق التواصل و التنقل و التكيف مع الطبيعة. و ما زال الأمر كذلك في ظل التطورات العلمية و التقنية المطردة. فيكفي أن ينظر المرء إلى ما حوله و ما بين يديه من وسائل صناعية و تقنية تيسر له حياته -بفضل الله- بشكل لم يتاح ليس لأسلافنا من العصور الخالية و حسب، بل و لأجيال سبقتنا قريبا. لقد أتاحت العلوم الحديثة للعلماء الاستفادة من سنن الله في الطبيعة لإنتاج هذا الكم الهائل من المنتجات الصناعية و التقنية و الطبية. بالتالي فإن الدول التي أولت العلوم التطبيقية اهتمامها نالت حظا كبيرا في التطور و النمو على الصعيد الاقتصادي و العسكري و الفكري، كما لم تنله تلك الدول التي اكتفت باستهلاك تلك المنتجات. على أنه لا بد من الإقرار بأن التطور المطرد للتطبيقات العلمية التي أمكن ترجمتها إلى منتجات استهلاكية لم يحدث بين عشية و ضحاها، و إنما تم ذلك بعد أن أخذ أسلوب التفكير العلمي مكانته في المجتمعات المتقدمة، فبعد أن تم تمكين ذلك الأسلوب من قيادة زمام التطوير، توالت المنجزات و التطبيقات العلمية و الصناعية و التقنية. أما فيما يتعلق بالفكر، فقد أدى بزوغ المنهج العلمي إلى تغيير طريقة تفكير أهل الثقافة و العلم و الفلسفة. فمن منهج يقوم على الحدس و التأمل فيما وراء الطبيعة، و سيادة للأدب و الفن، إلى منهج قائم على الاستقراء و التجربة و الملاحظة (القفاري، جريدة الرياض: العدد 13916). و عليه فإن سيادة العلوم الطبيعية و المنهج العلمي قد أحدثت تغيرات جذرية في تلك المجتمعات، و هو أمر لا بد أن يتحقق في أي مجتمع يرجو التطور (شوقي، 1993م: 29). و لا يخفى على المطلع أن تطور المنهج العلمي هذا ارتبط بشكل مباشر بمنهج العلماء من المسلمين و العرب، حيث نجد في تراثهم ما يؤكد ابتداع المسلمين للمنهج التجريبي القائم على الملاحظة و انتهاجهم له، بالإضافة إلى تطويرهم للمنهج التحليلي الرياضي -نسبة إلى الرياضيات-، ثم انتقلت تلك الطرق العلمية الحديثة -آنذاك- إلى أوروبا حيث تم استكماله و تطويره، مما أدى إلى نشوء ما يسمى بعصر التنوير في أوروبا، و الذي ينسب إليه فضل التقدم العلمي و الفكري و الصناعي في العالم الغربي. إذن فإن المجتمعات المتقدمة علميا و تقنيا هي مجتمعات تتسم بأنها مجتمعات يهيمن التفكير العلمي على كثير من أنماط حياتها و تحديدا فيما يخص التنمية و التطوير الحضاري. لذلك، كان لزاما على أي مجتمع نام، كالمجتمع السعودي، يتطلع إلى مواكبة تلك الدول في مجالات الاقتصاد و التنمية و الفكر؛ أن يتبنى المنهج العلمي و أن يفسح المجال للعلوم الحديثة أن تترك أثرها في أسلوب تفكير الطبقة المتعلمة و تلك التي تصنع القرار، و لا يتم ذلك في المجتمعات النامية إلا من خلال نشر الثقافة العلمية التي ستساهم بالتأكيد في تحقيق ذلك الهدف. النقطة الثانية: وضع الثقافة العلمية في المجتمع السعودي، و مصاعب انتشارها لقد أظهرنا في القسم السابق مدى أهمية سيادة الفكر العلمي لتحقيق التنمية، و لكي يسود ذلك التفكير فإنه يجب أن تنتشر الثقافة العلمية في المجتمع و تحديدا طبقة المتعلمين و صناع القرار. و بناء على ذلك فإننا بحاجة إلى معرفة الوضع الراهن الذي تعيشه الثقافة العلمية في المجتمع السعودي تحديدا، و ما هي معوقات انتشارها. ما من شك في أن أوضاع الثقافة العلمية في السعودية هي أوضاع لا تساعد على انتشار التفكير العلمي و الوعي بأهمية العلوم الحديثة كأداة للنمو الحضاري؛ إذ يشير كل من الشيابني (1423هـ) و المبارك (1417هـ) إلى عدد من معوقات انتشار الثقافة العلمية، و منها سيادة الاعتقاد بصعوبة العلوم الطبيعية بين طبقات المجتمع. أو الاعتقاد بعدم ارتباطها المباشر بالحياة و الواقع و كأنها رموز و معادلات جامدة مدونة في بطون الكتب. و قد يعزى وجود تلك التصورات إلى ضعف مناهج التعليم، و قلة الجهد المبذول من قبل المشتغلين بالعلوم لتصحيح تلك التصورات الخاطئة. فالواقع أن العلوم و إن كان التعامل معها يحتاج إلى معرفة و تمكن في الرياضيات، غير أن الاطلاع على المنجزات العلمية و الوعي بطرق تأثير العلوم فكريا في المجتمع و حضاريا و انتهاج المنهج العلمي لا يتطلب أي معرفة بالرياضيات المتقدمة. و لكن على أية حال، فإن اتهام الرياضيات بأنها صعبة و معقدة هو أمر قد ينطوي على إجحاف، ففي نهاية الأمر، فإن الرياضيات ليست وحيا أو منتجا أنزل إلينا من السماء، بل هي نتاج بشري مثله مثل الأدب و الفن. و لكن، نكرر ما سبق ذكره، إن الوعي العلمي و سد الفجوة بين الطبقة المتعلمة و العلوم لا يتطلب اتقانا للرياضيات؛ بدليل أن علماء الغرب عندما يؤلفون كتبا لعامة الناس يتجنبون الإشارة أو الاستشهاد بأي معادلات رياضية، و على الرغم من أهمية الرياضيات فإن تركها في تلك المؤلفات لا يؤدي بالضرورة إلى تكوين تصورات خاطئة لدى القارئ العام عن العلوم الحديثة. هناك أمر آخر أدى و ما زال يؤدي إلى صعوبة انتشار الثقافة العلمية بين طبقات المجتمع، و هو سيادة الثقافة الأدبية و صناعة الكلام بين الطبقة المتعلمة أو حتى صفوة المتعلمين و المثقفين، و هو أمر تراكم على مدى حقب من التاريخ (الشيباني، 1423هـ؛ المبارك، 1417هـ). إلا أن المشكل الحقيقي قد لا يكون في انتشار ثقافة الأدب ذاتها، و إنما في سيادتها لمدة طويلة في وسائل النشر. و لكي تتضح الصورة فإن المطلع على كتابات علماء الغرب الذين يساهمون في تطوير العلوم، يجد أن فرقا كبيرا بين كتاباتهم الأكاديمية (في المجلات العلمية) و بين كتاباتهم للعامة. فبينما تتسم كتاباتهم الأكاديمية بالحيادية و البعد عن الألفاظ الكلامية العامية، تتسم مقالاتهم الموجهة للقارئ العام بسهولة الأسلوب، و الخروج التام عن أي نمط أدبي أو أكاديمي في الكتابة. في المقابل، يسود في العالم العربي، و السعودي تحديدا، اتباع الأسلوب الأدبي بين طبقات المثقفين، و يكاد لا يوجد أي نمط آخر في الكتابة، بل إن الكتاب الذين لا يتبعون ذلك الأسلوب قد تكال لهم تهم الضعف اللغوي و البياني. و على الرغم من وجود أساليب كتابية أخرى في الصحافة، أخذت تنتشر بعد تحول صناعة الصحافة من مجهودات فردية لأدباء إلى عمل مؤسساتي متكامل (السقاف، ب.ت.)؛ فإنه لا يوجد أسلوب كتابي واضح تنتهجه مدرسة تيسير العلوم. يدفعنا ذلك إلى مناقشة صعوبة ثالثة و هي قلة مساهمة علماء عرب و سعوديون تحديدا في تطوير العلوم، و هم إن وجدوا فإنهم قلّما يساهمون في نشر الثقافة العلمية و ربط المجتمع بالتطور العلمي الحديث. فضلا عن وجود مشكل يتمثل بعدم اتفاق المترجمين على ترجمات محددة للمصطلحات العلمية. في المقابل، تجد أعدادا كبيرة من علماء الغرب الذين يحرصون -سواء كان دافعهم نشر العلوم أو المال- على تيسير ما يقومون به من مساهمات علمية للعامة بنشرهم للكتب أو مشاركتهم في برامج إعلامية، جنبا إلى جنب مع انخراطهم في تطوير العلوم ذاتها. كما أن مشكل المصطلحات غير موجود لأن العلوم تكتب على الأغلب باللغة الإنجليزية. أخيرا، فإن أحد أسباب قلة انتشار الثقافة العلمية في المجتمع هو عدم اكتراث وسائل الإعلام، المرئية و المطبوعة على السواء، بالمساهمة في نشر ذلك النوع من الثقافة (الرياض: العدد14039). بل إن إحدى الصحف الواسعة الانتشار عربيا، ألغت قسم “العلوم و التكنولوجيا” من طبعتها المقدمة للسعودية. و في هذا دليل على أن الصحف الساعية للكسب المادي هي أبعد ما يكون عن الاهتمام بنشر الثقافة العلمية في المجتمع السعودي. النقطة الثالثة: أهمية انتشار الثقافة العلمية في المجتمع السعودي باعتباره وسيلة لتحقيق تطلعات الحكومة في التنمية مما سبق، يتضح أن الثقافة العلمية تعاني الكثير من المصاعب التي تحول دون انتشارها في المجتمع السعودي. هنا يطرأ سؤال ملح عن مدى أهمية انتشار الثقافة العلمية في المجتمع السعودي، و تحديدا بين أوساط المتعلمين و المثقفين و صانعي القرار. مما لا شك فيه أن انتشار الثقافة العلمية في المجتمع السعودي هو مطلب بالغ الأهمية في ظل تطلعات الحكومة السعودية إلى تنمية البلد اقتصاديا و حضاريا. فبانتشار الثقافة العلمية في المجتمع، يتغير نمط تفكير كثير من المتعلمين و الدراسين و المثقفين من النمط العاطفي أو الكلامي و الاستهلاكي إلى النمط العلمي الإبداعي القائم على التفكير الناقد و التحقيق و الاستنباط و التجربة و الموضوعية. و من العوامل التي قد تساعد في انتشار هذا النوع من التفكير هو وجوده في الأصل في الثقافة الإسلامية المدونة منذ عصر صدر الإسلام. بل إن بعض باحثي الغرب يشيرون إلى أن المنهج العلمي التجريبي انتقل إلى العالم الغربي عن طريق العالم الإسلامي و العربي (القفاري، جريدة الرياض: العدد 13916). و قد تطرقنا لهذه النقطة في القسم الأول من هذا المقال. إضافة إلى ذلك، هناك فائدة مهمة لانتشار الثقافة العلمية في المجتمع، و هي جذب الدارسين الصغار للانخراط في العلوم الحديثة، و هذا بكل تأكيد مطلب من مطالب التنمية الاقتصادية. إذ أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تتحقق إلا بالتقدم العلمي و المشاركة الفاعلة في تطوير العلوم و التقنية كما يشير إلى ذلك شوقي (1993م). على أن انجذاب تلك الطبقة للعلوم الحديثة لا يكون إلا بوعي من الأهل و المجتمع بأهمية العلوم نفسها في تحقيق التنمية و دورها الرئيس في تطوير الصناعة و غيرها من المجالات، كالطب. فالسائد في المجتمع السعودي هو تبجيل بعض التخصصات و المجالات العلمية على حساب مجالات أخرى. و تمثيلا لذلك، يعرف كثير من المثقفين الطب باعتباره علم خدمي في غاية الأهمية، و لكن، قد لا يعلم كثير من المتعلمين -بسبب ضعف الثقافة العلمية لديهم- أن الذين يقومون بتطوير الطب هم علماء طبيعيون، و ليسوا اختصاصيين في الجراحة أو في التشخيص -و لا يعني ذلك التقليل من دورهم-. و بكل أسف تغيب هذه الحقيقة عن أذهان كثير من الأسر -ولا سيما المثقفة منها- التي تدفع أبناءها بلا علم أو تبصر نحو دراسة مجال دون آخر. إن تصحيح هذه النظرة لا يكون إلا من خلال انتشار الثقافة العلمية في المجتمع. هناك جانب آخر و هو الجانب الفكري الثقافي الذي يبدو أنه في حاجة للانفكاك عن قيد الأدب، ليتسع لشمول العلوم الحديثة. فالمطلع على الأوضاع الثقافية في المجتمع يجد أثر الأمية العلمية -كما يسميها الشيباني في كتابه الفيزياء للأدباء- ظاهرا و متمثلا في تخبط أهل الثقافة و عجزهم عن مشاركة الأمم المتقدمة في جوانب الفكر و الثقافة و الفلسفة، و بدلا من اكتسابهم فهما سليما للحداثة الفكرية التي وقعت في المجتمعات المتقدمة، راحوا يختصمون في جدواها و تعريفها و شرعيتها كما يشير القفاري (جريدة الرياض: العدد 13916)، و نزعم أن أحد أسباب ذلك هو الأمية العلمية التي أشرنا إليها، و التي تعزى إلى عدم انتشار العلم بوصفه ثقافة و منهجا فكريا في المجتمع، و الذي نتج بدوره عن المصاعب التي أشرنا إلى بعضها في القسم الثاني من هذا المقال. أخيرا، إن انتشار الثقافة العلمية في المجتمع هو الأداة السليمة لمحو تلك الأمية العلمية في المجتمع. لذلك، فإن المجتمع الذي يطمح إلى التقدم الحضاري و التقني و إلى النمو الاقتصادي، ينبغي أن يكون مجتمعا مثقفا علميا، بمعنى أنه يعي و يؤمن بأهمية العلوم الحديثة و المنهج العلمي الفكري في تحقيق ذلك التطور. و هذا يؤكد مدى ضرورة انتشار الثقافة العلمية في المجتمع السعودي و لاسيما أنه مجتمع نام يتطلع إلى مواكبة غيره من المجتمعات المتقدمة. النقطة الرابعة: طرق نشر الثقافة العلمية في المجتمع، و تمكين الفكر العلمي من لعب دور أساسي في ثقافة المجتمع مما سبق، يتبن لنا أهمية انتشار الثقافة العلمية في المجتمع السعودي، باعتبارها وسيلة رئيسة تساعد لتحقيق التقدم الحضاري (على الصعيد الفكري و التقني) و النمو الاقتصادي. لذلك، فإنه ينبغي علينا أن نعمل على سد الفجوة بين الطبقة المتعلمة و الطبقة الصانعة للقرار و بين العلوم و التقنية. لذلك نعرج في هذا القسم على الطرق المتاحة التي يرجى من خلالها نشر الثقافة العلمية في المجتمع. إن أحد الوسائل المهمة لنشر الثقافة العلمية في المجتمع السعودي هو وضع خطة استراتيجية واضحة الأهداف من قبل المؤسسات المعنية بشأن الثقافة العلمية. و نعني بذلك، أن يتم اعتبار مسؤولية انتشار الثقافة العلمية هما جماعيا مدعوما من قبل الدولة و منفذا من قبل إحدى المؤسسات العلمية. من جانب آخر، لا بد من العناية بدعم التأليف في العلوم و الثقافة العلمية. و يشتمل جانب التأليف على قسمين: التعريب و التبسيط “تيسير العلوم”. و يلزم ذلك أن يراعى تقديم مؤلفات لمختلف أطياف المجتمع العمرية و التعليمية. و عليه، فإنه من المطلوب من دور النشر الواعية بأهمية الثقافة العلمية أن تستكتب من هم مؤهلون لكتابة مؤلفات و موسوعات علمية ميسرة بالتأليف و الترجمة على حد سواء. في المقابل، فإنه لا بد أن يعي المشتغلون بالعلوم و التقنية أهمية لعب دور في مسيرة التأليف و الترجمة تلك. و لا بد من التشديد على أنه و إن غاب الدافع المادي أو قل مستواه، فإن هم الرقي بالمجتمع و الوطن هو أكبر دافع و لاسيما أن أهل العلوم و التقنية هم عامل محوري لإنجاز تلك المهمة. إن دور المؤسسات العلمية أو المهتمة بنشر الثقافة العلمية ينبغي أن لا يقتصر على القيام بالدراسات، بل ينبغي أن تتحمل تلك المراكز مسؤولية عقد اللقاءات التثقيفية العلمية، سواء بإقامة ندوات أو مؤتمرات أو مخيمات صيفية أو أسابيع علمية أو معارض و متاحف علمية. و لا بد من التشديد على أهمية تنوع طرق تقديم الثقافة العلمية للمتعلمين العامة، جنبا إلى جنب مع مرعاة الفرق العمري و التعليمي لتلك الطبقات. بعبارة أخرى، يجب أن تتنوع وسائل الثقافة العلمية بحسب تنوع مختلف طبقات المجتمع، عمريا و تعليميا على السواء. بقي لنا أن نشير أخيرا إلى الدور المحوري الذي قد تأخذه وسائل الإعلام -المرئية و السمعية و المطبوعة- في نشر الثقافة العلمية في المجتمع. فمن جانب الإعلام المرئي (تلفاز أو فيديو أو كمبيوتر) توجد برامج متنوعة تم طرحها في السابق، و هي تأخذ صيغة الأفلام الوثائقية أو عروضا علمية يقدمها شخص ما. إلا أن تلك البرامج هي اجتهادات فردية في الغالب. و المطلوب -تمشيا مع التطور الإعلامي المشاهد في إعلامنا المرئي الحديث- أن يكون نشر الثقافة العلمية هو أحد أهداف تلك الوسائل -و تحديدا القنوات الفضائية- فتخصص برامج دائمة يستقطب لتقديمها من هم على قدرة و كفاءة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ينبغي أن تتغير ثقافة الإعلام ذاتها، بأن تعطى مساحة دائمة للعلوم و التقنية لتبيان ارتباطها بحياتنا فكريا و ماديا، جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالإعلان عن المستجدات العلمية و ما يصاحبها من نشاطات. و فيما يتعلق بالإعلام المطبوع، و هو الأكثر انتشارا، فينبغي أن تكون سياسة نشر الثقافة العلمية من ضمن أولويات تلك الوسائل، فتكاد لا تخلو صحيفة في العالم الغربي من قسم يختص بالعلوم و التقنية، لا يعنى بسرد أخبار علمية و حسب، بل بنشر مقالات أو تحقيقات هدفها هو تيسير فهم التطبيقات العلمية الحديثة أو النظريات الذائعة الصيت أو التقنيات المبتكرة للقارئ العام. و هذا هو المرجو من صحافتنا التي تكاد تخلو تماما من أي صفحات تهتم بشؤون العلوم و التقنية إلا بعضا من الصحف التي خصصت صفحات لأخبار آخر المنتجات التقنية أو لتثقيف الناس لكيفية التعامل مع التقنية المعلوماتية. غير أن ذلك غير كاف و ليس على المستوى المرجو الذي ينبغي أن يتخذ إذا ما أريد للثقافة العلمية أن تنتشر في المجتمع بشكل سليم.(انظر إلى مقال عبد الله القفاري في جريدة الرياض، العدد 14497 لمزيد من التفصيل في قضية الإعلام العلمي). إضافة إلى الصحف، فإن المجلات العلمية تلعب دورا مهما كذلك في نشر الثقافة العلمية، و هي و إن كانت موجودة (كمجلة الفيصل العلمية، و مجلة كيمياء، و غيرها) غير أنها قليلة العدد و محدودة الانتشار لأسباب قد تكون مادية أو قد تكون ناتجة عن عزوف كثير من طبقات المجتمع عن قراءة مثل تلك المجلات لاعتقادهم أنها غير موجهة للعامة أو أنها صعبة الفهم. و قد يكون سبب ضعف انتشارها أنها قائمة على جهود فردية أو غير مدروسة بشكل دقيق. مما يدعو إلى إعادة التنبيه على أهمية العمل المؤسساتي الجماعي المدروس و المدعوم ماديا بالشكل المطلوب. مما سبق يتضح أنه توجد سبل عديدة لنشر الثقافة العلمية، إلا أنها جميعا تتطلب العمل الجماعي و التنظيم المؤسساتي القائم على خطط و أهداف واضحة و بعيدة المدى. خاتمة: لقد تبين لنا في هذه المقالة مدى ارتباط العلوم الحديثة بحياتنا من حيث قيادتها لمسيرة التطور في الدول المتقدمة، و ارتباطها المباشر بالتقنيات المبتكرة الصناعية و الزراعية و الطبية، و دورها البارز في التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى تأثيرها على الثقافة و النتاج الفكري في المجتمعات المتقدمة. غير أننا وجدنا أن وضع العلوم الحديثة في مجتمعنا السعودي قد لا يهيء مناخا مناسبا للتنمية التي تتطلع إليها الجهات المعنية بالتطوير، فهناك أسباب ثقافية و عملية تمنع أو تعيق إدراك الطبقة المتعلمة و الصانعة للقرار لأهمية العلوم الحديثة و التقنية في تحقيق ذلك النمو الذي نصبو إليه. ثم وضحنا أن سد تلك الفجوة بين المجتمع و العلوم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نشر الثقافة العلمية في المجتمع و بين طبقات المثقفين و المسؤولين تحديدا، و أن انتشارها سوف يؤدي إلى نشوء وعي بأهمية العلوم و التقنية و التفكير العلمي الناقد باعتبارها الوسيلة الأعمق أثرا في حصول التطور و النمو و الرقي بالمجتمع. و أخيرا، تطرقنا إلى الوسائل المتاحة لنشر الثقافة العلمية مشددين على أهمية أن يكون نشر الثقافة العلمية عملا جماعيا و مؤسساتيا واضح الأهداف. على أية حال، تظل دراسة وضع الثقافة العلمية ميدانيا في حاجة لمن يقوم بها، لكي يتم تكوين تصور واضح دقيق، تبنى من خلاله الدراسات و توضع بناء عليه الخطط و الأهداف. و يبقى السؤال مطروحا حول جدية القائمين على مسيرة التطوير و التنمية و المشتغلين بالعلوم و جدية وسائل الإعلام في تبني مشروع تثقيف مجتمعنا علميا. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|