[nuha1423]

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رسول الرحمة والمحبة والسلام


د. عائض القرني


الصلاة والسلام، على رسول الرحمة والمحبة والسلام، إن قوماً أحبوك لمأجورون، وإن أناساً عشقوا سيرتك لمشكورون، وإن بشراً هاموا بتعاليمك لمعذورون، آمل من كل محب للحقيقة، عاشق للإنصاف أن يطالع بتجرد سيرة النبي المعصوم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كلما طالعتُ سيرته صلى الله عليه وسلم بتمعن وتأمل ظهرت لي حقيقتان؛

الأولى: أن النجاة والنجاح والسعادة باتباعه وحده صلى الله وسلم.

الثانية: أن كثيراً منا ظلم سنّته وسيرته حين فهمها فهماً مشوّهاً، وقدّمها للآخرين بصورة مغلوطة،

أقرأُ في صحيح السنة أنه صلى الله عليه وسلم يمسك بخطام الجمل ويضع قدمه على ركبة الجمل؛ لتركب إحدى زوجاته، وهو يهيئ لها الركوب، فمَنْ منّا يفعل ذلك مع أهله؟ وفي صحيح السنة أنه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة تهدي إحدى زوجاته له طعاماً في جفنة فتغار عائشة وتضرب الجفنة فتكسرها ويتناثر الطعام فيأخذ صلى الله عليه وسلم في صمت وهدوء وحكمة وسكينة جفنة من بيت عائشة ويضع فيها طعاماً ويردها مع الجارية إلى بيت زوجته الأخرى ويقول: «طعام بطعام وجفنة بجفنة». أقرأ في صحيح السنة أن أعرابياً قدم من البادية فأمسك ببُرد الرسول صلى الله عليه وسلم وجذبه بعنف وغلظة حتى احمر عنقه صلى الله عليه وسلم وأثّر البرد في عنقه ثم صاح الأعرابي بجفاء وغضب في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك. فيضحك صلى الله عليه وسلم في سماحة وعفو وحلم ويأمر له بعطاء.

أقرأ في صحيح السنة أن امرأة توقفه صلى الله عليه وسلم في إحدى طرق المدينة في الشمس فيقف لها حتى تنهي حديثها، وتأخذه جارية بيده صلى الله عليه وسلم فيذهب معها حتى تريه عناقاً ميتة في إحدى سكك المدينة ويبول أعرابي في المسجد فيريد الصحابة ضربه فيمنعهم صلى الله عليه وسلم ويتحبب للأعرابي ويتعطف عليه حتى يتعلم السنة والأدب.

اجتمع عليه صلى الله عليه وسلم الأعراب في حنين يريدون العطاء ويجرون بكسائه ويتعلق كساؤه بشجرة فيوزع عليهم الغنائم ولا يبقي لنفسه درهماً ولا ديناراً. يبالغ أعداؤه في أذيته، يخرجونه من دياره، يسبونه، يشتمونه، يحاربونه، يشجون رأسه، يكسرون ثنيته، يدمون عقبيه يقتّلون أصحابه، ثم ينتصر فيقول: «عفا الله عنكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء». يترجم أخلاقه بقوله: «إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني»، يحمل الأطفال، يداعبهم، يضاحكهم، يمازحهم، يحمل أمامة بنت زينب ابنته على كتفه وهو يصلي بالناس، يصافحه الإنسان فلا ينـزع صلى الله عليه وسلم يده من يد من يصافحه حتى يترك المصافح يده، يتبسم في وجوه الناس، يختار في حديثه أرق وأجمل وأحسن وأحلى العبارات، يدفع بالتي هي أحسن، يكظم الغيظ، يعفو عن الزلة، يوقر الكبير، يرحم الصغير، يتحنن على المسكين، ينصر المظلوم، يرعى حق الصحبة، يباشر صلى الله عليه وسلم الخدمة بنفسه، فيخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويصلح بيته، ويعين أهله في المنزل، ويساعد أصحابه في العمل، يركب الحمار، ويمشي حافياً، وينام على التراب، ويربط الحجر على بطنه من الجوع، ويأكل مع المساكين، ويزور الضعفاء، ويعود المرضى، ثم يستحق بجدارة قول الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).

كنت أقرأ مع أحد زملائي وأصدقائي فصولا من سيرته صلى الله عليه وسلم، ثم رفعت رأسي أطلب من صديقي التعليق على ما سمع وإذا بدموعه تتحدر على خده ويقول لي: يكفي يكفي.

إن أجمل تعليق وأحسن شرح على سيرته صلى الله عليه وسلم أن ترسل دموعك الحارة الصادقة شوقاً لصحبته، وغراماً بسيرته، وترسلها مرة ثانية بكاء على واقعنا المؤسف ونحن غلاظ شداد، لا نصبر ولا نتحمل ولا نعفو ولا نسامح إلا من رحم ربك، هل من عودة صادقة لسيرته صلى الله عليه وسلم؟

اللهم صلي عليه وسلم تسليماً كثيرا

عليه أفضل الصلاة والسلام